بازگشت

الامام المهدي وعقيدة الرجعة


ترتبط عقيدة الرجعة لدي الامامية الاثني عشرية بالامام المهدي المنتظر (ع) شخصا، وزمانا، وامرا..، من دون اختلاف بينهم في ذلک علي ان الاراء المطروحة في معناها عندهم ثلاثة:

الراي الاول: والقائلون به قلة منهم: «قول قوم تاولوا ما ورد في الرجعة فراوا بان معناها رجوع الدولة والامر والنهي الي اهل البيت (ع) بظهور الامام المنتظر (ع) دون رجوع اعيان الاشخاص، واحياء الموتي ». وذکر الشيخ الطبرسي والحر العاملي رحمهما اللّه: «ان سبب قولهم بهذا الراي انهم ظنوا ان الرجعة تنافي التکليف بفهم ان موتهم ورؤيتهم العالم الاخر لا تجعل امامهم مدي او فرصة في غير الطاعة... وان التکليف يقتضي الاختيار، وهو منتف بالنسبة لهم کما ظنوا ورد عليهم بان الامر ليس کذلک. لانه کما يقول الشيخ الطبرسي: ليس فيها ما يلجي الي فعل الواجب والامتناع عن القبيح، والتکليف يصح معها کما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والايات القاهرة کفلق البحر وقلب العصاثعبانا وما اشبه ذلک ». ويعني، رحمه اللّه، ان هذه الايات تعطي اليقين بصدق الرسل، وبالتالي صدق انذارهم کما هي الرجعة، ومع ذلک فان الاختيار والقدرة علي مخالفة التکليف لم يسلبا من مشاهديهما بشهادة الواقع. والحقيقة ان هناک فرقا کبيرا بينهما لو ان الراجع من الموت فقط تذکر ما راي بعده بوضوح شان المسافر والراجع من سفره في عالم الدنيا، لان الرؤية الحسية والتجربة تعطيان تحققا وطمانينة لدي بعضهم اکثر مما هو البرهان العقلي مباشرا او غير مباشر، ربما بسبب التذکر لما شاهده بيسر وحضور الواقع فيها من دون کلفة و بوضح خلافا للاخر. وفي قوله تعالي لابراهيم (ع) حين طلب احياء الموتي: (اولم تؤمن فقال: بلي، ولکن ليطمئن قلبي) [البقرة: 260] شاهد علي ذلک، وان اعطيت الاية تفسيرا آخر، لکن استبطان الانسان لحالته بين الحس والبرهنة العقلية يعط ي ما اشرنا اليهمن الفرق حتي مع التساوي في الاثبات، ثم لان هناک من لا يفرق بين المعجزة والسحر. وکان خوف موسي، کما ورد في تفسير قوله تعالي: (فاوجس خيفة موسي) [طه: 67]، بسبب ذلک، وربما کان سيتحقق خوفه لولا سجود السحرة انفسهم. وفي قوله تعالي: (ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالواانما سکرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون) [الحجر: 15] شاهد آخر علي ذلک، وان الواقع التاريخي والحاضر يقدمان شواهد کثيرة علي عدم تفرقة العامة من الناس بين المعجزة والسحر. لکن الراجع من الموت لا يذکر من تجربته في الحياة الاخري الا کما يذکر الحالم في النوم من حلمه، او لا يتذکر شيئا علي الاطلاق، فهو لا يشعر بالزمن ولا بتفاصيل ما مربه من احداث، ولا يصحب حالته السابقة فيها، وفي قوله تعالي: (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) [الروم: 55]. وقوله تعالي: (ولو ردوا لعادوا لمانهوا عنه) [الانعام: 28]. شاهد کاف لما