بازگشت

تهيئة النفس وتربيتها علي التضحية والبذل والجهاد في سبيل اللّ


فإن نفس الإنسان لا تتغير فجا، ولا تتحول في لحظة واحدة لتصبح نفسية باذلة معطاءة مستعدة للجهاد والتضحية، بل علي الإنسان علي أن يربي نفسه ويهيئها مبکراً لينجح في لحظة الامتحان وفي وقت الحاجة، وإلا فسيخسر نفسه ويضيع الفرصة، ويکون من الهالکين.

والمؤمن الذي يعيش في عصر الغيبة، منتظراً لخروج الإمام القائد وظهوره لابدّ وأن يهيئ نفسه لاستقبال الإمام، والانضمام إلي جبهته، والعمل تحت لوائه.

وهذا لا يتأتي للإنسان إذا لم يرب نفسه ويهيئها من الآن للساعة المنتظرة قبل أن تأتي تلک الساعة وهو يفقد زمام نفسه وتخونه إرادته.

ولأن موعد الظهور مجهول لدي الإنسان المؤمن فيجب أن يکون علي أُهبة الاستعداد دائماً وأبداً، ويتوقع الأمر في کل لحظة.

فقد سئل الرسول الأکرم صلي اللَّه عليه وآله: يا رسول اللَّه متي يخرج القائم من ذريتک؟

فقال صلي اللَّه عليه وآله: «مثله مثل الساعة لا يجليها لوقتها إلاّ الله عزّ وجلّ، لا تأتيکم إلا بغتة» [1] .

وفي حديث للإمام الصادق عليه السلام: «عندها تتوقعون الفرج صباحاً ومساءً» [2] .

وعن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام: «إن أمرنا بغتة فجأة» [3] .

ولکن کيف يهيئ الإنسان نفسه للتضحية والجهاد استعداداً لخروج الإمام المنتظر؟

أ - تغذية النفس بالثقافة الدينية الواعية، التي تحث الإنسان وتجند کل مشاعره وأحاسيسه باتجاه البذل والتضحية والعطاء، کالقرآن الکريم ونهج البلاغة، وأحاديث أهل البيت عليه السلام، وتعاليهم.

فهاک -مثلاً- أدعية رائعة يستحب للمؤمن أن يکررها في عصر الغيبة، کدعاء (العهد) الذي يکرس في نفس الإنسان حب التضحية وإرادة البذل والجهاد، ولذلک يستحب قراءته کل يوم صباحاً.

و اقرأ معي هذه الفقرات المقتطفة من هذا الدعاء العظيم

«اللهم بلّغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرک (صلوات اللَّه عليه وعلي جميع آبائه الطاهرين) عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها وبرها وبحرها. وعني وعن والديّ من الصلوات زنة عرش اللَّه، ومداد کلماته، وما أحصاه علمه، وأحاط به کتابه.

اللهم إني أجدد في صبيحة يومي هذا، وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبداً.

اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمتمثلين لأوامره، والمحامين عنه، والسابقين إلي إرادته، والمستشهدين بين يديه.

اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته علي عبادک حتماً مقضياً فأخرجني من قبري مؤتزراً کفني، شاهراً سيفي، مجرّداً قناتي، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي.

اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، وأکحل ناظري بنظرة مني إليه، وعجل فرجه وسهل مخرجه وأوسع ومنهجه واسلک بي محجته وأنفذ أمره واشدد أزره» [4] .

وفي دعاء الافتتاح الذي تستحب قراءته کل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارک، مناطق تهز وجدان المؤمن وتشعره بسوء الواقع الأليم الذي يعيشه في غياب سلطة الحق والعدل، وتجعله يتشوق إلي التضحية والعطاء في سبيل اللَّه، کما يتضح ذلک من تأمل الجمل التالية:

«اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْکَ فِي دَوْلَةٍ کَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِها الإسْلامَ وَأِهْلَهُ وَتُذِلُّ بِها النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ وَتَجْعَلُنَا فِيْهَا مِنَ الدُّعَاةِ إلَي طَاعَتِکَ والْقَادَةِ إلَي سَبِيلِکَ وَتَرْزُقُنَا بِها کَرَامَةَ الدُّنْيا والآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ ما عَرَّفْتَنَا مِنَ الْحَقِّ فَحَمِّلْنَاهُ ومَا قَصُرْنَا عَنْهُ فَبَلِّغْنَاهُ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْکُو إِلَيْکَ فَقْدَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُکَ عَلَيْهِ وآلِهِ وَغَيْبَةَ وَلِيِّنَا وَکَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَقِلَّةَ عَدَدِنَا وَشِدَّةَ الْفِتَنِ بِنَا وَتَظَاهُرَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا فَصَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعِنَّا عَلي ذَلِکَ بِفَتْحٍ مِنْکَ تُعَجِّلُهُ وَبِضُرٍّ تَکْشِفُهُ وَنَصْرٍ تُعِزِّهُ وَسُلْطَانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ وَرَحْمَةٍ مِنْکَ تُجَلِّلُنَاهَا وَعَافِيَةٍ مِنْکَ تُلْبِسْنَاهَا بِرَحْمَتِکَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.

اللهم برحمتک في الصالحين فأدخلنا... وقَتْلاً في سَبِيْلِکَ فَوَفِّقْ لَنَا» [5] .

أرأيت کيف أن هذه الأدعية تربي المؤمن وتشوقه للتضحية حتي تصبح الشهادة في سبيل اللَّه أمنية يدعو اللَّه لتحقيها؟!

ب- الممارسة الفعلية للعطاء والتضحية في سبيل اللَّه حسب الإمکانات والظروف، بالتبرع بالمال للفقراء والمحرومين.

فبالمساهمة في الأعمال والنشاطات الخيرية الإسلامية، وبالدفاع عن قضايا الحق والعدل في المجتمع، وبالاهتمام بشؤون الأمة وأحداث العالم.

وإلاّ فمن يبخل الآن بشيء من ماله، فسيصعب عليه غداً أن يجود بنفسه، ومن يتهرب اليوم عن المشارکة في مشاريع الخير، فسيکون أول المنهزمين فيما بعد عن ساحة النضال، والذي لا تهمه الأوضاع المعاصرة ولا يفکر في واقع أمته، سوف لا يتوقف في ذلک الوقت للعمل من أجل توحيد العالم تحت راية الإسلام.

ولا يکفي الرجاء والتمني بديلاً عن الممارسة الفعلية، فإن القرآن الکريم يحدثنا عن قوم اعتذروا عن البذل في سبيل اللَّه في ظرف ما، علي أمل أن يتوفقوا للبذل في المستقبل، وحينما تتغير ظروفهم وتتحسن أحوالهم المادية. ولکنهم لم يتوفقوا لذلک فيا بعد، لأن نفسيتهم لم تمارس البذل، ولم تتشرب علي العطاء.

يقول تعالي

«وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَکُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّآ آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ» [6] .


پاورقي

[1] الغيبة الکبري، ص427 - 428.

[2] الغيبة الکبري، ص427 - 428.

[3] الغيبة الکبري، ص427 - 428.

[4] کتاب (الدعاء والزيارة) لآية اللَّه الإمام السيد محمد الشيرازي دام ظله.

[5] المصدر السابق.

[6] سورة التوبة، الآية 75 - 76.