بازگشت

امکان الرجعة


إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسماني، غير أنها بعث موقوت في الدنيا ومحدود کماً وکيفاً، ويحدث قبل يوم القيامة، بينما يُبعث الناس جميعاً يوم القيامة ليلاقوا حسابهم ويبدأوا حياتهم الخالدة، وأهوال يوم القيامة أعجب وأغرب وأمرها أعظم من الرجعة.

وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حيث النوع، فالدليل علي إمکان المعاد يمکن أن يقام دليلاً علي إمکان الرجعة، والاعتراف بإمکان بعث الحياة من جديد يوم القيامة يترتب عليه الاعتراف بإمکان الرجعة في حياتنا الدنيوية، ولا ريب أنّ جميع المسلمين يعتبرون الاِيمان بالمعاد من أُصول عقيدتهم، إذن فجميعهم يذعنون بإمکانية الرجعة.

يقول السيد المرتضي قدس سره: إعلم أنّ الذي يقوله الاِمامية في الرجعة لا خلاف بين المسلمين ـ بل بين الموحدين ـ في جوازه، وأنّه مقدور لله تعالي، وإنّما الخلاف بينهم في أنّه يوجد لا محالة أو ليس کذلک.



[ صفحه 16]



ولا يخالف في صحة رجعة الاَموات إلاّ خارج عن أقوال أهل التوحيد، لاَنَّ الله تعالي قادر علي إيجاد الجواهر بعد إعدامها، وإذا کان عليها قادراً، جاز أن يوجدها متي شاء [1] .

فإذا کان إمکان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جميع المسلمين ـ حتي قال الآلوسي: وکون الاِحياء بعد الاِماتة والاِرجاع إلي الدنيا من الاُمور المقدورة له عزَّ وجلَّ ممّا لا ينتطح فيه کبشان، إلاّ أنّ الکلام في وقوعه [2] إذن فلماذا الشکّ والاستغراب لوقوع الرجعة؟ ولماذا التشنيع والنبز بمن يعتقد بها لورود الاَخبار الصحيحة المتواترة عن أئمة الهدي عليهم السلام بوقوعها؟

يقول الشيخ محمدرضا المظفر: (لا سبب لاستغراب الرجعة إلاّ أنّها أمر غير معهود لنا فيما ألفناه في حياتنا الدنيا، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما يُقرّ بها إلي اعترافنا أو يبعدها، وخيال الاِنسان لا يسهل عليه أن يتقبّل تصديق ما لم يألفه، وذلک کمن يستغرب البعث فيقول: (مَن يُحيي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) فيقال له: (يُحييها الَّذِي أنشَأها أوَلَ مَرةٍ وَهُوَ بِکُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ) [3] .

نعم في مثل ذلک، مما لا دليل عقلي لنا علي نفيه أو إثباته، أو نتخيّل عدم وجود الدليل، يلزمنا الرضوخ إلي النصوص الدينية التي هي من مصدر الوحي الاِلهي، وقد ورد في القرآن الکريم ما يثبت وقوع الرجعة إلي الدنيا لبعض الاَموات، کمعجزة عيسي عليه السلام في إحياء الموتي



[ صفحه 17]



(وأُبريءُ الاَکمَهَ والاَبرَصَ وأُحيي المَوتي بإذنِ اللهِ) [4] وکقوله تعالي: (أنَّي يُحيي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مُوتِها فأمَاتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [5] .

يضاف إلي ذلک أنَّ نفوس الظالمين تأبي إقامة العدل وإحقاق الحق لما اقترفته أيديهم الآثمة من الظلم والجور والمنکرات، والرجعة تنطوي علي أمرٍ يحقق العدالة الاِلهية في أرض الواقع بانتصاف الظالم من المظلوم وإدالة أهل الحق من أهل الباطل، ولهذه العلة أبت نفوس المکابرين من أهل الجاهلية الاعتقاد بالمعاد والنشور رغم أنّهم عاينوا المعجزات وضربت لهم الاَمثال الواضحة وأقيمت لهم الدلائل البينة والبراهين الساطعة، لاَنّ قبول هذا الاعتقاد يعني الانصياع للحق والعدل بالوقوف أمام المحکمة الاِلهية الکبري (يَومَ تَشْهَدُ عَلَيهِم ألسِنَتُهُم وأيديهِم وَأرجُلُهُم بِما کانُوا يَعمَلُونَ) [6] .


پاورقي

[1] رسائل الشريف المرتضي 3: 135 ـ الدمشقيات ـ دار القرآن الکريم ـ قم.

[2] روح المعاني 20: 27 دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

[3] سورة يس 36: 78 ـ 79.

[4] سورة آل عمران 3: 49.

[5] عقائد الاِمامية، للشيخ المظفر: 111 ـ 112. والآية من سورة البقرة 2: 259.

[6] سورة النور 24: 24.