ذکرناه،... وسواء کان الامر کذلک ام لم يکن، فان ما رآه الطبرسي والحر العاملي رحمهما اللّه من عدم علاقة الاختيار الذي يصحح التکليف باليقين امر حق، والا کان الرسل واوصياؤهم (ع) مجبورين ولا احد يقول بذلک. ان اليقين والعلم يعطيان العصمة التي تعني اختيار الطاعة من دون ان تعني الجبر او انتفاء القدرة علي المقابل حتي ولو لم يفعله بحکم هذا العلم، شان الطبيب الذي يعلم الاثار الضارة لبعض المواد والافعال مثلا، فيتجنبها بحکم هذا العلم مع قدرته علي الفعل. وقد نوقش اهل هذا الراي، اعني التاويل لمعني الرجعة، بعد ابطال حجتهم کما مر بمناقشات منها: اولا: بان اکثر ما ورد فيها نصوص في معناها کما سياتي بعضها في ما يساق من الکتاب او السنة وليس من الظواهر، ولذلک فلا سبيل الي تاويلها بوجه. ثانيا: اجماع الامامية الاثني عشرية علي معناها من دون تاويل والعلم بامتداد هذا الاجماع الي عصر المعصوم (ع) ودخوله فيه مما يوجب حجيته، وسياتي الحديث عن ذلک. الراي الثاني: ان الامام المهدي المنتظر (ع) هو من يرجع بعد ان توفاه اللّه ورفعه اليه شان المسيح (ع)، ليمکث في الارض بعد نزوله مرة اخري المدة التي يشاء اللّهللقيام بالمهمة المنوطة به. ذکر الشيخ الطوسي رحمه اللّه ان الامام (ع)، کما ورد في بعض الاخبار: «يموت ثم يعيش او يقتل ثم يعيش ». وذکر من هذه الاخبار ما رواه الفضل بن شاذان عن موسي بن سعدان عن عبداللّه بن قاسم الحضرمي عن ابي سعيد الخراساني قال: قلت لابي عبداللّه (ع) لاي شي ء سمي القائمقال (ع): لانه يقوم بعد ما يموت، انه يقوم بامر عظيم، يقوم بامر اللّه. ومنها ما روي عن محمد بن عبداللّه بن جعفر الحميري عن ابيه عن يعقوب بن يزيد عن علي بن الحکم عن حماد بن عثمان عن ابي بصير قال: سمعت ابا جعفر (ع) يقول:مثل امرنا في کتاب اللّه مثل صاحب الحمار، اماته اللّه مئة عام ثم بعثه. ومنها ما روي ايضا عنه عن ابيه عن جعفر بن محمد الکوفي عن اسحاق بن محمد عن القاسم بن الربيع عن علي بن حطاب مؤذن مسجد الاحمر قال: سالت ابا عبداللّه (ع):هل في کتاب اللّه مثل للقائم (ع)؟ فقال (ع): نعم آية صاحب الحمار اماته اللّه مئة عام ثم بعثه. وهناک روايات اخري. وقد اضاف بعضهم الاخبار التي تضرب للامام المهدي (ع) مثلا بعيسي (ع) الذي «قالوا عنه مات ولم يمت » کما ورد في حديث عن الامام الباقر (ع) او«وقدر غيبته تقدير غيبة عيسي »، کما ورد عن الامام الصادق (ع). مع ان القرآن قد نص علي وفاته، قال تعالي: (اذ قال اللّه يا عيسي اني متوفيک ورافعک الي) [آل عمران: 55]. وقال تعالي: (واذ قال اللّه: يا عيسي بن مريم اانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون اللّه. قال: سبحانک ما يکون لي ان اقول ما ليس لي بحق ان کنت قلته فقدعلم ته... (الاية الي قوله)... وکنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني کنت انت الرقيب عليهم وانت علي کل شي ء شهيد) [المائدة: 116 و117]. بل ان