زيارة الشهداء
رضي الدين أبو القاسم علي بن موسي بن جعفر بن طاووس، إقبال الأعمال، طبع طهران 1390هـ ص573- 577.
... فيما نذکره من زيارة الشهداء في يوم عاشوراء، رويناه بإسنادنا إلي جدي أبي جعفر: محمد بن الحسن الطوسي (رحمة الله عليه) قال: حدثنا الشيخ أبو عبد لله: محمد بن أحمد بن عياش، قال: حدثني الشيخ الصالح منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي (رحمة الله عليه)، قال: خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين (ولعله سهو من النساخ وأصله سنة اثنتين وستين ومائتين کما احتمله العلامة المجلسي (قدس سره) وغيره. (وإلا) فالحجة (صلوات الله وسلامه عليه) لم يکن مولوداً في ذاک التاريخ والزيارة تکون للإمام الحسن العسکري (عليه السلام)) علي يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني، حين وفاة أبي (رحمه الله) وکنت حديث السن، وکتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله (عليه السلام) وزيارة الشهداء (رضوان الله عليهم- فخرج إلي منه:...
بسم الله الرحمن الرحيم، إذا أردت زيارة الشهداء [1] رضوان الله [2] عليهم - فقف عند رجلي الحسين (عليه السلام)، وهو قبر علي بن الحسين [3] (صلوات الله عليهما) فاستقبل القبلة بوجهک فإن هناک حومة الشهداء [4] وأدم وأشر إلي علي بن الحسين (عليه السلام) وقل:
1- السلام عليک يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة [5] إبراهيم الخليل صلي الله عليک وعلي أبيک إذ قال فيک: (قتل الله قوماً قتلوک يا بني ما أجرأهم علي الرحمن وعلي انتهاک حرمة الرسول علي الدنيا بعدک العفا) [6] کأني بک بين يديه ماثلاً وللکافرين [7] قائلاً:
أنا علي بن الحسين بن علي
نحن وبيت الله أولـي بالنبي
أطعنکم بالـرمح حـتي ينثني
أضربکم بالسيف أحمي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علوي
والله لا يحکم فينا ابن الدعي [8] .
حتي قضيت نحبک ولقيت ربک [9] .
أشهد أنک أولي بالله ورسوله وأنک ابن رسوله وحجته ودينه وابن حجته وأمينه [10] حکم الله لک علي قاتلک مرة بن منقذ بن النعمان العبدي [11] لعنه الله وأخزاه ومن شرکه في قتلک وکانوا عليک ظهيراً (و) أصلاهم الله جهنم وساءت مصيراً وجعلنا الله من ملاقيک [12] ومرافقيک ومرافقي جدک وأبيک وعمک وأخيک وأمک المظلومة وأبرأ إلي الله من أعدائک أولي الجحود وأبرأ إلي الله من قاتليک، وأسأل الله مرافقتک في دار الخلود، والسلام عليک ورحمة الله وبرکاته.
2- السلام علي عبد الله بن الحسين الطفل الرضيع المدمي المتشحط دماً المصعد دمه في السماء المذبوح بالسهم في حجر أبيه لعن الله راميه حرمله بن کاهل الأسدي وذويه [13] .
3- السلام علي عبد الله بن أمير المؤمنين مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة کربلاء المضروب مقبلاً ومدبراً لعن الله هاني بن ثبيت الحضرمي [14] .
4- السلام علي العباس بن أمير المؤمنين المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه الفادي له الواقي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتله [قاتليه] يزيد بن الرقاد الجهني وحکيم بن الطفيل الطائي [15] .
5- السلام علي جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسباً والنائي عن الأوطان مغترباً المستسلم للقتال المستقدم للنزال المکثور [16] بالرجال لعن الله قاتله هاني بن ثبيت الحضرمي [17] .
6- السلام علي عثمان بن أمير المؤمنين سمي عثمان بن مظعون لعن الله راميه بالسهم خولي بن يزيد الأصبحي الأيادي [الأباني] الدارمي [18] .
7- السلام علي محمد ابن أمير المؤمنين قتيل الأيادي [الأباني] الدارمي لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم وصلي الله عليک يا محمد وعلي أهل بيتک الصابرين [19] .
8- السلام علي أبي بکر بن الحسن الزکي الولي المرمي بالسهم الردي لعن الله قاتله عبد الله بن عقبة الغنوي [20] .
9- السلام علي عبد الله بن الحسين بن علي الزکي لعن الله قاتله ورامية حرملة بن کاهل الأسدي [21] .
10- السلام علي القاسم بن الحسن بن علي المضروب علي هامته المسلوب لامته حين نادي الحسين عمه فجلا عليه عمه کالصقر وهو يفحص برجليه التراب والحسين يقول: (بعداً لقومک قتلوک ومن خصمهم يوم القيامة جدک وأبوک. ثم قال: عز والله علي عمک أن تدعوه فلا يجيبک أو أن يجيبک وأنت قتيل جديل فلا ينفعک هذا والله يوم کثر واتره وقل ناصره) [22] جعلني الله معکما يوم جمعکما وبوأني مبوأکما ولعن الله قاتلک عمر بن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأصلاه جحيماً وأعد له عذاباً أليماً [23] .
11- السلام علي عون بن عبد الله بن جعفر الطيار في الجنان [24] حليف الإيمان ومنازل الأقران الناصح للرحمن التالي للمثاني والقرآن، لعن الله قاتله عبد الله بن قطبه [25] النبهاني [26] .
12- السلام علي محمد بن عبد الله بن جعفر [27] الشاهد مکان أبيه [28] والتالي لأخيه وواقيه ببدنه لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي.
13- السلام علي جعفر بن عقيل [29] لعن الله قاتله وراميه بشر بن خوط [30] الهمداني.
14- السلام علي عبد الرحمن بن عقيل [31] لعن الله قاتله وراميه عمر [32] بن خالد بن أسد الجهني.
15- السلام علي القتيل بن القتيل عبد الله بن مسلم بن عقيل [33] ولعن الله قاتله عامر بن صعصعة [34] .
16- السلام علي عبيد [35] الله بن مسلم بن عقيل ولعن الله قاتله وراميه عمر [36] بن صبيح الصيداوي.
17- السلام علي محمد بن أبي سعيد بن عقيل ولعن الله قاتله لقيط بن ياسر الجهني [37] .
18- السلام علي سليمان مولي الحسين بن أمير المؤمنين ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي [38] .
19- السلام علي قارب مولي الحسين بن علي [39] .
20- السلام علي منجح مولي الحسين بن علي [40] .
21- السلام علي مسلم بن عوسجة الأسدي [41] القائل للحسين وقد أذن له في الانصراف [42] : (أنحن نخلي عنک؟ وبم نعتذر عند الله من أداء حقک؟ لا والله حتي أکسر في صدورهم رمحي هذا، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولا أفارقک، ولو لم يکن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقک حتي أموت معک، وکنت أول [43] من شري [44] نفسه، وأول شهيد من شهداء الله). وقضي نحبه [45] ففزت برب الکعبة، شکر الله استقدامک ومواساتک إمامک، إذ مشي إليک وأنت صريع فقال:
يرحمک الله يا مسلم بن عوسجة، وقرأ: (فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).
لعن الله المشترکين في قتلک: عبد الله الضبابي [46] وعبد الله بن خشکارة [47] البجلي.
22- السلام علي سعيد بن عبد الله الحنفي [48] القائل للحسين (عليه السلام)، وقد أذن له في الانصراف: (لا والله لا نخليک حتي يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله صلي الله عليه وآله فيک، والله لو أعلم أني أقتل ثم أحيي، ثم أحرق ثم أذري ويفعل بي ذلک سبعين مرة ما فارقتک حتي ألقي حمامي دونک، وکيف لا أفعل ذلک؟ وإنما هي موتة أو قتلة واحدة، ثم هي الکرامة التي لا انقضاء لها أبداً). فقد لقيت حمامک، وواسيت إمامک، ولقيت من الله الکرامة في دار المقامة، حشرنا الله معکم في المستشهدين، ورزقنا مرافقکم في أعلا عليين [49] .
23- السلام علي بشر بن عمرو الحضرمي [50] شکر الله لک قولک للحسين (عليه السلام) - وقد أذن لک في الانصراف-: أکلتني إذن السباع حياً إن فارقتک وأسأل عنک الرکبان، وأخذلک مع قلة الأعوان، لا يکون هذا أبداً.
24- السلام علي يزيد بن حصين الهمداني المشرقي [51] القاري المجدل (بالمشرفي).
25- السلام علي عمر بن کعب الأنصاري [52] .
26- السلام علي نعيم بن العجلان الأنصاري [53] .
27- السلام علي زهير بن القين البجلي [54] القائل للحسين (عليه السلام) وقد أذن له في الانصراف: لا والله لا يکون ذلک أبداً، اترک ابن رسول الله أسير في يد الأعداء وأنجو، لا أراني الله ذلک اليوم.
28- السلام علي عمر بن قرظة الأنصاري [55] .
29- السلام علي حبيب بن مظاهر الأسدي [56] .
30- السلام علي الحر بن يزيد الرياحي [57] .
31- السلام علي عبد الله بن عمير الکلبي [58] .
32- السلام علي نافع بن هلال [59] بن نافع البجلي المرادي [60] .
33- السلام علي أنس [61] بن کاهل الأسدي [62] .
34- السلام علي قيس بن مسهر الصيداوي [63] .
35 و36- السلام علي عبد الله وعبد الرحمن ابني عروة بن حراق الغفاريين [64] .
37- السلام علي جون بن حري مولي أبي ذر الغفاري [65] .
38-السلام علي شبيب بن عبد الله النهشلي [66] .
39- السلام علي الحجاج بن زيد السعيدي [67] .
40 و41- السلام علي قاسط وکردوس ابني زهير التغلبيين [68] .
42- السلام علي کنانة بن عتيق [69] .
43- السلام علي ضرغامة بن مالک [70] .
44- السلام علي جوين بن مالک التميمي [71] .
45- السلام علي عمرو بن ضبعة الضبعي [72] .
46- السلام علي يزيد بن ثبيط القيسي [73] .
47 و48- السلام علي عبد الله وعبيد الله ابني يزيد بن ثبيط القيسي [74] .
49- السلام علي عامر بن مسلم [75] .
50- السلام علي قعنب بن عمرو النمري [76] .
51- السلام علي سالم مولي عامر بن مسلم [77] .
52- السلام علي سيف بن مالک [78] .
53- السلام علي زهير بن بشر الخثعمي [79] .
54- السلام علي يزيد بن مغفل الجعفي [80] .
55- السلام علي الحجاج ابن مسروق الجعفي [81] .
56 و57- السلام علي مسعود بن الحجاج وابنه عبد الرحمن بن مسعود [82] .
58- السلام علي مجمع بن عبد الله العائذي [83] .
59- السلام علي عامر بن حسان بن شريح الطائي [84] .
60- السلام علي حيان بن الحرث السلماني الأزدي [85] .
61- السلام علي جندب بن حجر الخولاني [86] .
62- السلام علي عمرو بن خالد الصيداوي [87] .
63- السلام علي سعيد مولاه [88] .
64- السلام علي يزيد بن زياد بن المظاهر الکندي [89] .
65- السلام علي زاهر مولي عمرو بن الحمق الخزاعي [90] .
66- السلام علي جبلة بن علي الشيباني [91] .
67- السلام علي سالم مولي بني المدينة الکلبي [92] .
68- السلام علي أسلم بن کثير الأزدي الأعرج [93] .
69- السلام علي زهير بن سليم الأزدي [94] .
70- السلام علي قاسم بن حبيب الأزدي [95] .
71- السلام علي عمرو بن جندب الحضرمي [96] .
72- السلام علي أبي تمامة عمر بن عبد الله الصائدي [97] .
73- السلام علي حنظلة بن أسعد الشيباني [98] .
74- السلام علي عبد الرحمن بن عبد الله بن الکدن الأرحبي [99] .
75- السلام علي عمار بن أبي سلامة الهمداني [100] .
76- السلام علي عابس بن شبيب الشاکري [101] .
77- السلام علي شوذب مولي شاکر [102] .
78- السلام علي شبيب بن الحارث بن سريع [103] .
79- السلام علي مالک بن عبد بن سريع [104] .
80- السلام علي الجريح المأسور سوار بن أبي عمير الفهمي الهمداني [105] .
81- السلام علي المرتث معه عمرو بن عبد الله الجندعي [106] .
السلام عليکم يا خير أنصار.
السلام عليکم بما صبرتم فنعم عقبي الدار بوأکم الله مبوأ الأبرار، أشهد لقد کشف الله لکم الغطاء ومهد لکم الوطاء وأجزل لکم العطاء وکنتم عن الحق غير بطاء وأنتم لنا فرطاء ونحن لکم خلطاء في دار البقاء.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته.
پاورقي
[1] المقصود من الشهداء هنا شهداء کربلاء، الذين استشهدوا بين يدي الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام).
[2] في التعبيرات الشرعية ورد الدعاء للآخرين- وخاصة الأموات- بـ(الرحمة) وبـ(الرضوان). فما هي الرحمة؟ وما هو الرضوان؟ وما هو الفارق بينهما؟ کما ورد الدعاء للأولياء بـ(السلام) وبـ(الصلاة) فما هو السلام؟ وما هو الصلاة؟ الرحمة: من الرحم، وهو الإحاطة بالشيء لتنميته وصيانته بعطف وشفقة، ومنه الرحم لوعاء الجنين، لأنه يحوطه وينميه، ومنه أرحام الرجل لأقربائه، لأنهم يحوطونه بإشفاق وانعطاف، والرحمة من الإنسان تعني الحماية من الأذي، وهي ناتجة من رقة القلب، ومن الله تعني اللطف والإحسان، وهي صفة ذاتية له، وليست وليدة من صفة أخري.
ورحمة الله تعم جميع مخلوقاته، بدليل أنه أوجدها ويحيطها وينميها بمقدار استعادتها للقبول، أي بمقدار قابليتها، لأن رحمته متاحة- من قبله- بلا حدود، وإنما علي الخلائق أن تکون قابلة لتلقي والقبول أفمن کان أوسع ظرفيه وأوفر مؤهلات فهو يستوعب أکثر من کان أضيق ظرفيه، وأوفر مؤهلات فهو يستوعب أقل (ورحمتي وسعة کل شيء فسأکتبها للذين يتقون ويؤتون الزکاة والذين هم بآياتنا يؤمنون) الأعراف: آية 156.
ولا يحرم من فيض الله إلا من أغلق نفسه عنها، بأن کفر به، فإن الله لا ينميه ولا يحوطه، أي يترکه لنفسه ولسلبياته، فيکون ملعوناً أي مطروداً من محيط اللطف والإحسان، فلا يتکامل.
والرضوان- من الرضا- ولکنه يدل علي أکثر من مجرد الرضا، فتوحي بالقبول، وهو الوصول إلي درجة اللياقة، لأن الله سريع الرضا، فلا يرضي بالله عبد إلا ويرضي الله به، ولکن قد يکون العبد في أدني قاعدته فيحظي بالرضا لا بالقبول، وربما يکون في أعلي قمته، فيحظي بالقبول أيضاً، فکل من کان وضعه يزحزحه عن النار ويدخله الجنة فهو ممن رضي الله عنهم أي خشي ربه فلم يتورط في اللامبالاة، ومن کان وضعه يضعه فوق مستوي الجنة- بکل ما تعني الجنة- فهو ممن يبلغون رضوان الله وأما الذين يبتغون الجنة فهم دون مستوي الرضوان (ورضوان من الله أکبر) سورة التوبة آية 72.
ولذلک قد يقال يصح الدعاء بالرحمة لکل المؤمنين، ولا يصح الدعاء بالرضوان إلا لمن لم يکن عملهم سعياً وراء الجنة، وإنما بحثاً عن رضوان الله. فأطاعوا الله لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، وإنما تقرباً إليه فقط.
