الهدف من الرجعة
إنَّ أحداث آخر الزمان لا تزال في ظهر الغيب، إلاّ أننا نستطيع أن نقرأ الحکم عليها أيضاً، لاَنّ العدل الاِلهي مطلق لا يحدّه زمان ولا مکان، والحکم بالعدل أصيل علي أحداث الماضي والحاضر والمستقبل، ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله تعالي ذلک اليوم حتي يأتي بالخير المخبوء المتمثّل بمهدي آخر الزمان عليه السلام ورجاله ليجتثَّ مؤسسات الباطل وأجهزة الظلم والجور ويملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً
[ صفحه 60]
وجوراً قال تعالي: (ويقولونَ متي هذا الفتحُ إن کُنتُم صادقِينَ، قُلْ يَومَ الفتحِ لا ينفعُ الَّذينَ کَفُروا إيمانُهُم ولا هُم يُنظرونَ) [1] .
روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن محمد بن أبي عمير، قال: کان الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول:
لکلِّ أُناسٍ دولةٌ يرقبونها
ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ» [2] .
إنَّ تطبيق العدالة السماوية في الاَرض قبل يوم المحشر وقيام الناس للحساب الاَکبر يشمل ثلّة من الماضين کما يشمل الذين هم في زمان ظهور الاِمام عليه السلام، والماضون هم أُولئک الذين حکم عليهم بالعودة إلي الحياة مرة أُخري، ويشکّلون لفيفاً متميزاً من المؤمنين والظالمين، يعودون لينال المجرمون الذين محضوا الکفر محضاً جزاء ما اقترفته أيديهم الآثمة من الظلم والفساد ومحاربة أولياء الله وعباده المخلصين، وما يستحقونه من حدود الله تعالي التي عطّلوها وأسقطوها من حسابهم، واستبدلوها بالکفر والطغيان، ليذوقوا العذاب في دار الدنيا ولعذاب الآخرة أشدَّ وأخزي.
وعودة المؤمنين تعني انتصار أولياء الله الذين محضوا الاِيمان محضاً بعد أن ذاقوا الويل والعذاب لدهور طويلة من قبل أولئک المتسلطين والمتجبرين، وهذا المعني يمکن أن نستشعره في قوله تعالي: (وحرامٌ علي قريةٍ أهلکنَاها أنهُم لا يرجعُونَ) [3] فهو يعني أنَّ الذين ذاقوا العذاب
[ صفحه 61]
في هذه الدنيا علي کفرهم وطغيانهم لا يرجعون إليها، وإنما يرجعون في القيامة ليذوقوا العذاب في نارها، والعودة إلي الدنيا إنَّما تختصُّ بغيرهم من الکافرين والظالمين المفسدين في الاَرض الذين لم يذوقوا ألم القصاص فيها، ولا يصحّ أن يکون المراد بالآية أنّهم لا يرجعون في القيامة لوضوح بطلانه.
ويمکن من خلال دراسة الاَحاديث الواردة في هذا المجال وأقوال الاَعلام تحديد ثلاثة أهداف ينطوي عليها هذا الاَمر الخارق:
1 ـ القتال علي الدين، فقد روي عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «کنت مريضاً بمني وأبي عليه السلام عندي، فجاءه الغلام فقال: هاهنا رهط من العراقيين يسألون الاَذن عليک. فقال أبي عليه السلام: أدخلهم الفسطاط، وقام إليهم ودخل عليهم، فما لبثت أن سمعتُ ضحک أبي عليه السلام قد ارتفع، فأنکرت ذلک ووجدت في نفسي من ضحکه وأنا في تلک الحال.
ثم عاد إليَّ فقال: يا أبا جعفر، عساک وجدت في نفسک من ضحکي؟ فقلتُ: وما الذي غلبک منه الضحک، جعلت فداک؟
فقال: إنَّ هؤلاء العراقيين سألوني عن أمرٍ کان مَن مضي مِن آبائک وسلفک يؤمنون به ويقرون، فغلبني الضحک سروراً أنَّ في الخلق من يؤمن به ويقرُّ.
فقلت: وما هو، جعلت فداک؟
قال: سألوني عن الاَموات متي يبعثون فيقاتلون الاَحياء علي الدين» [4] .
[ صفحه 62]
2 ـ مقاتلة أعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «العجب کلّ العجب بين جمادي ورجب» فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين، ما هذا العجب الذي لا تزال تعجب منه؟ فقال: «وأيّ عجب أعجب من أموات يضربون کلّ عدو لله ولرسوله ولاَهل بيته، وذلک تأويل هذه الآية (يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا لاتتولَوا قَوماً غضبَ اللهُ عليهِم قد يَئسُوا مِنَ الآخرةِ کما يئسَ الکُفّارُ مِن أصحابِ القُبُورِ)» [5] .
3 ـ إقامة القصاص والعدل، فقد روي عن الاِمام موسي بن جعفر عليه السلام أنّه قال: «لترجعنَّ نفوس ذهبت، وليقتصنَّ يوم يقوم [6] ، ومن عُذّب يقتصّ بعذابه ومن أُغيظ أغاظ بغيظه، ومن قُتِل اقتصّ بقتله، ويردّ لهم أعداؤهم معهم حتي يأخذوا بثأرهم، ثم يعمّرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثم يموتون في ليلة واحدة قد أدرکوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم، ويصير عدوّهم إلي أشد النار عذاباً، ثم يوقفون بين يدي الجبّار عزَّ وجل فيؤخذ لهم بحقوقهم» [7] .
وفي هذا المجال يقول الشيخ المفيد: إنَّ الله تعالي يردّ قوماً من الاَموات إلي الدنيا في صورهم التي کانوا عليها، فيعزُّ منهم فريقاً، ويذلُّ فريقاً، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلک عند قيام مهدي آل محمد عليه السلام، وإنَّ الراجعين إلي الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الاِيمان، وکثرت أعماله الصالحات وخرج
[ صفحه 63]
من الدنيا علي اجتناب الکبائر الموبقات، فيريه الله عزَّ وجلَّ دولة الحق ويعزّه بها، ويعطيه من الدنيا ما کان يتمناه، والآخر من بلغ الغاية في الفساد، وانتهي في خلاف المحقين إلي أقصي الغايات، وکثر ظلمه لاَولياء الله، واقترافه السيئات، فينتصر الله تعالي لمن تعدي عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحله من النقمات، ثم يصير الفريقان من بعد ذلک إلي الموت، ومن بعده إلي النشور وما يستحقونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحة ذلک وتظاهرت به الاَخبار، والامامية بأجمعها عليه إلاّ شذاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فيه علي وجه يخالف ما وصفناه [8] .
[ صفحه 65]
پاورقي
[1] سورة السجدة: 28 ـ 29.
[2] أمالي الصدوق: 578: 791.
[3] سورة الاَنبياء 21: 95.
[4] مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 20 و 24. وبحار الاَنوار 53: 67: 62.
[5] بحار الاَنوار 53: 60: 48 والآية من سورة الممتحنة 60: 13.
[6] أي القائم عليه السلام.
[7] مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 28. وبحار الاَنوار 53: 44: 16.
[8] أوائل المقالات: 77. والتأويل المشار إليه هو أن البعض تأوّل الاَخبار الواردة في الرجعة إلي رجوع الدولة في زمان ظهور الاِمام المهدي عليه السلام لا رجوع أعيان الاَشخاص کما تقدم آنفاً.