القرآن نفسه قال، في آية ثالثة، ما يشير الي ان عيسي لم يمت قال تعالي: (وان من اهل الکتاب الا ليؤمنن به قبل موته) [النساء: 159] وهذا ما لم يتم قطعا في وفاته الاولي فقد کان مطاردا مضطهدا حتي حاولوا صلبه لولا انه شبه لهم. ولذلک لا بد، للجمع بين الايتين السابقتين وبين هذه الاية، من ان يکون المقصود فيها موته الثاني لدي نزوله الي الارض مرة اخري مع الامام المهدي (ع) وصلاته خلفه کما سبق الحديث عنه في البحثين: الاول والثاني من الفصل الاول، وهو ما لا خلاف فيه لدي المسلمين فقد روته جميع الصحاح. فيکون الحديثان السابقان: الحديث الذي قال انهم قالوا: «مات ولم يمت » والاخر الذي عبر عن موته بالغيبة. وتکون الاية التي اغفلت وفاته الاولي التي لم يؤمن له فيها اهل الکتاب متجاوزة الوفاة الاولي الي الثانية التي ستکون بعد النزول... وقد نظر فيها الي ان حقيقة الموت ليست اعداما ولا انقطاعا، وانما هي انتقال الي مستوي سماوي تنتفي فيه الحاجة الي الجسد فالحياة قائمة بعده، ولذلک قال تعالي: (وان الدار الاخرة لهي الحيوان)[العنکبوت: 64]. وبهذا الاعتبار فکانه مع کونه لم يکن. قال الامام علي (ع) ان الرسول (ص) قال: «يموت الميت منا وليس بميت ويبلي البالي وليس ببال ». وبناء عليه فان شان الامام المهدي المنتظر (ع) بحکم التنظير والتمثيل بعيسي (ع) لا بد من ان يکون کشانه في ذلک. ومثل ذلک الاحاديث التي تضرب مثلا لطول عمره بالخضر (ع) فان الاحاديث، والقصص الواردة في حياته مع عدم رؤيته وتمثله وغيابه تشهد جميعا انها حياة سماوية روحية... وما اکثر ما يروي اهل الکشف والصوفية لقاءه بهم وتعليمه اياهم. اما لماذا خصوا الامام المهدي وعيسي والخضر (ع) بالحديث عنهم کاحياء من دون غيرهم من الانبياء والرسل والائمة الاخرين مع انهم احياء سماويا وروحيا کما هم،فالجواب ان ذلک بحکم ان لهم ادوارا ارضية، او تعلقا وارتباطا بمهمات رسالية استمرارا بالفعل کما هو بالنسبة للامام المهدي (ع) والخضر (ع) او في المستقبل کما هوبالنسبة لعيسي (ع) لدي نزوله، ولهذه الخصوصية اکدوا علي حياتهم من دون الاخرين ليفهم الناس الذين يتصورون الموت انقطاعا بقاء صلتهم بالارض. والا فان الرسل والاوصياء واولياء اللّه من اتباعهم شهداء او کالشهداء احياء عند ربهم يرزقون، وفي الزيارة «اشهد انک تسمع الکلام وترد الجواب ». ويبدو ان هذه المشکلة لا تاتي من قضية الموت والحياة بما هما في ذاتهما وانما من مفهومهما لدي العامة من الناس، طبقا للواقع المادي النسبي، لذلک فالقول انه مات وانه في الوقت نفسه حي صحيح بالمفهوم الحقيقي لهما، کما تدل النصوص الواردة في ذلک في الکتاب والسنة، وکما يدل الواقع الذي يعرفه الروحيون قدماءومحدثين. بقي ان اللّه تعالي ذکر ان بين الاموات او المنتقلين الي الدار الاخرة، وبين اهل الدنيا بحکم الرتبة اللامادية للحياة السماوية برزخ يمنع علي المستوي العام امکان الصلة بينهم قال سبحانه: (ومن