وبذلک يظهر الفارق الکبير بين الرحمة والرضوان.
والسلام: هو استسلام الأشياء له، بأن لا يناقضه شيء، بأن يصل العبد إلي درجة يضع الله تحت تصرفه الأشياء، کما في الحديث القدسي: (عبدي أطعني أجعلک مِثْلي- أو مَثَلي- أقول للشيء: کن، فيکون. وتقول للشيء: کن، فيکون).
ومستوي السلام أصحاب الولاية الکونية کأصحاب ليلة القدر التي ورد التعبير في القرآن: (ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائکة والروح فيها بإذن ربهم من کل أمر، سلام هي حتي مطلع الفجر) سورة القد آية 3- 5. وأما المصائب التي وردت علي أولياء الله فلا تعبر عن تناقض الأشياء معهم لأنها من جملة الوسائل التي تساعد علي تکالمهم بصورة أسرع من العبادات التقليدية، فاتفق معهم عليها فقبلوا بها طائعين، فلم يفاجئ أحدهم بشيء منها ولسان حالهم يقول: (قل لن يصيبنا إلا ما کتب الله لنا هو مولانا) سورة التوبة آية 51.
فلا يصل أحدهم إلي مرحلة السلام إلا بعد تجاوز مرحلة الرضوان: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبيل السلام....) سورة المائدة آية16.
والصلاة هي الصلة الدائمة، بأن تکون المشاعر کلها دائمة التوجه إلي الله في جميع الحالات.
وهذه أعلي الدرجات التي لا يهضمها الکثيرون، فلا نعمق الحديث عنها، لاحتياج ذلک إلي مجال واسع کبير.
[3] علي بن الحسين- المذکور هنا- هو علي الأکبر. وهو غير علي بن الحسين زين العابدين.
فقد جرت العادة في بعض البلاد. ومنها جزيرة العرب علي أن الرجل إذا أحب شخصاً سمي أحد أبنائه باسمه، وإذا کان حبه أعمق من أن يملأ فراغه أحد أبنائه سمي ولدين أو ثلاثة من أولاده باسمه.
والإمام الحسين حيث کان ينعکس فيه الإمام علي ويراه مثله الأعلي سمي ثلاثة من أبنائه باسمه ولقب الأول بالأکبر والثاني بالأوسط والثالث بالأصغر. وقتل الأکبر في کربلاء ودفن عند رجلي أبيه الحسين، وکان الثالث رضيعاً أصابه بسهم في نحره ودفن مع الحسين في قبره أما الثالث فقد کان مريضاً يوم عاشوراء فأسر وتولي الإمامة بعد أبيه الحسين واشتهر بـ(السجاد) وبـ(زين العابدين).
[4] حام حول الشيء دار حوله، وحومة الشيء: معظمه ومرکزه. ويقال: حومة الماء وحومة الرمل وحومة القتال للمکان الذي يکثر دورانه حوله. وحومة الشهداء البقعة التي دفنوا فيها.
والمعروف أن الإمام زين العابدين حضر کربلاء- بطريقة معجزة- بعد ثلاثة أيام من فاجعة الطف أي يوم الثاني عشر أو الثالث عشر- علي الخلاف- من شهر محرم، واجتمع معه قوم بني أسجد، وتولي دفن أبيه وأصحابه، فدفن الحسين وعلياً الأصغر في قبر، ودفن علياً الکبر في قبر آخر عند رجلي الحسين ثم حفر حفيرة کبيرة عند رجلي علي الأکبر، ودفن فيها بقية الشهداء، باستثناء ثلاثة منهم کانوا في وضع لا يسمح بنقلهم من مصارعهم- کما قيل- فدفنهم في مصارعهم، وهم العباس بن علي، وعون بن عبد الله، وحبيب بن مظاهر الأسدي.
فـ(حومة الشهداء) هو المکان الذي دفنوا فيه، وهو مکان معرف اليوم في الجبهة الشرقية من ضريح الغمام الحسين (عليه السلام).
[5] سلالة إبراهيم الخليل ذريته الطيبة المستمرة التي انحصرت النبوة والإمامة من يومه إلي يوم القيامة. والمقصود من (خير سليل) هو النبض المحمدي الذي سله الله وأفرزه من ذريته إبراهيم الخليل وکان خير سليل لأنه خير من أنجبته حواء علي الطلاق.
والمراد من (أول قتيل) علي الأکبر.
فقد ورد في وقائع معرکة عاشوراء: أن جبهة الحسين تقلصت في ليلة عاشوراء، إلي نيف وسبعين رجل مع الحسين نفسه،- وقد اختلف في عددهم والذي عليه أکثر الروايات والتواريخ أنهم فوق السبعين ودون لثمانين، والإمام المهدي- في هذه الزيارة- يسلم علي تسعة وسبعين شخصاًًًً. ولکن عدداً منهم کانوا صغاراً کعبد الله الرضيع، وعبد الله ابن الحسين المجتبي وبعضهم کانوا دون الحلم، فبرزوا ولکن سرعان ما تناوشتهم السهام فصرعوا. فإذا اقتصرنا علي الرجال المقاتلين قد لا يتجاوز عددهم أثنين وسبعين کما في بعض الروايات. ولعل ذلک هو السبب في اختلاف الروايات فمن عدد الشهداء رفع العدد، ومن عدد المقاتلين خفض العدد.
وهم المعروفون بأصحاب الحسين- وقد تنافسوا مع بني هاشم في السبق إلي الشهادة، فرفضوا أن يبرز هاشمي وفيهم عين تطرف، وبادروا إلي الغمام الحسين يستأذنونه في القتال، فلما قتلوا جميعاً تقدم علي الأکبر، واستأذن أباه في القتال قبل أعمامه وبني أعمامه، فکان أول قتيل يوم عاشوراء من أبناء رسول الله. وقد يظهر من بنود هذه الزيارة أن علياً الأکبر أفضل من جميع الذين استشهدوا بين يدي أبي عبد الله الحسين، حتي من أعمامه، لأن الأفضلية- علي العموم- تعتمد شموخ النفس. قبل أن تعتمد حجم العمل.
ويمکن استشفاف أفضلية علي الأکبر من معاملة الحسين معه عندما برز للقتال وعندما صرع.
[6] ابن الإمام الحسين بهذا الکلام نجله علياً الأکبر، عندما حضر مصرعه فوجده مقطعاً بالسيوف إرباً إرباً.
[7] نلاحظ أن الإمام المهدي يطلق کلمة (الکافرين) علي الجيش الأموي، رغم أنهم کانوا يعلنون کلمة التوحيد، لما ثبت من أن من خرج علي إمام زمانه فهو کافر وإن صلي وصام. والجيش الأموي خرج من الإسلام يوم خروجه من الکوفة لقتال الإمام الحسين، شأنه شأن جميع من خرجوا علي أوصياء الأنبياء عبر التاريخ.
لأن الله ليس ممثلاً علي الأرض بجسد يتعامل معه الناس ويحددون مواقفهم منه من خلال. وإنما هو ممثل بأنبيائه ومن ثم بأوصيائهم. فمن خرج علي أحد منهم فقد خرج علي الله، والخارج علي الله کافر، ولذا تسمي هکذا طوائف بـ(الخوارج).
[8] ارتجز علي الأکبر بهذه الأبيات عندما خرج إلي المعرکة لقتال الأعداء. وقد رکز علي ثلاث نقاط:
الأولي: المنطلق، وهو الشرعية لأن الحسين هو خليفة الرسول الشرعي الوحيد- يوم ذاک- ولکن بني أمية نصبوا يزيداً خليفة لرسول الله بحکم السيف، واستصدروا فتوي من (شريح) قاضي الکوفة- بحکم اثني عشر ألف درهم- بأن الحسين خارجي يحب قتاله لأنه لم يبايع يزيداً. فحاولوا إسباغ الشرعية علي الحکم اللاشرعي، والقضاء علي الشرعية بفتوي قاضياً مرتش يتصدي لقيادة الأمة باسم الدراهم.
فعلي الأکبر يرکز علي أن الشرعية إلي جانبنا وليست ضدنا، فنحن أولي بالنبي من غيرنا بالنص وبالمواصفات وبالنسب (نحن- وبيت الله- أولي بالنبي).
الثانية: الخط، وهو الدفاع عن إمام الزمان (أضربکم بالسيف أحمي عن أبي).
الثالثة: الهدف، وهو رفض حکم الطاغوت، لأن کل من حکم في رقاب الناس بغير وجه شرعي فهو طاغوت يجب حکمه والقضاء عليه (والله لا يحکم فينا ندعي).
وأعلن علي الأکبر باستخدام کلمة (ابن الدعي) ما کان الناس يتهامسون به ولا يجرئون علي إعلانه، وهو الادعاء في نسب يزيد.
[9] المقاتل: ولما قتل أصحاب الحسين تقدم علي الأکبر فتعلقن به أخواته وعماته وقلن له: ارحم غربتنا، لا طاقة لنا علي فراقک. فلم يعبأ بهن، وأستأذن أباه وبرز علي فرس للحسين يسمي: (لا حقاً). وارتجز بالأبيات المذکورة أعلاه. ولم يتمالک الحسين أن أرخي عينيه بالدموع وصاح بعمر بن سعد:
ما لک؟ قطع الله رحمک کما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وصلت عليک من يذبحک علي فراشک.
ثم رفع شيبته نحو السماء: اللهم أشهد علي هؤلاء، فقد برز إليهم أشبه الناس برسولک محمد خلقاً وخلقاً ومنطقاً، وکنا إذا اشتقنا لرؤية نبيک نظرنا إليه اللهم فامنعهم برکات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا ليقاتلونا.
ثم تلا قوله تعالي: (إن الله اصطفي آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).
[10] فالحسين- باعتباره وصي رسول الله- حجة رسول الله وأمينه علي شريعته في أمته.
[11] الإمام المهدي- في هذه الزيارة- يثبت الأسماء الکاملة للشهداء من الجبهة الحسينية، کما يثبت الأسماء الکاملة لقاتليهم ويثبت ما إذا کان فرد واحد مسؤولاً عن قتل أحد الشهداء وتعاون معه آخرون أو اشترک عدد من الأعداء في قتل أحد منهم. يسجل بعض مصائبهم وآلامهم، کوثيقة تاريخية تضاف إلي وثائق کربلاء.
[12] موافتيک (نسخة).
وحمل علي الأکبر علي الميمنة، وأعادها علي الميسرة، وغاص في الأواسط فلم يقابله جحفل إلا رده، ولا برز إليه شجاع إلا قتله، حتي قتل مائة وعشرين فارساً، وقد اشتد به العطش، فرجع إلي أبيه يستريح ويذکر ما أجهده من العطش، فبکي الحسين وقال: ما أسرع الملتقي بجدک فيسقيک بکأسه شربة لا تظمأ بعدها. ورفع إليه خاتمه ليضعه في فيه. فرجع علي الأکبر إلي المعرکة وهو يرتجز:
الحرب قد بانت لها الحقائق
وظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لا نفارق
جموعکم أو تغمد البوارق
وجعل يزأر في الميدان ويجندل الأبطال حتي أکمل تمام المائتين، فقال مرة بن منقذ العبدي: علي آثام العرب إن لم أثکل أباه به. فطعنه بالرمح في طهره، وضربه بالسيف علي رأسه ففلق هامته، فاعتنق فرسه إلي معسکر الأعداء، وأحاطوا به حتي قطعوه إرباً إرباً.
فلما بلغت روحه التراق نادي رافعاً صوته: عليک مني السلام يا أبا عبد الله، هذا جدي قد سقاني بکأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: العجل العجل، فإن لک کأساً مذخورة حتي تشربها الساعة.
فأتاه الحسين وانکب عليه، واضعاً خده علي خده، وهو يقول: علي الدنيا بعدک العفا، ما أجرأهم علي الرحمن، وعلي انتهاک حرمة الرسول.
علي الأکبر، اسمه علي، ولقبه الأکبر، وکنيته أبو الحسن، أبوه الحسين بن علي، وأمه ليلي بنت ميمونة ابنة أبي سفيان.
ولذلک لما برز إلي المعرکة صاح رجل من القوم: يا علي: إن لک رحماً بأمير المؤمنين (يزيد) ونريد أن نرعي الرحم، فإن شئت آمناک. فقال علي الأکبر: إن قرابة رسول الله (صلي الله عليه وآله) أحق أن ترعي.
السيد محمد بن عبد الحسين الجعفري الحائري، في أنيس الشيعة: إنه أکبر أولاد الحسين، وقد بلغ سبعة وعشرين سنة. فإنه ولد في الحادي عشر من شهر شعبان سنة ثلاث وثلاثين للهجرة وقتل في العاشر من محرم سنة إحدي وستين للهجرة.
وقد کان متزوج من أم ولد، وأباً لأکثر من ولد. ففي کامل الزيارات ص239: أن الإمام الصادق قال لأبي حمزة قل في زيارته: (صلي الله عليک وعلي عترتک وأهل بيته، وآبائک وأبنائک وأمهاتک الأخيار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) والأبناء جمع قلة: وأقلة ثلاثة:
ولقد کان جم الفضائل بارع الجمال، حتي قال فيه الشاعر:
لم تر عين نظرت مثله
من محتف يمشي ومن ناعل
لا يؤثر الدنيا علي دينه
ولا يبيع الحق بالباطل
أعني ابن (ليلي) ذا الـندي والدي
أعني بن بنت الحسب الفاضل
المصباح المنير: إن ما يسقط أول الليل من البلل يقال له: سدي، وما يسقط آخره يقال له: ندي.
[13] عبد الله بن الحسين الرضيع وهو علي الأصغر، وأمه رباب.
وقد روي بن شهر آشوب في المناقب ج2 ص222، والمفيد في الاختصاص ص3، وأبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ص35. ومصعب الزبيري في نسب قريش ص59 وکثير من المؤرخين:
أن الحسين لما ودع أهله دعا بولده الرضيع يودعه، فأتته زينب بابنه عبد الله، فأجلسه في حجره يقبله، ويقول: (بعداً لهؤلاء القوم إذا کان جدک المصطفي خصمهم). ثم أتي به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بن کاهل الأسدي بسهم، فذبحه، فتلقي الحسين الدم بکفه، ورمي به نحو السماء.
وروي السيد ابن طاووس في اللهوف ص66 عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: (فلم تسقط منه قطرة). اليعقوبي في تاريخه ج2 ص218: أن الحسين لواقف إذ أتي بمولود له ولد الساعة، إذن في إذنه، وجعل يحنکه إذ أتاه سهم وقع في حلق الصبي فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه، وجعل يلطخه بدمه ويقول: (والله لأنت أکرم علي الله من الناقة، ولمحمد أکرم علي الله من صالح).
السيد ابن طاووس في اللهوف ص66. وابن نما في مثير الأحزان ص26. الخوارزمي في مقتله ج2 ص22: ثم قال الحسين: (هون علي ما نزل بي أنه بعين الله تعالي. اللهم لا يکون أهون عليک من فصيل. إلهي إن کنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه، وانتقم لنا من الظالمين، واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الأجل).
وسمع (عليه السلام) قائلاً يقول: دعه يا حسين فإن له موضعاً في الجنة.
ثم نزل (عليه السلام) عن فرسه، وحفر له بجفن سيفه ودفنه مرملاً بدمه، وصلي عليه.
ويقال: وضعه مع القتلي من أهل بيته.
ولعله غير عبد الله الرضيع المعرف بـ(علي الأصغر).
[14] أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين ص32- 33: (ولما رأي العباس کثرة القتلي من أهله، قال لأخوته من أمه وأبيه عبد الله وعثمان وجعفر: تقدموا يا بني أمي حتي أراکم نصحتم لله ولرسوله. والتفت إلي عبد الله وکان أکبر من عثمان وجعفر، وقال: تقدم يا أخي حتي أراک قتيلاً وأحتسبک.
الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ج1 ص381: فتقدم عبد الله وارتجز:
أنا ابن ذي النجدة والأفضال
ذاک علي الخير ذو الفعال
سيف رسول الله ذو النکال
في کل يوم ظـاهر الأهوال
فقاتل قتالاً شديداً، فخرج إليه هاني بن ثبيت الحضرمي، فتبادلا ضربتين، فقتله هاني الحضرمي.
وعمره خمسة وعشرون سنة.
[15] العلامة المجلسي في البحار. والطريحي في المنتخب، والقمي في منتهي الآمال، وعبد الرزاق المقرم في مقتل الحسين، وسائر المؤرخين ما خلاصته: (لما قتل أخوة العباس من أمه وأبيه، ذهب إلي أخيه الحسين مستأذناً وهو يقول: أخي! قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثأري منهم. فأمره الحسين أن يطلب الماء للأطفال. فذهب العباس إلي القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع، فنادي بصوت عال: يا عمر بن سعد! هذا الحسين ابن بنت رسول الله! قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشي، فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم... فأثر کلامه في نفوس القوم حتي بکي بعضهم، ولکن الشمر صاح بأعلي صوته: يا ابن أبي تراب: لو کان وجه الأرض کله ماءً وهو تحت أيدينا لما سقيناکم منه قطرة، إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
فضحک العباس ورجع إلي أخيه يخبره، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش، فأخذ قربة ورکب جواده وأتجه نحو المشرعة، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم ترعه کثرتهم، وأخذ يطردهم فلم يثبتوا له، حتي نزل إلي الفرات فاغترف غرفة ليشرب فتذکر عطش الحسين ومن معه فرمي الماء علي الماء وهو يقول:
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا کنت أن تکوني
هذا الحسين وارد المنـون
وتشربين بارد المـعين
تالله ما هذا فعال ديني
ولا فعال صادق اليقين
ثم ملأ القربة وشد وکلها، ورکب جواده وتوجه نحو المخيم، فقطع عليه الطريق، وجعل يضرب حتي أکثر القتل فيهم وکشف عنه الطريق، وهو يقول:
لا أرهب الموت إذا الموت زقاً
حتي أواري في المصاليت لقي
نفسي لنفس المصطفي الطهر وقي
إني أنا العبـاس أغدو بالسقا
ولا أخاف الشر يوم الملتقي
فکمن له يزيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة، وعاونه حکيم بن الطفيل السنبسي فضريه علي يمينه فبرأها فقال:
والله إن قطعتموا يميني
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقيني
نجل النبـي الطاهر الأميني
ولکنه لم يعبأ بيمينه وجعل يقاتل بشماله ويواصل سيره نحو المخيم إذ کمن له نوفل وقيل حکيم بن الطفيل من وراء نخلة فلما مر به ضربه علي شماله فقطعها، فلم ييأس من إيصال الماء إلي المخيم، وجعل يناجي نفسه وربه:
يا نفس لا تخشي من الکفار
وابشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار
قد قطعـوا ببغيهم يساري
فأصلـهم يا رب حر النار
فتکاثر عليه القوم، وأتته السهام کالمطر، فأصاب القربة سهماً وأريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وضربه رجل بالعمود علي رأسه ففلق هامته.
وعمره خمس وثلاثون سنة.
[16] المکثور: من تکاثر عليه الناس فقهروه.
[17] جعفر بن علي خرج إلي المعرکة بعد أخيه عبد الله، وهو يرتجز:
إني أنا جعفر ذو المعالـي
ابن علـي الخير ذو النوال
حسبي بعمي جعفر والخـال
أحمي حسيناً ذا الندي المفضال
فرماه خولي الأصبحي بسهم فأصاب عينه أو شقيقته وحمل عليه هاني بن ثبيت الخضرمي فقتله.
[18] عثمان بن علي برز إلي المعرکة بعد أخيه جعفر، فارتجز قائلاً:
إني أنا عثمان ذو المفاخر
شيخي علي ذو الفعال الطاهر
هذا حسـين سـيد الأخـاير
وسيد الصغار والکـبائر
فقاتل ثم رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأصاب خاصرته فسقط علي الأرض، فأسرع إليه رجل من بيت دارم فاحتز رأسه.
وروي أنه لما ولد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سميته باسم أخي عثمان بن مظعون وعثمان بن مظعون من أجلاء صحابة رسول الله.
وکان عمره إحدي وعشرين سنة.
هؤلاء الثلاثة: عبد الله وجعفر وعثمان هم أخوة العباس من أبيه أمير المؤمنين والدته أم البنين.
[19] محمد بن علي، وهو المکني بأبي بکر.
ابن سهر آشوب، في مناقب آل أبي طالب قال: برز محمد بن علي وهو يرتجز:
شيخي علي ذو الفخار الأطول
من هاشم خير الکريم المفضل
هذا حسين ابن النـبي المرسل
عنه نحامي بالحسام المصقل
تفديه نفسي من أخ مبجل
جعل يقاتل حتي قتله الدارمي، وقيل زجر بن بدر، وقيل عقبة الغنوي.
الشيخ عباس القمي منتهي الآمال ج1 ص382، روي عن المدائي: أنه وجدت جثته في ساقيه، ولم يعرف قاتله.
ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ص118، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ج1 ص119، والخوارزمي في مقتله ج1 ص382 قالوا: إن أبا بکر بن علي أمه ليلي بنت مسعود قتل مع الحسين.
[20] أبو بکر بن الحسن بن علي، وهو عبد الله الأکبر، أمه أم ولد يقال لها (رملة) وتکني: أم أبي بکر، فهو والقاسم بن الحسن من أب وأم.
قاتل حتي قتل. قتله الغنوي، وإليه أشار سليمان بن قته في قوله:
وعند غني قطرة من دمائنا
وفي أسد أخري تعد وتذکر
[21] المقاتل: لما صرع الحسين کان عبد الله بن الحسين بن علي- وله إحدي عشر سنة- في الخيمة، فنظر إلي عمه وقد أحدق به القوم، فأقبل يشتد نحو عمه، وأرادت زينب حسبه، فأفلت منها، وجاء إلي عمه، وأهوي بحر بن کعب بالسيف ليضرب الحسين، فصاح الغلام: يا بن الخبيثة أتضرب عمي؟ فضربه، واتقاها الغلام بيده، فأطنها عن الجلد فإذا هي معلقة، فصاح الغلام: يا عماه! ووقع في حجر الحسين، فضمه إليه وقال: يا بن أخي اصبر علي ما نزل بک فإن الله تعالي يلحقک بآبائک الصالحين ورفع يديه قائلاً: اللهم إن متعتهم إلي حين ففريقهم تفريقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا يقاتلونا.
ورمي الغلام حرملة بن کاهل الأسدي بسهم فذبحه وهو في حجر عمه.
[22] إلي هنا کلام الحسين للقاسم.
[23] القاسم بن الحسن بن علي (عليه السلام): وأمه رملة.
المقاتل: ولما قتل أبو بکر بن الحسن خرج القاسم بن الحسن- وهو غلام لم يبلغ الحلم- فلما نظر إليه الحسين اعتنقه وبکي (حتي أغمي عليهما) ثم أذن له فبرز وهو يقول:
إن تنکروني فأنا نجل الحسين
سبط النبي المصطفي والمؤتمن
هذا حسين کالأسير المرتهن
بين أناس لا سـقوا صوب المزن
وجعل يقاتل حتي قتل خمساً وثلاثين رجلاً، إذ انقطع شسع نعله وهو يطرد الکتائب بين يديه.
قال حميد بن (ودوره کان أشبه بدور الصحفيين الذين يرافقون الجيوش لتغطية أنباء المعارک): (ثم خرج القاسم بن الحسن وهو غلام لم يبلغ الحلم، کأن وجهه فلقة قمر طالع، وعليه قميص وإزار، وعلي رأسه عمامه لها ذؤابتان. وفي رجليه نعلاً قد انقطع شسع أحدهما ولا أنسي أنها کانت اليسري فوقف ليشده، غير مکترث بالجمع ولا مبال بالألوف).
وبيننا هو علي ذلک إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي، فقال له حميد بن مسلم: وما تريد من هذا الغلام؟ يکفيک هؤلاء الذين تراهم احتوشوه. فقال: والله لأشدن عليه. فما ولي حتي ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، فقال: يا عماه! فأتاه الحسين کالليث الغضبان، فضرب عمرواً بالسيف، فاتقاه بالساعد فأطنها من المرفق، فصاح صيحة عظيمة سمعها العسکر، فحملت خيل بن سعد لتستنقذه من الحسين، فاستقبلته بصدورها ووطئته بحوافرها فمات. وانجلت الغبرة، وإذا الحسين قائم علي رأس الغلام وهو يفحص برجليه، والحسين يقول: بعداً لقوماً قتلوک، ومن خصمهم يوم القيامة جدک وأبوک.
ثم قال: يعز- والله- علي عمک أن تدعوه فلا يجيبک، أو يجيبک ثم لا ينفعک. يوم- والله- کثر واتره، وقل ناصره.
ثم احتمله، وکان صدر الغلام علي صدر الحسين، ورجلاه يخطان في الأرض، حتي ألقاه بين القتلي من أهل بيته.
ورفع طرفه إلي السماء وقال: اللهم أحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، لا غفر لهم أبداً.
ثم التفت إلي أهل بيته وقال: صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.
س: کيف وقف القاسم في المعرکة يشد شسع نعله؟
ج: إن هذا النوع من الأسئلة تتردد في الأواسط الجبانة المتمسکة بالحياة، وأما الأبطال فلا يهابون الموت.
ولقد رأي الحسن بن علي أباه في معرکة صفين وهو يسعي بين الصفين بالغلال.
وصلي الحسين بمن بقي معه يوم عاشوراء صلاة الظهر بين الجبهتين.
وتحدث أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني ج11 ص144 في قصة جعفر بن علية بن ربيعة بن عبد يغوث من بني الحارث بن کعب، لما جيء به ليقاد منه: بينما هو يمشي إذ انقطع شسع نعله، فوقف يصلحه، فقال له رجل: ألا يشغلک ما أنت فيه عن هذا؟ فقال جعفر:
أشد قبال نعلي أن يراني
عدوي لحوادث مستکينا
س: وماذا عن زواج القاسم، وهو غلام لم يبلغ الحلم؟
ج: کان وما يزال من العوائد المنتشرة في بعض الأواسط تسمية صبايا بأسماء صبيان في سن مبکرة جداً- حصانة للجانبين- فلعل الحسين سمي إحدي بناته باسم القاسم، وربما کانت تلک فاطمة الصغري.
[24] عون بن عبد الله بن جعفر الطيار.
أبو فرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين قال: أمه زينب بنت علي.
ابن سهر آشوب في مناقب آل أبي طالب قال: برز عون بن عبد الله وهو يرتجز:
إن تنکروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر
کفي بهذا شرفاً في المحشر
فقاتل حتي قتل ثلاثة فرسان وثمانية عشر راجلاً.
قال الطبري: فاعتورهم الناس من کل جانب فحمل عبد الله قطنه الطائي ثم النبهاني علي عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتلاه.
وقد أشار إليه سليمان بن قته بقوله:
واندبي إن بکيت عون أخاهم
ليس فيـما ينوبهم بخذول
فلعمري لقد أصيب ذووا القر
بي فبکي علي المصاب الطويل
وقد زاره السيد المرتضي علم الهدي بقوله:
السلام عليک يا عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. السلام عليک يا بن الناشئ في حجر رسول الله (صلي الله عليه وآله) والمقتدي بأخلاق رسول الله والذاب عن حريم رسول الله صبياً، والذائد عن حرم رسول الله (صلي الله عليه وآله) مباشراً للحتوف مجاهداً قبل أن يقوي معه ويشتد عظمه ويبلغ أشده... إلي آخره.
ولأمر ما دفن حيث مصرعه علي بعد أميال من مقام الإمام الحسين في الجانب الشمالي من کربلاء.
[25] في بعض النسخ (قطنة) وفي بعضها (قطية).
[26] ورد (النبهاني) هنا وصفاً لعبد الله بن قطبة وفي بعض التواريخ ابن قطنة طائي وأما النبهاني فقد ساعد ابن قطنة علي قتل عون بن عبد الله.
[27] محمد بن عبد الله بن جعفر الطيار.
المقاتل: برز محمد بن عبد الله وهو يرتجز:
أشکو إلي الله من العدوان
فعال قوم في الردي عميان
قد بدلوا معالم القرآن
ومحکم التنزيل والتبيان
وأظهروا الکفر مع الطغيان
فقتل عشرة رجال ثم قتله عامر بن نهشل التميمي.
أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبين: محمد أخو عبد الله من أبيه وأما أمه فهي الخوصاء بنت حفص من بکر بن وائل.
وقد ذکره سليمان بن قته يقوله:
وسمي النبي غودر فيهم
قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بکيت عيني فجود
بدموع تسيل کل مسيل
.
[28] في بعض السير: أن الإمام الحسين لما اختبر أصحابه ليلة عاشوراء ووجد منهم بوادر الصلابة والصمود مسح علي أعينهم حتي کشف عنها الغطاء فرأوا أماکنهم في الجنة.
وهذا النص من الإمام المهدي يدل علي أن محمد بن عبد الله رأي- في جملة ما رأي- مکان أبيه. ولعله يقصد من (أبيه) جده جعفر الطيار.
[29] جعفر بن عقيل بن أبي طالب.
برز وهو يرتجز:
أنا الغلام الأبطـحي الطالبي
من معشر في هاشم من غالب
ونحن حقاً سادة الذوائب
هذا حسين أطيب الأطايب
فقتل خمسة عشر فارساً ثم قتله بشر بن سوط الهمداني.
[30] تم ضبط (خوط) في بعض النسخ (سوط).
[31] عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب:
برز وهو يرتجز:
أبي عقيل فاعرفوا مکاني
من هاشم وهاشم إخواني
کهول صدق سادة الأقران
هذا حسين شامخ البنيان
وسيد الشيب مع الشبان
فقتل سبعة عشر فارساً ثم حمل عليه عمر بن خالد الجهمي فقتله.
[32] تم ضبط اسم قاتل عبد الرحمن في بعض المقاتل (عمير).
الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ج1ص378: قتله عثمان بن خالد الجهني.
قال الطبري: أشترک في قتل عبد الرحمن بن عقيل رجلان ثم جرداه من ثيابه وعندما ألقي المختار الثقفي القبض عليهما في الصحراء أمر أن يجردا من ثيابهما ثم تضرب أعناقهما.
ابن حبيب في النسابة في المحبر ص57: کانت خديجة بنت علي (عليه السلام) عند عبد الرحمن بن عقيل.
ابن قتيبة في معارف ص89: عند ذکر أخبار علي (عليه السلام): ولدت له سعيداً.
[33] عبد الله بن مسلم بن عقيل.
عبد الرزاق المقرن في مقتل الحسين ص262: وخرج من بعده: (علي الأکبر).
عبد الله بن مسلم بن عقيل وقيل: هو أول من برز من الهاشميين. برز وهو يقول:
اليوم ألقي مسلماً وهـو أبي
وفتية بادوا علي دين النبي
ليسوا بقوم عرفوا بالکذب
لکن خيار وکرم النسب
فقتل ثمانية وتسعين رجلاً بثلاث حملات فرماه يزيد بن الرقاد الجهني فاتقاه بيده فسمرها إلي جبهته ما استطاع أن يزيلها عن جبهته فقال: اللهم إنهم استقلونا واستذلونا فاقتلهم کما قتلونا.
وبينا هو علي هذا إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه فمات فجاء إليه يزيد بن الرقاد وأخرج سهمه من جبهته وبقي النصل فيها وهو ميت.
أبو الفرج في مقاتل الطالبين. ومصعب الزبيري في نسب قريش ص54: عبد الله بن مسلم، وأمه رقية الکبري، وهي أم أخويه علي ومحمد.
[34] اختلف المؤرخون في قاتل عبد الله بن مسلم.
في أنساب الأشراف ج5 ص238: رماه يزيد بن الرقاد الجبني بالنون بعد الجيم.
الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ج1 ص376: قتله عمر بن صبيح.
وقال آخرون: قتله أسد بن مالک. وقيل: أسيد بن مالک.
والإمام المهدي ينص- هنا- علي أن المسؤول عن قتله هو عامر بن صعصة.
ولعله هو الرجل الذي طعنه أو رماه في قلبه.
وابن الأثير في الکامل- في قصة اقتصاص المختار الثقفي من يزيد بن الرقاد- ذکر تفصيل يدل علي إدانة يزيد بدم عبد الله بن مسلم.
[35] في بعض النسخ (أبي عبد الله) ولعله الصحيح. فالمؤرخون متفقون علي أنه قتل اثنان من أولاد مسلم بن عقيل مع الحسين، ولا خلاف في أن أحدهما اسمه (عبد الله) وهو المذکور آنفاً. وأما الثاني فقد اختلف في اسمه:
فعبد الرزاق المقرم في مقتل الحسين ص263 ذکر محمد بن مسلم بن عقيل. في جملة من قتل في حملة آل أبي طالب.
والذهبي في سير أعلام النبلاء ص217 قال: قتل مع الحسين عبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل ابن أبي طالب. والإمام المهدي- في هذه الزيارة- يسلم علي عبيد الله أو أبي عبد الله بن مسلم- علي اختلاف النسخ-.
ويمکن الجمع بين هذه الأقوال بأنه من باب تعدد الأسماء الذين کان متعارفاً قديماً.
[36] في بعض النسخ (عمرو).
[37] محمد بن أبي سعيد بن عقيل.
بارز وقاتل قتالاً شديداً ثم رماه لقيط بن ياسر فصرعه.
[38] الموالي الذين قتلوا في الحملة الأولي اثني عشر، عشر منهم من موالي الحسين (عليه السلام) واثنان من موالي أمير المؤمنين، لم أعثر فيهم علي اسم سليمان وإنما يوجد أسلم بن عمر وکان أبوه ترکياً وکان يعمل کاتب عند الإمام الحسين واستشهد في الحملة الأولي.
[39] قارب بن عبد الله الدؤلي مولي الحسين وکانت أمه أمة عند الإمام الحسين واستشهد في الحملة الأولي.
[40] منبج بن سهم مولي الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، وقد حضر معرکة کربلاء مع عائلة الإمام الحسن واستشهد في الحملة الأولي.
[41] مسلم بن عوسج الأسدي کان من الرجال الأشداء ولما أرسل الحسين مسلم بن عقيل إلي الکوفة، کان مسلم بن عوسجة وکيله في أخذ البيعة من الناس وقبض الأموال وبيع الأسلحة.
الدينوري في الأخبار الطوال: أن مسلم بن عوسجة کان من العباد، وکان له مقام معلوم إلي جانب أسطوانة من أسطوانات مسجد الکوفة للصلاة. والعبادة وکنيته أبو حجل- إذ کان يعمل في جني العسل- وفيه يقول کميت الأسدي: وإن أبا حجل قتيل محجل.
ولما ارتفعت الشمس صباح يوم عاشوراء تقدم عمر بن سعد نحو معسکر الحسين ورمي بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمي. ثم رمي الناس، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلا أصابه من سهامهم، فقال الحسين لأصحابه: (قوموا رحمکم الله إلي الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليکم). فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلا عن خمسين صريعاً، فأخذ أصحاب الحسين- بعد أن قل عددهم- يبرز الرجل منهم بعد الرجل فأکثروا القتلي في أهل الکوفة فصاح عمرو بن الحجاج الزبيدي بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منکم إلا قتلوه علي قلتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم. فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم ولو خرجتم إليهم وحداناً لأتوا عليکم.
ثم حمل عمرو بن الحجاج (وکان قائد ميمنة عمر بن سعد) علي ميمنة الحسين فثبتوا له وجثوا علي الرکب وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين. ثم أن عبد الله بن حوزة التميمي صاح: يا حسين! يا حسين! فقال الحسين: وما تريد؟
قال التميمي: ابشر بالنار.
فقال الحسين: کلا إني أقدم علي رب رحيم وشفيع مطاع.
ثم قال: من هذا؟
قيل: أين حوزة.
فقال: اللهم حزه إلي النار.
فنفر الفرس بابن حوزة وبقيت رجله اليسري معلقة في الرکاب، فأسرع مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمني بالسيف فقطعها، وجعل الفرس يضرب به کل حجر ومدر حتي هلک.
ثم حمل عمرو بن الحجاج الزبيدي حملة ثانية من نحو الفرات، فاقتتلوا ساعة وفيها قاتل مسلم بن عوسجة وهو يرتجز:
إن تسألوا عني فإني ذو لبد
من فرع قوم من ذري بني أسد
فمن بغانا حائد عن الرشد
وکافر يدين جبار صمد
فشد عليه مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الله بن خشکارة البجلي، وثارت لشدة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغبرة إلا ومسلم صريع وبه رمق، فمشي إليه الحسين ومعه حبيب بن مظاهر فقال له الحسين: (رحمک الله يا مسلم، فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا).
ودنا منه حبيب وقال: عز علي مصرعک يا مسلم: ابشر بالجنة. فقال بصوت ضعيف: بشرک الله بخير.
قال حبيب: لو لم أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بما أهمک.
فقال مسلم: أوصيک بهذا- وأشار إلي الحسين- أن تموت دونه.
قال: افعل ورب الکعبة.
وفاضت روحه بينهما. فصاحت جارية له: وا مسلماه، يا سيداه، يا بن عوسجتاه.
فتنادي أصحاب ابن الحجاج: قتلنا مسلماً.
فقال شبث بن ربعي (وکان قائد الرجالة في جيش عمر بن سعد): ثکلتکم أمهاتکم،
أبقتل مثل مسلم تفرحون؟ لرب موقف له کريم في المسلمين. وقد رأيته يوم (أذربيجان)
وقد قتل ستة من المشرکين قبل تنام خيول المسلمين.
[42] لقد ظهرت في ثورة الإمام الحسين علامات فارقة تميزها عن جميع الثورات في التاريخ.
لعل من أهمها أن الحسين کان يعمل باستمرار علي إبعاد أصحاب الأطماع وضعاف الإيمان عنه علي خلاف سائر القادة الذين يحاولون تکثيف الجماهير حولهم بمختلف الأسباب والأساليب. فقبل خروجه من مکة خطب في أصحابه وکانوا- يوم ذاک- کثيرين قائلاً: (خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة... (فأعطي لهم إشارة اليأس عن کل المغريات الدنيوية وأفهمهم أنه ذاهب إلي الشهادة لا إلي الخلافة فتفرق عنه عدد کبير.
وفي الطريق بين الحجاز والعراق التحق به الکثيرون من طلاب الجاه والشهرة فلما وجدهم يتکاثرون حوله من غير أن يکونوا من النوعية المطلوبة، استغل وصول خبر مقتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة إليه في قرية (زبالة) فخطب في الناس، وأعلمهم بالانقلاب في الکوفة وأذن لهم بالانصراف، فتفرقوا عنه يميناً وشمالاً.
ثم التحق به- في الطريق إلي کربلاء- خلق کثير من الأعراب وطلاب الدنيا ظانين أنه ذاهب إلي نصر سياسي محتوم، فوصلوا معه إلي کربلاء فجمعهم الحسين للمرة الثالثة مساء يوم التاسع من المحرم، فقال: (إني غداً أقتل وکلکم تقتلون معي ولا يبقي منکم أحد حتي القاسم وعبد الله الرضيع إلا ولدي علياً زين العابدين، لأن الله لم يقطم نسلي منه وهو أبو أئمة ثمانية... وهذا الليل قد غشيکم، فاتخذوه جملاً، وليأخذ کل رجل منکم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاکم الله جميعکم خيراً، وتفرقوا في سوادکم ومدائنکم، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري).
فجعلوا يتفرقون عنه خمسة خمسة وعشرة عشرة حتي لم يبقي معه إلا القليل من أبناء الأخوة الذين رفضوا الحياة بعده وعبر کل منهم بما تسني له عن ضمير حر وإرادة صلبة.
وإلي هذا يشير الإمام المهدي بقوله: (وقد أذن له بالانصراف)...
[43] الجملة هنا حالية فالمعني: والحال أني أول من شري نفسه. والأولية کما يمکن أن تکون رتبية کذلک تکون اهتمامية باعتبار المتکلم بأن يکون الأمر مطروح أول اهتماماته وإن لم يکن أولاً بالنسبة إلي الآخرين کما في قوله تعالي: (قل أن کان الرحمن ولد فأنا أول العابدين) سورة الزخرف آية81.
[44] کلمة (شري) تعني: باع مثل قوله تعالي: (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة) سورة يوسف آية20، أي: باعوه بثمن بخس، وکلمة اشتري تعني ابتاع کقوله تعالي: (إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) سورة التوبة آية 111.
[45] أي قول هذا وقضي نحبه. وأي هنا يکون التعبير عنه بضمير الغائب ثم يلتفت إلي الحاضر فيقول له ففزت برب الکعبة- إلي آخر-.
[46] في بعض النسخ مسلم بن عبد الله الضبابي.
[47] خشکارة معربة من الفارسية وأصلها (خوش کار) أي حسن الفعل.
[48] سعيد بن عبد الله الحنفي، کان من وجوه شيعة الکوفة، وقد عرف بالشجاعة وکثرة العبادة.
ولما بدأ أهل الکوفة بإرسال الوفود والرسائل إلي الحسين (عليه السلام) لاستقدامه، کان سعيد بن عبد الله وهاني بن هاني السبيعي يشکلان آخر وقد حمل إلي الحسين (عليه السلام) رسالة من أهل الکوفة.
وعندما اجتمع عند الحسين ما ملأ خرجين (اثني عشر ألف رسالة أکثرها يحمل تواقيع عديدة) کتب الحسين إليهم کتاباً واحداً، دفعه إلي هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله.
وفي يوم عاشوراء عندما قام الحسين إلي الصلاة تقدم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي يقيانه السهم والسيوف والرماح، فما أتم الحسين صلاته إلا وسقط سعيد علي الأرض، مثخناً بالجراح وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود، وأبلغ نبيک مني السلام، وأبلغه ما لقيت من آلم الجراح، فإني أردت بذلک ثوابک في نصرة ذرية نبيک صلي الله عليه وآله وسلم.
والتفت إلي الحسين قائلاً: أوفيت؟ يا بن رسول الله؟ قال: نعم أنت أمامي في الجنة.
وقضي نحبه. فوجد فيه ثلاثة عشر سهماً، غير الضرب والطعن.
[49] العليون مقابل السفليون، وقبل الإسلام کان يطلق علي الذين ينزلون أعالي البلاد، وکانوا يقولون لأهل الشرف والثروة (أهل عليين) وللمتضعين (سفليون).
وفي المصطلح الإسلامي: عليون اسم لأعلي الجنة. وهو جمع علي.
والمفهوم- من التعبيرات الإسلامية- أن أفضل درجات الجنة أعاليها، کما أسوأ درکات جهنم أسافلها.
[50] بشر بن عمرو الحضرمي. عده أهل المقاتل في جملة من قتل في الحملة الأولي.
السيد ابن طاووس، في اللهوف ص53 في مساء يوم التاسع من المحرم لما أذن الحسين لأصحابه بالانصراف-: وفي هذه الحال قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد أسر ابنک بثغر الري، فقال: ما أحسب أن يؤسر وأنا أبقي بعده حياً، فقال له الحسين: أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فکاک ولدک. قال: لا والله، لا أفعل ذلک، أکلتني السباع حياً إن فارقتک.
فالکلام واحد، وقد يکون اختلاف الاسم من اختلاف النسخ.
[51] (المشرقي) بطن من همدان، قالوا: کان رجلاً شريفاً بطلاً من أبطال الکوفة وناسکاً من عبادها، له ذکر في الحروب والمغازي.
الکشي في رجاله ص53 طبعة الهند:
فيما ورد عن حوار الأصحاب ليلة عاشوراء- أن حبيب بن مظاهر خرج وهو يضحک فقال له يزيد الحصين الهمداني: ما هذه ساعة ضحک! قال حبيب: وأي موضع أحق بالسرور من هذا؟ ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور.
قالوا: وکان من خيار الشيعة، وممن بايع مسلماً فلما خذل مسلم بن عقيل خرج من الکوفة فمال إلي الحسين (عليه السلام) وکان معه إلي أن حالوا بين الحسين (عليه السلام) وبين الماء فقال للحسين: ائذن لي يا بن رسول الله في أن آتي عمر بن سعد مقدم هؤلاء فأکلمه من الماء لعله أن يرتدع، فأذن له، فجاء المشرقي إلي عمر بن سعد وکلمه في الماء فامتنع ولم يجبه إلي ذلک فقال له: هذا ماء الفرات تشرب منه الکلاب والدواب وتمنعه عن ابن بنت رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته والعترة الطاهرة يموتون عطاشاً وقد حلت بينهم وبين الماء، وتزعم أنک تعرف الله ورسوله، فأطرق عمر بن سعد ثم قال: يا أخا همدان إني لأعلم ما تقول وأنشأ:
دعاني عبيد الله من دون قومه
إلي بدعة فيها خرجت لحين
فو الله ما أدري وإني لواقف
أفکر في أمري علي خطرين
أأترک ملک الري والري منيتي
أم أرجع مطلوباً بقتل حسين
وفي قتله النار التي ليس دونها
حجاب وملک الري قرة عيني
ثم قال: يا أخا همدان، ما أجد نفسي تجيبني إلي ترک ملک الري لغيري. فرجع يزيد بن حصين الهمداني المشرقي إلي الحسين وأخبره بمقالة ابن سعد، فلما سمع الحسين (عليه السلام) ذلک أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا جبهة واحدة يکون القتال منها.
ثم أن عسکر ابن سعد برزوا لمقاتلة الحسين (عليه السلام) وأصحابه، وأحدقوا بهم من کل جانب ووضعوا السيوف في أصحاب الحسين ورموهم بالنبال وهم يقاتلوهم إلي أن قتل من أصحاب الحسين (عليه السلام) نيفاً وخمسين في الحملة الأولي، والهمداني کان يقاتل معهم وقد قتل في هذه الحملة رضوان الله عليه.
[52] لم أعثر علي حياته ولعله من الذين قتلوا في الحملة الأولي (نعم) أورد في الزيارة الرجبية: (السلام علي عمرو بن کعب) وقد اختلفوا في ضبط اسمه (عمر- عمرو- عمران).
[53] نعيم بن عجلان الأنصاري.
إن نعيم وأخواه نعمان بن عجلان ونضر بن عجلان من الشجعان المعروفين ومن الشعراء البارزين وقد حضروا صفين مع الإمام أمير المؤمنين.
وکان نعمان بن عجلان والياً من قبل أمير المؤمنين علي البحرين وعمان.
وقد برز نعيم في الحملة الأولي وبقي يقاتل حتي استشهد فيها.
[54] زهير بن القين البجلي. خرج زهير بن القين بعدها قتل ابن عمه سلمان بن مضارب البجلي، فوضع يده علي منکب الحسين وقال مستأذناً:
أقدم هديت هادياً مهدياً؟
اليوم ألقي جدک النبيا
وحسناً والمرتضي علياً
وذا الجناحين الفتي الکميا
وأسد الله الشهيد الحيا
فقال الحسين: وأنا ألقاها علي أثرک.
فخرج وهو يرتجز:
أنا زهير وأنا ابن القين
أذودکم بالسيف عن حسين
إن الحسين أحد السبطين
أضـربکم ولا أري من شين
فقتل مئة وعشرين رجلاً ثم عطف عليه کثيراً بن عبد الله الشعبي والمهاجر بن آوس التميمي فقتلاه.
فوقف عليه الحسين وقال:
لا يبعدنک الله يا زهير ولعن قاتليک لعن الذين مسخوا قردة وخنازير.
