ظاهرة اليأس
الأولي: ظاهرة اليأس منه، فقد طالت فترة غيابه، أکثر مما کان يتوقع، فقد تفانت الأجيال تلو الأجيال وهي تترقب ظهوره سنة بعد سنة، وأسبوعاً بعد أسبوع، وربما يوماً بعد يوم، وکم کان الذين وجدوا بعض علائم ظهوره، فوقفوا علي أهبة الاستعداد لتلبية ندائه، وما کانوا يرقدون في الليل إلا ويتوسدون أسلحتهم، حتي إذا أهاب بهم المنادي، لا يکون لديهم ما يعوقهم عن الإسراع إليه؟.. وکم کان الذين قرأوا في الأحاديث: أن توقيت ظهوره يصادف يوم الجمعة، فألزموا أنفسهم بالخروج إلي الصحراء صبيحة أيام الجمعة بکامل أسلحتهم، حتي إذا خرج يلتقيهم وکأنهم علي موعد؟... وکم کان الذين رأوا في المنام أشياء أو قرأوا أحاديث، فطبقوها علي وقت معين، فبادروا إلي تصفية حساباتهم قبل ذلک الوقت، حتي إذا خرج وقتلوا بين يديه لا يکون عليهم شيء من حقوق الناس أو من حقوق الله؟... وکم کان الذين يؤجّلون تصفية حسابات خصومهم إلي حين ظهوره، حتي يکون هو الذي يثأر لهم؟...
ثم يأتي الرجل في هذا اليوم، فيقرأ أو يسمع أن آبائه ماتوا انتظاراً، ومرت مئات السنين ومئات السنين ولم يظهر الإمام المنتظر، فيمتلکه اليأس من ظهوره، أو يحدّث نفسه قائلاً: حتي لون کان الإمام المنتظر باقياً ويظهر في يوم من الأيام، فما الذي يشير إلي أنني سأراه، ولربما لا يظهر إلا بعد مئات السنين أو آلاف السنين، کما لم يظهر حتي اليوم، وقد مر علي غيابه أحد عشر قرناً ومئات الملايين من الشيعة في کل جيل ومن کل مکان يعدّون اللحظات في انتظاره.
ثم يستنتج: إذن عليّ أن أجري کل حساباتي علي أنه لا يظهر مطلقاً، أو أنه لا يظهر في عهدي علي الأقل. وقد عبّر الإمام عن هذا اليأس السافر بقوله: (ستطول غيبته حتي يرجع عنه أکثر القائلين به).