ورائهم برزخ الي يوم يبعثون) [المؤمنون: 100]. لکن الثابت ايضا ان ما هو ممنوع علي المستوي العام ليس ممنوعا علي المستوي الخاص. والصلة حاصلة تاريخيا وفي الواقع کما يذکر العرفانيون والبارسايکولوجيون اما بتمثل اهل الحياة السماوية (بشرا سويا) [مريم: 17] منظورا او بعروج اهل الارض الي آفاقهم. وفي القرآن الکريم وفي السنة الشريفة ما يدل علي وقوع هذه الصلة بصورتيها. ولذلک لا مجال، مع انفتاح هذه الصلة، للاشکال بما اثبته العقل والنقل من عدم خلو الارض من حجة، الامر الذي يقتضي بقاء الصلة بالامام المهدي (ع) لان بقاء الصلة لا يقتضي قطعا بقاءه بالجسد المادي فان الصلة والتسديد والرعاية والتعليم لا تفرض ذلک کما هو الامر بالنسبة لجبرائيل مثلا (ع) مع الرسل... ولذلک فهذا الراي لدي من يتبناه لا ينافي ما ورد من کون الامام (ع) حيا، ولا ينافي اضطلاعه بشؤون الامامة بالحدود التي تکون في الغيبة، ولا ينافي ظهوره المنتظر کما هو الامر في المسيح (ع). وقد ذکروا ايضا ان الدنيا، کما ورد في الحديث، سجن المؤمن وجنة الکافر، وبقاء الامام (ع) فيها منتظرا مهمة ارضية قرونا لا يعلم احد عددها قد لا يناسب منزلته مع امکان عودته متي شاء، اذا کان اللّه اراد له ذلک. قد يکون موتهم اراديا قالوا: وقد يکون انتقال الامام (ع) والخضر (ع) وعيسي (ع) الي المستوي السماوي او موتهم اراديا لا طبيعيا استثناء من القانون العام، وان الخالع لجسده او الميت بارادته يملک ان يرجع متي شاء، والخروج من الجسد او العروج الي الرتب السماوية خصوصية يملکها الرسل والانبياء واوصياؤهم (ع) بالدرجة الاولي مع اجتباء وعصمة...وفي حديث الرسل (ع) وحديث سيدهم رسول اللّه محمد (ص) وما ورد عن الائمة من اهل البيت (ع) شواهد علي ذلک. ويملک الحکماء الکبار مع اختلاف في الدرجة تتحدد بمبدا الذات ومعادها اصلا... هذه الخصوصية کذلک. وقد نقل العلامة الشيخ مرتضي رحمه اللّه ان الفيلسوف الاشراقي السهرودي قال: «نحن لا نعتبر الحکيم حکيما حتي يستطيع بارادته ان يخلع بدنه فيصبح ترک الجسم بالنسبة اليه امرا عاديا، وسهلا بل يصبح ملکة له..». قال: «وينقل نظير هذا عن الحکيم المحقق المير الداماد». ويتحدث عدد کبير من الفلاسفة والعرفانيين والمتصوفة والبراسايکولوجيين المعاصرين عن تجارب کثيرة توجب، لتواترها وخضوع بعضها للتحقيق، القطع بصحتها اجمالا. ونقل الطبرسي عن بعضهم ان عيسي لم يمت وانه رفع الي السماء من غير وفاة وتعرضوا لتاويل الايات الواردة في موته بالحمل علي وفاة النوم... قالوا: وان کون حياة الامام (ع) کحياة الخضر او کحياة عيسي سماوية من غير ان يستوجب ذلک انقطاع دوره الحاضر بوصفه امام الزمان او المستقبل لما انيط به من دورعظيم في الظهور يمکن ان ينهي او يقرب وجهات النظر في بعض ما يتصل بشانه (ع). اولا: لان اغلب المسلمين يؤمنون بحياة الخضر (ع) ونزول عيسي (ع) کما ذکرنا، فيکون شان الامام (ع) في ذلک کشانهما ويکون انکار بقائه