وزهير بن القين شخصية لامعة ذات مواهب متعدد يکفي أن الحسين- لما عبأ جيشه للقتال- جعل زهير بن القين علي الميمنة وحبيب بن مظاهر علي الميسرة.
ولما أذن الحسين لأصحابه بالانصراف مساء اليوم التاسع من المحرم قال زهير بن القين:
والله وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتي أقتل کذا ألف مرة وأن الله عز وجل يدفع بذلک القتل عن نفسک وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتک.
وقبل أن يشتبک الجيشان في يوم عاشوراء خرج زهير بن القين- إلي معسکر عمر بن سعد- علي فرس ذنوب وهو شاک في السلاح فخطب قائلاً:
يا أهل الکوفة نذار لکم من عذاب الله، إن حقاً علي المسلم، نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتي الآن أخوة علي دين واحد ما لم يقع بيننا وبينکم السيف، وأنتم للنصيحة منا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وکنا أمة وأنتم أمة. إن الله ابتلانا وإياکم بذريته نبيه محمد لينظر ما نحن وأنتم عاملون. إنا ندعوکم إلي نصرهم وخذلان الطاغية يزيد وعبيد الله بن زياد، فإنکم لا تدرکون منهما إلا سوء عمر سلطانهما، يسملان أعينکم ويقطعان أيديکم وأرجلکم ويمثلان بکم ويرفعانکم علي جذوع النخل، ويقتلان أماثلکم وقراءکم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه، وهاني بن عروة وأشباهه.
فسبوه وأثنوا علي عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا: لا نبرح حتي نقتل صاحبک ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلي عبيد الله بن زياد سلماً.
فقال زهير: عباد الله! إن ولد فاطمة أحق بالود والنصر من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذکم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين يزيد، فلعمري أنه ليرضي من طاعتکم بدون قتل الحسين.
فرماه الشمر بسهم، وقال: اسکت أسکت الله نأمتک، أبرمتنا بکثرة کلامک.
فقال زهير: يا بن البوال علي عقبيه! ما إياک أخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أضنک تحکم من کتاب الله آيتين، فابشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم. فقال الشمر: إن الله قاتلک وصاحبک، عن ساعة.
فقال زهير: أفبالموت تخوفني؟ فوا الله للموت معه أحب لي من الخلد معکم.
ثم أقبل علي القوم رافعاًً صوته وقال: عباد الله! لا يغرنکم عن دينکم هذا الجلف الجاني وأشباهه، فوا الله لا تنال شفاعة محمد قوماً هرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم.
فناداه رجل من أصحابه: إن أبا عبد الله يقول لک: أقبل فلعمري لأن کان مؤمن آل فرعون نصح قومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت هؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ.
وعندما خرج الحر بن يزيد الرياحي، خرج معه زهير بن القين يحمي ظهره، فکان إذا شد أحدهم واستلم واستنقذه ففعلا ذلک ساعة ولما أراد الحسين إقامة للصلاة في يوم عاشوراء وقف زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي أمامه يقيانه السهام والسيوف والرماح.
[55] عمرو بن قرظة بن کعب الأنصاري الخزرجي.
استأذن الحسين وبرز مرتجزاً:
قد علمت کتيبة الأنصار
أني سأحمي حوزة الذمار
ضرب غلام غير نـکس شار
دون حسين مهجتي وداري
فقاتل قتالاً شديداً حتي أثخن بالجراح، فرجع إلي الحسين قائلاً: يا بن رسول الله أوفيت بعهدي فقال الحسين:
نعم أنت أمامي في الجنة، فابلغ رسول الله عني السلام وأخبره أني في الأثر.
قرظة والد عمرو، من کبار أصحاب أمير المؤمنين، وقد اشترک في سنة 20 هـ مع أبي موسي في فتح الري، وکان مع أمير المؤمنين في صفين، فجعله الإمام علي الأنصار.
وعمرو بن قرظة هو الذي أرسله الحسين في اليوم التاسع من المحرم إلي عمر بن سعد وطلب منه الاجتماع. وعندما اجتمع الحسين بعمر بن سعد طلب منه التخلي عن ابن زياد فاعتذر عمر بن سعد بأنه يخشي من ابن زياد أن يهدم داره بالکوفة. فعرض له عمرو بن قرظة في أرجوزته:
(دون حسين مهجتي وداري). وفي يوم عاشوراء کان مرافقاً للحسين لا يفارقه فکلما توجه إلي الحسين سهم أو رمح أسرع عمرو بن قرظة فاتقاه بنفسه فلم يصب الحسين بجراح إلا بعد أن قتل عمرو.
[56] حبيب بن مظاهر الأسدي.
لما هم الحسين بالصلاة ظهر يوم عاشوراء التفت إلي أصحابه قائلاً:
سلوهم أن يکفوا عنا.
فقال الحصين بن تميم: إنها لا تقبل.
فقال حبيب بن مظهر: زعمت أنها لا تقبل من آل رسول الله، وتقبل منک يا حمار؟
فحمل عليه الحصين فضرب حبيب وجه فرسه بالسيف فشبت به ووقع عنه فاستنقذه أصحابه وحملوه، وقاتلهم حبيب قتالاً شديداً، وهو يرتجز:
أقسم لو کنا لکم أعداداً
أو شطرکم ولستم إلا کسادا
يا شر قوم حسباً وآدا
وبقي يقاتل والقوم بين من يکره قتاله وبين من يشجع عليه وهو يقول:
أنا حبيـب وأبي مظهره
فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأکـثر
ونحن أوفي منکموا وأصبر
ونحن أولي حجة وأظهر
حقاً وأتقي منکم وأعذر
فقتل- علي کبر سنه- اثنين وستين رجلاً، فحمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط إلي الأرض فذهب ليقوم وإذا الحصين يضربه بالسيف علي رأسه فسقط لوجهه ونزل إليه التميمي واحتز رأسه.
فهد مقتله الحسين فقال:
عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي. واسترجع کثيراً.
ولما جيء إليه بجثمان حبيب قال:
لله درک يا حبيب فلقد کنت فاضلاً تختم القرآن بليلة.
ولقد کان حبيب بن مظاهر من جملة خواص أصحاب أمير المؤمنين وکان من حملة علوم أهل البيت (أي يعرف علوم المنايا والبلايا).
الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ج1 ص362: روي أن حبيب بن مظاهر التقي ميثم التمار فقال له: کأني أري شيخاً أصلعاً جسمياً بطيناً يبيع البطيخ عند دار الرزق: (أي محل بيع الخضار) يلقي عليه القبض فيصلب لحبه أهل بيت نبيه يشق بطنه علي المشنقة.
وکان يعرض ذلک إلي مصير ميثم التمار.
فقال له ميثم:
وکأني بشيخ يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويعلق قاتله رأسه علي عنق فرسه کلما مشي الفرس ضربه برکبتيه.
وکان يعرض بهذا إلي مصير حبيب بن مظاهر.
وکان حبيب ومسلم بن عوسجة وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر وجابر بن عروة الغفاري من جملة صحابة رسول الله الذين قتلوا في کربلاء باستثناء هاني بن عروة الذي قتل في الکوفة مع مسلم بن عقيل.
وکان حبيب من أفضل الزهاد والعباد وقد ذکره کميت الأسدي بقوله:
سوي عصبة فيهم حبيب معفر
قضي نحبه والکاهلي مرحل
ومواقفه في الکوفة إلي جانب مسلم بن عقيل وفي کربلاء إلي جانب الحسين معروفة يکفي أن الحسين- لما عبأ جيشه للقتال- جعله علي الميسرة.
ولما حمل الشمر علي ميسرة الحسين ثبت له حبيب ومن معه حتي أعادوهم إلي أعقابهم.
الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ص361: لما قتل التميمي حبيب بن مظاهر قال الحصين: إني شارکت في قتل حبيب فناولني رأسه حتي أعلقه علي عنق جوادي ليعلم الناس أني شارکت في قتله، فدفع إليه التميمي برأس حبيب فعلقه علي عنق فرسه وجال به بين الصفوف ثم أعاده إلي التميمي فعلقه علي عنق فرسه ودخل به الکوفة إلي دار الأمارة، فرآه قاسم بن حبيب بن مظاهر- وکان غلام مراهقاً- فجعل يمشي خلف التميمي فالتفت إليه التميمي وقال له: ما تريد يا غلام فقال قاسم: هذا رأس أبي ناولني إياه حتي أدفنه. فقال التميمي: أريد الجائزة من الأمير وهو لا يرضي بذلک. فقال قاسم: ولکن الله لا يجزيک إلا شر جزاء.
وبقي قاسم يراقب التميمي حتي اقتص منه فقتله في حملة مصعب بن الزبير.
[57] الحر بن يزيد الرياحي وهو بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن مي بن رياح يربوع بن حنظلة بن مالک بن زيد مناة بن تميم. وقيل لـ(عتاب): الردف، لأن الملوک تردفه..
بعدما قتل حبيب بن مظاهر الأسدي، خرج الحر بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين يحني ظهره فقاتلا ساعة، وأن فرس الحر لمضروب علي أذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه وهو يتمثل بقول عنترة بن شداد العبسي:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره
ولبانه حتي تسربل بالدم
ثم فرق الجيش بينهما، فجعل الحر يقاتل وحده ويرتجز:
إني أنا الحر ومأوي الضيف
أضرب في أعناقکم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف
أضربکم ولا أري مـن حيف
فقال الحصين بن تميم ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي کنت تتمني قتله. قال يزيد: نعم. وخرج إليه يطلب المبارزة، فما أسرع أن قتله الحر، ثم رمي أيوب بن مشرح الخيواني فرس الحر بسهم فعقره وشب به الفرس، فوثب عنه کأنه ليث، وبيده السيف وجعل يقاتل راجلاً حتي قتل نيفاً وأربعين وهو يقول:
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر
أشجع من ذي لبد هزبر
فجعل الناس يهزمون من بين يديه وهو يطاردهم ويقول:
آليت لا أقتل حتي أقتلا
ولن أصاب اليوم إلا مقبلا
أضربهم بالسيف ضرباً مقصلا
لا ناکلاً منهم ولا معللا
ثم شدت عليه الرجالة فصرعته وحملته أصحاب الحسين ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه- وهکذا يؤتي بکل قتيل إلي ذلک الفسطاط والحسين يقول:
قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين.
فلما أتي بالحر وکان به رمق التفت إليه الحسين وجعل يمسح الدم عنه ويقول:
أنت الحر کما سمتک أمک، وأنت الحر في الدنيا وفي الآخرة.
ورثاه رجل من أصحاب الحسين وقيل علي بن الحسين وقيل الحسين نفسه بالبيتين التاليين:
لنعم الحر حر بني رياح
صبور عند مشتبک الرماح
ونعم الحر إذ فـادي حسيناً
وجاد بنفسه عند الصباح
ولقد کان الحر من محتد کريم وکانت له سوابقه في الکوفة، ولکن لما حدث الانقلاب في الکوفة ولم يجد مهرباً من التعاون مع ابن زياد دون أن يفقد مکانته الاجتماعية کزعيم قومه غره الشيطان فانقاد لابن زياد، فأرسل إليه ابن زياد ليخرج علي رأس ألف فارس لإلقاء القبض علي الحسين وهو في طريقه إلي الکوفة فخرج الحر وهو يعلم أنه خارج عن دينه وإمام زمانه فسمع هاتفاً يسمع صوته ولا يري شخصه: أبشر يا حر بالجنة. فقال الحر في نفسه: ويل للحر يبشر بالجنة وهو يسير إلي الحرب ابن بنت رسول الله.
وما عرف الحر أن مصيره سيکون مع الحسين علي ابن زياد.
ومن الجانب الآخر کان الحسين يغادر بطن العقبة إلي شراف (شراف اسم رجل استخرج عيناً علي ميلين من واقصة ثم کثرت حولها الآبار ماؤها عذب) وعند السحر أمر الحسين فتيانه أن يسقوا من الماء ويکثروا، وفي نصف النهار سمع رجلاً من أصحابه يکبر فقال الحسين: لم کبرت؟ قال رأيت النخل. فأنکر من معه أن يکون بهذا الموضع نخل وإنما هو أسنة الرماح وآذان الخيل. فقال الحسين: وأنا أراه کذلک. ثم سألهم عن ملجأ يلجئون إليه فقالوا هذا ذو حُسَم (بضم الحاء المهملة وفتح السين، جبل کان النعمان بن المنذر يصطاد به).
فطلع عليهم الحر بن يزيد الرياحي مع ألف فارس بعثه ابن زياد ليحبس الحسين عن الرجوع إلي المدينة أينما يجده أو يقدم به إلي الکوفة.
فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين في حر الظهيرة وهم يتهالکون عطشاً فلما رأي الحسين ما بالقوم من عطش أمر أصحابه أن يسقوهم ويرشفوا الخيل فسقوهم وخيولهم عن آخرهم. ثم أخذوا يملأون القصاع والطساس ويدنوها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت وسقي آخر حتي سقوا الخيل کلها.
وکان علي بن الطعان المحاربي مع الحر فجاء آخرهم وقد أضر به العطش فقال له الحسين: أنخ الراوية (الراوية في لغة الحجاز هي الجمل، وفي لغة الکوفة هي القربة) فلم يفهم مراده فقال له الحسين: أنخ الجمل. ولما أراد أن يشرب جعل الماء يسيل من السقاء: فقال له الحسين: أخنث السقاء. فلم يدري ما يصنع فقام الحسين وعطف السقاء حتي ارتوي وسقي فرسه.
ثم أن الحسين استقبلهم فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إن معذرة إلي الله عز وجل وإليکم، وإني لم آتکم حتي أتتني کتبکم، وقدمت بها علي رسلکم: أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام، ولعل الله يجمعنا بک علي الهدي، فإن کنتم علي ذلک فقد جئتکم، فأعطوني ما اطمئن به من عهودکم ومواثيقکم، وإن کنتم لمقدمي کارهين انصرفت عنکم إلي المکان الذي جئت منه إليکم.
فسکتوا جميعاً.
وأذن الحجاج بن مسروق الجعفي لصلاة الظهر فقال الحسين للحر: أتصلي بأصحابک؟ قال: لا بل نصلي جميعاً بصلاتک. فصلي بهم الحسين.
وبعد أن فرغ من الصلاة أقبل عليهم فحمد الله وأثني عليه، وصلي علي النبي محمد وقال: أيها الناس إنکم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يکن أرضي لله، ونحن أهل بيت محمد أولي بولاية هذا الأمر، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان. وإن أبيتم إلا الکراهية لنا والجهل بحقنا، وکان رأيکم الآن علي غير ما أتتني به کتبکم انصرفت عنکم. فقال الحر: ما أدري ما هذه الکتب التي تذکرها. فأمر الحسين عقبة بن سمعان فأخرج خرجين مملوءين کتباً.
قال الحر: إني لست من هؤلاء. وإني أمرت أن لا أفارقک إذ لقيتک حتي أقدمک الکوفة علي ابن زياد. فقال الحسين: الموت أدني إليک من ذلک. وأمر أصحابه بالرکوب. ورکبت النساء، فحال الحر بينهم وبين الانصراف إلي المدينة. فقال الحسين للحر: ثکلتک أمک ما تريد منا؟
قال الحر: أما لو غيرک من العرب يقولها لي وهو علي مثل هذا الحال ما ترکت ذکر أمه بالثکل کائناً من کان، والله ما لي إلي ذکر أمک من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه. ولکن خذ طريقاً نصفاً بيننا، لا يدخلک الکوفة، ولا يردک إلي المدينة حتي أکتب إلي ابن زياد، فلعل الله، أن يرزقني العافية، ولا يبتليني بشيء من أمرک. إني أذکرک الله في نفسک، فإني أشهد لأن قاتلت لتقتلن. فقال الحسين:
أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بکم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول ما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرت رسول الله وآله:
سأمضي وما بالموت عار علي الفتي
إذا ما نـوي حقاً وجاهد مسلما
وواس الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مثـبوراً وخالـف مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم
کفي بک ذلاًّ أن تعـيش وترغما
فلما سمع الحر هذا منه تنحي عنه. فکان الحسين يسير بأصحابه في ناحية والحر ومن معه في ناحية حتي بلغ البيضة (وهي أرض واسعة لبني يربوع بن حنظلة ما بين واقصة إلي عذيب الهجانات) فوقف الحسين في أصحاب الحر وقال- بعد الحمد لله والثناء عليه-:
أيها الناس إن رسول الله قال. (من رأي سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرم الله، ناکثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عبادة الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول کان حقاً علي الله أن يدخله مدخله).
