بين يدي البحث: في نظرية الامامة
لکي تاخذ الاحاديث الواردة عن الائمة من اهل البيت (ع) في المهدي المنتظر (ع) موقعها في الاستدلال، لا بد من الحديث بايجاز عن نظرية الامامة لدي الامامية الاثني عشرية فنقول: ان الثابت لديهم بصورة قاطعة بادلتهم المفصلة في علم الکلام: ان الائمة الاثني عشر من اهل البيت (ع) المعروفين تاريخيا، من علي (ع) حتي المهدي (ع)، هم خلفاءالرسول (ص) بالمعني الکامل لهذه الخلافة لا يکادون يختلفون عنه الا بما استثني من النبوة بمفهومها الذي يعني تاسيسا لرسالة اخري تنسخ الرسالة السابقة فتبقي منها، وتضيف اليها ما شاء اللّه لهذا النبي ضمن مرحلته التاريخية. فان ذلک مما لا مجال لاحد ان يدعيه بعد رسول اللّه محمد (ص) حتي القيامة بحکم قوله تعالي:(وخاتم النبيين) [الاحزاب: 40]، وقوله (ص):
«لا نبي بعدي »، وباجماع المسلمين. لقد ختم اللّه النبوة بمحمد (ص)، واکمل الدين الذي ارتضاه لخلقه برسالته، وذلک هو ما يقتضيه مقامه، بوصفه سيدا لخلق اللّه مبدا ومعادا، فلا ينبغي ان يسبقه سابق، اويلحقه لاحق، ولهذا کان من سبقه من الانبياء تقدمة بين يديه يمهدون له، ويبشرون به، وبرسالته. واذا کانت النسبة بينهم تسمح بان يکون بعضهم مستقلا عن بعض،بحيث ينسخ اللاحق بعض احکام شريعة السابق بحکم تدرج تلک الرسالات کمالا تبعا للمرحلة، فان من ياتون بعد الرسول محمد (ص) لا يمکن ان يکونوا کذلک بحکم مکانته وکمال رسالته، لذلک کانوا رغم مکانتهم التي تساوي ان لم تفضل مکانة اولئک الانبياء خلفاء لا انبياء. انهم اوصياء له يمتدون عنه، علما، وهدي، ودعوة.لذلک کانوا بعض قواعد الرسالة. ودعائمها الاساس ورغم ان التاکيد علي ذلک رافق الرسالة منذ مولدها قولا وعملا فان الاعلان العام النهائي تم من قبل الرسول (ص)في حجة الوداع في غدير خم، وفي تلک المناسبة نزل قوله تعالي: (اليوم اکملت لکم دينکم واتممت عليکم نعمتي، ورضيت لکم الاسلام دينا) [المائدة: 3]. وقد نستطيع ان ندرک معني ذلک حين نلتفت الي ان حاجة الناس الماسة للحجة، او الامام المعصوم، لا تنقطع، وذلک ما يؤکده العقل والنقل وملاحظة الواقع،وان کون القرآن تبيانا لکل شي ء انما صح بتاصيله لسنة الرسول (ص) في قوله تعالي: (ما ينطق عن الهوي، ان هو الا وحي يوحي)[النجم: 3 و4]، وقوله تعالي: (ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا) [النساء: 58]. ثم بتاصيله لسنة (اولي الامر) بعده بادلتها التالية فادخلهما بذلک ضمن تبيانه والا فمن الثابت انه من دونهما ليس کذلک. ومع واقع ختم النبوة بمحمد (ص) والتحاقه کما شاء اللّه بالرفيق الاعلي فان ما يبقي هو امتداده، وخلفاؤه. لذلک کان التعريف العام النهائي بها والذي تاخربحکم تاخر مرحلته، هو ما اکمل اللّه به الدين واتم النعمة کما جاء في الاية المنزلة بعد واقعة غدير خم. ان الاوصياء من ائمة اهل البيت (ع) حملة الرسالة وشهودها مع الرسول (ص) وبعده علي الحد الذي اشار اليه قوله تعالي: (افمن کان علي بينة من ربه ويتلوه شاهدمنه)[هود: 17]. ان کونهم في طوله، ويتلونه مقاما بحکم انتسابهم اليه هدي وعلما لا ينفي ان تکون سنتهم في عرض سنته لانهم منه. فانه لا بد لهذا الشاهد الذي يتلوه منه لکي يکون حجة وتکون شهادته شاملة بعد خاتم الانبياء تتناول ابعاد الرسالة، وعمقها، وليواجه فيها کل المجتمعات، وکل الحوادث في جميع الازمنة والظروف، من ان يکون محيطا بالرسالة موصولا بالعلم اللدني مضافا للعلم الموروث، لان ذلک هو معني الخلافة الکاملة کما تثبته جميع ادلتها النظرية. بل هو ما صرح به الائمة