وظهوره بهذه الصورة تفرقة دونما اساس. ثانيا: يفسر لنا هذا الراي اقتران نزول المسيح (ع) بظهور الامام المهدي (ع) ربما للصورة المشترکة في المجي ء عن العالم نفسه وبالکيفية نفسها ولرسالة واحدة. ثالثا: يفسر لنا ايضا ما ورد من تسمية الامام (ع) في الاخبار ب «النذر الاکبر»، او بالقيامة الصغري او الساعة... وان من الامور الکائنة في ظهوره لبوث الفلک او بط ءدوران الکواکب في مجموعتنا حول نفسها مما ينشا عنه طول الايام والشهور والسنين حتي ان السنة لتساوي سبع سنين او عشر سنين، ويشير بط ء دوران الکواکب حول نفسها وحول محورها الي ضعف مقاومتها لجاذبية المرکز، وبالتالي قرب ارتطامها ببعضها، وقد سجل علم الفلک فناء بعض المجرات ووقوع قيامتها، وسجل فناء بعض المجاميع الشمسية في مجرتنا. فهو النذر الاکبر من حيث ما يؤديه من رسالة بصورة رجوعه وبتعليمه معا بعد طول الامد وقسوة القلوب وقرب القيامة الکبري وابتداء البعث جزئيا. رابعا: يدعم ما اشرنا اليه ما ذکره الشيخ المفيد رحمه اللّه من «ان اکثر الروايات تشير الي انه لن يمضي صاحب الامر (ع) الا قبل القيامة باربعين يوما يکون فيها (يعني ولايته (ع)) الفرج، وعلامات خروج الاموات، وقيام الساعة للحساب والجزاء. خامسا: ربما وان کان قد قدمنا لذلک تفسيرا آخر يتصل باسباب التقديران ذلک هو السبب وراء عدم التوقيت وقول من سئل منهم (ع) عن ذلک: انه (ع) کالساعة لا يجليها لوقتها الا هو. سادسا: ان ذلک ايضا يکشف لنا الفرق بين غيبته الصغري التي کان يمکن للخلص من شيعته خلالها الصلة به، والتشرف بخدمته، حتي وصل عدد من احصوهم ممن رآه(ع) في اثنائها وهي (74) عاما، (304) اشخاص، کما قدمنا، وبين الغيبة الکبري التي قررنا، باعتبار من جاء الي شيعته فيها مدعيا المشاهدة، کذابا مفتريا. سابعا: وبذلک ايضا نستطيع ان نفهم سر امکان اجابته لمن استشفع به او استنجد به من المؤمنين اينما کانوا في البر والبحر ووراء الاسوار کما ورد في القصص التي قال الشيخ النوري رحمه اللّه في جنة الماوي انها متواترة توجب القطع، وکيف انه کما بينا في بحث «الغيبة الکبري » تحت عنوان «هل يعني ذلک امکان المشاهدة؟»،انه يظهر فجاة، ويغيب فجاة بل يتحول بعد التمثل الي نور لا يري ثم يختفي وقد يري من قبل بعضهم فقط بالجلاء البصري او السمعي او القلبي، وفي ما نقلناه عن ابن طاووس ما يشير الي شي ء من ذلک مما لايمکن تصوره لو کان في جسده المادي. ثامنا: يفسر لنا ذلک لماذا جعل الامام (ع) له قنوات خاصة محدودة للصلة تتمثل بخاصة اوليائه الذين هم اخص من خاصة شيعته، بحکم توفر الشروط الخاصة فيهم من دون غيرهم کما سبق في البحث المشار اليه آنفا. تاسعا: يعط ي هذا الراي دليلا مضافا للرجعة يتصل بدليل ظهور الامام (ع) ونزول عيسي (ع) ويجعلها مفهومة اکثر مما لو کانت لمجرد عقوبة ومثوبة بعضهم، مما يمکن تحقيقه بالبعث الشامل. وعلي کل حال، فان جميع ما ذکرناه هنا لا يعني القطع بهذا الراي بل