رموز کبري
الغيبة - أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي عن جماعة عن التلعکبري عن أحمد بن علي الرازي عن علي بن الحسين عن رجل ذکر أنه من أهل قزوين لم يذکر اسمه عن حبيب بن محمد بن يونس بن شاذان الضمائي قال: دخلت إلي علي بن إبراهيم بن مهزيار فسألته عن آل أبي محمد (عليهم السلام) فقال: يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم. حججت عشرين حجة کلاًّ أطلب به عيان الإمام (عليه السلام) فلم أجد إلي ذلک سبيلاً، فبينما أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول: يا علي بن إبراهيم قد أذن لک الله في الحج فلم أعقل ليلتي حتي أصبحت فأنا مفکر في أمري أرقب الموسم ليلي ونهاري فلما کان وقت الموسم أصلحت أمري وخرجت متوجهاً نحو المدينة فما زلت کذلک حتي دخلت يثرب فسألت عن آل أبي محمد (عليه السلام) فلم أجد له أثراً، ولا سمعت له خبراً فأقمت مفکراً في أمري حتي خرجت من المدينة أريد مکة فدخلت الجحفة وأقمت بها يوماً وخرجت منها متوجهاً نحو الغدير - وهو علي أربعة أميال من الجحفة - فلما أن دخلت المسجد صليت وغرت واجتهدت في الدعاء وابتهلت إلي الله لهم وخرجت أريد عسفان، فما زلت کذلک حتي دخلت مکة فأقمت بها أياماً أطوف البيت وأعتکف، فبينا أنا ليلة في الطواف إذا أنا بفتي حسن الوجه طيب الرائحة، يتبختر في مشيته، طائف حول البيت، فحس قلبي به فقمت نحوه فحککته، فقال لي: من أين الرجل؟ فقلت من أهل العراق؟ فقال لي: من أي العراق؟ قلت من الأهواز فقال لي: تعرف بها ابن الخطيب؟ فقلت رحمه الله دعي فأجاب، فقال: رحمه الله فما کان أطول ليلته وأکثر تبتله وأغزر دمعته، أفتعرف علي بن إبراهيم المازيار؟ فقلت: أنا علي بن إبراهيم فقال: حياک الله أبا الحسن ما فعلت بالعلامة التي بينک وبين أبي محمد الحسن بن علي؟ فقلت: معي قال: أخرجها، فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها فلما أن رآها لم يتمالک أن تغرغرت عيناه وبکي منتحباً حتي بل أطماره ثم قال: أذن لک الآن يا بن المازيار صر إلي رحلک وکن علي أهبة من أمرک حتي إذا لبس الليل جلبابه وغمر الناس ظلامه صر إلي شعب بن عامر فإنک ستلقاني هناک.
فصرت إلي منزلي فلما أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي وقدمت راحلتي وعکمتها شديداً وصرت في متنه وأقبلت مجداً في السير حتي وردت الشعب فإذا أنا بالفتي قائم ينادي إلي يا أبا الحسن إلي فما زلت أدلف نحوه فلما قربت بدأني بالسلام وقال لي: سر بنا يا أخي، فما زال يحدثني وأحدثه حتي تخرقنا جبال عرفات وسرنا إلي جبال مني وانفجر الفجر الأول ونحن قد توسطنا جبال الطائف، فلما أن کان هناک أمرني بالنزول وقال لي: انزل فصل صلاة الليل، فصليت وأمرني بالوتر فأوترت وکانت فائدة منه ثم أمرني بالسجود والتعقيب ثم فرغ من صلاته ورکب وأمرني بالرکوب وسار وسرت معه حتي علا ذروة الطائف فقال: هل تري شيئاً قلت: نعم أري کثيب رمل عليه بيت شعر يتوقد البيت نوراً فلما أن رأيته طابت نفسي فقال لي: هناک الأمل والرجاء. ثم قال: سر بنا يا أخي فسار وسرت بمسيره إلي أن انحدر من الذروة وسار في أسفله فقال: انزل فها هنا يذل کل صعب ويخضع کل جبار.
ثم قال: خل عن زمام الناقة، فعلي من أخلفها؟ فقال: حرم القائم (عليه السلام) لا يدخله إلا مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن. فخليت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلا أن دنا من باب الخباء فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتي يخرج إلي ثم قال لي: أدخل هناک السلامة فدخلت فإذا أنا به (عليه السلام) جالس قد اتشح ببردة وائتز بأخري وقد کسر بردته علي عاتقه وهو کأقحوانة أرجوان قد تکاثف عليها الندي وأصابها ألم الهوي وإذا هو کغصن بان أو قضيب ريحان سمح سنحي تقي نقي ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق بل مربوع القامة مدور الهامة صلت الجبين أزج الحاجبين أقني الأنف سهل الخدين علي خده الأيمن خال کأنه فتات مسک علي رضراضة عنبر، فلما أن رأيته بدرته بالسلام فرد علي أحسن ما سلمت عليه وشفهي:.
