بازگشت

ما هي دابة الارض


الدابة تطلق في اللغة علي کلِّ ما يدبُّ ويتحرک علي وجه الاَرض من الاِنسان والحيوان وغيره، قال تعالي: (وَمَا مِن دابَّةٍ في الاَرضِ إلاّ علي اللهِ رِزقُها) [1] ، وقال تعالي: (ولو يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلمِهِم مَّا تَرَکَ عَليها مِن دَابّةٍ) [2] .

وخُصصت في بعض آي القرآن بالاِنسان، کقوله تعالي: (إنَّ شرَّ الدّوابِّ عندَ اللهِ الصُّمُّ البُکمُ الَّذِينَ لا يَعقِلُونَ) [3] ، وفي بعض آخر بغير الاِنسان، کقوله تعالي: (والدّوابُّ وکثيرٌ مِن النَّاسِ) [4] ، وقوله تعالي: (وَمِنَ النَّاسِ والدّوابِّ) [5] .

وقد ذکرت الدابة التي في قوله تعالي: (دابةٌ مِنَ الاَرضِ) بشکل



[ صفحه 29]



مجمل، والوصف القرآني الوحيد المذکور لها بأنّها تکلّم الناس، أما سائر أحوالها وخصوصياتها وکيفية ومکان خروجها، فإنّها مبهمة في ظهر الغيب ولا يفصح عنها إلاّ المستقبل.

والروايات الواردة بشأن تفسير هذه الآية کثيرة، ولا دلالة من الکتاب الکريم علي شيءٍ منها، فإن صحّ الخبر فيها عن الرسول الاَکرم وآله عليهم السلام قبلت، وإلاّ لم يلتفت إليها، ويمکن تلخيص مضمون هذه الروايات في نقطتين:

1 ـ إنَّ طائفة منها تدل علي أنَّ هذه الدابة کائن حي غير معروف ومن غير جنس الاِنسان، ولها شکل مخيف، فهي ذات وبر وريش ومؤلفة من کل لون، ولها أربع قوائم، ولها عنق مشرف يبلغ السحاب، ويراها من بالمشرق کما يراها من بالمغرب، تخرج في آخر الزمان من الصفا ليلة مني، وقيل: من جبل جياد في أيام التشريق، لا يدرکها طالب ولا يفوتها هارب، وتحدّث الناس عن الاِيمان والکفر، وتسم المؤمن بين عينيه ويکتب بين عينيه مؤمن، وتسم الکافر بين عينيه ويکتب بين عينيه کافر.

2 ـ والطائفة الثانية تدل علي أنّ وجهها کوجه إنسان وجسمها کجسم الطير، وأنّها تصرخ بأعلي صوتها بلسان عربي مبين: (إنَّ النَّاسَ کانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ) وأن معها عصا موسي وخاتم سليمان، وتميّز بهما بين المؤمنين والکافرين، فتنکت وجه المؤمن بالخاتم فتکون في وجهه نکتة بيضاء فتفشو تلک النکتة حتي يضيء لها وجهه، وتنکت أنف الکافر بالعصا فتکون في وجهه نکتة سوداء فتفشو تلک النکتة حتي يسودّ لها



[ صفحه 30]



وجهه [6] .

وفي بعض الروايات ما يدل علي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو مصداق لهذه الآية، فقد روي بالاسناد عن سفيان بن عيينة، عن جابر بن يزيد الجعفي، أنّه قال: دابة الاَرض عليّ قدس سره [7] .

وروي الشيخ الکليني بالاِسناد عن الاِمام الباقر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: وإنّي لصاحب الکرّات ودولة الدول، وإنّي لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تکلم الناس» [8] .