ولاحتي ترجيحه علي الراي الذي يقول: انه حي بالحياة الارضية وبجسده المادي کما هم بقية الناس،فوقوع هذا تحت القدرة الالهية کذاک من غير فرق، واهل الايمان باللّه لا يرون ان احد الامرين اقرب من الاخر لديهم من هذه الجهة... والحکم الحق في ذلک الي الادلة النقلية عن اهل البيت (ع)، فاذا قضت باحدهما فهو الحق، وانما اطلنا الوقوف عنده لورود الاخبار فيه عنهم (ع) ولانه کان موضع مناقشة بيني وبين بعض الاخوان، فاردت ان اجلوه بما يرفع الشبهة فيه في قضية حياة الامام (ع) واستمرار امامته وظهوره وانه لا ينافي شيئا من ذلک والا فهو اعني وفاته بالصورة الاولي، اي الطبيعة، مما رفضه العلماء وعامة الشيعة في الراي المشهور عندهم. اما الصورة الثانية، اعني ما يسمي: الموت الارادي، فهو لا يختلف عن الراي المشهور بشي ء، ولذلک بنينا الکتاب عرضا واستدلالافي الفصول السابقة علي الراي الاخر الذي هو المشهور المتسالم عليه لدي علماء الامامية، رحمهم اللّه، الذين ناقشوا ما ورد من الروايات في وفاة الامام(ع) واولوها. قال الشيخ الطوسي رحمه اللّه، بعد ان ساق بعض الاخبار التي ذکرناها اساسا لهذا الراي: «فالوجه في هذه الاخبار وما شاکلها ان نقول بموت ذکره، وباعتقاد اکثر الناس انه بليت عظامه، ثم يظهره اللّه کما اظهر صاحب الحمار بعد موته الحقيقي، وهذا وجه قريب في تاويل الاخبار علي انه لا يرجع باخبار آحاد لا توجب علما عما دلت العقول عليه وساق الاعتبار الصحيح اليه وعضدته الاخبار المتواترة التي قدمناها بل الواجب التوقف في هذه والتمسک بما هو معلوم ». قال: «وانما تاولنا بعد تسليم صحتها (اي الاخبار الواردة في ذلک) علي ما يفعل في نظائرها». قال: «ويعارض هذه الاخبار ما ينافيها». ورغم اننا لا نشارک الشيخ، رحمه اللّه، رايه في کون هذا التاويل قريبا بل لا مجال لقبوله في بعضها وان الدليل العقلي الذي عضدته الاخبار المتواترة والذي يعني به عدم خلو الارض من حجة لا يصلح للمعارضة، بعد اثبات امکانية الصلة المفتوحة بينه وبين اهل الارض رغم حياته السماوية. ولا يصلح للمعارضة ايضا التعبير بالغيبة الذي ذکره بعض الاعلام لصحة اطلاقها علي المتوفي، وقد وردت عنهم (ع) في شان عيسي (ع) کما تقدم، ولکن الذي يصلح للمعارضة ما اشار اليه رحمه اللّه في آخر کلامه في ذلک، وهو وجود الاخبار المنافية، کتلک التي تبدو صريحة في کون حياته (ع) حياة ارضية وبجسمه المادي، ومنها التي تضرب له في طول عمره مثلا بنوح (ع)، وتلک التي تقول انه يحضر مجالسهم ويمشي في اسواقهم، وانه لا يبقي احد حين يخرج الا قال: قد رايته وغير ذلک مماذکرنا بعضه في البحث الثاني من الفصل الاول، ولان الموت بصورته الاولي اي الموت الطبيعي ينافي بقاء التکليف کما قال بعض الاعلام والاضطلاع بالامامة التي هي مهمة مستمرة للامام (ع) تکليف لا مجال لبقائه معه. الراي الثالث في الرجعة: ما ذکره استاذنا المظفر رحمه اللّه، وهو «ان اللّه تعالي يعيد قوما من