سجلات التاريخ الحديث
هذا في فصول التاريخ القديم، فماذا عن سجلات التاريخ الحديث؟
هل تروي لنا أبناءً سعيدة تسرّنا بتجاوز الإنسان فترة الشقاء والألم؟ أو علي الأقل هل تبشّرنا بانخفاض درجة العذاب وحرارة الشقاء؟ أما ماذا؟
إن التاريخ ليحدثنا بمضض عميق عن معاناة الإنسان في مطلع التاريخ الحديث!! فقد تراکمت عليه سحب الشقاء وازدادت حدة الألم، وتوالت عليه خناجر العذاب.. فقد شهدت تلک الفترة تقدماً هائلاً وتطوراً ملموساً في آلات الدمار ووسائل العذاب وأسلحة الشقاء. وکان الضحية الأولي لذلک التقدم هو هذا الإنسان الممتحن.
وإليکم بعض السطور من تاريخ الشقاء الحديث الذي عاشته الإنسانية المعذّبة:
قامت الحرب العالمية الأولي وانتهت مجازرها البشعة بعد أن بلغ عدد قتلي الإنسانية فيها (22) مليون إنسان، أما المصابون فلا عدّ لهم!
وبعد سنوات قليلة سجّرت نار الحرب العالمية الثانية التي التهمت ما يزيد علي (70) مليون إنسان!
وأما أضرار التدمير فلا يزال الإنسان يعاني منها إلي الآن وبعد مرور أکثر من ثلاثين سنة؛ فقد أصدرت السلطات المختصة في مدينة هيروشيما اليابانية إحصاءات تقول فيها: إن (19) ألف شخص لا يزالون مسجلين لديها بأنهم متضررون من القنبلة التي ألقيت فوق المدينة في مثل هذا الشهر من العام 1945.
والسبب في ذلک يعود إلي المطر الأسود الذي هطل فوق المدينة بعد مرور (45) دقيقة فقط علي إلقاء القنبلة، وهو مطر مشحون بالشعاع الذري! إلا أن هؤلاء غير محسوبين رسمياً من المتضررين، لأنهم کانوا يقيمون في ضاحية هيروشيما عند إلقاء القنبلة عليها. والأمراض التي يشکو منها هؤلاء منذ 29 سنة هي الضعف الجسدي العام، والشعور بالدوار، وکذلک التقيؤ الدوري [1] .
وبلغ عدد الذين أبادتهم بريطانيا العظمي (...) من أجل إخضاع الصين لتاجها أکثر من عشرين (20) مليون إنسان، وکانت فرنسا تستعمر الجزائر رغم إرادة شعبها الذين قاوموا الاستعمار بعنف، ولم تستجب فرنسا لنداء الحرية المدوي في صفوف الشعب الجزائري، إلا بعد أن قتلت من ذلک الشعب المضطهد ما يقارب المليونين نسمة وبصورة بشعة قاسية.
ففي أثناء حرب الجزائر طلب حکام فرنسا من القائد العام للجيش: أن يحول أجمل مسجد في الجزائر إلي کنيسة، فوقع اختياره علي مسجد الحي الأورلي في القشارة فتقدمت مجموعة من آلية الهندسة للسلاح الفرنسي إلي المسجد، وکان الوقت وقت صلاة المغرب، وکان المسجد غاصاً بالمصلين الذي قدر عددهم بـ (1400) مصلٍّ، فدخلوا عليهم وقتلوا فيهم إلي منتصف الليل، حيث أبادوهم جميعاً [2] .
واندلعت الحرب العنيفة في الهند الصينية بين شطري فيتنام واستمرت لمدة ثلاثين عاماً، ثم کانت النتائج الأليمة التي تحملها الإنسان من رواء حرب الاستعمار والمصالح کالتالي:
أکثر من ثلاثة ملايين ومائتين ألف قتيل (3.200.000) بين مدني وعسکري. وسبعة ملايين وأربعمائة وثلاثة وخمسين ألف جريح (7.453.000) بين مدني وعسکري. وأربعمائة ألف عاجز (400.000).
کما ألقي الطيران الأميرکي من سنة 1961 إلي سنة 1972م زهاء ستة ملايين وسبعمائة وسبعة وعشرين ألف طن من القنابل (6.727.000) علي منطقة الهند الصينية!
وألقت الطائرات الأميرکية واحد وسبعين مليون لتراً (000 ,000 ,71) من المواد الکيمياوية السامة علي منطقة في جنوب فيتنام توازي مساحة إيرلندا الشمالية! [3] .
پاورقي
[1] الحوادث، عدد 926، ص29.
[2] نعم للإسلام، السيد هادي المدرسي، ص25.
[3] النهار، 1975م.