الاقسام الأربعة لظاهرة اليأس
الظاهرة الأولي: وهي ظاهرة اليأس من وجود الإمام المنتظر، أو من ظهوره مطلقاً، أو من ظهوره في وقت قريب. ولتحقيق مدي صحية هذا اليأس نقسم اليأس إلي أربعة أقسام:
1- اليأس من المستحيل، کاليأس من أن يصير 2 2 = 3 أو = 5 ومثل اليأس من اجتماع الضدين والنقيضين - بحدودهما المذکورة في علم المنطق - وهذا اليأس معقول.
2- اليأس من الذات. مثل يأس الفرد من أن يحمل جبلاً علي ذراعيه أو من أن يطير في الهواء بلا وسائل. وهذا اليأس مقبول.
3- اليأس من الغير، مثل يأس فلاح من أن يزوره الملک في کوخه، وهذا اليأس منطقي في کثير من الحالات، وليس صحيحاً علي العموم، فکم من المفاجآت تخترق جدران اليأس؟ وکم بزغت الآمال من ظلام يأس مطبق؟
ولعل اتخاذ الموقف أمام هذا القسم من اليأس - الذي يمکن أن نسميه بـ(اليأس العادي) - من المنعطفات الخطيرة التي تفرز العظماء عن التافهين، فالتافهون عندما يصطدمون بهذا القسم من اليأس يتراجعون، أو ينهزمون إلي الأبد فينتحرون، بينما العظماء يصمدون، أو يواصلون الکفاح، وکثيراً ما ينقشع ضباب اليأس عن عيونهم، وتتضح أمامهم سبل الانتصار.
وهذا القسم من اليأس يعتري کل فرد من البشر مرات عديدة في عمره، ثم ينکشف عنه، کما تنکشف سحب الربيع عن الأفق الحالم.
وهذا لا يعني: أن اليأس غير صحيح علي الإطلاق، فلربما تتضافر المعاکسات بشکل کثيف، يتراءي کأنه جدار لا يمکن، فييأس حتي العظماء، وقد يکفهر الجو فييأس حتي رسل الله المتصلون بالسماء، ويستبد بهم اليأس، ولکن الله الذي جعل لکل شيء دورة في الحياة الدنيا يعلم أن ذروة کل شيء منتهاه، وأن قمة اليأس هي مبدأ الفرج، فيقول: (... حتي إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد کذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) [سورة يوسف: الآية 110].
وإنما يعني هذا الکلام، أن اليأس من الغير أکثره کاذب، وأقله طبيعي، ولکن يمکن نسفه بالمحاولة، علي أن تکون المحاولة في حجم المعوقات.
4- اليأس من الله، وهو أن يعتقد فرد بأن الله قد أغلق أبوابه، أو أنه لا يجد لأمره مخرجاً، أو لعقدته حلاً. وذلک أن الإنسان - عادة - يملک انطباعات معينة عن الأشياء المتعايشة معه، وعلي ضوء هذه الانطباعات يرتب لکل شيء - في تصوره - أسباباً ونتائج، فإذا جرب کل الأسباب الواردة في تصوره، ولم تسفر عن النتيجة المتوخاة، ظن أن لا سبب يؤدي إليها علي الإطلاق، وأمام هذا الظن يلجأ المؤمن إلي الله، ويحدّث نفسه بأنني جربت کل الأسباب التي کنت أعرفها، ولم يؤد شيء منها إلي النتيجة التي کنت أحاولها، ولکنني کفرد من البشر يکون عملي محدوداً، فلعل هنالک سبباً أو أسباباً يؤدي کل واحد مها إلي تلک النتيجة، وأن الله المحيط بکل شيء يعرفها جيداً، فالأفضل أن أترک الأمر لله يصرفه کما يشاء.
ونتيجة لهذا الإيمان لا يدب إليه اليأس، وإنما يحافظ علي الأمل في مشاعره، ولا يتراءي له بصيص من النور إلا ويبدأ التجربة وبما أن تطورات الحياة کثيرة، ربما تترتب الأمور بشکل تقدم إليه تلک النتيجة بلا محاولة. أما غير المؤمن فإذا جرب الأسباب التي يعرفها، ولم تنته إلي النتيجة التي يريدها انکفأ علي نفسه في ظلام من اليأس ثقيل.
وهذا اليأس لا يعني الجهل بالله وقدرته غير المتناهية فقط، وإنما يعني الجهل بالحياة وأبعادها البعيدة، وهو الضلال في منطق القرآن: (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)؟ [سورة الحجر: الآية 56] (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الکافرون) [سورة يوسف: الآية 87].
هذا فيما لم يسبق إليه وعد من الله، أما إذا وعدنا الله بشيء، ولم نجد في أفقنا القريب المحدود إشارات تمتد إليه، فيأسنا منه لمجرد ذلک يدل علي أن مدانا أضيق من حبل المشنقة.
أوَ ليس العلم المادي المحدود يقدم إلي البشر کل يوم أشياء لو حدّثت بها کتب السماء لم يصدقها، لکن البشر يضطر إلي الاعتراف بها حينما يراها بالعين المجردة، أو علي الشاشة الصغيرة، فکيف بالله العظيم، الذي خلق کل شيء فقدّره تقديراً؟...
وبالنسبة إلي الإمام المهدي المنتظر، وعد الله بإظهاره وتمکينه في الأرض، ولن يمنعه من تنفيذ وعده مانع في الأرض ولا في السماء. وقد قرر منذ الأزل توقيت غيابه وظهوره - وفق حکمته البالغة - ورتب لغيابه وظهوره وتمکينه أسباباً کافية، کما قرر حرکة النجوم، وتوقيت غيابها وظهورها - بالنسبة إلي إنسان الإنسان، ورتب لتفاعلاتها أسباباً کافية. أما کون توقعاتنا تستعجل ظهوره، وکون تصوراتنا تستبطئ فتره غيابه (عليه السلام)، فهذه أمور ناتجة من الجهل بالحکمة العليا، ولا تأثير لها علي حرکته مطلقاً، کما أن توقعاتنا وتصوراتنا - مهما کانت - لا تؤثر علي حرکة النجوم أبداً.
وإذا کانت توقعاتک وتصوراتک لا تغير حرکة قلبک ومعدتک، ولا تقدم ولا تؤخر ميلاد ابنک ووفاة زوجتک، فهل تريد لهذه التوقعات والتصورات، أن تستطيل حتي تغيّر إرادة الله في إدارة کونه، وتبدل حکمة الله في نشاط أوليائه؟
إن علينا - في مثل هذه الأمور - أن نعلم: أن الله إذا وعد شيئاً نفذه في الوقت الذي يشاء، وبالأسلوب الذي يشاء، ولا تعاکسه الظروف والأحوال لأنه هو الذي يخلق الظروف والأحوال ويصرفها کما يشاء.
وإذا علمنا ذلک لا يمتلکنا اليأس من ظهور الإمام المهدي المنتظر، ولا نري أنه تأخر أکثر مما ينبغي، بل نعرف أنه سيظهر في الوقت المحدد لظهوره، ونتوقع أن يصادف ظهوره أي يوم من أيامنا. وأية ساعة من ساعاتنا.