احتجاج الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان
وهو أبو محمد الفضل بن شاذان الاَزدي النيسابوري، روي عن أبي جعفر الثاني والهادي والعسکري عليهم السلام، وقيل: روي عن الاِمام الرضا عليه السلام، وکان ثقة جليلاً، وفقيهاً ومتکلماً، ذُکر أنّه صنّف 180 کتاباً، وترحّم عليه الاِمام أبو محمد العسکري عليه السلام مرتين وقيل: ثلاثاً، وتوفي سنة 260 هـ. رجال النجاشي: 306: 840. والخلاصة: 132: 2.
ذکر الشيخ ابن شاذان قدس سره في احتجاجه علي هذه المسألة روايات عديدة في إحياء الموتي مروية بطرق العامّة، وقد ذکرنا بعضاً منها مراعاة للاختصار:
قال في ذکر الرجعة من کتاب (الايضاح):
ورأيناکم عبتم عليهم ـ أي علي الاِمامية ـ شيئاً تروونه من وجوه کثيرة
[ صفحه 83]
عن علمائکم وتؤمنون به وتصدّقونه، ونحن مفسّرون ذلک لکم من أحاديثکم بما لا يمکنکم دفعه ولا جحوده.
من ذلک ما رويتم عن إبراهيم بن موسي الفرّاء، عن ابن المبارک، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: جاء يزيد بن النّعمان بن بشير إلي حلقة القاسم بن عبدالرّحمن بکتاب أبيه النعمان بن بشير إلي أُم عبدالله بنت أبي هاشم ـ يعني إلي أُمه ـ بسم الله الرحمن الرحيم، من النعمان بن بشير إلي أُم عبدالله بنت أبي هاشم، سلامٌ عليکم، فإنّي أحمد إليک الله الذي لاإله إلاّ هو.
أما بعد، فإنّي کتبت إليک بشأن زيد بن خارجة، وأنّه کان من أمره أنّه أخذه وجعٌ في کتفه، وهو يومئذٍ من أصحّ أهل المدينة حالاً في نفسه فمات، فأتاني آتٍ وأنا أُسبّح بعد الغروب فقال لي: إنَّ زيداً تکلّم بعد وفاته.
ورويتم عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبدالملک بن عمير، عن ربعي بن حراش، قال: کنّا أربع إخوة، وکان الرّبيع أخونا أصومنا في اليوم الحار، وأطولنا صلاة، فخرجت فقيل لي: إنّه قد مات، فاسترجعت، ثمَّ رجعت حتي دخلت عليه فإذا هو مسجّي عليه، وإذا أهله عنده، وهم يذکرون الحنوط، فجلست فما أدري أجلوسي کان أسرع أم کشف الثوب عن وجهه، ثمّ قال: السلام عليک، فأخذني ما تقدّم وما تأخّر من الذّعر، ثمَّ قلت: وعليک السلام ورحمة الله وبرکاته، أبعد الموت؟! قال: نعم، إنّي لقيت ربي بعدکم فتلقاني بروحٍ وريحانٍ وربّ غير غضبان، فکساني ثياب السندس والاِستبرق، وإنَّ الاَمر أيسر ممّا في أنفسکم ولا تغترّوا، وإنَّ رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أقسم عليّ أن لا يسبقني حتي أُدرکه، فاحملوني إلي
[ صفحه 84]
رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.
فما شبّهت موته إلاّ بحصاةٍ رمي بها في ماءٍ، ثم ذکرت ذلک لعائشة، فقالت: ما سمعت بمثل حديث صاحبکم في هذه الاُمّة، ولقد صدقکم.
وروي عدّة روايات عن إحياء الموتي بطرق العامّة، إلي أن قال:
فهذه رواياتکم وروايات فقهائکم في الرجعة بعد الموت، وأنتم تنحلون الشيعة ذلک جرأةً علي الله وقلّة رعةٍ وقلّة حياءٍ لا تبالون ما قلتم.
