احياء الموتي
ليس للرجعة في کتب العامّة أثر يذکر سيّما بالمعني الذي جاء في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام، إلاّ علي سبيل بيان آراء الشيعة أو التشنيع عليهم، ولکنهم نقلوا روايات في رجوع الاَموات إلي الحياة الدنيا [1] ولم يستنکروها بل عدوها من المعاجز أو الکرامات.
وقد ألف ابن أبي الدنيا أبو بکر عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان الاَموي القرشي المتوفي سنة (281 هـ) [2] کتاباً في ذلک عنوانه (من عاش بعد الموت) وصدر هذا الکتاب محققاً عن دار الکتب العلمية في بيروت سنة 1987 م.
وأفرد أبو نعيم الاَصفهاني في «الدلائل»، والسيوطي في «الخصائص»
[ صفحه 66]
باباً في معجزات الرسول صلي الله عليه وآله وسلم في إحياء الموتي [3] ، وروي الماوردي والقاضي عياض بعض معجزاته صلي الله عليه وآله وسلم في إحياء الموتي [4] ، وذکر السيوطي کرامات في إحياء الموتي لغير النبي صلي الله عليه وآله وسلم.
ورووا أنَّ زيد بن حارثة [5] والربيع بن خراش [6] ورجلاً من الاَنصار [7] قد تکلموا بعد الموت، وأنَّ ربعي بن حراش الغطفاني تبسّم بعد الموت [8] ، وأن أبا القاسم الطلحي إسماعيل بن محمد الحافظ قد ستر سوأته بعد موته [9] ، وأن شيبان النخعي ـ وقيل: نباتة بن يزيد ـ أحيا حماره [10] ، وأنَّ أبا المعالي سراج الدين الرفاعي المتوفي سنة (885هـ) أحيا شاةً، وأمات رجلاً [11] ، وأنَّ الماجشون مات وحيي [12] وغيرها مما يفوق حدّ
[ صفحه 67]
الاحصاء.
ونقل محيي الدين عبدالقادر بن شيخ العيدروسي في النور السافر حوادث سنة (914 هـ) کرامات کثيرة للشيخ أبي بکر بن عبدالله باعلوي المتوفي سنة 914 هـ، منها أنّه لمّا رجع من الحجّ دخل زيلع، وکان الحاکم بها يومئذٍ محمد بن عتيق، فاتّفق أنّه ماتت أُمّ ولد للحاکم المذکور، وکان مشغوفاً بها، فکاد عقله يذهب لموتها، قال: فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدة الجزع، ليعزيه ويأمره بالصبر والرضا بالقضاء، وهي مسجّاة بين يدي الحاکم بثوب، فعزّاه وصبّره، فلم يفد فيه ذلک، وأکبّ علي قدم سيدي الشيخ يقبّلها، وقال: يا سيدي، إن لم يحيي الله هذه متُّ أنا أيضاً، ولم تبق لي عقيدة في أحد!
فکشف سيدي وجهها، وناداها باسمها فأجابته: لبيک، وردَّ الله روحها، وخرج الحاضرون، ولم يخرج سيدي الشيخ حتي أکلت مع سيدها الهريسة، وعاشت مدّة طويلة [13] .
ومن يروي مثل هذه الروايات مخبتاً إليها دون أي غمزٍ فيها، لماذا يستحيل القول بالرجعة، وهل الرجعة إلاّ رجوع الحياة للميت بعد زهوق نفسه، والاَخبار التي ذکرناها ما هي إلاّ من مصاديقها وتدلّ علي جوهرية إمکانها وجوازها عقلاً.
[ صفحه 68]
پاورقي
[1] تجد بعض نصوصها في احتجاج الفضل بن شاذان الفصل الخامس.
[2] ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد 10: 89.
[3] دلائل النبوة، لاَبي نعيم: 223. والخصائص الکبري، للسيوطي 2: 110 ـ 114.
[4] أعلام النبوة، للماوردي: 141. والشفا 1: 614.
[5] الغدير، للاَميني 11: 103 عن الاستيعاب 1: 192. والبداية والنهاية 6: 156 و 158. والروض الاُنف 2: 37. والاصابة 1: 565 و 2: 24. وتهذيب التهذيب 3: 410. والخصائص الکبري 2: 85. وشرح الشفا للخفاجي 3: 105 و 108.
[6] الغدير، للاَميني 11: 113 عن البداية والنهاية 6: 158. والروض الاُنف 2: 370. وصفة الصفوة 3: 19.
[7] الغدير، للاَميني 11: 105 عن البداية والنهاية 6: 158.
[8] الغدير، للاَميني 11: 119 عن صفة الصفوة 2: 19. وطبقات الشعراني 1: 37. وتاريخ ابن عساکر 5: 298.
[9] الغدير، للاَميني 11: 167 عن المنتظم 10: 90. والبداية والنهاية 12: 217.
[10] الغدير 11: 106 عن البداية والنهاية 6: 153 و 292. والاصابة 2: 169.
[11] الغدير 11: 187 عن روضة الناظرين، للاِمام ضياء الدين الوتري: 112.
[12] الغدير 11: 135 عن وفيات الاَعيان 2: 461. ومرآة الجنان 1: 351. وتهذيب التهذيب 11: 389. وشذرات الذهب 1: 259.
[13] النور السافر عن أخبار القرن العاشر: 84. وراجع الغدير 11: 190. وشذرات الذهب 8: 63.