بازگشت

نعي عثمان العمري


منتهي الآمال: الشيخ عباس القمي: صدر إلي محمد بن عثمان العمري، وبعد وفاة أبيه عثمان بن سعيد العمري من الناحية المقدسة هذا التوقيع:...

إنا لله وإنا إليه راجعون. تسليماً لأمره، ورضاً بقضائه وبفعله [1] عاش أبوک سعيداً ومات حميداً [2] فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام) [3] فلم يزل في أمرهم ساعياً فيما يقربه الله عز وجل وإليهم. نضّر الله وجهه، وأقاله عثرته، وأجزل الله لک الثواب، وأحسن لک العزاء. ورزيت ورزينا، وأوحشک فراقه وأوحشنا [4] . فسره الله في منقلبه.

وکان من کمال سعادته أن رزقه الله ولداً مثلک، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه، ويترحم عليه [5] .

وأقول: الحمد لله. فإن الأنفس طيبة بمکانک وما جعله الله عز وجل فيک وعندک [6] أعانک وقواک، وعضدک ووفقک وکان لک ولياً وحافظاً وراعياً [7] .


پاورقي

[1] لا يجد الإنسان تجاه أمر الله سوي التسليم، کما لا يجد قضاء الله وقوله سوي الرضا، فلا راد لأمره، ولا ناقض لقضائه وفعله، غير أنه قد يعترف بالواقع فيستقبل إرادة الله بالرضا والقبول فيأتيه ما کتب الله له وهو رابط الجأش يستطيع أن يفکر ويقرر لما بعد الحادث، وقد لا يعترف بالواقع فيحاول تحدي إرادة الله، فتصدمه في نفسه وفي مشاعره فيعجز حتي عن القرار لما بعد الحادث.

وکانت سيرة المعصومين وتعاليمهم علي الترحيب بقضاء الله، والعمل علي تطويق ذيوله، وعلي النهي عن الجزع تجاهها لأنه يؤدي إلي الارتباک بلا جدوي.

وفي القرآن توجيه مکثف إلي عدم الاصطدام بالأقدار، والالتفاف حولها بروح رياضية تهيئ للإفادة من إيجابياتها بقدر الإمکان، ولاستئناف النشاط بعد مرور العاصمة:

(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسکم إلا في کتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلک علي الله يسير، لکي لا تأسوا علي ما فاتکم ولا تفرحوا بما آتاکم...) سورة الحديد، آية22 - 23،.

(ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله) سورة التغابن، آية11.

(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئک عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئک هم المهتدون) سورة البقرة، آية156 - 157.

[2] في کل التغيرات الدينية ترکيز يرسل إرسال المسلمات، علي أن المؤمن الملتزم سعيد وأن الکافر والفاسق شقي.

(فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق،..............، وأما الذين سعدوا ففي الجنة...) سورة هود آية 106 - 108.

في بعض زيارات الشهداء (السلام عليکم أيها الشهداء السعداء).

مع أن المؤمنين الملتزمين أکثر بلاءً من غيرهم: ففي الحديث: (البلاء موکل بالأنبياء، ثم بالأولياء، ثم الأمثل فالأمثل).

ثم أن الشهداء هم الذين عاصروا ظلمات التاريخ وطغيان الظالمين، ورأوا من الويلات ما أزهدهم في الحياة، حتي ارتضوا التضحية لإنقاذ الآخرين، وأخيراً کللوا جهادهم بالشهادة، فکيف يصح تصنيفهم في السعداء؟

ولعل السبب في ذلک کله: أن السعادة أمر ينبع من الداخل ولا يجلب من الخارج، ويحظي الذين يظنون أن وسائل السعادة هي الرتبة والراتب والسهرة والمنصب، وأن السعادة تخلد إلي القصور المترفة والأعراش المتخمة بين الکواعب والکؤوس، فيشقون في سبيل تحصيلها، ثم يشقون في بحبوحتها، وهم في الحالتين يلهثون خلف حلم السعادة، لأنها عبء يشقي طالبه ويشقي عامله. وإذا کانت السعادة غنوة لا تنبض إلا بين أضلاع کوخ تخفق جوانحه لسبحات الفجر علي ثغاء نعجة حلوب بين نکهة السنابل ورقصة الورود للنسيم..

لأن السعادة هي الاغتباط، ولا يغتبط الإنسان إلا إذا ضمن ربحاً أکثر من جهده وأمن الخسر والضرر ولا يضمنه ولا يأمنها غير المؤمن الملتزم، الذي لا يعمل إلا عملاً مثمراً دنيوياً أو أخروياً، أو دنيوياً وأخروياً معاً فلا يضيع جهداً أبداً، ولأنه لا يعبث ولا يهزل يجد في کل خسارة ربحاً أکبر، وفي کل مصيبة ابتلاء يهيئه لقفزة أعلي، فلا ينکب أبداً.

