الرجعة تنافي التکليف
الجواب: القول بمنافاة الرجعة للتکليف جعل بعض الشيعة يتأولونها علي وجه إعادة الدولة لا إعادة أعيان الاَشخاص، وبما أنّ هذا الاَمر من الاَمور الغيبية، فلا يمکن إصدار الحکم القطعي عليه، لکن عامة أعلام
[ صفحه 96]
الطائفة يقولون إنّ الدواعي معها متردّدة، أي إنها لا تستلزم التکليف ولاتنافيه، وإنّ تکليف من يعاد غير باطل، وقد أجابوا علي مايترتّب علي ذلک من إشکالات.
يقول السيد المرتضي قدس سره: إنَّ الرجعة لا تنافي التکليف، وإنّ الدواعي مترددة معها حتي لا يظنَّ ظان أنّ تکليف من يعاد باطل، وإنّ التکليف کما يصحّ مع ظهور المعجزات والآيات القاهرة، فکذلک مع الرجعة لاَنّه ليس في جميع ذلک ملجيء إلي فعل الواجب والامتناع من فعل القبيح [1] .
أما من هرب من القول بإثبات التکليف علي أهل الرجعة لاعتقاده أنّ التکليف في تلک الحال لا يصحّ، لاَنّها علي طريق الثواب وإدخال المسرّة علي المؤمنين بظهور کلمة الحقّ، فيقول السيد المرتضي: هو غير مصيب، لاَنّه لا خلاف بين أصحابنا في أنَّ الله تعالي ليعيد من سبقت وفاته من المؤمنين لينصروا الاِمام وليشارکوا إخوانهم من ناصريه ومحاربي أعدائه وأنّهم أدرکوا من نصرته ومعونته ما کان يفوتهم لولاها، ومن أُعيد للثواب المحض فمما يجب عليه نصرة الاِمام والقتال عنه والدفاع [2] .
وهؤلاء المتهربون من القول باثبات التکليف، تأولوا الرجعة علي أنها تعني إعادة الدولة والاَمر والنهي لا عودة الاَشخاص، ذلک لاَنهم عجزوا عن نصرة الرجعة، وظنوا أنها تنافي التکليف، يقول الشيخ أبو علي الطبرسي قدس سره: وليس کذلک، لاَنه ليس فيها ما يلجيء إلي فعل الواجب
[ صفحه 97]
والامتناع من القبيح، والتکليف يصحّ معها کما يصحّ مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة کفلق البحر وقلب العصا ثعباناً وما أشبه ذلک.
ولاَنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الاَخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها، وإنّما المعول في ذلک علي اجماع الشيعة الاِمامية، وإن کانت الاَخبار تعضده وتؤيده [3] .
توبة الکفار:
إن قيل: إذا کان التکليف ثابتاً علي أهل الرجعة، فيجوز تکليف الکفار الذين استحقوا العقاب، وأن يختاروا التوبة.
قال الشيخ المفيد قدس سره: إذا أراد الله تعالي (رجعة الذين محضوا الکفر محضاً) أوهَمَ الشياطين أعداء الله عزَّ وجل أنهم إنّما رُدّوا إلي الدنيا لطغيانهم علي الله، فيزدادوا عتّواً، فينتقم الله منهم بأوليائه المؤمنين، ويجعل لهم الکرة عليهم، فلا يبقي منهم أحد إلاّ وهو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب، وتصفو الاَرض من الطغاة، ويکون الدين لله، والرجعة إنما هي لممحضي الاِيمان من أهل الملة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الاُمم الخالية [4] .
وأجاب السيد المرتضي قدس سره عن هذا بجوابين:
أحدهما: إنّ من أُعيد من الاَعداء للنکال والعقاب لا تکليف عليه،
[ صفحه 98]
وإنّما قلنا إنّ التکليف باقٍ علي الاَولياء لاَجل النصرة والدفاع والمعونة.
والجواب الآخر: إنَّ التکليف وإن کان ثابتاً عليهم، فيجوز أنهم لايختارون التوبة، لاَنا قد بيّنا أنّ الرجعة غير ملجئةٍ إلي قول القبيح وفعل الواجب وإنّ الدواعي متردّدة، ويکون وجه القطع علي أنهم لا يختارون ذلک ممّا علمنا وقطعنا عليه من أنهم مخلدون لا محالة في النار [5] ، قال تعالي: (وعَدَ اللهُ المنافِقِينَ والمنُافِقاتِ والکُفارِ نَارَ جَهَنَمَ) [6] ، وقال تعالي: (وَليستِ التَوبةُ للَّذينَ يَعملُونَ السَيئاتِ حتي إذا حَضَرَ أحدَهُمُ المَوتُ قالَ إني تُبتُ الآنَ ولا الَّذينَ يموتُونَ وهُم کُفارٌ) [7] .
پاورقي
[1] رسائل الشريف المرتضي 1: 126 المسائل التي وردت من الري.
[2] المصدر السابق 3: 136 الدمشقيات.
[3] مجمع البيان 7: 367.
[4] المسائل السروية: 35 وقد تقدم في الفصل الخامس جواب مفصل للشيخ المفيد قدس سره عن هذه المسألة.
[5] رسائل الشريف المرتضي 3: 137 الدمشقيات.
[6] سورة التوبة 9: 68.
[7] سورة النساء 4: 18.