اعلام هادئ
وإذا کانت الظروف الأمنية تفرض اختفاء الإمام المهدي أثناء حمله، وفي أول يوم من ولادته حتي عن عمته حکيمة التي شهدت لحظات الولادة.. فکيف إذن تطمئن الجماهير المؤمنة التي يشغلها التفکير في مستقبل الرسالة ويسودها القلق علي مصير حرکة التوعية والتغيير الخطيرة.
وهي تتلهف وتحترق شوقاً لقدوم الإمام الثاني عشر الذي أکدت عليه الأحاديث وبشرت به الرسالات السماوية.
لقد کان علي الإمام الحسن العسکري عليه السلام أن يوفق بين الأمرين المهمين: کتمام الأمر وإخفائه عن السلطة وعيونها وإعلام الجماهير المؤمنة بولادة قائدها المنتظر.
لذلک فقد قام الإمام العسکري عليه السلام بدور الإعلام الهادئ الحکيم.. وذلک حسب الوسائل التالية:
1- کلف أحد أصحابه الثقاة بتوزيع کمية کبيرة من الخبز واللحم علي شخصيات بني هاشم ووجهاء الفئة المؤمنة وبطريقة عير مثيرة، وذلک للاستبشار بمولد الإمام المنتظر.
فقد ورد عن أبي جعفر العمري قال: لما ولد السيد (إشارة إلي الإمام المهدي) قال أبو محمد العسکري: ابعثوا إلي أبي عمرو فبعث غليه فصار إلي الإمام.
فقال له الإمام العسکري عليه السلام: اشتر عشرة آلاف رطل خبز وعشرة آلاف رطل لحم وفرقه حسبة علي بني هاشم وعقّ عنه بکذا وکذا شاة [1] .
وعن محمد بن إبراهيم الکوفي: أن أبا محمد الحسن العسکري بعث إلي بعض من سماه لي شاة مذبوحة وقال: هذه من عقيقة ابني محمد [2] .
وعن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح قال: کان يوماً جالساً فقال لي: البشارة ولد البارحة مولود لأبي محمد عليه السلام وأمر بکتمانه، وأمر أن يعقّ عنه ثلاثمائة شاة، فقلت: وما اسمه؟ فقال: يسمي محمد [3] .
ويتحدث إبراهيم صاحب الإمام العسکري عليه السلام فيقول: وجّه إليَّ مولاي أبو محمد بأربعة أکبش وکتب إليّ:
«بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذه عن ابني محمد المهدي، وکُلْ هنيئاً وأطعم من وجدتَ من شيعتنا» [4] .
2- أخبر بعض أصحابه الموثوقين شفوياً بولادة الإمام المهدي، فقد أعلم أبا هاشم الجعفري، کما أخبر أبا طاهر البلالي، وصرّح أما أحمد بن إسحاق بن سعد بقوله: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتي أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول اللَّه، خُلقاً وخَلقاً، يحفظه اللَّه في غيبته، ويظهره فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، کما ملئت جوراً وظلماً [5] .
3- کتب عليه السلام رسائل إلي زعماء المجتمعات الإسلامية التي تدين بالولاء لأهل البيت يخبرهم بولادة الإمام المنتظر، بمختلف بلدانهم ومناطقهم.
فقد کتب رسالة إلي موسي بن جعفر بن وهب البغدادي جاء فيها: «زعموا أنهم يريدون قتلي فيقطعون هذا النسل، وقد کذّب اللَّه عزّ وجلّ قولهم والحمد للّه» [6] .
وبعث عليه السلام رسالة إلي کبير علماء قم -إيران- أحمد بن إسحاق قال له فيها: «ولد لنا مولود فليکن عندک مستوراً، وعن جميع الناس مکتوماً، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته والولي لولايته، أحببنا إعلامک ليَسُرَّک اللَّه به مثل ما سرَّنا به، والسلام» [7] .
وعن علي بن بلال: خرج إليَّ مرة من أبي محمد الحسن بن علي العسکري قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم أخرج إليَّ مرة قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده» [8] .
کما کتب عليه السلام إلي أمه يعلمها بولادة القائم [9] .
4- کان عليه السلام يغتنم فرصة تواجد خواص أتباعه أو يتعمد جمعهم في مجلسه ليعرّفهم علي الإمام المهدي مباشرة ويؤکد لهم أنه هو إمامهم الثاني عشر.
يقول معاوية بن حکيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علبي عليه السلام ولده ونحن في منزله وکنا أربعين رجلاً، فقال: هذا إمامکم من بعدي وخليفتي عليکم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانکم لتهلکوا أما إنکم لا ترونه بعد يومکم هذا.
قالوا:فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتي مضي أبو محمد [10] .
وعن عمر الأهوازي قال: أراني أبو محمد بابنه وقال: هذا إمامکم من بعدي [11] .
ويتحدث أبو غانم الخادم عن أحد هذه المواقف فيقول: ولد لأبي محمد عليه السلام مولود فسمّاه محمداً، فعرضه علي أصحابه يوم الثالث وقال: هذا صاحبکم من بعدي وخليفتي عليکم، وهو القائم الذي تمتد عليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً [12] .
وهکذا انتشر الخبر في صفوف الجماهير المؤمنة ليزرع الأمل في قلوبها بمستقبل الرسالة المشرق علي يد الإمام الثاني عشر، وليبدد غيوم القلق والتشکيک من نفوسها.
پاورقي
[1] منتخب الأثر، ص341.
[2] المصدر نفسه، ص343.
[3] المصدر نفسه، ص343.
[4] الإمام المهدي، ص126.
[5] منتخب الأثر، ص342.
[6] المصدر السابق، ص342.
[7] المصدر السابق، ص344.
[8] الإمام المهدي، ص127.
[9] المصدر السابق، ص127.
[10] منتخب الأثر، ص355.
[11] المصدر السابق، ص356.
[12] الإمام المهدي، ص132.