بازگشت

موقف العامة من الرجعة


القول بالرجعة يعدُّ عند العامّة من المستنکرات التي يستقبح الاعتقاد بها، وکان المؤلفون منهم في رجال الحديث يعدّون الاعتقاد بالرجعة من الطعون في الراوي والشناعات عليه التي تستوجب رفض روايته وطرحها، وکان علماء الجرح والتعديل ولا يزالون إذا ذکروا بعض العظماء من رواة الشيعة ومحدثيهم ولم يجدوا مجالاً للطعن فيه لوثاقته وورعه وأمانته، نبذوه بأنّه يقول بالرجعة، فکأنّهم يقولون يعبد صنماً أو يجعل لله شريکاً، فکان هذا الاعتقاد من أکبر ما تُنبز به الشيعة الاِمامية ويُشنّع به عليهم.

ولنأخذ مثالاً علي ذلک جابر بن يزيد الجعفي، فالثابت عند أغلب



[ صفحه 71]



أهل الجرح والتعديل من العامّة أنّ جابراً کان ثقة صدوقاً في الحديث.

قال سفيان: کان جابر ورعاً في الحديث، ما رأيت أورع في الحديث منه [1] .

وقال إسماعيل بن عُلية: سمعتُ شعبة يقول: جابر الجعفي صدوق في الحديث [2] .

وقال شعبة: لا تنظروا إلي هؤلاء المجانين الذي يقعون في جابر الجعفي، هل جاءکم عن أحدٍ بشيءٍ لم يقله [3] .

وقال وکيع: مهما شککتم في شيءٍ، فلا تشکّوا في أنَّ جابراً ثقة، حدثنا عنه مسعر، وسفيان، وشعبة، وحسن بن صالح [4] .

وقال محمد بن عبدالله بن عبدالحکم: سمعت الشافعي يقول: قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تکلّمت في جابر الجعفي لاَتکلمنّ فيک [5] .

وقال معلّي بن منصور الرازي: قال لي أبو معاوية: کان سفيان وشعبة ينهياني عن جابر الجعفي، وکنت أدخل عليه فأقول: من کان عندک؟



[ صفحه 72]



فيقول: شعبة وسفيان [6] .

وکان جابر أحد الذين أُخذ عنهم العلم، فقد وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم [7] .

وقال عبدالرحمن بن شريک: کان عند أبي عن جابر الجعفي عشرة آلاف مسألة [8] .

وعن الجراح بن مليح، قال: سمعتُ جابراً يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ترکوها کلّها [9] .

وعن سلام بن أبي مطيع، قال: سمعتُ جابراً الجعفي يقول: إنَّ عندي خمسين ألف حديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم ما حدّثت بها أحداً [10] .

وروي نحو ذلک عن زهير بن معاوية [11] .

إذن فلماذا ترک بعضهم حديث جابر، واتهموه بالکذب في الحديث تارة، وبالرفض أُخري، وضعفوه، ونهوا عن کتابة حديثه؟ [12] .

والجواب کما تجده عند أقطابهم لا يعدو أکثر من نقطتين:



[ صفحه 73]



الاُولي: اعتقاده الجازم بأولوية أهل البيت عليهم السلام بالنبي صلي الله عليه وآله وسلم من جميع الخلق وکونهم أوصياءه وحملة علمه.

فلقد عابوا عليه أن يقول: حدثني وصيّ الاَوصياء [13] ، يريد بذلک الاِمام محمد بن علي الباقر عليه السلام.

وذکر شهاب أنّه سمع ابن عيينة يقول: ترکت جابراً الجعفي وما سمعتُ منه قال: دعا رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علياً فعلمه مما تعلم، ثم دعا علي الحسن فعلمه مما تعلم، ثم دعا الحسن الحسين فعلمه مما تعلم، ثم دعا ولده... حتي بلغ جعفر بن محمد.

قال سفيان: فترکته لذلک [14] .