من اهل البيت (ع) فقد شبهوا انفسهم بالخضر وذي وهما ليسا نبيين لکنهما يتلقيان علما سماويا القرنين عن اللّه بنص القرآن الکريم. ولا بد لهذا الشاهد التالي، ايضا، من ان يکون معصوما، لان التمثيل الکامل لا يتم من دون ذلک عمليا، ولان العصمة من آثار المعرفة الشاملة الموصولة وآثار الحضورالذي يلازمها، وهو يعني الشعور العميق الدائم بمعني (وهو معکم اينما کنتم) [الحديد: 4]، وهما لا ينفصلان عن سمو الذات من حيث مقامها مبدا ومعادا، واختيارالعالم لما علمه يقينا، وانصراف هواه اليه ليس جبرا کما هو واضح. وهو اشکال يثار کثيرا عند الحديث عن العصمة لدي الانبياء والاوصياء. وفي الايات الکريمة التي تشير الي اصطفاء البيوت النبوية نسبيا ثم اصطفاء من يضطلع بالرسالة والامامة من داخل هذه البيوت وفي ا يدل عليه حديث الکساء و نزول آية التطهير وآية المباهلة وغير ذلک مما يتصل باهل بيت النبي (ع) بالمعني الاخص ما هو کاف في البرهنة علي ذلک، وبذلک نستطيع ان ندرک معني ان تحصر الولاية باللّه ورسوله وبشخص عطف عليهما وعين بالفعل والحالة والنص في قوله تعالي: (انما وليکم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزکاة وهم راکعون) [المائدة: 55]. وندرک ايضا معني ان يامر اللّه تعالي بطاعة «اولي الامر» بصورة مطلقة معطوفين علي اللّه ورسوله في قوله تعالي: (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منکم)[النساء: 51]. وما کان ذلک ليکون لولا العصمة، لان فيه مناقضة واضحة للعقيدة، والتشريع، ان الامر باطاعة «اولي الامر» مطلقا اذا لم يکونوا معصومين يعني حمل الاسلام لنقيضه علي عمد. وتبدو محاولة بعض المفسرين لتصحيح ذلک بالقول: ان اطلاق الامر في الاية مقيد بما هو المعلوم من خارجها من انه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: اتهام لبلاغة القرآن، واحکام آياته وممن راي عدم امکان الاخذ باطلاق الامر بالطاعة في الاية وراي ان المقصود امراء الحق الزمخشري، وممن راي دلالتها علي عصمة «اولي الامر»، وحاول ابعادها عن الائمة من اهل البيت (ع) وتطبيقها علي اهل الاجماع الفخر الرازي. وقد ناقشه بقوة واصالة وبين وجوه الخطا والمغالطة في کلامه استاذنا الحجة السيد محمد تقي الحکيم حفظه اللّه بما لم يبق معه مجال للنظر الي ما اثاره من اشکال ورآه من تطبيق آخر للاية. ومما يؤيد القول بان المقصود بها الائمة من اهل البيت (ع) دون غيرهم قول الرسول (ص) المتواتر: «من کنت مولاه فعلي مولاه » وقوله (ص) المتفق علي صحته: «علي مني بمنزلة هارون من موسي » وقوله (ص): «انا مدينة العلم وعلي وقوله الذي قدمنا الحديث عنه، وهو متفق علي بابها» صحته في ان «الائمة من بعده اثنا عشر» وحديث الثقلين الصحيح والمتواتر معا، وقد اشرنا الي ذلک في البحث الاول ففيه جعل الرسول (ص) التمسک بالقرآن واهل البيت (ع) عاصمامن الضلالة، وهو ما لا يتصور بحال من دون ان يکونوا معصومين وفي قوله في الحديث نفسه «فانهما لن يفترقا» (يعني الکتاب واهل البيت) حتي يردا علي الحوض:اشارة واضحة لهذه العصمة علميا، وتؤکد احاديث اخري کثيرة هذا المعني نفسه. ويتطابق الدليل النظري الذي اشرنا اليه، وهو متسق دلالة في الايات والروايات، مع الواقع التاريخي لهؤلاء الائمة الاثني عشر من اهل البيت (ع): دعوي وخلقا وعلما،وعملا، وآثارا، ويتطابق عددا کذلک بحيث لا مجال للمقارنة لان تري في هذه النصوص عدا نظرية الامامة بالمعني الذي ذکرناه ولا مجال لان تري لها مصداقا غيرهم. وفي ضوء ذلک وهو ما اردناه من الحديث الموجز عن نظرية