بازگشت

المقدمة


الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم علي الحبيب المصطفي الاَمين وآله الهداة الميامين وصحبهم المتقين.

وبعد:

إنَّ أنباء الغيب وحوادث المستقبل وما سيقع من الفتن والملاحم وعلامات الظهور وأشراط الساعة وغيرها تعدُّ من المسائل التي أولاها المحدّثون أهمية خاصة، ذلک لاَنّ الکتاب الکريم والسُنّة المبارکة يدلان علي أنّ الموت ليس هو النتيجة النهائية لرحلة الروح والبدن في هذا الکون، بل هو نافذة تطل علي حياة جديدة وعوالم مختلفة (أيَحسَبُ الاِنسانُ أن يُترکَ سُديً، ألم يَکُ نُطفَةً مِنْ مَنيٍّ يُمني، ثُمَّ کانَ عَلَقَةً فَخَلقَ فَسَوي، فَجَعَلَ مِنهُ الزَوجَينِ الذَکَرَ والاُنثي، أليسَ ذلکَ بقادرٍ علي أن يُحيي الموتي) [1] .

روي سعد بن عبدالله الاَشعري بالاسناد عن بريدة الاَسلمي، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: «کيف أنت إذا استيأست أُمتي من المهدي، فيأتيها مثل قرن الشمس، يستبشر به أهل السماء وأهل الاَرض؟ فقلت: يا رسول الله بعد الموت؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: والله إنّ بعد الموت هديً وإيماناً ونوراً. قلت:



[ صفحه 8]



يارسول الله، أي العمرين أطول؟ قال صلي الله عليه وآله وسلم: الآخر بالضعف» [2] .

وقال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «أيُّها الناس، إنّا خلقنا وإياکم للبقاء لا للفناء، لکنکم من دار إلي دار تنقلون، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه» [3] .

إنَّ اعتقادنا بعودة بعض الناس إلي الحياة بعد الموت لم يکن اعتباطياً، وإنّما کان تبعاً للآثار الصحيحة المتواترة التي حفلت بها کتب أصحابنا، واحتلت مساحة واسعة من أحاديث النبي وعترته الطاهرة عليهم السلام الذين ندين بعصمتهم من الکذب، وعلي هذا إجماعهم، وإجماعهم حجة لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «إنّي تارکٌ فيکم ما إن تمسکتم به لن تضلّوا بعدي، کتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا کيف تخلفوني فيهما» [4] .

وقد دلَّ الکتاب الکريم علي الحشر الخاص قبل يوم القيامة، وهو عودة بعض الاَموات إلي الحياة في قوله تعالي: (وَيومَ نَحشُرُ مِنْ کُلِّ أُمّةٍ فَوجاً مِمَّنْ يُکَذِّب بآياتِنا فَهُم يُوزَعُونَ) [5] کما دلَّ علي الحشر العام بعد نفخة النشور في نفس السورة بقوله: (وَيومَ يُنفَخُ في الصُورِ فَفَزعَ مَنْ في السَّماواتِ ومَنْ في الاَرضِ) إلي قوله تعالي: (وکلٌّ أتوهُ داخرِينَ) [6] .



[ صفحه 9]



ويستفاد من مجموع الآيتين أنّ يوم الحشر الخاص هو غير يوم النفخ والنشور الذي يحشر فيه الناس جميعاً، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد يوم القيامة بدليل الکتاب والسُنّة، فلا بدَّ أن يکون الحشر الخاص واقعاً قبل يوم القيامة، فهو إذن من العلامات الواقعة بين يدي الساعة، کظهور الدجال وخروج السفياني ونزول عيسي من السماء وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الاَشراط المدلولة بالکتاب والسُنّة.

کما دلَّ الکتاب الکريم علي رجعة بعض الناس في الاُمم السابقة إلي الحياة بعد الموت في عدة آيات صريحة لا تقبل التأويل، منها قوله تعالي: (ألَم تَرَ إلي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِم وَهُم ألوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لهُم اللهُ مُوتُوا ثم أحياهُم) [7] وهو يدل علي إمکان الرجعة في هذه الاُمّة أيضاً لقوله صلي الله عليه وآله وسلم: «لترکبن سنن من کان قبلکم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتي لو أنَّ أحدهم دخل جُحر ضَبّ لدخلتُم» [8] .

وملخص الاعتقاد بالرجعة هو أنّ الله تعالي يعيد في آخر الزمان طائفة من الاَموات إلي الدنيا ممّن محضوا الاِيمان محضاً أو محضوا الکفر محضاً، فينتصر لاَهل الحق من أهل الباطل، وعلي هذا إجماع الشيعة الاِمامية الاثني عشرية، وقد علم دخول المعصوم في هذا الاجماع بورود الاَحاديث المتواترة عن النبي وأهل بيته المعصومين عليهم السلام الدالة علي اعتقادهم بصحة الرجعة.