ألا وإن هؤلاء قد لزموا الشيطان وترکوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله.
وأنا أحق ممن غير. وقد أتتني کتبکم، وقدمت علي رسلکم ببيعتکم، أنکم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن أتممتم علي بيعتکم تصيبوا رشدکم، فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسکم، وأهلي مع أهليکم، ولکم في أسوة وإن لم تفعلوا، ونقضتم عهدکم، وخلعتم بيعتي من أعناقکم، فلعمري ما هي لکم بنکر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم، فالمغرور من اغتر بکم، فحظکم أخطأتم، ونصيبکم ضيعتم. ومن نکث فإنما ينکث علي نفسه، وسيغني الله عنکم، والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته.
وفي يوم عاشوراء لما سمع الحر خطب الحسين وأصحابه أقبل علي عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح فيه الأيدي. قال: ما لکم فيما عرضه عليکم من الخصال؟ فقال: لو کان الأمر إلي لقبلت ولکن أميرک أبي ذلک. فترکه الحر ووقف مع الناس. وکان إلي جنبه قرة بن قيس فقال لقرة: هل سقيت فرسک اليوم؟ قال: لا، قال: فهل تريد أن تسقيه- فظن قرة من ذلک أنه يريد الاعتزال، ويکره أن يشاهده- فترکه قرة فأخذ الحر يدنو من الحسين قليلاً، فقال له مهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل؟ فسکت، وأخذته الرعدة، فارتاب مهاجر من هذه الحال، وقال له: لو قيل لي من أشجع أهل الکوفة لما عدوتک فما هذا الذي أراه منک؟ فقال الحر: إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار علي الجنة شيئاً، ولو أحرقت.
ثم ضرب جواده نحو الحسين منکساً رمحه، قالباً ترسه، وقد طأطأ برأسه حياءً من آل الرسول مناجياً ربه:
اللهم إليک أنيب فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائک وأولاد نبيک.
ثم توجه نحو الحسين قائلاً: يا أبا عبد الله إني تائب فهل من توبة؟
فقال الحسين: نعم، يتوب الله عليک. فسرّه قوله.
فقال للحسين: لما خرجت من الکوفة نوديت: أبشر يا حر بالجنة. فقلت: ويل للحر يبشر بالجنة وهو يسير إلي حرب ابن بنت رسول الله.
فقال له الحسين: لقد أصبت خيراً وأجراً.
وکان مع الحر غلام ترکي انتقل معه إلي معسکر الحسين.
ثم استأذن الحسين في أن يکلم القوم، فأذن له، فنادي بأعلي صوته:
يا أهل الکوفة: لأمکم الهبل والعبر، إذ دعمتموه وأخذتکم بکظمه، وأحطتم به من کل جانب، فمنعتموه التوجه إلي بلاد الله العريضة، حتي يأمن وأهل بيته، وأصبح کالأسير في أيديکم، لا يملک لنفسه نفعاً ولا ضراً، وحلأتموه ونسائه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري، الذي يشربه اليهود والنصاري والمجوس، وتمرغ فيه الخنازير السواد وکلابه: وهاهم قد صرعهم العطش. بئسما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاکم الله يوم الظمأ.
فحملت عليه رجاله ترميه بالنبل، فتقهقر حتي وقف أمام الحسين.
[58] عبد الله بن عمير الکلبي.
بعد الحملة الأولي کان عبد الله بن عمير أول من بارز واستشهد.
فقد برز يسار مولي زياد بن أبيه، وسالم مولي عبيد الله بن زياد، فطلبا البراز، فوثب حبيب وبرير، فلم يأذن لهما الحسين، فقام عبد الله بن عمير واستأذن، فأذن له الحسين وقال: أحسبه للأقران قتالاً. فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفک، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير، وکان يسار قريباً منه، فقال له: يا بن الزانية أوَ بک رغبة عن مبارزتي؟ ثم شد عليه بسيفه يضربه، وبينا هو مشتغل به إذ شد عليه سالم، فصاح أصحابه: قد رهقک العبد. فلم يعبأ به، فضربه سالم بالسيف، فاتقاها عبد الله بيده اليسري فأطار أصابعه، ومال عليه عبد الله فقتله، ثم أقبل الحسين وهو يرتجز:
إن تنکروني فأنا ابن کلب
حسبي ببيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مره وعـصب
ولست بالخوار عند النکب
وأخذت زوجته أم وهب بنت عبد لله من النمر بن قاسط عموداً وأقبلت نحوه تقول له:
فداک أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فأراد أن يردها إلي الخيمة، فلم تطاوعه، وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول: لن أدعک دون أن أموت معک.
فناداها الحسين: جزيتم عن أهل بيت نبيکم خيراً. ارجعي إلي الخيمة، فإنه ليس علي النساء قتال. فرجعت.
وعبد لله بن عمير الکلبي من (بني عليم) وکنيته أبو وهب، وکان طويلاً شديد الساعدين، بعيد ما بين المنکبين، شريفاً في قومه، شجاعاً مجرباً.
[59] نافع بن هلال.
رمي بنبال مسمومة کتب اسمه عليها، وهو يقول:
أرمي بها معلمة أفواقها
مسمومة تجري بها أخفافها
ليملأن أرضها رشاقها
والنفس لا ينفعها إشفاقها
فقتل اثني عشر رجلاً سوي من جرح، ولما فنيت سهامه جرد وطلب البراز وهو يقول:
أنا ابن هلال الجـملي
أنا علي ديـن علي
فبرز إليه مزاحم بن حريث وقال: أنا علي دين عثمان. فقال نافع: أنت علي دين الشيطان، ثم حمل عليه نافع فقتله. فأرسل عمر بن سعد من يعزم علي الناس: أن لا يبارز أحد. فاقتحم نافع جموعهم وجعل يضرب بسيفه فيهم. فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتي کسروا عضديه وأخذوه أسيراً، فأمسک به الشمر- ومعه أصحابه- يسوقونه، فقال له ابن سعد: ما حملک علي ما صنعت بنفسک؟ قال: إن ربي يعلم ما أردت. فقال له رجل- وقد نظر إلي الدماء تسيل علي وجهه ولحيته-: أما تري ما بک؟ فقال: والله لقد قتلت منکم اثني عشر رجلاً سوي ما جرحت، وما ألوم نفسي علي الجهد، ولو بقيت لي عضد لما أسرتموني.
وجرد الشمر سيفه، فقال له نافع: والله يا شمر لو کنت من المسلمين لعظم عليک أن تلقي الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا علي يدي شرار خلقه. ثم قدمه الشمر وضرب عنقه.
[60] اختلفت النسخ في ألقابه، ففي هذه الزيارة وردت ألقابه: البجلي المرادي.
وفي بعض المقاتل الجملي المذحجي.
[61] أنس بن کاهل الأسدي:
کان شيخاً کبيراً، فلما أراد البراز شد وسطه بعمامة، ورفع حاجبيه بعصابة، واستأذن الحسين، ولما نظر إليه الحسين بهذه الهيئة بکي، وقال: شکراً لله لک يا شيخ.
فبرز وهو يقول وينشد:
قد علمت کاهلـها ودودان
والخندقيون وقيس عيلان
بأن قومي آفة للأقران
لدي الوغي وسادة في الفرسان
فقاتل وقتل- علي کبره- ثمانية عشر رجلاً ثم قتل.
وأنس بن الحارث صحابي رأي النبي وسمع حديثه، وشهد معه بدراً وحنيناً.
وروي: أنه رأي رسول الله- والحسين في حجره- وهو يقول:
ألا إن ابني هذا يقتل في أرض من أراضي العراق، فمن أدرکه فلينصره.
وهو الذي ذکره الکميت في قوله:
سوي عصبة فيها حبيب معفر
قضي نحبه والکاهلي مرمل
.
[62] اختلفت النسخ في ضبط اسمه.
ففي هذه الزيارة ورد اسمه: أنس بن کاهل الأسدي.
الشيخ عباس القمي في منتهي الآمال ج1 ص362: ضبط اسمه: أنس بن الحرث الأسدي الکاهلي.
عبد الرزاق المقرم في مقتل الحسين ص252 ضبط اسمه: أنس بن الحارث بن نبيه الکاهلي.
الشيخ السماوي في (أبصار العين) ص69 هکذا ضبط: (أنس بن الحرث بن بند بن کاهل بن عمرو بن صعب بن خزيمة الأسدي).
وکان قد جاء إلي الحسين (عليه السلام) عند نزوله کربلاء والتقي معه ليلاً فيمن أدرکته السعادة.
وکاهل، ودودان بطنان من بني أسد.
[63] نسبة إلي (صيدا) بطن من بني أسد، قال علماء السير: کان قيس رجلاً شريفاً من بني صيدا شجاعاً مخلصاً في محبة أهل البيت (عليهم السلام).
وکان رسول أهل الکوفة إلي الحسين (عليه السلام)، فقد کتب أهل الکوفة إلي الحسين (عليه السلام) کتباً يطلبون منه القدوم إليهم، وبعثوها مع جماعة أحدهم (قيس بن مسهر الصيداوي) إلي مکة المکرمة حيث کان الحسين (عليه السلام) ودخل مکة في شهر رمضان.
وکان أيضاً رسول الحسين (عليه السلام) إلي أهل الکوفة يحمل إليه رسالته، فلما وصل إلي القادسية قبض عليه حصين بن نمير- وکان علي خيل ابن زياد في المنطقة- وبعثه إلي عبيد الله بن زياد في الکوفة.
فسأله ابن زياد عن کتاب الحسين (عليه السلام)؟
فقال: خرقته.
قال: ولم؟
قال قيس: لئلاّ تعلم ما فيه.
قال: إلي من؟
قال: قوم لا أعرف أسماءهم.
قال ابن زياد: إن لم تخبرني فاصعد المنبر وسب الکذاب بن الکذاب- يعني: الحسين (عليه السلام)-.
فصعد قيس المنبر وقال: أيها الناس إن الحسين بن علي خير من خلق الله، وابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليکم، وقد فارقته بالحاجز من بطن الرمة فأجيبوه، ثم لعن عبيد الله ابن زياد، وأباه، ولعن يزيد بن معاوية وأباه، وصلي علي أمير المؤمنين (عليه السلام).
فأمر ابن زياد بالصعود إليه فوق القصر، ورمي به من أعلاه فتقطع ومات رضوان الله عليه [خلاصة ما ذکره عبد الرزاق المقرم، والشيخ محمد السماوي، والشيخ عباس القمي وغيرهم].
[64] قال الشيخ محمد السماوي في کتابه (أبصار العيون) ص125:
عبد الله بن عروة بن حراق الغفاري وأخوه عبد الرحمن بن عروة بن حراق الغفاري کان عبد الله وعبد الرحمن من أشراف الکوفة، ومن شجعانهم وذوي الموالاة منهم وکان جدهما (حراق) من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وممن حارب معه في حروبه الثلاث.
وجاء عبد الله وعبد الرحمن إلي الحسين (عليه السلام) بالطف.
وقال أبو مخنف: لما رأي أصحاب الحسين (عليه السلام) أنه قد کثروا وأنهم لا يقدرون علي أن يمنعوا الحسين (عليه السلام) ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه، فجاء عبد الرحمن وعبد الله ابنا عروة الغفارين فقالا: يا أبا عبد الله السلام عليک، حازنا العدو إليک فأحببنا أن نقتل بين يديک نمنعک وندفع عنک. فقال الحسين (عليه السلام): مرحباً بکما ادنوا، فدنوا منه، فجعلا يقاتلان قريباً منه، وأن أحدهما يرتجز ويتم له الآخر فيقولان:
قد علمت بنو غفار
وخندف بعـد بني نزار
لنضربن معشر الفجار
بکل غضـب صارم بتار
يا قوم ذودوا عن بني الأطـهار
بالمشرفـي والقنا الخطار
فلم يزالا يقاتلان حتي قتلا، وقيل أن عبد الله قتل في الحملة الأولي، وعبد الرحمن قتل مبارزة وقتل من القوم عشرين فارساً.
[65] جون بن حوي بن قتاده بن الأعور بن ساعدة، بن عون بن کعب بن حوي (من أهل النبوة) مولي أبي ذر الغفاري، اشتراه أمير المؤمنين بمائة وخمسين ديناراً، ووهبه لأبي ذر الغفاري ليخدمه، وکان العبد عند أبي ذر إلي أن أمر عثمان بن عفان بنفي أبي ذر من المدينة المنورة إلي الربذة، ولما خرج أبو ذر من المدينة، خرج العبد معه وکان هناک إلي أن توفي أبو ذر (رضوان الله عليه)- في 32 من الهجرة، ثم رجع العبد إلي المدينة، وانضم إلي بيت علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم بعده ابنه الحسن ثم بعده إلي الحسين (عليه السلام) وصحبه في سفره من المدينة إلي مکة ثم إلي العراق (کربلاء).
فلما نشب القتال وقف أمام الحسين يستأذنه في القتال؟ فقال له الحسين (عليه السلام): يا جون أنت في إذن مني قائماً تبعتنا طلباً للعافية فلا تقتل بطريقتنا، فوقع جون علي قدمي أبي عبد الله (عليه السلام) يقبلهما وهو يقول: يا بن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنا في الرخاء ألحس قصاعکم وفي الشدة أخذلکم، إن ريحي لنتن وأن حسبي للئيم وأن لوني لأسود فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي، ويشرف حسبي ويبيض لوني، لا والله لا أفارقکم حتي يختلط هذا الدم الأسود مع دمائکم، فأذن له الحسين (عليه السلام) فبرز وهو يرتجز ويقول:
کيف تري الفجار ضرب الأسود
بالمشرفي القاطع المهند
أذب عنهم باللسان واليد
أرجو بـه الجنة يوم المورد
فقاتل حتي قتل من القوم خمسة وعشرين رجلاً.
فوقف عليه الحسين (عليه السلام) وقال: اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآله (عليهم السلام).
وعن الصدوق (قدس سره) في الخصال عن الباقر عن أبيه (عليهما السلام): إن بني أسد الذين حضروا المعرکة ليدفنوا القتلي وجدوا جوناً بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسک.
[66] قال علماء السير: شبيب بن عبد الله النهشلي کان تابعياً من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضر معه حروبه الثلاثة، وبعده انضم مع الحسن بن علي ثم مع الحسين- (عليهم السلام)- وکان من خواص أصحابه فلما خرج الحسين من المدينة إلي مکة خرج معه وکان مصاحباً له إلي أن ورد الحسين (عليه السلام) کربلاء.
فلما کان يوم الطف تقدم إلي القتال فقتل في الحملة الأولي مع من قتل قبل الظهر.
وفي قول: قيل مبارزة والله أعلم.
[67] حجاج بن زيد بن سعد تميمي بصري حامل کتاب أهل البصرة- ومنهم يزيد بن مسعود النهشلي- إلي الحسين (عليه السلام) في کربلاء.
وبقي في کربلاء مع الحسين (عليه السلام)، وکان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين، وقتل في الحملة الأةلي يوم عاشوراء.
[68] قال الشيخ محمد السماوي في (أبصار العين) ص(137): قاسط أخوة کردوس، وأخوه [الآخر] مقسط کانوا من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن المجاهدين بين يديه في حروبه، صحبوه أولاً، ثم صحبوا الحسن (عليه السلام)، ثم بقوا في الکوفة ولهم ذکر في الحروب ولا سيما صفين.
