احتجاج السيد الحميري
هو إسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، أبو هاشم، شاعر إمامي متقدم، أکثر شعره في مدح آل البيت عليهم السلام، کان ثقة جليل القدر، عظيم المنزلة، لقي الاِمام الصادق عليه السلام، وعدّه أبو عبيدة من أشعر المحدثين، وجعله أبو الفرج ثالث ثلاثة هم أکثر الناس شعراً في الجاهلية والاِسلام. ولد في نعمان سنة 105 هـ ومات ببغداد سنة 173 هـ.
روي الشيخ المفيد قدس سره عن الحارث بن عبيدالله الربعي، أنه قال: کنت جالساً في مجلس المنصور، وهو بالجسر الاَکبر، وسِوار القاضي عنده والسيد الحميري ينشده:
إنَّ الاِله الذي لا شيء يشبهه
آتاکم الملک للدنيا وللدين
حتي أتي علي القصيدة والمنصور مسرور، فقال سِوار: هذا والله ياأمير المؤمنين يعطيک بلسانه ما ليس في قلبه، والله إنّ القوم الذين يدين بحبّهم لغيرکم، وإنّه لينطوي في عداوتکم، إلي أن قال: يا أميرالمؤمنين، إنّه يقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسبّ والوقيعة فيهما.
فقال السيّد: أمّا قوله بأنّي أقول بالرجعة، فإنّ قولي في ذلک علي ما قال الله تعالي: (ويومَ نَحشُرُ مِن کُلِّ أُمّةٍ فَوجاً مِمن يُکذِّبُ بآيَاتِنا فَهُم يُوزعُونَ) [1] .
[ صفحه 87]
وقال: قال في موضع آخر: (وحشرناهُم فَلَم نُغَادِر مِنهُم أحَداً) [2] فعلمت أنّ هاهنا حشرين: أحدهما عامّ، والآخر خاصّ.
وقال سبحانه: (ربَّنا أمَتَّنا اثنَتَينِ وأحييتَنا اثنَتينِ فاعتَرفنا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلي خُرُوجٍ مِن سَبيلٍ) [3] ، وقال الله تعالي: (فأماتَهُ اللهُ مائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) [4] وقال الله تعالي: (ألم ترَ إلي الَّذينَ خَرجُوا من دِيارِهِم وهُم ألُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم) [5] ، فهذا کتاب الله عزَّ وجلَّ.
وقد قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «يحشر المتکبّرون في صور الذرّ يوم القيامة». وقال صلي الله عليه وآله وسلم: «لم يجرِ في بني إسرائيل شيء إلاّ ويکون في أُمّتي مثله حتي المسخ والخسف والقذف». وقال حذيفة: والله ما أبعد أن يمسخ الله کثيراً من هذه الاُمّة قردة وخنازير.
فالرجعة التي أذهب إليها، هي ما نطق به القرآن، وجاءت به السُنّة، وأنّي لاَعتقد أنّ الله تعالي يردّ هذا ـ يعني سِواراً ـ إلي الدنيا کلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرّة، فإنّه والله متکبّر متجبّر کافر.
فضحک المنصور وأنشأ السيد يقول:
جاثيت سوّاراً أبا شملة
عنـد الاِمـام الحـاکم العادلِ
فقـال قـولاً خـطـأ کـلـّه
عند الوري الحافي والناعلِ
[ صفحه 88]
حتي أتي علي القصيدة، قال: فقال المنصور: کفّ عنه. فقال السيد: يا أمير المؤمنين، الباديء أظلم، يکفّ عني حتي أکفُّ عنه.
فقال المنصور لسِوار: تکلّم بکلام فيه نَصَفة، کفّ عنه حتي لايهجوک [6] .
پاورقي
[1] سورة النمل 27: 83.
[2] سورة الکهف 18: 47.
[3] سورة غافر 40: 11.
[4] سورة البقرة 2: 259.
[5] سورة البقرة 2: 243.
[6] الفصول المختارة، للسيد المرتضي: 93 ـ 95.