وسمعه يقول أيضاً: انتقل العلم الذي کان في النبي صلي الله عليه وآله وسلم إلي علي، ثم انتقل من علي إلي الحسن، ثم لم يزل حتي بلغ جعفراً [15] .

وکأنهم لم يسمعوا قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها» [16] ، وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «أنا دار الحکمة وعليٌّ بابها» [17] .

الثانية: قوله بالرجعة، وعليه إجماعهم.

قال أبو أحمد بن عدي: عامّة ما قذفوه به أنه کان يؤمن بالرجعة [18] .



[ صفحه 74]



وقال زائدة: أما جابر الجعفي فکان يؤمن بالرجعة [19] .

وقال جرير بن عبدالحميد: لا استحلّ أن أروي عنه، کان يؤمن بالرجعة [20] .

وعن ابن قتيبة وابن حبان قال: کان جابر يؤمن بالرجعة [21] .

وروي العقيلي بالاسناد عن سفيان، قال: کان الناس يحملون عن جابر قبل أن يظهر ما أظهر، فلمّا أظهر ما أظهر اتّهمه الناس في حديثه، وترکه بعض الناس. فقيل له: وما أظهر؟ قال: الاِيمان بالرجعة [22] .

وقال أبو أحمد الحاکم: جابر يؤمن بالرجعة [23] .

إذن فقد اتضح أن جابراً کان يعتقد بالرجعة، وأن معاصريه من أقطاب الحديث عند العامّة کانوا يعلمون عقيدته تلک جيداً، کما هو مفاد التصريحات السابقة. فمن أين جاءه هذا الاعتقاد، وما هو مصدر روايته؟

مما لا ريب فيه أن جابراً الجعفي کان معاصراً لثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهم علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق عليهم السلام، وکان من خواص الاِمامين الباقر



[ صفحه 75]



والصادق عليهما السلام [24] ، وروي أنّه خدم الاِمام الباقر عليه السلام 18 سنة [25] ، وبقي ملازماً للاِمام الصادق عليه السلام حتي توفي في أيامه سنة 128 هـ [26] .

والروايات عن أئمة الهدي عليهم السلام تدلّ علي صدقه وأمانته وجلالته، وأنّ عنده الکثير من أسرارهم عليهم السلام، فقد روي في الصحيح بالاسناد عن الحسين بن أبي العلاء وزياد بن أبي الحلال، عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام، أنّه قال: رحم الله جابر الجعفي، کان يصدق علينا [27] .

وعن يونس بن عبدالرحمن: أن علم الاَئمة عليهم السلام انتهي إلي أربعة أحدهم جابر [28] .

وعن ذريح المحاربي، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن جابر الجعفي، فقال لي عليه السلام: «يا ذريح دع ذکر جابر، فإنّ السفلة إذا سمعوا بأحاديثه شنّعوا ـ أو قال ـ أذاعوا» [29] .

إذن فالرجل من الثقات الاَجلاّء، وقد شهد له بذلک أعلام الطائفة، کابن قولويه، وعلي بن إبراهيم، والشيخ المفيد في رسالته العددية، وابن الغضائري علي ما حکاه العلامة عنه، وقد مرّ ما يؤيد جلالته وثقته وکونه من أوعية العلم فيما تقدّم بمصادر العامّة.



[ صفحه 76]



ونخلص من کلِّ ما تقدم أنّ جابراً کان قد أخذ هذه العقيدة من عترة المصطفي عليهم السلام الذين أُمرنا بالتمسک بهم بدليل حديث الثقلين، ولو کانت هذه العقيدة غير ثابتة عنهم عليهم السلام لوردَ ولو حديث واحد يدل علي منع جابر من القول بالرجعة، علي أنّه قد أظهر القول بها في حياة الصادقين عليهما السلام، لاَنّه مات في حياة الاِمام جعفر الصادق عليه السلام کما تقدم، وقد کان خلال ذلک متوفّراً علي خدمتهم والاَخذ عنهم عليهم السلام.