الاموات الي الدنيا في صورهم التي کانوا عليها فيعز فريقا، ويذل فريقا،ويديل المحقين من المبطلين، والمظلومين من الظالمين، وذلک عند قيام المهدي من آل محمد عليه وعليهم افضل الصلاة والسلام، ولا يرجع الا من علت درجته في الايمان، او من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون بعد ذلک الي الموت، ومن بعده الي النشور وما يستحقونه من الثواب والعقاب). قال رحمه اللّه: «والقول في الرجعة يعد، عند اهل السنة، من المستنکرات التي يستقبح الاعتقاد بها، وکان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها. ويبدو انهم يعدونها بمنزلة الکفر والشرک بل اشنع، فکان هذا الاعتقاد من اکبر ما تنبز به الشيعة الامامية، ويشنع به عليهم ».قال: «ولا شک ان هذا من التهويلات التي تتخذها الطوائف الاسلامية في ما غير ذريعة لطعن بعضها في بعض، والدعاية ضده ». ومن المؤسف ان ما اشار اليه الشيخ ما زال مستمرا رغم انا في عصر يسر سبل التحقيق والمعرفة واعط ي کما يفترض من سعة الافق لدي اهله ما يجعلهم اقرب الي العدل والموضوعية، ولا نريد ان نعد اسماء، فضع يدک علي من شئت ممن کتب من غير الامامية عنهم في التاريخ والعقائد والفرق. لقد خلط بعضهم بين الرجعة وبين التناسخ ولا صلة بين الاثنين فالتناسخ «هو انتقال النفس من بدن الي آخر منفصل عن الاول ». اما الرجعة فتعني معادا جسمانيا خاصا ومحدودا يسبق المعاد الجسماني الشامل لکل الاموات، ومن يعود فيها يعود بشخصه وبکل خصوصياته واوصافه البدنية والنفسية. وارجع بعضهم قول الشيعة الامامية فيها الي التاثر باليهود کان وحدة بعض الافکار والمفاهيم بين الاديان السماوية ومصدرها واحد الا ما حرف منها امر يعز علي الفهم و کانه لا يفسر الا بتاثر هذه بتلک، وهو جهل وسوء فهم لا يغتفر، فنحن نقول، مثلا، ان موسي وعيسي رسولان من اللّه ونؤمن بما جاءا به من عند اللّه.. لان ذلک هو الحق کماجاء به کتابنا ونبينا من دون تاثر باحد، وتلک کهذه من غير فرق. والاشکال لدي من لا يؤمن بالرجعة، کما يفرض حسن الظن لا يرد من جهة کونها مستحيلة، او غير مقدورة للّه تعالي، والا کان المشکل کافرا باللّه تعالي، ومکذبابکتابه،فقد تحدث الکتاب عن وقوعها جزئيا في الماضي، وتحدث عن وقوعها في المستقبل ثم ان القول بعدم امکانها يعني الکفر بالمعاد، وهو اصل من اصول الدين لدي المسلمين من دون خلاف. واذا فالاشکال انما يرد فقط من تصور عدم وجود دليل قاطع علي وقوعها قبل المعاد او الحشر، ولذلک فسنذکر، في ما ياتي، من الادلة علي ذلک في الکتاب والسنة مالا يوجد بعضه في کثير من المسائل التي يراها اکثر المسلمين جزءا لا يشکون فيه من الدين وبما نري انه کاف لرد القائل فيها دونما علم وان اغلب هؤلاء بل کلهم آمهما کبروا القابا وشهرة ناقلون لا محققون کما سيثبت لک بالمقارنة بين ما قالوه في الرجعة وبين ما يسوقه الامامية من الادلة عليها في الکتاب والسنة الواردة عن اهل البيت (ع).