و في الانتظار
ونحن نعيش الآن في عصر الغيبة، حيث اقتضت حکمة اللَّه تعالي أن يحتجب عنا الإمام القائد وأن يتأجل خروجه.
ولکن هل تعني غيبة الإمام عقد هدنة بين الحق والباطل، وتجميد الصراع ووقف إطلاق النار في ساحة المعرکة بينهما؟
هل أنهي الباطل نشاطه، وتنازل الحق عن دوره في هذه الفترة الطويلة؟ أم أن الصراع لا يزال مستمراً بين جبهتي الحق والباطل؟
لا يستطيع أحد أن يدّعي توقف الصراع، فالباطل لا يزال يواصل اعتداءاته، ويوسع نطاق عمله، ويجدد وسائله وأساليبه.
فهل يجوز أن يقف الحق أمامه مکتوف الأيدي معدوم النشاط يتفرج علي انهيار مواقعه وتدمير قواه وطاقاته؟
وإذا کان الصراع بين الحق والباطل إنما يتم عبر اتباع کل منهما، فإن علينا أن نطرح السؤال بالشکل التالي:
هل أن أتباع الباطل متوقفون عن نصرة باطلهم ونشره ومدّ سيطرته ونفوذه؟ أم أنهم في عمل دائب مستمر لمقاومة الحق وإظهار الباطل في جميع الحقول وعلي کافة المستويات؟
وإذا کان أهل الباطل نشطين في خدمة باطلهم، والعمل من أجلهم، فهل يصح لأهل الحق أن يعلنوا الهدنة، وإنهاء المعرکة من طرف واحد، ويستقبلون رماح الباطل وطعناته، ويسکنون عن اعتداءاته إلي ظهور القائد المنتظر؟
لا يمکن أبداً أن يکون هذا هو معني الانتظار، ولا أن تکون هذه هي وظيفة المؤمنين في عصر الغيبة!
فمبادئ الإسلام التي تأمر بالدعوة إلي اللَّه وتوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، وتحت علي هداية الناس، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. هذه المبادئ مبادئ عامة وشاملة تسري علي کل زمان، وتلزم کل جيل. وغيبة الإمام المهدي عليه السلام لا تعني نسخ هذه المبادئ ولا تجميد مفعولها.
يقول العلامة المظفر: «ومما يجدر أن نذکره في هذا الصدد، ونذکر أنفسنا به. أنه ليس معني انتظار هذا المصلح المنقذ (المهدي) أن يقف المسلمون مکتوفي الأيدي فيما يعود إلي الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته، والجهاد في سبيله، والأخذ بأحکامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر. بل المسلم أبداً مکلّف بالعمل بما أنزل من الأحکام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها علي وجهها الصحيح بالطرق الموصلة إليها حقيقة. وواجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنکر، ما تمکن من ذلک وبلغت إليه قدرته (کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعيته). فلا يجوز له التأخر عن واجباته بمجرّد الانتظار للمصلح المهدي، والمبشر الهادي، فإن هذا لا يسقط تکليفاً، ولا يؤجل عملاً، ولا يجعل الناس هملاً کالسوائم» [1] .
فما هو واجبنا في عصر الغيبة وفي انتظار الإمام القائد؟
پاورقي
[1] الشيخ محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية.