اخفاء ولادته
فسح اخفاء امر ولادة الامام المهدي (ع) الا عن الخاصة المجال ليثير بعضهم التشکيک بولادته اصلا. ومن هؤلاء عمه جعفر الکذاب ويکفي لدحض هذه الشبهة:
اولا: ما ورد من الروايات المتواترة المبشرة به والتي اثبتنا في البحث الثاني من الفصل الاول امثلة منها. ثانيا: التنبيه المتقدم من المعصومين (ع) علي ان ولادته ستخفي تقية، خشية عليه من عمه جعفر الکذاب من جهة، ومن السلطة الحاکمة من جهة اخري. ومنها ما ذکرناه، في البحث الثاني من الفصل السابق، من رواية عن الامام الحسن السبط (ع) قال فيها: «ان اللّه يخفي ولادته ويغيب شخصه ». وما ورد عن الامام الحسين (ع) في الحديث عن المهدي (ع) فقد قال: «هو صاحب الغيبة وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي ». وما ورد عن الامام علي بن الحسين (ع) فقد قال (ع): «کاني بجعفر الکذاب قد حمل طاغية زمانه علي تفتيش امر ولي اللّه والمغيب في حفظ اللّه، والموکل بحرم ابيه جهلامنه بولادته ».وکالرواية الثالثة عن الامام محمد الباقر (ع)، وقد ذکر ان في المهدي (ع) بعضا من سنن الانبياء السابقين الي ان قال: «واما سنته من موسي فدوام خوفه، وخفاءولادته ». والرواية الثالثة عن الامام جعفر الصادق (ع) قال: «وهو الذي يشک الناس في ولادته، منهم من يقول هو حمل ومنهم يقول ما ولد». وقال (ع) في الرواية السادسة: «وقدر مولده تقدير مولد موسي (ع) واوضح الامام (ع) معني ذلک بما يتصل بسر اخفاء ولادته فقال (ع): «فان فرعون لما وقف علي ان زوال ملکه علي يده، امر باحضار الکهنة فدلوه علي نسبه وانه يکون من بني اسرائيل، حتي قتل في طلبه نيفا وعشرين الف مولود، وتعذر عليه الوصول الي قتل موسي(ع) بحفظ اللّه تبارک وتعالي اياه. کذلک بنو امية، وبنو العباس لما وقفوا علي ان زوال ملک الامراء والجبابرة علي يد القائم منا ناصبونا العداوة ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول (ص) ويابي اللّهعزوجل ان يکشف امره لواحد من الظلمة الا ان يتم نوره ». وفي الرواية الثالثة عن الامام الرضا (ع) قال (ع)، في اجابة لمن رجاله ان يکون القائم من آل محمد (ص) قائلا: «ما منا احد اختلفت اليه الکتب وسئل عن المسائل،واشارت اليه الاصابع الا اغتيل او مات علي فراشه حتي يبعث اللّه عز وجل لهذا الامر رجلا خفي المولد والمنشا». وورد عن الامام محمد الجواد، وهو يجيب عن سؤال حول القائم (ع) قائلا: «هو الذي تخفي عن الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ». وهناک روايات اخري کثيرة بهذا المعني... ثالثا: ان اخفاء ولادة الامام (ع) کان نسبيا، فقد اراه ابوه الامام الحسن (ع) لعدد کبير من شيعته، کما مر في الروايات الواردة عنه من الثالثة حتي الثامنة وکثيرغيرها. وعرفه ونص علي امامته امامهم وانه صاحب الزمان، کما في الرواية الثالثة عنه وروايات اخري، ومنها ما کان عند وفاته، کما عن اسماعيل بن علي النوبختي، وننقلهاکما هي من دون تصرف قال: «دخلت علي ابي محمد الحسن بن علي (ع) في المرضة التي مات فيها وانا عنده اذ قال لخادمه عقيد، وکان الخادم اسود نوبيا قد خدم من قبله علي بن محمد (الهادي) (ع) وهو ربي الحسن فقال: يا عقيد اغل لي ماء بمصطکي، فاغلي له ثم جاءت به صقيل الجارية ام الخلف (ع). فلما صار القدح في يده وهم بشربها اخذت يده ترتعد حتي ضرب القدح ثنايا الحسن (ع) فترکه من يده وقال لعقيد: ادخل البيت فانک تري صبيا ساجدا فاتني به قال ابو سهل: قال عقيد:فدخلت اتحري فاذا انا بصبي ساجد رافع سبابته نحوالسماء، فسلمت عليه فاوجز في صلاته فقلت: ان سيدي يامرک بالخروج اليه وجاءت امه فاخذت بيده واخرجته الي ابيه الحسن (ع) قال ابو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلم واذا هو دري اللون وفي شعر راسه قطط مفلج الاسنان فلما رآه الحسن (ع) بکي وقال: يا سيد اهل بيته اسقني الماء فاني ذاهب الي ربي واخذ الصبي القدح المغلي بالمصطکي بيده ثم حرک شفتيه ثم سقاه فلما شربه قال: هيئوني للصلاة فطرح في حجره منديل فوضاه الصبي واحدة واحدة ومسح علي راسه وقدميه، فقال