إنَّ الاعتقاد بالرجعة علي ما جاء في الروايات عن آل البيت عليهم السلام من



[ صفحه 10]



ضروريات المذهب الشيعي، وقد بحث العلماء عن حکم من أنکر شيئاً من الضروريات ـ من أتباع المذهب أو سائر من نطق بالشهادتين ـ في الکتب المتعلّقة بهذا الشأن، الاَمر الذي لسنا الآن بصدد التحقيق عنه في هذه الرسالة.

والاعتقاد بالرجعة من مظاهر الاِيمان بالقدرة الاِلهية، فقد روي أنّ ابن الکوّاء الخارجي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن الرجعة ـ في حديث طويل ـ قال عليه السلام في آخره: «لا تشکّنَّ يابن الکواء في قدرة الله عزَّ وجلَّ» [9] .

وسأل أبو الصباح الاِمام الباقر عن الرجعة، فقال عليه السلام: «تلک القدرة، ولا ينکرها إلاّ القدرية، تلک القدرة فلا تنکرها» [10] وبمثل ذلک أجاب عليه السلام عبدالرحمن القصير [11] .

إنَّ من يعتقد بأنَّ الله تعالي هو الذي برأ الخلق من العدم إلي حيّز الوجود کيف يشکّ ويتردد في أنّه يعجزه إعادتهم! ومن قدر علي الابتداء فهو علي الاِعادة أقدر، قال تعالي: (وَضَرَبَ لنا مَثلاً وَنَسِيَ خَلقَهُ قَالَ مَنْ يُحيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحييها الَّذي أنشأها أوّلَ مَرةٍ وهُوَ بِکُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ، الَّذي جَعَلَ لَکُم مِنَ الشَّجَرِ الاَخضَرِ نَاراً فإذا أنتُم مِنهُ تُوقِدُونَ، أوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماوَاتِ والاَرضَ بقَادِرٍ عَلي أن يخلُقَ مِثلَهُم بَلي وَهُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ، إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئاً أنْ يقُولَ لهُ کُنْ فَيَکُونُ) [12] .



[ صفحه 11]



هذه هي الرجعة التي کثرت التهويلات والتشنيعات علي المعتقدين بها حتي عدّوها أسطورة وقولاً بالتناسخ، وأنّ معتقدها خارج عن الاِسلام والدين، وأنّها من مفتريات عبدالله بن سبأ، وما إلي ذلک من التشدّق علي مدرسة الاِسلام الاَصيل، إنّنا لا نعطي الحق لمن لا يؤمن برجعة بعض الاَموات إلي الحياة الدنيا بعد الموت لعدم ثبوته عنده، بل عليه أن يبحث ويسأل أهل الذکر وليس من حقّه أن يشنّع علي من يقول بذلک لتواتر الاَحاديث وثبوت النصوص عنده، إذ لا حجة للجاهل علي العالم.

ويحق لنا في هذا المقام أن نسأل المنکرين لاَنباء الغيب وما يقع في المستقبل، ما الدليل علي زعمکم أنّه لا يوجد ثمة عودة إلي الحياة بعد الموت؟ وما الحجة التي تعزّز ما تذهبون إليه؟ هل تخلّل أحد منکم في آفاق المستقبل، وسبر أغوارها، ووقف علي حقيقة الاَمر ثم عاد وأخبر أنّه لم يجد شيئاً ممّا أخبر به القرآن الکريم والعترة النبوية الطاهرة عليهم السلام؟

في هذا البحث سنحاول تسليط الضوء علي تعريف الرجعة وفقاً لما ورد عن أئمة الاِمامية وعلمائهم، ونسوق الاَدلة التي احتجوا بها لاِثبات صحة الاعتقاد بها من الآيات القرآنية والاَحاديث الشريفة والاجماع وغيرها من القرائن المختلفة، ونبين أيضاً الهدف منها وحکم منکريها، وجملة من احتجاجات العلماء وردودهم علي الاشکالات المطروحة حول هذا الموضوع وغيرها إن شاء الله تعالي.

ولله الاَمر من قبل ومن بعد



[ صفحه 13]




پاورقي

[1] سورة القيامة 75: 36 ـ 40.

[2] بحار الاَنوار، للمجلسي 53: 65: 56 المکتبة الاِسلامية ـ طهران.

[3] الاِرشاد، للمفيد 1: 338 تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم.

[4] سنن الترمذي ـ کتاب المناقب: 663: 3786 و3788 تحقيق أحمد محمد شاکر ـ دار احياء التراث العربي. ومستدرک الحاکم 3: 148 حيدر آباد ـ الهند.

[5] سورة النمل 27: 83.

[6] سورة النمل 27: 87.

[7] سورة البقرة 2: 243.

[8] کنز العمال، للمتقي الهندي 11: 134: 30924 مؤسسة الرسالة.

[9] بحار الاَنوار 53: 74.

[10] المصدر السابق: 72: 71.

[11] المصدر السابق: 74: 73.

[12] سورة يس 36: 78 ـ 82.