وسألني عن أهل العراق؟
فقلت: سيدي قد ألبسوا جلباب الذلة وهم بين القوم أذلاء.
فقال لي: (يا بن المازيار لتملکونهم کما ملکوکم [1] وهم يومئذ أذلاء).
فقلت: سيدي لقد بعد الوطن وطال المطلب [2] .
فقال: (يا بن المازيار أبي أبو محمد [3] عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم [4] وأمرني أن لا أسکن من الجبال إلا وعرها ومن البلاد إلا فقرها والله - مولاکم [5] - أظهر التقية فوکلها فأنا في التقية إلي يوم يؤذن لي فأخرج).
فقلت: يا سيدي متي يکون هذا الأمر؟
فقال: (إذا حيل بينکم وبين الکعبة، واجتمع الشمس والقمر [6] واستدار بهما الکواکب والنجوم [7] .
فقلت: متي يا بن رسول الله؟
فقال لي: (في سنة کذا وکذا [8] تخرج دابة الأرض [9] من بين الصفا والمروة [10] ومعه عصي موسي وخاتم سليمان تسوق الناس إلي المحشر) [11] ، [12] .
پاورقي
[1] هذه بشارة من الإمام بأنه يأتي دور يتولي فيه المؤمنون به حکم العراق، وبما أنه لم يحدث ذلک في الماضي فلا بد أن يحدث في المستقبل بإذن الله.
[2] علي بن إبراهيم قال هذا القول للإمام المهدي، وهو يعني بـ(الوطن) وطن الإمام المهدي ويعني بـ(المطلب) ظهوره الذي يضع حداً لجميع الانحرافات، وهو - بهذا الکلام - يظهر تأسفه بطول فترة تغرب الإمام المهدي وانتظار وعد الله.
[3] يعني والده الإمام الحسن العسکري (عليه السلام) فهو الذي أوصاه بالهجرة من المجتمعات الفاسدة التي قتلت آبائه الطاهرين إلي المناخات البريئة والأجواء النقية من الجبال الوعرة والصحاري المقفرة التي لا تلوثها أشباح الظالمين.
[4] يقصد جميع المجتمعات - منذ الغيبة إلي الظهور - فکل هذه المجتمعات تتألف من أقوام غضب الله عليهم ولعنهم، بدليلين:
الأول: أن الله أبعد حجته عنهم، وترکهم في ظلمات يعمهون، فهم في الماضي کما هم اليوم في کل مکان يعيشون شريعة الغاب، فالأقوياء يتکالبون علي دنياهم تکالب الهراش علي الجيفة، والضعفاء يتساقطون في الولايات تساقط الفراش في النار، حتي لا يوجد إنسان إلا وهو ظالم أو مظلوم، أو ظالم ومظلوم في آن واحد، علي اختلاف درجات الظلم وأنواعه.
الثاني: أنهم لا يريدون حجة الله فيهم إلا مجرد رمز يماري ويداري، ويغازل ويجامل، فيماري المظلوم ويبارک الظالم، ولو ظهر حجة الله بالأمس أو اليوم في أي مجتمع من المجتمعات البشرية، کما هو وکما يريده الله معبراً عن إرادة الله الصارمة، يکون نصيبه الشهادة، إلا إذا تسلح بقواه السماوية التي تعلو ولا يعلي عليها کما ظهر سليمان وذو القرنين.
وهذان الدليلان يثبتان أن هذه المجتمعات برمتها ملعونة مغضوب عليها.
وأما الأفراد الصالحون الذين يتحفزون ولا يملکون التغيير، فهم قلائل متبعثرون، ولا يشکلون شريحة يمکن الاستناد إليها في اجتياح قوي الشر أو الصمود أمامها، بدليل أنهم - في الماضي - لم يستطيعوا الدفاع عن الأنبياء والأوصياء، وهم - اليوم - يعلنون، ولا يشکلون قوي ضاربة، ولا کتلة تملک الاستقلال والخروج بنفسها من طغيان المجتمعات.
إنهم - حتي اليوم - أشبه باللآلئ المتفرقة في قاع البحر، تحجبها التيارات والأمواج عن الشمس، دون أن تمثل قاعدة تستطيع التعبير عن ذاتها.