(يا أيها الذين أمنوا هل أدلکم علي تجارة تنجيکم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالکم وأنفسکم ذلکم خير لکم إن کنتم تعملون) سورة الصف، آية10 - 11. (ولنبلونکم بشيء من الخوف والجوع ونقض من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين...) سورة البقرة، آية 155.

وإلي هذا الواقع يشير الإمام علي (عليه السلام): (إن المتقين أکلوا الدنيا بخير ما أکلت ولبسوها بخير ما لبست ونکحوها بخير ما نکحت).

وبما أن المؤن الملتزم يجد أمان المقاييس الصحيحة للحياة لا يؤخذ بالعادات والتقاليد والاعتبارات الزائفة فيلبس لنفسه لا للباس ويسکن لنفسه لا للسکن ويأکل لنفسه لا للطعام فيستهلک ضروراتها ولا تستهلکه الضرورات فيأخذ من الدنيا ما يسعد به ولا يعطي نفسه للدنيا حتي يشقي بها.

وأما الذي يجهد ساعات ليجني ساعة، ويصاب مرات حتي يصيب مرة، ثم يکون حزيناً علي ما فاته، قلقاً علي ما ناله، بين التخوف من حسيب والتوجس من رقيب ممزقاً بين العادات التقاليد والاعتبارات الأنانية أو الجائزة، فإنه لا ينعم بما له ولا ينجو مما عليه.

ثم أن النفوس القلقة المضطربة أشبه بالعناصر الجهنمية فلا بد أن تجتذب إليها وتتمحور فيها. وأن النفوس الوادعة المطمئنة أشبه بالعناصر الجنينية فلا بد أن تجتذب إليها وتتمحور فيها، فقد ثبت أن المحاور الکبري تجذب إليها عناصرها المنفلتة مهما تمادي الزمن وتطاول المدي. يؤکد ذلک قول الله تعالي: (... فأما الذين شقوا ففي النار... وأما الذين سعدوا ففي الجنة...) سورة هود، آية 106 - 108. ولقد عاش عثمان بن سعيد العمري سعيداً بثقة الإمامين العسکري والمنتظر (عليهما السلام) ومن ورائها ثقة الطائفة الشيعية في العالم مطمئناً إلي ما وعد الله الصالحين، حتي مات حميداً لا يذکره معارفه في أيامه عبر التاريخ إلا بالخير والفضل.

[3] أولياء عثمان بن سعيد العمري ومواليه هم النبي والأئمة الطاهرين (عليهم السلام).

[4] هذه العبارات من الإمام المهدي في تأبين عثمان ين سعيد تدل علي مکانته المتأصلة في نفس الإمام.

[5] إن الله خلق الکثير من کل ما يحتاج إليه الناس أو يطمحون، وخلق ما يحتاجون أکثر من حاجتهم، ولعله لا يتکاثر البشر حتي تضيق الأرض بحاجاتهم الضرورية، وخلق ما يطمحون أقل من مطامحهم، أمد في مطامع الناس حتي يمتدوا عبرها إلي الآخرة، وإلا لکانت الأرض تستنفد مطامحهم کرغباتهم، ولا يبقي من يفکر في الآخرة.

فلو کانت البضائع توزع علي الناس بقدر الکفاية لکانت تغطي حاجاتهم وتفيض، ولکن کان يلغي الوازع الفردي، أي السابق الذي يبلور المواهب ويلمع السهم ويؤکد تجربة الحياة فکان لا بد من وضع مقاييس وترک الناس يتسابقون من خلالها.

والمقاييس التي يستطيع الأفراد أن يتسابقوا من خلالها إلي ما يحتاجون أو ما يطمحون ثلاثة أصناف:

الأول: الشرع - وقد يخلفه القانون - الذي يبيح هذا، ويمنع ذاک، بفعل العقيدة أو بفعل الدولة.

الثاني: العمل - سواءً کان فکرياً أو عضلياً - الذي يساعد علي بسط نفوذ الفرد علي کمية من البضائع أو رقعة من الأرض أو قطاع من البشر، مما يحتاج أو يطمح إليه.

الثالث: الزاد - سواءً کان مواهب أو أقدار، وسواءً کان رکائز يحملها في شخصيته أو تراث ينتقل إليه من غيرها - ذلک الزاد الذي يأتي به من عوالم سابقة.

فالإنسان لم يخلق يوم ولادته، ولا ينتهي يوم وفاته، وإنما هو خلق کان - قبل هذا العالم - في عوالم سابقة، وسيبقي - بعد هذا العالم - في عوالم لاحقة.

والعوالم السابقة، عوالم عمل ما کهذا العالم - باختلاف نوعية العمل - وهکذا عالم البرزخ وعالم القيامة، ولو بالنسبة إلي من لم يکملوا دورة تکاملهم - علي الأقل -.

فالذي کانت أعمالهم في العوالم السابقة سلبية، تنعکس عليه في العالم سلبياً.

ومن عمل لنفسه في العوالم السابقة فعمله ينعکس عليه في هذا العالم مواهب ومقدرات، ومن عمل لغيره في العوالم السابقة فعمله ينعکس عليه في هذا العالم مذ مات أو تراث يأتيه من الآخرين.