له ابو محمد (ع): ابشر يا بني فانت صاحب الزمان وانت المهدي وانت حجة اللّه علي ارضه، وانت ولدي ووصيي واناولدتک وانت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ع) ولدک رسول اللّه وانت خاتم الائمة الطاهرين وبشر بک رسول اللّه وسماک وکناک بذلک عهد الي ابي عن آبائک الطاهرين صلي اللّه ربنا علي اهل البيت انه حميد مجيد. قال: ومات الحسن بن علي من وقته صلوات اللّه عليهم اجمعين ». رابعا: اري الامام المهدي (ع) نفسه لعدد من شيعته في حياة ابيه، واعلن لهم انه حجة اللّه وبقيته في ارضه. ومن الروايات التي تفيد ذلک ما رواه الطوسي بسنده عن طريق ابي نصر خادم الامام الحسن العسکري (ع) قال: «دخلت عليه يعني صاحب الزمان (ع) فقال:علي بالصندل الاحمر، قال: فاتيته به فقال (ع): هل تعرفني؟ قلت: نعم. فقال (ع): من انا؟ فقلت: انت سيدي، وابن سيدي. فقال (ع): ليس عن هذا سالتک. فقلت: جعلني اللّه فداک. فسر لي. فقال (ع): «انا خاتم الاوصياء، وبي يدفع اللّه البلاء عن اهلي وشيعتي ». وفي بقية الرواية الثالثة مما اوردناه عن الامام الحسن العسکري (ع)، ذکر احمد بن اسحاق الاشعري انه حين جاء الامام الحسن (ع) وعلي عاتقه ابنه، وهو ابن ثلاث سنين فقال: يا احمد بن اسحاق، لولا کرامتک علي اللّه وعلي حججه، ما عرضت عليک ابني هذا، انه سمي رسول اللّه (ص) ثم حدثه عن غيبته. قال احمد: فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن اليها قلبي؟ فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال: «انا بقية اللّه في ارضه، والمنتقم من اعدائه ولا تطلب اثرا بعد عين يا احمد بن اسحاق ». وعن نسيم خادم ابي محمد (الحسن) (ع) قالت: «دخلت علي صاحب الزمان بعد مولده بعشر ليال فعطست عنده فقال (ع): يرحمک اللّه. ففرحت بذلک »(الرواية). وروي الطوسي عن السياري قال: حدثتني نسيم ومارية قالتا: «لما خرج صاحب الزمان من بطن امه سقط جاثيا علي رکبتيه رافعا سبابته نحو السماء ثم عطس فقال:الحمد للّه رب العالمين وصلي اللّه علي محمد وآله عبدا داخرا للّه غير مستنکف ولا مستکبر ثم قال: زعمت الظلمة ان حجة اللّه داحضة ولو اذن لنا في الکلام لزال الشک ».وروي بسنده عن ابي نعيم محمد بن احمد الانصاري قال: «وجه قوم من المفوضة والمقصرة کامل بن ابراهيم المدني الي ابي محمد (الحسن) (ع) قال کامل: فقلت في نفسي اساله: لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي وقال بمقالتي. قال: فلما دخلت علي سيدي ابي محمد (ص) وذکر حديثا الي ان قال: فسلمت وجلست علي باب عليه ستر مرخي، فجاءت الريح فکشفت طرفه، فاذا انا بفتي کانه فلقة قمرمن ابناء اربع سنين، او مثلها. فقال لي: يا کامل بن ابراهيم، فاقشعررت من ذلک والهمت ان قلت: لبيک يا سيدي. فقال (ع): جئت الي ولي اللّه وحجته وبابه تساله هل يدخل الجنة الا من عرف معرفتک وقال بمقالتک؟ فقلت: اي واللّه. قال (ع): اذن واللّه يقل داخلها، واللّه انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية. قلت: يا سيدي، ومن هم؟ قال: قوم من حبهم لعلي (ع) يحلفون بحقه، ولا يدرون ما حقه وفضله، ثم سکت صلوات اللّه عليه عني ساعة ثم قال (ع): وجئت تساله عن مقالة المفوضة؟ کذبوا بل قلوبنااوعية لمشيئته فاذا شاء شئنا واللّه يقول: (وما تش آؤون الا ان يشاء اللّه) [الانسان: 30]. ثم رجع الستر الي حالته فلم استطع کشفه. فنظر الي ابو محمد (ع) مبتسما. فقال: يا کامل ما جلوسک وقد انباک بحاجتک الحجة من بعدي فقمت، وخرجت ولم اعاينه بعد ذلک. واظهر الامام المهدي (ع) البرهان علي امامته بين يدي ابيه وبامره بحضور سعد بن عبداللّه القمي واحمد بن اسحاق، من خلال الاخبارات الغيبية المفصلة والاجابات العلمية المحکمة. واذا کان في ما ذکرناه من الادلة وما سياتي مضافا اليها ما يکفي لدحض ما اثير من تشکيک بعضهم بولادته ووجوده، فان امرا آخر يبقي مثارا للتشکيک لدي الکثيرين،وهو ان الامام المهدي (ع) استمر طوال مدة امامته غائبا بصورة عامة عن شيعته الا عن الخاصة منهم، وهو ما سنتحدث عنه وعن اسبابه في هذه الفقرة.