ولما ورد الحسين (عليه السلام) کربلاء خرجوا إليه فجاءوا وقتلوا بين يديه.
[69] کنانة بن عتيق بن معاوية بن الصامت فارس رسول الله (صلي الله عليه وآله).
قال علماء السير: کان کنانة بن عتيق بطلاً من أبطال الکوفة، وعابداً من عبادها، وقارئاً من قرائها جاء إلي الحسين (عليه السلام) في الطف، وجاهد بين يديه حتي قتل.
واختلفوا في أنه قتل في الحملة الأولي، أو مبارزة.
[70] قال الشيخ السماوي (رحمة الله عليه) في کتابه (أبصار العين) ص(137): ضرغامة بن مالک التغلبي کان- کاسمه- ضرغاماً، وکان من الشيعة ممن بايع مسلماً فلما خذل خرج فيمن خرج مع ابن سعد إلي کربلاء، ومال إلي الحسين (عليه السلام)، فقاتل معه وقتل بين يديه مبارزة بعد صلاة الظهر (رضي الله عنه).
وقال أبو مخنف: ثم برز ضرغامة بن مالک وهو يرتجز ويقول:
إليکم من مالک ضـرغام
ضرب فتي يحمي عن الکرام
يرجـو ثواب الله بالتـمام
سبحانه من مالک علام
ثم حمل علي القوم فقاتل قتال الرجل الباسل وصبر علي الخطب الهائل حتي قتل ستين فارساً سوي من جرح، ثم قتل رضوان الله عليه.
[71] قال صاحب (أبصار العين) الشيخ السماوي (قدس سره):
کان جوين بن مالک التميمي نازلاً من بني تميم. فخرج فيمن خرج إلي حرب الحسين (عليه السلام)، وکان من الشيعة، فلما رأي جوين بن مالک ردت الشروط علي الحسين (عليه السلام) مال معه فيمن مال من عشيرته ورحلوا إلي الحسين (عليه السلام) ليلاً وکان عددهم سبعة. يذکر کل واحد فيهم في محلة.
[72] قال ابن حجر العسقلاني (الشافعي) في الإصابة: هو عمرو بن ضبعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي، له ذکر في المغازي والحروب، وکان فارساً شجاعاً له إدراک. وقال أبو مخنف: حدثني فضيل بن خديج الکندي: أن عمرو بن ضبعة بن قيس کان ممن خرج مع عمر بن سعد إلي حرب الحسين (عليه السلام)، فلما ردوا الشروط علي الحسين مال إليه، ثم دخل في أنصار الحسين (عليه السلام) مع من دخل وقاتل بين يديه حتي قتل في الحملة الأولي مع من قتل (رضوان الله عليه).
[73] قال علماء السير: إن يزيد بن ثبيط القيسي العبدي البصري من عبد قيس، وأبناء عبد الله وعبيد الله له ذکر في الحروب والمغازي.
وقال ابن حجر العسقلاني (الشافعي) في الإصابة: يزيد بن ثبيط العبدي من الشيعة ومن أصحاب أبي الأسود الدؤلي وکان شريفاً في قومه.
وعن أبي مخنف عن أبي مخارق الرأس قال: اجتمع الناس من الشيعة في منزل امرأة من عبد قيس يقال لها (مارية ابنة سعد) أو (منقذ) وکانت تتشيع، وکان دارها مألفاً للشيعة يجتمعون فيها ويتحدثون، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين (عليه السلام) ومکاتبة أهل العراق له فکتب إلي عامله بالبصرة: أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق.
فأجمع [أي: عزم] يزيد ابن ثبيط للخروج إلي الحسين (عليه السلام) وکان له عشرة بنين، فدعاهم إلي الخروج معه، وقال: أيکم يخرج معي متقدماً؟ فانتدب معه اثنان (عبد الله) و(عبيد الله) فقال لأصحابه في بيت تلک المرأة: إني قد أزمعت علي الخروج، وأنا خارج، فمن يخرج معي؟
فقالوا له: إنا نخاف عليک أصحاب ابن زياد.
فقال: إني والله إن لو قد استوت أخفافها بالجود لهان علي طلب من طلبني.
ثم خرج هو وأبناؤه، وصحبه عامر بن مسلم العبدي، ومولاه سالم مولي عامر، وسيف بن مالک العبدي، والأدهم بن أمية العبدي الذين يذکر کل واحد منهم عند ورود ذکره في الزيارة.
وقوي في الطريق حتي انتهي إلي الحسين (عليه السلام) فدخل بالإبطح من مکة، فاستراح في رحله، ثم خرج إلي الحسين (عليه السلام)، وبلغ الحسين مجيئه، فجعل يطلبه حتي جاء إلي رحله، فجلس الحسين (عليه السلام) في رحله ينتظره، وأقبل يزيد لما لم يجد الحسين (عليه السلام) في منزله وسمع أنه ذهب إليه راجعاً علي أثره، فلما رأي الحسين (عليه السلام) في رحله قال:
(بفضل الله وبرحمته فبذلک فليفرحوا) سورة يونس (عليه السلام) آية 58.
السلام عليک يا بن رسول الله. ثم سلم عليه وجلس إليه وأخبره بالذي جاء له [يعني: نصرة الحسين (عليه السلام)] فدعا له الحسين (عليه السلام) بخير، ثم ظم رحله إلي رحل الحسين (عليه السلام)، وما زال معه حتي قتل بين يديه (في الطف) مبارزة.
وقتل ابناه عبد الله وعبيد الله في الحملة الأولي مع من قتل رضوان الله عليهم.
وسيأتي ذکر هؤلاء کلهم تباعاً.
[74] عن ابن شهر آشوب في المناقب والعلامة المجلسي في البحار والشيخ السماوي في أبصار العين أنهم قالوا: (ومن المقتولين في الحملة الأولي يوم الطف عبد الله وعبيد الله ابنا يزيد بن ثبيط القيسي البصري).
وقد ذکر بعض تاريخهما عند ذکر أبيهما.
[75] کان عامر بن مسلم العبدي من الأشراف في البصرة، فخرج إلي الحسين (عليه السلام) وهو في مکة، فالتحق معه، وظل معه حتي قتل في الحملة الأولي يوم عاشوراء (رضوان الله عليه) وقد ذکر بعض تاريخه في ترجمة يزيد بن ثبيط.
[76] ذکر المؤرخون: أن قعنباً کان رجلاً بصرياً من الشيعة الذين بالبصرة، ولما جاء الحجاج بن بدر التميمي العدوي بکتاب مسعود بن عمرو النهشلي إلي الحسين (عليه السلام)، جاء معه قعنب إلي الحسين وانضم إليه وبقي عنده إلي يوم الطف، فلما شب القتال تقدم بين يدي الحسين (عليه السلام) وجاهد حتي قتل في الحملة الأولي مع من قتل رضوان الله عليه وعليهم.
وقال بعضهم قتل مبارزة.
[77] کان من الثقات التابعين، ومن شيعة البصرة، خرج هو مع مولاه وجمع آخر إلي الحسين (عليه السلام)، والتحقوا به في مکة المکرمة، وبقوا معه حتي استشهدوا يوم عاشوراء بأرض الطف في الحملة الأولي.
[78] سيف بن مالک العبدي البصري، وکان من شيعة البصرة، وخرج فيمن خرج مع يزيد بن ثبيط العبدي، والتحقوا بالحسين (عليه السلام) في مکة وما زالوا معه حتي قتلوا في يوم عاشوراء، فقيل أن سيف هذا قتل مبارزة بعد الظهر، وقيل أنه قتل في الحملة الأولي.
[79] لم أجد ذکره سوي أنه حضر کربلاء وقتل يوم عاشوراء مع الحسين (عليه السلام) في الحملة الأولي.
[80] ذکر المؤرخون:
أن يزيد بن مغفل کان من الشجعان وکان من الشعراء.
وله إدراک مع النبي (صلي الله عليه وآله) وشهد حرب القادسية هو مع أخيه زهير بن مغفل.
وکان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحارب معه في صفين.
ثم بعثه علي (عليه السلام) إلي حرب الخريت بن راشد الناجي من بني ناجية بأرض الأهواز، وکان يزيد الجعفي هذا علي ميمنة العسکر.
والتحق بالحسين (عليه السلام) في مکة، وما زال معه حتي عاشوراء.
فلما التحم القتال استأذن يزيد بن مغفل الحسين (عليه السلام) في البراز، فأذن له، فتقدم أمام القوم وهو يرتجز ويقول:
أنا يزيد وأنا ابن معـفل
وفي يميـني نصل سيف مصقل
أعلو به الهامات وسط القسطل
عن الحسين الماجد المفضل
فقاتل قتال الأبطال، وقتل من القوم نيفاً وعشرين رجلاً ثم قتل رضوان الله عليه.
[81] کان الحجاج بن مسروق مؤذن الحسين (عليه السلام) في أوقات الصلوات.
وکان من شيعة الکوفة، صحب أمير المؤمنين (عليه السلام).
ولما خرج الحسين (عليه السلام) إلي مکة، خرج إليه من الکوفة لملاقاته، فصحبه وکان مؤذناً له ولما وقع القتال يوم عاشوراء بأرض الطف، استأذن الحجاج بن مسروق الحسين (عليه السلام) في البراز فأذن له فجعل يرتجز ويقول:
أقدم حسيـناً هادياً مهدياً
اليوم ألقي جدک النبيا
ثم أباک ذا الندي عليا
ذاک الذي نعرفه وصيا
والحسن الخير الرضي وليا
وأسد الله الشهيد الحيا
وذا الجناحين الفتي الکميا
فاطمة والطاهر الزکيا
ومن مضي من قبله تقيا
فالله قد صـيرني وليا
في حبکـم أقاتل الدعيا
وأشهدن الشهيد الحيا
لتبشروا يا عترة النبيا
بجنة شرابها مريا
والحوض حوض المرتضي عليا
فناداه الحسين (عليه السلام): نعم وأنا ألقاهما علي أثرک.
فجعل يقاتل حتي قتل من القوم ثمانية عشر رجلاً، وفي رواية أخري خمسة وعشرين رجلاً، سوي من جرح، ثم قتل رضوان الله عليه.
[82] کان مسعود وابنه عبد الرحمن من الشيعة المعروفين، ولمسعود ذکر في المغازي والحروب، وکانا شجاعين مشهورين.
ولما خرج عمر بن سعد إلي حرب الحسين (عليه السلام)، خرجا معه من الکوفة إلي کربلاء، حتي إذا وجدا فرصة جاءا إلي الحسين والتحقا به يوم السابع من محرم، وبقيا معه حتي يوم عاشوراء.
فلما قامت الحرب قتلا مع من قتل في الحملة الأولي (رضوان الله عليهما).
[83] کان مجمع هذا تابعياً له ذکر في صفين، وکان أبوه عبد الله من أصحاب رسول الله (صلي الله عليه وآله) التحق مع جماعة من أهل الکوفة بالحسين (عليه السلام) وهو في طريقه إلي کربلاء عند (عذيب الهجانات) وکان هناک قد التقي بالحسين (عليه السلام) الحر بن يزيد الرياحي وأصحابه، فمانعه الحر عن الالتحاق بالحسين، لکنه وصل إلي الحسين وأدخله الحسين وأدخل أصحابه کلهم في رحاله.
قالوا: برز أول القتال من يوم عاشوراء هو وعمرو بن خالد وجابر بن الحرث السلماني وسعد مولي عمرو فلما وغلوا عطف عليهم أهل الکوفة، وفصلوهم عن أصحاب الحسين، وحالوا بينهم وبين مخيم الحسين (عليه السلام)، فلما نظر الحسين إلي ذلک ندب إليهم أخاه العباس (عليه السلام)، فحمل العباس علي القوم وحده، يضرب فيهم بسيفه حتي کشفهم فاستنقذهم فجاءوا، ثم شد عليهم الأعداء، فشدوا علي الأعداء، واقتتلوا حتي قتلوا رضوان الله عليهم. وترحم عليهم الحسين صلوات الله عليه.
[84] لم أجد له ذکراً إلا أنه قتل مع الحسين بن علي (عليهما السلام) في کربلاء، يوم عاشوراء فيمن قتل معه من أصحابه وأنصاره وأهل بيته رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.
[85] لم يذکر في کتب الرجال والتراجم- کما قيل- لکن يظهر من هذه الفقرة من هذه الزيارة أنه قتل مع الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء (رضوان الله عليه).
[86] وضبطه بعضهم: جندب بن حجير، هو من أهل الکوفة، وقيل کان له صحبة لرسول الله (صلي الله عليه وآله) کان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحضر معه صفين، وکان أمير علي کندة والأزد.
التحق بالحسين (عليه السلام) في الحاجز من بطن رمة قبل أن يلتقي به الحر بن يزيد الرياحي، فالتزمه إلي کربلاء حيث قتل يوم عاشوراء بين يدي الحسين (عليه السلام).
[87] هو من أهل الکوفة، من بني أسد، التحقق في جمع من أهل الکوفة بالحسين (عليه السلام) فلما بلغهم أنه في الطريق إلي کربلاء، فسلموا عليه فقال لهم الحسين (عليه السلام): أما والله إني لأرجو أن يکون خيراً ما أراد الله بنا وقتلنا أم ظفرنا (قالوا) ولما رآهم الحر بن يزيد الرياحي أقبل إليهم وقال للحسين: إن هؤلاء النفر من أهل الکوفة ليسوا ممن أقبل معک، وأنا حابسهم أو رادهم، فقال الحسين (عليه السلام) للحر: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد کنت أعطيتني أن لا تتعرض لي بشيء حتي يأتيک کتاب من عبيد الله بن يزيد. فقال (عليه السلام): هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فإن تممت علي ما کان بيني وبينک وإلا ناجزتک فکف عنهم الحر. والتزم الحسين (عليه السلام)- قيل هو وابنه معه أيضاً- حتي ورد الحسين (عليه السلام) کربلاء کان يوم عاشوراء، فلما شب القتال تقدم عمرو بن خالد واستأذن في القتال فأذن له، فبرز إليهم وهو يقول ويرتجز:
إليک يا نفس إلي الرحمن
فابشري بالـروح والريحان
اليوم تجزين علي الإحسان
قد کان منک غابر الزمان
ما خط في اللوح لدي الأديان
لا تحزني فکـل حي فان
والصبر أحظي لـک بالإيمان
فقاتل حتي قتل رضوان الله عليه.
[88] وضبط أيضاً (سعد بن عبد الله) قالوا: کان سعد شريفاً، فاضلاً، فلما سمع بمجيء الحسين (عليه السلام) وأراد مولاه الالتحاق بالحسين صحب مولاه، وکان من الحاجز في بطن الرمة، ملازماً للحسين (عليه السلام) حتي قتل بين يديه يوم عاشوراء.
[89] وکنيته أبو الشعثاء، وکان رجلاً شريفاً شجاعاً ضرغاماً، خرج من الکوفة إلي الحسين (عليه السلام)، فصادفه في الطريق قبل أن يصل الحر بن يزيد الرياحي إليه، فلازمه حتي أتي کربلاء. وکان أبو الشعثاء عند الحسين إذا جاء رسول عبيد الله بن زياد إلي الحر يأمره بأن يجعجع بالحسين وأصحابه، فنظر أبو الشعثاء إلي رسول ابن زياد فعزله فقال: أمالک بن نسم العبدي؟ قال نعم- وکان أحد کندة- فقال له أبو الشعثاء: ثکلتک أمک ماذا جئت فيه؟ فقال ما لک: ما جئت فيه إطاعة إمامي ووفيت بيعتي، فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربک، وأطعت إمامک من هلاک نفسک، کسبت العار والنار قال الله عز وجل: (وجعلناهم أئمةً يدعون إلي النار ويوم القيامة لا ينصرون) القصص آية41 فهو إمامک.
