بازگشت

اوراق التاريخ القديم


فحينما نتصفح أوراق التاريخ القديم تطالعنا فصوله بمشاهد الألم وظروف البؤس والشقاء.. ففي إحدي صفحات التاريخ القديم نجد المشاهد التالية:

فئة کبيرة من الناس سئمت حياة العبودية والاستغلال وبدأت تعيد النظر في قناعاتها وعقائدها حل الکون والحياة فتوصلت إلي قناعة سلمية هي الإيمان بوجود اللَّه تعالي والکفر بالسلطة التي فرضت نفسها إلهاً حاکماً متصرفاً تستعبد الناس کما تشاء.. فماذا کان مصير هذه المجموعة البشرية؟

لقد حفرت السلطة لها خندقاً (أخدوداً) کبيراً، وجمعت فيه الکثير من الحطب وأضرمت فيه النار وساقت أفراد تلک المجموعة المؤمنة إلي ذل الأخدود الملتهب لتصبح أجسامنا رماداً في ناره!! لا لشيء إلاّ لأن هذه المجموعة تعتنق عقيدة معينة هي الإيمان باللّه!!

يا له من مشهد مؤلم فظيع إذ تتساقط نفوس بريئة طيبة في لهيب النار ورجال الجريمة يتفرجون عليهم ببسمة وارتياح!!

حتي السماء قد غضبت لهذه الجريمة النکراء فخلدتها في قرآنها الحکيم وبأسلوب يفيض بالارتياع والدهشة.

يقول تعالي: «وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَي مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» [1] .

ونقرأ في صفحة أخري من التاريخ القديم: أن ملکاً طاغية يقال له (فرعون) رأي طيفاً ذات ليلة في منامه فانزعج منه فسأل الکهنة والسحرة عن تفسير ذلک الحلم المزعج الذي عکّر علي جلالته صفو النوم والارتياح!!

ففسروا له طيفه بمجيء غلام من فئة ضعيفة من الشعب (بني إسرائيل) يکون علي يديه انتهاء ملک فرعون وطغيانه.

أتدرون ماذا صنع الطاغية بتلک الفئة المستضعفة من أجل المحافظة علي بقاء ملکه واستمرار حکمه؟

لقد عمد إلي جميع الأولاد الذکور من بني إسرائيل فأعدمهم صبراً ثم جمع النساء الحوامل وجعلهن تحت المراقبة، وأصدر أوامره السامية التي تنص علي أن أي امرأة تلد ولداً ذکراً فلا يجوز أن يعطي له حق الحياة أکثر من اللحظات التي تستغرقها عملية الذبح!! وتطبيقاً للأوامر الملکية الطاغوتية قتل مئات الأطفال الأبرياء حفاظاً علي کرسي الحکم وتاج الملک الطاغية فرعون!!

وهکذا تستقبلنا مشاهد الظلم والألم والعذاب التي عاشها الإنسان في أعماق التاريخ کلما فتشنا في صفحات وقلبنا أوراقه.. ففي إحدي الأوراق نقرأ المآسي الأليمة التالية:

فرضت السلطات الأموية الحجاج بن يوسف الثقفي أميراً علي العراق لمدة عشرين سنة، ولما مات الحجاج سنة 95 هجرية يقول المؤرخ المسعودي في مروج الذهب إنه: «أحصي من قتله صبراً سوي من قتل في عساکره وحروبه فوجد مائة وعشرين ألفاً (120.000)، وفي حبسه خمسون ألف رجل (50.000) وثلاثون ألف امرأة (30.000) منهن ستة عشر ألفاً مجردةً -بلا ثياب (16.000).

وکان يحبس النساء والرجال في موضع واحد، ولم يکن للحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف ولا من المطر والبرد في الشتاء!!

ورکب يوماً يريد الجمعة، فسمع ضجة فقال: ما هذا؟ فقيل له: المحبوسون يضجون ويشکون ما هم فيه من البلاء، فالتفت إلي ناحيتهم، وقال: اخسؤوا فيها ولا تکلمون» [2] .


پاورقي

[1] سورة البروج، الآية 1 - 80.

[2] مروج الذهب، للمسعودي.