تماماً، کما أن من حمل شعاع أهل البيت إلي غيره في هذا العالم ينعکس هذا العمل عليه شفاعة يوم القيامة، ومن أطبق ظلم الطواغيت علي غيره في هذا العالم ينعکس هذا العمل عليه ظلمات يوم القيامة.

وهکذا ينتقل کل فرد حصيلة عمله من عالم إلي عالم، فتکون حصيلة العمل في کل عالم سابق أرضية العمل في العالم اللاحق، فقد يولد فرد وعليه رکام من شقاء العوالم السابقة، بينما فرد آخر وحوله هالة سعادة من العوالم السابقة.

وقد سجل هذا الواقع في الحديث المعروف: (السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه).

ولا بد من التنويه إلي أن الأعمال في العوالم مختلفة تؤدي نتائج متناسبة معها، فهنالک أعمال إيجابية من النوع السفلي فتکون نتائجها سفلية في هذا العالم کالثروة والشهرة والمنصب والنساء والأولاد حسب تلک الأعمال، وإلي جانبها أعمال إيجابية من النوع العلوي، تکون نتائجها علوية في هذا العالم، کالتقوي والعلم والإمامة والنبوة حسب تلک الأعمال، لأن کل عمل يؤدي إلي نتيجة متشابهة کما أن کل شجرة تثمر ثمرة مشابهة، وکما أن کل شتلة تتفتح عن ورد أو شوکة حسب ترکيبها، ولذلک ثبت عن الرسول الأکرم (صلّي الله عليه وآله) أنه قال: (کنت نبياً وآدم بين الماء والطين) کما ثبت أنه لعن أناساً قبل أن يولدوا.

فکل ما في هذا العالم تستقي جذوره من روافد العوالم السابقة، وکل روافد هذا العالم يسقي جذورها في العوالم اللاحقة أو لم يقل الله تعالي: (والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً) سورة الحج، آية58؟ أوَ ليس في الحديث: الشريف: (الدنيا مزرعة الآخرة)؟

فما يسمي (خطأً) في عرف الناس ليس إلا حصيلة الأعمال السابقة إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذا هو الذي يعبر عنه في المصطلح الديني بالرزق.

ولعل الشاعر أشار إلي هذه الحقيقة بقوله:



فلأمر ما وسر غامض

تسعد النطفة ويشقي الجنين



فوليد تسجد الدنيا له

ووليد في زوايا المهملين



والأبناء والآباء موجودون في عالم سابق في طريقهم إلي هذا العالم إلي جانب بقية الموجودات من الثروة والشهرة والمنصب والعلم وغيرها. ويوزع الله الآباء والأبناء کما يوزع بقية الموجودات، أي يأتي بهذا الابن أو ذاک إلي الدنيا عن طريق هذا الأب أو ذاک.

وقد يکون تسلسل الناس في هذا العالم مختلفاً عن تسلسلهم في عالم آخر وقد يشهد لذلک النبي عن ابنته فاطمة بـ(أم أبيها) وقول الإمام علي: (محمد ابني من صلب أبي بکر).

ومن الأعمال في العوالم السابقة ما يؤدي إلي العقم في الدنيا، ومنها ما يؤدي إلي الإعجاب، فإذا کان ذلک العمل صالحاً انقلب في الدنيا ولداً صالحاً وإذا کان فاسداً انقلب ولداً فاسداً.

کما أن الأعمال ما ينقلب إلي الآباء، فإن کان صالحاً انقلب آباءً صالحين وإن کان فاسداً انقلب آباءً فاسدين.

والابن الصالح امتداد طبيعي يکمل عمل الأب، ويعينه علي دنياه، والآباء الصالحون مقدمات تمهد لعمل الابن، وتحسن تربيته وإعداده، أو هبته کما في قوله تعالي: (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب). سورة مريم، آية49. ولذلک فسر الرزق بالابن کما في الآية السابقة.

وقد ورد التعبير بالهبة عن الأهل في قوله سبحانه: (وهبنا له أهله ومثلهم معهم) سورة ص، آية 43. وعن الأخ في قوله عز وجل: (وهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً) سورة مريم، آية 53.

وقد ورد التعبير بالهبة عن الأولاد في ثلاثة عشر موضحاً في القرآن.

[6] ما جعله الله فيه من المواهب والطاقات التي حملها معه إلي هذا العالم، وما جعله الله عنده هي المعارف الفوقية التي نال بها شرف سفارة الإمام المهدي. وهذه المعارف الفوقية هي التي يعبر عنها المطلعون (السر) وقد يکون لذلک عندما يترحمون علي بعض أصحابها يقولون: (قدس الله سره)..

[7] يلاحظ أن الإمام المهدي يکثر من الدعاء في وسائله. ولعل السبب أنه حيث لا يستطيع الإکثار من الاتصال بأصحابه لترکيزهم وتعميقهم يتوسل بقواه المعنوية للتعريض عنها.