بازگشت

عمره الآن 1143 سنة؟


يتاح للإنسان أن يعيش في هذه الحياة فترة محدودة، يغادر الدنيا بعدها، وينتقل عبر جسر الموت إلي عالم آخر.

ومتوسط عمر الفترة التي يقضيها أي إنسان في هذه الدار الدنيا يتراوح ما بين ستين إلي سبعين سنة، وفي بعض الحالات القليلة قد يتجاوزها إلي المائة سنة، أما إذا تخطّي المائة سنة وبدأ يصارع عقود المائة الثانية فهذا يعتبر حالة استثنائية نادرة قد يسجلها التاريخ تحت عنوان: المعمرين.

بناءً علي ذلک کيف صح لنا إذن أن نؤمن بوجود الإمام القائد المهدي الذي ولد سنة 255هـ ونحن الآن في سنة 1397هـ فيکون عمره الشريف 1143 سنة، فهل يمکن للإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل؟

في الواقع لکي نستطيع التعرف علي إمکانية هذه الحياة الطويلة يجب أن نتساءل ونبحث عن سبب الموت، فلماذا الموت؟

«هناک ما يقرب من مائتي إجابة عن هذا السؤال الخطير الذي کثيراً ما يطرح في المجالس العلمية، منها: (فقدان الجسم لفاعليته)، (انتهاء عملية الأجزاء الترکيبية)، (تجمد الأنسجة العصبية)، (حلول المواد الزلالية القليلة الحرکة، محل الکثرة الحرکة منها)، (ضعف الأنسجة الرابطة)، (انتشار سموم بکتريا الأمعاء في الجسم).. وما إلي ذلک من الإجابات التي تتردد کثيراً ظاهرة الموت.

إن القول بفقدان الجسم لفاعليته جذاب للعقل.. فإن الآلات الحديدية والأحذية والأقمشة کلها تفقد فاعليتها بعد أجل محدود، فأجسامنا أيضاً تبلي وتفقد فاعليتها کالجلود التي نلبسها في موسم الشتاء. ولکن العلم الحديث لا يؤيدنا، لأن المشاهدة العلمية للجسم الإنساني تؤکد: أنه ليس کالجلود الحيوانية والآلات الحديدية، وليس کالجبال.. وإن أقرب شيء يمکن تشبيهه به هو ذلک (النهر) الذي لا يزال يجري منذ آلاف السنين علي ظهر الأرض، فمن ذا الذي يستطيع القول بأن النهر الجاري يبلي ويهن ويعجز؟ أبناء علي هذا الأساس يعتقد الدکتور «لنس بالنج» (وهو حائز علي جائزة نوبل للعلوم): إن الإنسان أبدي إلي حد کبير، نظرياً، فإن خلايا جسمه تقوم بإصلاح ما فيه من الأمراض ومعالجتها تلقائياً! وبرغم ذلک فإن الإنسان يعجز ويموت، ولا تزال علل هذه الظاهرة أسراراً تحير العلماء.

إن جسمنا هذا في تجدد دائم، وإن المواد الزلالية التي توجد في خلايا دمائنا تتلف کذلک ثم تتجدد، ومثلها جميع خلايا الجسم، تموت وتحل مکانها خلايا جديدة، اللهم إلا الخلايا العصبية، وتفيد البحوث العلمية إن دم الإنسان يتجدد تجدداً کلياً خلال ما يقرب من أربع سنوات کما تتغير جميع ذرات الجسم الإنساني في بضع سنين. ونخرج من هذا بأن الجسم الإنساني ليس کهيکل، وإنما کالنهر الجاري، أي أنه «عمل مستمر» ومن ثم تبطل جميع النظريات القائلة بأن علة الموت هي وهن الجسم أيام الطفولة أو الشباب قد خرجت من الجسم منذ زمن طويل، ولا معني لأن نجعلها سبب الموت، فسبب الموت موجود في مکان آخر، وليس في الأمعاء والأنسجة البدنية والقلب.

ويدعي بعض العلماء أن الأنسجة العصبية هي سبب الموت لأنها تبقي في الجسم إلي آخر الحياة ولا تتجدد، ولو صح هذا التفسير القائل بأن النظام العصبي هو نقطة الضعف في الجسم الإنساني فمن الممکن أن نزعم أن أي جسم خال من (النظام العصبي) لابد أن يحيا عمراً أطول من الأجسام ذات النظام العصبي، ولکن المشاهدة العلمية لا تؤيدنا، فإن هذا النظام لا يوجد مثلاً في الأشجار، وبعضها يعيش لأطول مدة، ولکن شجرة القمح التي لا يوجد بها هذا النظام العصبي لا تعيش أکثر من سنة، وليس في کائن «الأميبا» أکثر من نصف ساعة، ومقتضي هذا التفسير أيضاً أن تلک الحيوانات التي تعد من (نسل أعلي) والتي تتمتع بنظام عصبي أکمل وأجود، لابد أن تعيش مدة أطول من تلک التي هي أحقر نسلاً وأضعف نظاماً ولکن الحقائق لا تؤيدنا في هذا أيضاً، فإن السلحفاة والتمساح وسمکة «باتيک» أطول عمراً من أي حيوان آخر. وکلها من النوع الثاني حقير النسل ضعيف النظام» [1] .

وما دام في جسم الإنسان استعداداً للبقاء والخلود، وليس فيه أي مکمن مبدئياً للموت، وما دام الإنسان أبدياً علي الصعيد النظري والعلمي، فلماذا يموت الإنسان السليم الذي لا يعترضه عارض خارجي يسبب له الموت والفناء؟

إن الجواب الوحيد والواقعي هو أن الموت يأتي بقرار من اللَّه خالق الإنسان والذي يحدد للإنسان أجله وإقامته في الحياة «وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا» [2] .

ولما کانت مسألة الموت متعلقة بقرار اللَّه سبحانه وتعالي ومشيئته، فإن حکمته هي التي تحدد مسافة عمر کل فرد حسب الحکمة والمصلحة.

فقد تقتضي حکمة اللَّه تعالي مصادرة حياة شخص وإنهاء إقامته في الدنيا وهو في عهد الطفولة أو ريعان الشباب...

وقد تقتضي حکمته جلّ وعلا استمرار حياة شخص ما لمئات السنين والأعوام.. کما يتحدث القرآن عن حياة نبي اللَّه نوح عليه السلام فيقول: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَي قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا» [3] أي 950 سنة.

من هنا تبدو لنا قضية الإمام المهدي بعيدة عن الغرابة والاستنکار منسجمة مع النظرة العلمية مؤيدة بشواهد التاريخ.

وحتي لو لم تسعفنا النظرية العلمية بأدلة مقنعة، أو لم يقدم لنا التاريخ نماذج مشابهة، فيمکننا أن نلجأ في تفسير هذه الظاهرة (إطالة عمر الإمام المهدي) إلي قانون الإعجاز الإلهي والذي تنسحب أمامه جميع القوانين الطبيعية المألوفة ونترک له المجال ليتصرف بحرية لإنجاز أي قضية تتعلق بها حکمة السماء وتصطدم معها سنن الحياة المعروفة.

وهذه حقيقة لا يناقش فيها المؤمن بشرائع السماء فحماية إبراهيم الخليل من النار المضطرمة التي أُلقي في أتونها، وولادة مريم بعيسي، وتصلب ماء البحر لموسي لها قضايا تؤکد الکتب السماوية حدوثها مع تعارضها المبدئي للقوانين الثابتة.


پاورقي

[1] الإسلام يتحدي، ص80.

[2] سورة المنافقون، الآية 11.

[3] سورة العنکبوت، الآية 14.