فمجمل المجتمعات يمثل صف الباطل، لأن أکثر الأقوياء مصلحيون فيقفون في صف الباطل، وينسحبون علي الرعاع الذين هم مع الغالب کيفما کان وضد المغلوب مهما کان.
[5] کلمة (مولاکم) عطف بيان علي (الله) أي أن الله أعلن (التقية) في قوله عز وجل: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) سورة آل عمران آية28. (فوکلها بي) وجعلني تحت حکم التقية.
و(التقية) هي الابتعاد عن نقاط الاحتکاک في الوقت غير المناسب.
وإذا کان الله قد أمر الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بالهجرة من المجتمعات المتوترة إلي الفيافي والجبال - لما سبق في علمه أنه يأتي وقت يظهر فيه بقوة هائلة تنهار أمامها الحکومات، فيصحح مسار المجتمعات ويربط بشر الأرض بالکون الکبير - فلا يعني ذلک أن کل الناس في سعة عن أداء واجباتهم بحجة التقية، لأن التقية حکم شرعي کبقية الأحکام الشرعية مشدود بأسباب وشروط معروفة في الأوساط الفقهية.
[6] لعله يرمز إلي قول الله تعالي: (فإذا برق البصر، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر، يقول الإنسان يومئذ أين المفر) سورة القيامة، آية 7 - 10.
[7] قال العلامة المجلسي في البحار: (لا يبعد أن يکون الشمس والقمر والنجوم کنايات عن الرسول وأمير المؤمنين والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين. ويحتمل أن يکون المراد قرب الأمر بقيام الساعة التي يکون فيها ذلک. ويمکن حمله علي ظاهره).
[8] هذا الحديث يثبت أن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) وسائر المعصومين يعرفون ساعات الأحداث الفاصلة في الحياة، کمواعيد ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ونزول المسيح من السماء وخروج الدجال، وانقلاب السفياني، وقيام دابة الأرض وأمثالها.
[9] (دابة الأرض) هي التي أخبر عنها الله تعالي في القرآن بقوله: (فإذا وقع عليهم القول أخرجنا لهم دابة من الأرض تکلمهم أن الناس کانوا بآياتنا لا يوقنون) سورة النمل آية82. و(دابة الأرض) في هذه الآية ليست من أنواع الحيوان وإنما هي من نوع الإنسان، بل هو رجل من أعظم أولياء الله، وشخصيته معروفة في أوساط المحدثين والمفسرين، والدليل علي ذلک أن الله تعالي قال: (...تکلمهم) ثم لخص کلامها بقوله: (إن الناس کانوا بآياتنا لا يوقنون) وفي هذا الحديث يقول الإمام المهدي عجل الله فرجه: (ومعه عصا موسي وخاتم سليمان...) علماً أن الحيوان لا يفيد من (تراث النبوة) وإنما يستثمره الداعي إلي الله في غسل الأدمغة من الشکوک والشبهات.
والتعبير عنه بـ(دابة الأرض) ليس لتحقيره وإنما لتعظيمه، لأن الدابة (ما دب علي الأرض، وهو وحده الوحيد الذي يتحرک بإرادته علي الأرض، وإذا استثنياه وأهل بيته نجد الناس علي العموم - رمالاً متحرکة تهيج وتهدأ بإرادة الرياح التي تعصف بها من الداخل أو من الخارج.
[10] يستفاد من مجمل الأحاديث الوارد حول قضية (دابة الأرض): أنها لا تخرج من بين الصفا والمروة وربما يعلن شخصيته من بين الصفا والمروة.
[11] يهيئ الناس للمحشر، ولا يسوقهم إلي المحشر مباشرة، لأن الفاصل بينه وبين المحشر فاصل کبير. وإنما يسوق الناس إلي المحشر لأنه يقوم بدور الامتحان الأخير، حيث يقضي علي الشيطان وجنوده من الجن والأنس ويتم الحجة علي الجميع، ثم يترک الناس يتصرفون دون أي مبرر للانحراف أو العصيان، حتي يحشروا يوم القيامة ولله عليهم الحجة البالغة.
وقد سجل القرآن إشارة إلي دور (دابة الأرض) وهو يروي کلام أهل النار: (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فهل إلي خروج من سبيل) سورة غافر، آية11.
[12] في تتمة الحديث ما يلي:
(قال): (فأقمت عنده أياماً وأذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي وخرجت نحو منزلي. والله لقد سرت من مکة إلي الکوفة ومعي غلام يخدمني فلم أر إلا خيراً وصلي الله علي محمد وآله وسلم تسليماً).