الامامة لدي الامامية الاثني عشرية نخلص الي امرين هامين جدا بالنسبة الي هذا البحث: اولهما: ان قضية الامام المهدي (ع)، بحکم کونه احد الائمة الاثني عشر، تتصل بالايمان بالرسالة، بوصفها جزءا اصيلا منها، وليس فقط من جهة صحة الاخبار وتواترهاعنه، ولذلک فالحديث عنه وبلورة ما يساعد علي فهم ما يتصل به تاريخيا من بعض الجهات الغامضة، کاخفاء ولادته الا عن الخاصة وغيبته الصغري والکبري وسرهمامن الاهمية بحيث يساوي اية مسالة عقائدية اساس. ثانيهما: ان احاديث الائمة من اهل البيت (ع)، طبقا لنظرية الامامة، لها نفس القيمة التي تعط ي للاحاديث النبوية بحکم کونهم امتدادا له في العصمة العلمية والعملية. وبهذه الاحاديث، سيجد المسلم مدي اوسع من قواعد الرؤية للرسالة اصولا وفروعا بصورة لا محل فيها للتناقض ولا للاجتهادات المتعارضة. ان کل المسائل الواقعة والمفترضة لا تعدم الاجابة بصورة مباشرة او غير مباشرة ضمن هذا التراث الواسع للرسول (ص) ولاوصيائه الاثني عشر، وبما يحقق الانسجام الفعلي والکامل بين قواعد العقيدة وما يتصل بها من مفاهيم مختلفة وبين بناها التشريعية واحکامها. ومن بين المسائل التي سنفيد کثيرا من هذه الاحاديث فيها: قضية الامام المهدي (ع)، فقد کانت من دون شک بحاجة لجلاء بعض الجوانب الغامضة فيها قليلا او کثيرا في تراث غيرهم. اما في التراث الوارد عنهم (ع) سواء ما رووه عن الرسول (ص) او ما تحدثوا به وان کان هذا من ذاک فقد وضحت تلک المسائل جميعا. ان الامام المهدي (ع)، في هذه الاحاديث المروية عن احد عشر اماما مضافا الي الرسول (ص) عن طريقهم والي الزهراء (عليها السلام)، معروف تماما اسما وشخصا،ووالدا، ووالدة، وتاريخا، وظروف ولادة، وقد حتمت التقية اخفاءها الا عن الخاصة، ومعروف ايضا صفة وغيبة ونوابا ودورا وآثارا. وهي من الکثرة بحيث لا يمکن استيعابها في هذه الرسالة، ولا يمکن ايراد حتي ما يکفي منها في کل موضوع الا علي سبيل الاشارة فقط، فقد اعط ي الائمة (ع) من علي(ع) الي الحسن العسکري (ع) لقضية الامام المهدي (ع) کما ينبغي موقعا مرکزيا في احاديثهم بحکم ما يحيطها من ملابسات وشبه، وشؤون غيبية ليس سهلا ان تستوعب حتي من قبل المؤمنين لولاهم (ع). ويکفي ان تطلع علي ما کتبه الشيخ الصدوق رحمه اللّه، المتوفي 383 ه، في کمال الدين وتمام النعمة، والشيخ الطوسي المتوفي 460 ه، في الغيبة، والشيخ النعماني المعروف بابن ابي زينب تلميذ الکليني وکاتبه وقد الفه قبل سنة 336 ه، والفصول العشرة للشيخ المفيد المتوفي 413 ه، وکتاب البرهان لابي الفتح الکراجکي المتوفي سنة 441 ه، وکتاب الحجة للسيد هاشم البحراني المتوفي 1107، وکشف الاستار للشيخ الميرزا حسين النوري وکتاب البرهان للسيد محسن الامين، ومن الکتب الحديثة التي عنيت بجمع الاحاديث الواردة فيه (ع) منتخب الاثر للشيخ لطف اللّه الصافي. قلت يکفي ان تطلع علي هذه الکتب او بعضها او علي هذا المرجع الاخير فقط لتري ان ما اشرت اليه ليس من المبالغة في شي ء.لقد ذکرت اني قمت بعملية جمع ما اشار اليه الشيخ الصافي في کتابه من اعداد للاحاديث التي اوردها او اشار اليها في ابواب الفصل الاول والفصل الثاني واربعة ابواب من الفصل الثالث فکانت (5303) احاديث، وهو رقم کبير مهما اسقطنا منه اخذا للتداخل في الابواب التي ذکرها، وللتکرار في الحساب. ولذلک فليس امامي الا ان اختار مما ورد عن کل امام من الائمة في ما يتصل بالمسائل التي اشرت اليها امثلة من هذه الاحاديث في کل موضوع من الموضوعات السابقة، وحسب اهميتها في الاستشهاد علي القضية.