بازگشت

الائمة يسألون


الاحتجاج - أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2 ص284 - 285: أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي قال: اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلي الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز علي الله تعالي، لأن الأجسام لا يقدر علي خلقها غير الله عز وجل، وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمة علي ذلک وفوض إليهم فخلقوا ورزقوا. وتنازعوا عن ذلک نزاعاً شديداً، فقال قائل: ما بالکم لا ترجعون إلي أبي جعفر محمد بن عثمان؟ فتسألوه عن ذلک ليوضح لکم الحق فيه، فإنه الطريق إلي صاحب الأمر. فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلي قوله، فکتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته:...

إن الله تعالي هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم [1] ليس کمثله شيء، وهو السميع البصير.

وأما الأئمة (عليهم السلام) فإنهم يسألون الله تعالي فيخلق، ويسألونه فيرزق [2] إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقهم [3] .


پاورقي

[1] لعل المراد: أن الله خلق الأجسام، لأنه ليس بجسم - لا کالأجسام الکثيفة ولا کالأجسام الشفيفة - ولا حال في الجسم - کالروح - ولو کان جسماً أو حالاًّ فيه وخلق الجسم لزم الدور وهو محال. والإمام - أي إمام - مرکب من جسم هو جسده البشري ومن حال في الجسم هو روحه، فلو خلق الأجسام بجسمه أو بروحه لزم الدور أيضاً، وهو محال.

هذا إذا کان المراد من الخلق هو الإيجاد من العدم - کما يوحي به التعبير بخلق الأجسام - وأما خلق الهيئة فلا يختص بالله، لأن عيسي ابن مريم خلق من الطين کهيئة الطير، وأنت تخلق من الصخرة تمثالاً أو تخلق من قلم صورة حيوان أو إنسان. وإذا کان التعبير بأحسن الخالقين عن الله تعالي حيث يقول جل وعلا: (فتبارک الله أحسن الخالقين) المؤمنين آية14.

فالله في مجال خلق الأجسام أي الخلق من العدم هو الخالق الوحيد، وفي مجال خلق الهيئات والصور أحسن الخالقين. لأنه عز وجل أنشأ الصور من لا صورة، وغيره يحتذي صور بعض المخلوقات ولو بتغييره، وفي أحسن الحالات يکرر صورة ألقاها الله في خياله.

[2] السؤال قد يکون شفوياً وربما يکون إرادياً بأن يتوجه السائل إلي الله توجه عبودية واستمداد. والأئمة (عليهم السلام) يمارسون السؤال بقسمين، فإذا نطقوا سألوا وإذا صمتوا توجهوا.

[3] هل يقتصر دور الأئمة - وسائر المعصومين من الأنبياء والأوصياء - علي السؤال من الله أم أن دورهم أوسع؟

الظاهر من القرآن والسنة أن المعصومين يمارسون المعجزات بصلاحياتهم لا عن طريق السؤال من الله، کما يوحي بذلک قول عيسي ابن مريم: (إني أخلق لکم من الطين کهيئة الطير فأنفخ فيه فيکون طيراً بإذن الله وأبري الأکمة والأبرص وأحيي الموتي بإذن الله...) سورة عمران، آية49. ويؤکد قول الله تعالي: (وإذ تخلق من الطين کهيئة الطير بإذني) سورة المائدة، آية110، والإذن هو عدم المنع، وليس إجابة السؤال.

ويشبه هذا التعبير قول آصف بن برخيا لسليمان بن داوود: (أنا آتيک به قبل أن يرتد إليک طرفک) سورة النمل، آية40. ولم يقل أنا أسأل الله يأتيک به.

فالمعصومون - وخاصة أصحاب الولاية الکونية - لهم صلاحيات يتحرکون من خلالها بالقدرات المخولة لهم من الله، ويکفيهم إذن الله أي عدم وجود مانع يحدد صلاحياتهم، ولا يحتاجون إلي السؤال من الله ما داموا يتحرکون من خلالها، فإذا أرادوا التحرک خارج نطاق صلاحياتهم کان عليهم أن يسألوا الله، وهو يجيب دعائهم لأنهم يعرفون المقاييس الکونية فلا يألون غير المقبول. تماماً کالموظف الذي يتمتع بصلاحيات معينة من قبل الدولة، وهو يتصرف يدون مراجعة المسؤول الأعلي ما دام تصرفه ضمن صلاحياته، فإذا شاء الخروج عنها احتاج إلي السؤال ويأتيه الموافقة لأنه يعرف مقاييس الدولة ولا يسأل غير المعقول.

کل ما هنالک أن المعصومين قد يقارنون بالله، فهم عبيد طائعون لا يملکون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، وربما يقاربون بمن سواهم من الناس، فهم أصحاب صلاحيات واسعة بالقول وهم بأمره يعملون، وإذا قارنهم بغيرهم، فهم أصحاب قدرات کونية لا يملکها کثير من مخلوقات الله. کما جاء من جبرئيل (عليه السلام) في قوله تعالي: (ذي قوة عند ذي العرش مکين مطاعاً ثم أمين) سورة التکوير آية 20و21.

وقد تلخص: بأن للمعصومين من البشر - کالملائکة - جانبان: جانب التأثر وجانب التأثير، فبالنسبة إلي الله هم الکف الضارعة، وبالنسبة إلي غيرهم هم اليد العليا.

وقد ورد السؤال - في هذه الرسالة - من الجانب الأول، فکان من الطبيعي أن يکون الجواب کما هو مثبت أعلاه، وفي بعض الرسائل ورد السؤال عن الجانب الثاني کرسالة إسحاق بن يعقوب فکان من الطبيعي أن يکون الجواب کما سبق في جوابه.