إذن فالطعن في جابر لقوله بالرجعة هو طعن في عقائد أهل البيت عليهم السلام ومدرسة الاِسلام الاَصيل المتمثلة بالاِمامين محمد الباقر وابنه جعفر الصادق عليهما السلام.

قال السيد ابن طاووس في کتاب (الطرائف): روي مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الاَول باسناده إلي الجراح بن مليح، قال: سمعتُ جابراً يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ترکوها کلها، ثم ذکر مسلم في صحيحه باسناده إلي محمد بن عمر الرازي، قال: سمعتُ حريزاً يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أکتب عنه لاَنّه کان يؤمن بالرجعة.

ثم قال: انظر رحمک الله کيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلي الله عليه وآله وسلم برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسک بهم، ثم إنّ أکثر المسلمين أو کلّهم قد رووا إحياء الاَموات في الدنيا وحديث إحياء الله تعالي الاَموات في القبور للمساءلة، ورواياتهم عن أصحاب الکهف، وهذا کتابهم يتضمن (ألم ترَ إلي الَّذينَ خَرجُوا مِن ديارِهم وهُم ألوفٌ حَذَرَ الموتِ فقالَ لهُم اللهُ مُوتوا ثُمَّ



[ صفحه 77]



أحياهُم) [30] والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسي عليه السلام، وحديث العزير، ومن أحياه عيسي بن مريم عليه السلام، وحديث جريج الذي أجمع علي صحته أيضاً. فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من الرجعة، وأي ذنبٍ کان لجابر في ذلک حتي يسقط حديثه؟ [31] .

ولا ريب أنّ هذا من نوع التهويلات التي تتخذها الطوائف الاِسلامية ذريعة لطعن بعضها في بعض والدعاية ضده، ولا نري في الواقع ما يبرر هذا التهويل ضد أمرٍ لا يحيطون به علماً.

روي حماد عن زرارة، أنّه قال: سألت أبا عبدالله الصادق عليه السلام عن هذه الاُمور العظام من الرجعة وأشباهها. فقال عليه السلام: «إنّ هذا الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه، وقد قال الله عزَّ وجل: (بَل کذّبُوا بِما لم يُحيطُوا بعلمِهِ ولمَا يأتِهِم تأويلُهُ)» [32] .

يقول الشيخ محمد جواد مغنية: أما الاَخبار المروية في الرجعة عن أهل البيت عليهم السلام فهي کالاَحاديث في الدجال التي رواها مسلم في صحيحه القسم الثاني من 2: 1316 طبعة سنة 1348 هـ، ورواها أيضاً أبو داود في سننه 2: 542 طبعة سنة 1952 م وکالاَحاديث التي رويت عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم في أنَّ أعمال الاَحياء تعرض علي أقاربهم الاَموات في کتاب مجمع الزوائد للهيثمي 1: 228 طبعة سنة 1352 هـ.

إنَّ هذه الاَحاديث التي رواها العامّة في الدجال وعرض أعمال الاَحياء



[ صفحه 78]



علي الاَموات وما إلي ذلک تماماً کالاَخبار التي رواها الشيعة في الرجعة عن أهل البيت عليهم السلام! [33] .

وفي هذا الصدد ينبغي الالتفات إلي أنَّ هناک بعض الخرافات التي تمتزج أحياناً في الحديث عن الرجعة فتشوّه وجهها في نظر البعض حتي من الشيعة الاِمامية، يقول الحرّ العاملي قدس سره في مقدمة کتابه (الايقاظ من الهجعة): قد جمع بعض السادات المعاصرين رسالة (اثبات الرجعة) [34] التي وعد الله بها المؤمنين والنبي والاَئمة الطاهرين عليهم السلام وفيها أشياء غريبة مستبعدة لم يعلم من أين نقلها، ليظهر أنّها من الکتب المعتمدة، فکان ذلک سبباً لتوقف بعض الشيعة عن قبولها حتي انتهي إلي إنکار أصل الرجعة وحاول إبطال برهانها ودليلها، وربما مال إلي صرفها عن ظاهرها وتأويلها، مع أنَّ الاَخبار بها متواترة، والاَدلة العقلية والنقلية علي إمکانها ووقوعها کثيرة متظاهرة [35] .

إذن يجب أن نعوّل علي الاَحاديث الصحيحة في هذا الشأن، وأن نتجنب الاَحاديث المشکوکة أو المطعون فيها.



[ صفحه 79]




پاورقي

[1] تهذيب الکمال 4: 467. وتاريخ الاِسلام، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ): 59. وميزان الاعتدال 1: 379. وتهذيب التهذيب 2: 47.

[2] الجرح والتعديل 1: 136. والمصدر السابق.

[3] الجرح والتعديل 1: 136.

[4] تهذيب الکمال 4: 467. وتاريخ الاِسلام، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ): 59. وميزان الاعتدال 1: 379. وتهذيب التهذيب 2: 47.

[5] المصدر السابق.

[6] تهذيب الکمال 4: 468. وتهذيب التهذيب 2: 47.

[7] تاريخ الاِسلام، للذهبي (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ): 59.

[8] ميزان الاعتدال 1: 380.

[9] صحيح مسلم ـ المقدمة: 25. وميزان الاعتدال 1: 383.

[10] ميزان الاعتدال 1: 380. وتهذيب التهذيب 2: 48.

[11] ميزان الاعتدال 1: 379.

[12] راجع تهذيب الکمال 4: 469. وتاريخ الاِسلام (وفيات سنة 121 ـ 140 هـ): 60. وميزان الاعتدال 1: 380. وضعفاء العقيلي 1: 192 ـ 196. وتهذيب التهذيب 2: 47 ـ 49.

[13] ضعفاء العقيلي 1: 194. وميزان الاعتدال 1: 383. وتهذيب التهذيب 3: 49.

[14] ميزان الاعتدال 1: 381.

[15] المصدر السابق.

[16] المستدرک علي الصحيحين، للحاکم 3: 126 و 127. وجامع الاُصول 9: 473.

[17] سنن الترمذي 5: 637. ومصابيح السُنّة 4: 174.

[18] تهذيب الکمال 4: 469. وتهذيب التهذيب 2: 48.

[19] تهذيب الکمال 4: 468. وتهذيب التهذيب 2: 48. ونحوه في ضعفاء العقيلي 1: 193. وميزان الاعتدال 1: 380.

[20] ميزان الاعتدال 1: 380. وتهذيب التهذيب 2: 49. ضعفاء العقيلي 1: 192 نحوه.

[21] تهذيب الکمال 4: 470 الهامش. وتهذيب التهذيب 2: 50. وميزان الاعتدال 1: 383.

[22] ضعفاء العقيلي 1: 194.

[23] تهذيب التهذيب 2: 50.

[24] رجال الشيخ: 111: 6 و 163: 30. ومستدرکات علم الرجال 2: 106 عن المناقب لابن شهر آشوب.

[25] مستدرکات علم الرجال 2: 105 و 107 عن أمالي الشيخ الطوسي.

[26] رجال النجاشي: 128: 332.

[27] رجال الکشي: 191: 336. ومنتهي المقال 2: 214.

[28] رجال الکشي: 485: 917.

[29] قاموس الرجال 2: 534.

[30] سورة البقرة 2: 243.

[31] بحار الاَنوار 53: 140. وحق اليقين، لعبدالله شبر 2: 35.

[32] بحار الاَنوار 53: 40: 4 والآية من سورة يونس 10: 39.

[33] الشيعة والتشيع، لمحمد جواد مغنية: 56.

[34] وهي للسيد محمود بن فتح الله الحسيني الکاظمي النجفي معاصر الشيخ الحر العاملي. راجع الذريعة، للشيخ آقا بزرک 1: 94.

[35] الايقاظ من الهجعة، للعاملي: 3.