بازگشت

الامام العسکري - القائد الحکيم


وکان الإمام القائد لطلائع الأمة في ذلک العصر هو الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت الإمام الحسن بن علي العسکري، والذي فرضت عليه السلطة إقامة جبرية في عاصمة الخلافة العباسية آنذاک (سامراء).

ولکنه ورغم ضغوط السلطة ورقابتها الدقيقة التي کانت تلاحق الإمام حتي في فترات سجنه ومعتقلاته. رغم ذلک کان يمارس دوره في توجيه الأمة وتزريق جماهيرها بالوعي وقيادة طلائعها المؤمنة.

فکانت الحقوق الشرعية من الأخماس والزکوات ترد علي الإمام العسکري بصورة سرية رائعة، عبر أحد وکلائه الثقاة: عثمان بن سعيد العمري والذي کان من کبار العلماء، ولکن الإمام دفعه للاتجار بالسمن (الزيت) ليصنع من ذلک تغطية ظاهرية لدوره الهام في إيصال الأموال إلي الإمام بسرية کافية.. فباعتباره بيّاعاً للمسن کان يملأ بعض أجربة السمن بالأموال المتوفرة لديه من الحقوق الشرعية ثم يبعثها إلي بيت الإمام العسکري وظاهرها ملطخ بالسمن، وطبعاً لا يثير شبهة الجواسيس دخول جراب سمن لبيت الإمام! [1] .

کما عهد الإمام العسکري إلي أحد أصحابه وهو محمد بن مسعود العياشي أن يقوم بمهمة جمع تراث الأئمة من أهل البيت بعد أن فرقته ظروف الکبت والإرهاب، فأنفق العياشي ثروة أبيه الضخمة علي ذلک حتي کانت داره کالمسجد تجمع العشرات ما بين ناسخ ومقابل وقارئ ومعلق.. فاجتمع لديه نتيجة ذلک النشاط العظيم ما يزيد علي مائتين کتاب تحوي أحاديث أهل البيت وتعاليمهم في مختلف المجالات [2] .

إذن فقد کان النشاط علي أشده في صفوف الجماهير المسلمة بيد أن الشيء الذي يقلق طلائع الإيمان والوعي هو مستقبل هذا النشاط ومصير حرکة الوعي الديني السليم بعد الإمام الحسن العسکري، والذي لابد وأن تصادر السلطة حياته کما صادرات حياة آبائه من قبل، فمن هو القائد بعد ذلک؟ ومن هو الإمام الذي سيتحمل مسؤولية الرسالة ويقوم بقيادة طلائع الأمة؟

وتثور الأسئلة ملحة في أذهان المؤمنين وتفرض نفسها علي خواطرهم.. وما أسرع أن يتذکروا الأحاديث المؤکدة المتواترة عن رسول اللَّه محمد صلي اللَّه عليه وآله والتي تنص بصراحة ووضوح علي أن اللَّه تعالي قد أعد لهذه الأمة اثني عشر إماماً ينذرون أنفسهم لحماية الشريعة ونشر الرسالة الإسلامية العظيمة.

ففي صحيح البخاري (الجزء الرابع، ص175، طبعة مصر سنة 1355) عن رسول اللَّه صلي اللَّه عليه وآله أنه قال: «يکون اثنا عشر أميراً کلهم من قريش».

ومثله في صحيح مسلم والترمذي وجميع کتب الحديث [3] .

ومن هؤلاء الأئمة القادة الاثني عشر عاصرت الأمة عشرة أئمة وها هي في ظل الإمام الحادي عشر.. فيا تري من هو الإمام الثاني عشر والذي اختارته السماء ليکون خاتم أوصياء محمد وآخر قادة أمة الإسلام؟

إن الإمام العسکري لم يولد له ولد لحد الآن، والسلطة حذرة جداً ومتشائمة من الإمام الثاني عشر الذي بشرت به الأحاديث ووعدت أن يکون علي يديه استئصال شأفة الظلم وقلع جذور الطغيان وإقامة حکم الأمن والإيمان.


پاورقي

[1] الغيبة الصغري، للسيد محمد الصدر، ص227.

[2] سيرة الأئمة وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام.

[3] جمع العلامة الصافي في کتابه القيم «منتخب الأثر» ما يزيد علي ثلاثمائة حديث تدل علي أن الأئمة بعد الرسول صلي اللَّه عليه وآله اثنا عشر.. من مختلف صحاح الحديث ومجاميعه ومسانيده.