قال الشيخ الصدوق قدس سره: فلما کان اليوم العاشر. قاتل شجعان أهل الکوفة، وکان رامياً، فرمي مائة سهم لم يسقط منها سوي خمسة أسهم، وکان الحسين (عليه السلام) يدعو له قيقول: اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة.
ثم قال للحسين: أوفيت يا بن رسول الله؟
قال (عليه السلام): نعم أنت أمامي في الجنة.
فحمل القوم عليه من کل جانب وقتلوه رضوان الله عليه.
[90] قالوا: کان بطلاً مجرباً شجاعاً مشهوداً محباً لأهل البيت (عليهم السلام) معروفاً، وکان قد أخذ مع مولاه عمرو بن الحمق الخزاعي إلي معاوية في الشام، لکنه أفلت في الطريق في الموصل- بأمر مولاه- وکان يعيش متوارياً حتي هلک معاوية ولحق بالحسين (عليه السلام) في مکة ولازمه حتي کربلاء، وقاتل يوم عاشوراء، وقتل في الحملة الأولي.
وضبطه أيضاً (زاهد) وکان من أصحاب رسول الله (صلّي الله عليه وآله) الذين بايعوه تحت الشجر، وشهد الحديبية وخيبر، وروي عن النبي (صلّي الله عليه وآله).
[91] کان جبلة من أصحاب علي (عليه السلام) وشهد معه صفين، وکان شجاعاً من شجعان الکوفة قام مع مسلم بن عقيل أولاً، فلما خذل وقتل مسلم فر واختفي عند قومه، فلما جاء الحسين إلي کربلاء جاء إليه أيام المهادنة ولما نشب القتال يوم الطف تقدم جبلة بين يدي الحسين (عليه السلام) فقاتل مبارزاً حتي قتل، وقيل قتل في الحملة الأولي.
[92] قال أهل السير: کان سالم فارساً شجاعاً خرج مع مسلم بن عقيل أولاً، ولما تخاذل الناس عن مسلم قبض عليه کثير بن شهاب التميمي مع جماعة من الشيعة فأراد تسليمه إلي عبيد الله بن زياد مع أصحابه الذين کانوا معه فأفلت واختفي عند قومه فلما سمع نزول الحسين بن علي إلي کربلاء خرج إليه أيام المهادنة، فانضم إلي أصحابه الذين کانوا مع الحسين من الکلبيين ثم لم يزال مع الحسين (عليه السلام) حتي قاتل فقتل رضوان الله عليه.
[93] کان من أهل الکوفة، قالوا: وأدرک صحبة النبي (صلّي الله عليه وآله) وشهد فتح مصر أيضاً، وکانت رجله قد أصيبت يوم الجمل وجرح ساقه فيه.
فجاء إلي الحسين (عليه السلام) فوافاه في کربلاء، وبقي معه حتي يوم عاشوراء حيث قاتل القوم مقاتلة وقتل رضوان الله عليه.
[94] کان زهير بن سليم بن عمر الأزدي من أهل الکوفة، والتحق بالحسين (عليه السلام) في الليلة العاشرة من محرم عندما رأي عزم بن سعد علي قتال الحسين (عليه السلام)، فانضم إلي أصحابه الأزديين الذين کانوا مع الحسين (عليه السلام).
[95] قالوا: کان القاسم بطلاً شجاعاً وفارساً معروفاً من شيعة الکوفة، خرج مع عمر بن سعد إلي کربلاء ومال إلي الحسين (عليه السلام) أيام المهادنة، وکان معه حتي التحم القتال يوم عاشوراء، فقاتل بين يدي الحسين (عليه السلام)، حتي قتل في الحملة مع من قتل من أصحاب الحسين رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.
[96] قالوا: الحضرمي الأصل الکوفي المسکن، کان من زعماء الشيعة، وحضر مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين، وکان من أعوان حجر بن عدي، فلما قبض زياد بن أبيه علي حجر وأصحابه وأرسلهم إلي الشام هرب عمرو بن جندب وکان متوارياً حتي هلک زياد فرجع إلي الکوفة وکان بها إلي أن هلک معاوية، وکان عمرو بن جندب ممن بايعوا مسلم بن عقيل، فلما قبض علي مسلم ولحق بالحسين (عليه السلام) في طريقه إلي کربلاء وکان معه حتي يوم عاشوراء إذ قاتل بين يدي الحسين (عليه السلام) وقتل في الحملة الأولي.
[97] وضبطه بعضهم (الصيداوي) وهو بطن من همدان.
قالوا: کان تابعياً وکان من فرسان العرب ووجوه الشيعة، ومن أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد شهد معه مشاهدة کلها. وکان ممن اجتمع في دار سليمان بن صرد الخزاعي- بعد هلاک معاوية- وکتب إلي الحسين (عليه السلام) يستقدمه من مکة إلي الکوفة. ولما قتل مسلم بن عقيل، طلبه ابن زياد فاختفي أبو تمامة، والتحق بالحسين (عليه السلام) في طريق کربلاء.
وعن حميد بن مسلم: أن أباه تمامة الصائدي لما رأي الشمس يوم عاشوراء زالت وأن الحرب قائمة علي ساق فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد والاثنان فيتبين ذلک منهم لقلتهم ويقتل من أصحاب عمر بن سعد العشرة فلا يتبين فيهم ذلک لکثرتهم فقال أبو تمامة للحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله نفسي لنفسک الفداء أري هؤلاء قد اقتربوا منک ولا والله حتي أقتل دونک إن شاء الله وأجد أن ألقي الله ربي وقد صليت هذه الصلوات التي قد دنا وقتها، فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه إلي السماء ثم قال (عليه السلام): ذکرت الصلاة جعلک الله من المصلين الذاکرين، نعم هذه أول وقتها، ثم قال (عليه السلام): سلوهم أن يکفوا عنا الحرب حتي نصلي، فقال الحصين بن نمير: إنها لا تقبل منکم، فرد عليه حبيب بن مظاهر.. (ثم) أن أبا تمامة الصائدي قال للحسين (عليه السلام) وقد صلي الحسين (عليه السلام) صلاة الخوف لأن القوم کانوا مهاجمين عليهم: يا أبا عبد الله إني قد هممت أن ألحق بأصحابي وکرهت أن أتخلف وأراک وحيداً من أهلک قتيلاً، فقال الحسين (عليه السلام): تقدم فأنا لا حق بک عن ساعة، فتقدم وقاتل حتي أثخن بالجراحات ثم قتل رضوان الله عليه.
[98] وهو من همدان، وضبطه بعضهم (الشبامي) وشبام اسم جبل سکنه حنظلة بن أسعد.
قالوا: کان من وجوه الشيعة ذا لسان وفصاحة، وکان قارئاً، وکان شجاعاً التحق بالحسين (عليه السلام) في کربلاء، وکان رسول الحسين (عليه السلام) إلي عمر بن سعد أيام المهادنة.
وبقي يوم عاشوراء حتي قتل معظم أصحاب الحسين (عليه السلام)، ولم يبقي معه بضعة نفر، فجاء أمام الحسين يقيه السيوف والرماح بوجهه ونحره، واستأذن الحسين (عليه السلام) في البراز، وجعل يعظ أهل الکوفة فقال له الحسين (عليه السلام):
(يا بن سعد رحمک الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليک ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليک ولأصحابک، فکيف بهم الآن قد قتلوا إخوانک الصالحين).
قال: صدقت يا بن رسول الله أفلا نروح إلي ربنا ونلحق بإخواننا الصالحين (فقال) له الحسين (عليه السلام): اذهب إلي ما هو خير لک من الدنيا وما فيها إلي ملک لا يبلي. فسلم علي الحسين سلام الوداع، وتقدم إلي القوم مصلتاً سيفه يضرب فيهم قدماً حتي احتوشوه وقتلوه في حومة الحرب رضوان الله عليه.
[99] کان أبوه عبد الله من أصحاب الرسول (صلّي الله عليه وآله) وکان عبد الرحمن تابعياً وجيهاً شجاعاً مقداماً.
قال علماء السير: لم بلغ أهل الکوفة هلاک معاوية وخرج الحسين (عليه السلام) إلي مکة اجتمع جماعة من الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، واتفقوا علي أن يکتبوا إلي الحسين (عليه السلام) يسألونه القدوم عليهم ليسلموا الأمر إليه ويطردوا النعمان بن بشير عامل يزيد بن معاوية، فکتبوا إلي الحسين وسرحوا الکتاب إليه إلي مکة مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن الکدن الأرجي- هذا- وعمارة بن عبيد السلولي، فحملوا معهم نحواً من ثلاثة وخمسين صحيفة من الرجل، والاثنين، وأربعة، يدعون فيها کل صحيفة من جماعة، وکان قاصد الثاني عبد الرحمن الأرجي... فدخل مکة هو وأصحابه الذين کانوا معه الأثني عشر ليلة خلت من شهر رمضان وتلاقت الرسل ثمة: ثم أرسل الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل إلي الکوفة ومعه جماعة، ومنهم عبد الرحمن بن الکدن الأرجي، فوافوا الکوفة، فلما قتل مسلم بن عقيل رجع عبد الرحمن إلي الحسين (عليه السلام) نحو مکة والتحق به في الطريق وکان معه حتي يوم عاشوراء، فلما رأي الحال استأذن في البراز- بعد صلوة الظهر- فأذن له الحسين (عليه السلام) فتقدم أمامه يضرب فيهم بسيفه وأخذ يرتجز ويقول:
صبراً علي الأسياف والأسنة
صبراً عليها لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنه
يا نفس للـراحة فاجهدنه
وفي طلاب الخير فارغبنضه
ولم يزل يقاتل حتي قتل من القوم جماعة، ثم قتل رضوان الله عليه.
[100] وبعضهم ضبطه هکذا: عمارة بن أبي سلامة بن عبد الله الدالاني الهمداني.
وقالوا: وبنو دالان بطن من همدان.
وقالوا: کان صحابياً له إدراک، وکان مع أمير المؤمنين (عليه السلام) شهد مشاهده کلها.
وفي کامل ابن الأثير: أنه من خواص أمير المؤمنين ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الثلاث.
التحق بالحسين (عليه السلام)، وقاتل دونه يوم عاشوراء حتي قتل في الحملة الأولي.
[101] وقال بعضهم: الشاکري الهمداني الکوفي، وبنو شاکر بطن من همدان، وهم معروفون بولائهم لأمير المؤمنين (عليه السلام).
قالوا: کان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً عابداً ناسکاً مجتهداً خطيباً.
فلما قدم مسلم بن عقيل إلي الکوفة خطب أمامه عند جمع غفير من الناس، وأظهر تفانيه فيهم. ولما ورد الحسين (عليه السلام) کربلاء التحق به.
ولما کان يوم عاشوراء وقف أمام الحسين قائلاً: السلام عليک يا أبا عبد الله، أما والله ما أمسي علي وجه الأرض قريب أو بعيد أعز علي ولا أحب إلي منک... واستأذن الحسين وبرز وقتل من القوم مقتلة عظيمة، فتعطفوا عليه من کل جانب فقتلوه واحتزوا رأسه، وتناوشه الرجال کل منهم يقول أنا قتلته، فقال عمر بن سعد: لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد کلکم قتلتموه ففرق بينهم بهذا القول.
[102] شوزب بن عبد الله الهمداني الشاکري الکوفي، کان صحابياً أدرک النبي (صلّي الله عليه وآله) واشترک مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في حروبه الثلاث، وکان عابداً، شجاعاً، من وجوه الشيعة بالکوفة، وحافظاً للحديث، وأخذ أهل الکوفة العلم والحديث عنه.
قال أبو مخنف: صحب شوزب عابساً مولاه من الکوفة إلي مکة حاملاً معه کتاب مسلم بن عقيل إلي الحسين (عليه السلام) بعد بيعة الناس لمسلم وبقي مع عابس يصحب الحسين (عليه السلام) من مکة إلي کربلاء.
ونفي العلامة المامقاني (قدس سره) في رجاله أن يکون شوزب هذا مولي عابس، وقال: أن مقامه أجل من عابس من حيث العلم والتقوي.
ولما التحم القتال حارب شوزب أولاً، ثم دعاه عابس فاستخبره عما في نفسه فأجاب بقوله نعم، فعاد إلي القتال، وقاتل قتال الأبطال حتي قتل من القوم جماعة کثيرة ثم قتل رضوان الله عليه.
[103] وذکر ضبطه بعضهم هکذا: شبيب بن عبد الله مولي الحرث بن سريع الکوفي وقال بعضهم هو سيف بن الحارث بن سريع الذي ستأتي ترجمته.
قال أهل السير: کان صحابياً أدرک النبي (صلّي الله عليه وآله) وسمع حديثه، وشهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشاهد کلها، وکان من الکوفيين.
کان بطلاً شجاعاً، والتحق بالحسين (عليه السلام) مع سيف بن الحارث ومالک بن عبد الله بن سريع.
وقتل في الحملة الأولي التي قتل فيها العشرات من أصحاب الحسين (عليه السلام) قبل الظهر من يوم عاشوراء، رضوان الله عليه وعليهم أجمعين.
[104] هکذا ضبطه الاسترابادي في رجاله: مالک بن عبد الله بن سريع الهمداني الجابري.
قال الشيخ محمد السماوي: بنو جابر بطن من همدان، کان سيف ومالک الجابريان ابني عم، وأخوين لأم جاءا إلي الحسين (عليه السلام)- في کربلاء أيام المهادنه- ودخلا في عسکر الحسين ومعهما شبيب مولاهما، فانضموا جميعاً إلي الحسين (عليه السلام). (وعن ابن تمام أنه لما رأيا الحسين (عليه السلام) في عاشوراء بتلک الحالة جاءا إليه وهما يبکيان، فقال لهما الحسين (عليه السلام): أي ابني أخي ما يبکيکما (فوالله إني لأرجو أن تکون بعد ساعة قريري العين؟) فقالا: جعلنا الله فداک يا بن رسول الله ما علي أنفسنا نبکي ولکن نبکي عليک. نراک قد أحاط بک القوم کالحلقة ولا نقدر أن نمنعک بأکثر من أنفسنا، فقال الحسين (عليه السلام): جزاکم الله يا ابني أخي بوجدکما ومواساتکما إياي بأنفسکما أحسن جزاء المتقين، فاستقدما أمام الحسين وهما يتسابقان إلي القوم ويلتفتان إلي الحسين (عليه السلام) ويقولان: السلام عليک يا أبا عبد الله السلام عليک يا بن رسول الله (ويقول) الحسين: وعليکما السلام ورحمة الله وبرکاته، ثم جعلا يقاتلان جميعاً وأن أحدهما ليحمي ظهر صاحبه لأنه القريب من المخيم وهما يسمعان العويل والبکاء من النساء والأطفال فقاتلا حتي قتلا في مکان واحد رضوان الله عليهما.
[105] نقل العلامة الزنجاني في (وسيلة الدارين) أنه قد أتي الحسين (عليه السلام) من الکوفة أيام المهادنة وبقي معه وقاتل دونه حتي صرع وأخذ إلي ابن سعد أسيراً، وأراد ابن سعد قتله فتشفع له بنو عمومته حتي ترکه وبقي مريضاً مات علي أثره بعد ستة أشهر.
[106] بنو جندع بطن من همدان، وکان عمرو هذا ممن أتي للحسين (عليه السلام) والتحق في کربلاء أيام المهادنة- بين ورود الحسين إلي کربلاء وبين سد المشرعة عليه- وکان ممن بقي مع الحسين (عليه السلام) بعدما قتل أصحابه وأنصاره، فلما أحاط القوم بالمخيم تقدم إلي القتال وقاتل حتي وقع إلي صريعاً مرتثاً بالجراحات، (المرتث) هو الذي حمل من المعرکة رتيثاً أي مجروحاً به رمق- قد وقعت ضربة علي رأسه بلغت- فاحتمله قومه وبنو عمومته، وبقي عند قومه مريضاً من تلک الضربة طريح الفراش سنة کاملة حتي توفي علي رأس السنة رضوان الله عليه.