وروي علي ابن أُخت يعلي الطنافسي ومحمّد بن الحسين بن المختار کلاهما عن محمد بن الفضيل، عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن فراس، عن الشعبي، قال: أُغمي علي رجل من جهينة في بدء الاِسلام، کان اسمه المفضّل، فبينا نحن کذلک عنده وقد حفر له، إذ مرَّ بهم رجلٌ يقال له المفضّل، فأفاق الرجل، فکشف عن وجهه، وقال: هل مرَّ بکم المفضّل؟ قالوا: نعم، مرَّ بنا الساعة، فقال: ويحکم کاد أن يغلط بي، أتاني حين رأيتموني أُغمي عليَّ آت، فقال: لاُمّک الهبل، أما تري حفرتک تُنثل، وقد کادت أُمّک أن تثکل، أرأيت أن حوّلناها عنک بمحوّل، وجعلنا في حفرتک المفضّل، الذي مشي فاجتذل، إنّه لم يؤدّ ولم يفعل، ثمَّ ملاَنا عليه الجندل، أتشکر لربک وتصلّ، وتدع سبيل من أشرک وأضلَّ؟
قال: قلت: أجل، قال: فأطلق عني، فعاش هو، ودفن المفضل مکانه.
فلم ترضوا بالرجعة حتي نسبتم ملک الموت إلي الغلط جرأةً منکم، ثم لم ترضوا أن تحيوا الموتي من الناس برواياتکم حتي أحييتم البهائم من الحمر وغير ذلک.
[ صفحه 85]
من ذلک ما رواه عدّة من فقهائکم منهم محمد بن عبيد الطنافسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي: أنَّ قوماً أقبلوا من الدّفينة متطوّعين ـ أو قال: مجاهدين ـ فنفق حمار رجل منهم، فسألوه أن ينطلق معهم ولا يتخلّف، فأبي فقام فتوضأ ثمَّ صلي، ثم قال: اللهم إنک تعلم أني قد أقبلت من الدّفينة مجاهداً في سبيلک ابتغاء مرضاتک، وإني أسألک أن لا تجعل لاَحدٍ عليَّ منّة، وأن تبعث لي حماري؛ ثمَّ قام فضربه برجله، فقام الحمار ينفض أُذنيه، فأسرجه وألجمه، ثمَّ رکب حتي لحق أصحابه، فقالوا له: ما شأنک؟ قال: شأني أنّ الله بعث لي حماري.
قال محمد بن عبيد: قال إسماعيل بن أبي خالد: قال الشعبي: فأنا رأيت حماره بيع بالکناسة.
فهذا من عجائبکم ورواياتکم، ولسنا ننکر لله قدرة أن يحيي الموتي، ولکنّا نعجب أنکم إذا بلغکم عن الشيعة قولٌ عظّمتموه وشنّعتموه، وأنتم تقولون بأکثر منه، والشيعة لا تروي حديثاً واحداً عن آل محمد عليهم السلام أنّ ميّتاً رجع إلي الدنيا کما تروون أنتم عن علمائکم، إنّما يروون عن آل محمد أنّ النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال لاُمّته: «أنتم أشبه شيء ببني إسرائيل، والله ليکونن فيکم ما کان فيهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، حتي لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه».
وهذه الرواية أنتم تروونها أيضاً، وقد علمتم أنّ بني إسرائيل قد کان فيهم من عاش بعد الموت، ورجعوا إلي الدنيا، فأکلوا وشربوا ونکحوا النساء، وولد لهم الاَولاد، ولا ننکر لله قدرة أن يحيي الموتي، فإن شاء أن يردّ من مات من هذه الاُمّة کما ردّ بني إسرائيل فعل، وإن شاء لم يفعل.
[ صفحه 86]
فهذا قول الشيعة، وأنتم تروون أن قوماً قد رجعوا بعد الموت ثمَّ ماتوا بعد، ثم تنکرون أمراً أنتم تروونه وتقولون به ظلماً وبهتاناً [1] .
پاورقي
[1] الايضاح، لابن شاذان: 189 ـ 195.