وروي الشيخ علي بن إبراهيم بالاِسناد عن الاِمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: «قال رجل لعمار بن ياسر، يا أبا اليقظان، آية في کتاب الله قد أفسدت قلبي وشککتني. قال عمار: أيّة آية هي؟ قال: (وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ تُکلّمُهُم أنَّ النَّاسَ کانُوا بآياتِنا لا يُوقنُونَ) فأيّة دابة هذه؟

قال عمار: والله ما أجلس ولا آکل ولا أشرب حتي أُريکها، فجاء عمار مع الرجل إلي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأکل تمراً وزبداً، فقال: يا أبا اليقظان، هلمّ، فجلس عمار، وأقبل يأکل معه، فتعجّب الرجل منه، فلمّا قام قال له الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظان، حلفت أنّک لا تأکل ولا تشرب



[ صفحه 31]



ولا تجلس حتي ترينيها. قال عمار: قد أريتکها، إن کنت تعقل» [9] .

وروي أيضاً عن الاِمام الصادق عليه السلام قال: «انتهي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم إلي أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرکه ثم قال له: قم يا دابة الاَرض.

فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله، ما هو إلاّ له خاصة، وهو الدابة التي ذکرها الله تعالي في کتابه: (وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ)» [10] .

وروي عن الاَصبغ بن نباتة، قال: دخلت علي أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأکل خبزاً وخلاً وزيتاً، فقلت: يا أمير المؤمنين، قال الله عز وجل: (وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ تُکلّمُهُم) الآية، فما هذه الدابة؟ قال عليه السلام: «هي دابة تأکل خبزاً وخلاً وزيتاً» [11] .

ويقول أبو الفتوح الرازي في تفسيره: طبقاً للاَخبار التي جاءتنا عن طريق الاَصحاب، فإنَّ دابة الاَرض کناية عن المهدي صاحب الزمان عليه السلام [12] .

ومع الاَخذ بنظر الاعتبار لهذا الحديث والاَحاديث المتقدمة، يمکن



[ صفحه 32]



أن يستفاد من دابة الاَرض مفهوم واسع ينطبق علي أي إمام عظيم يرجع في آخر الزمان، ويميّز الحق عن الباطل والمؤمن من الکافر، وهو آية من آيات عظمة الخالق.

والتعبير الوارد في الروايات المتقدمة بأنّ معه عصا موسي التي ترمز إلي القوة والاعجاز، وخاتم سليمان الذي يرمز إلي الحکومة الاِلهية، قرينة علي کون الدابة إنساناً مسدّداً بالقدرة الاِلهية العظيمة بحيث يکون آية للناس، إضافة إلي ذلک فإنّ قوله تعالي: (تُکلّمهم) يساعد علي هذا المعني.

الحشر الخاص، قوله تعالي: (وَيَومَ نَحشُر من کُلِّ أُمّةٍ فَوجاً).

سبق أن بيّنا أنَّ الآية الاُولي (أخرَجنَا لَهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ) تتعلق بالحوادث التي تقع قبل يوم القيامة، وذلک باتّفاق المفسرين، وعليه تکون آية الحشر الخاص (ويومَ نَحشرُ مِن کُلِّ أُمّةٍ فوجاً) مکملة لها ومرتبطة بها من حيث التسلسل الزمني للاَحداث فضلاً عن سياق الآيات وترتيبها، فقد وقعت آية الحشر الخاص بين علامتين من العلامات التي تقع قبيل الساعة وهي الدابة والنفخة (ويومَ يُنفَخُ في الصُورِ) ممّا يدلُّ علي أنّ الحشر الخاص يقع قبل القيامة وأنّه من علاماتها، وعبّر تعالي عن الحشر العام بعد نفخة النشور بقوله: (فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ وَمَن في الاَرضِ... وکُلٌّ أتوهُ داخِرينَ)، إذن فهناک حشران حشر يجمع فيه من کلِّ أمة فوجاً وهو الرجعة، وحشر يشمل الناس جميعاً وهو يوم القيامة، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد القيامة إجماعاً فيتعين وقوع هذا الحشر بين يدي القيامة.



[ صفحه 33]



وبعبارة أُخري أنّ ما يدلُّ علي منافاة الحشر الخاص ليوم القيامة، هو أنّ هذه الآية تدلُّ علي حشر فوج من کلِّ أُمّة من أُمم البشرية ممّن کان يکذّب بآيات الله، و (من) في قوله تعالي (مِن کلِّ أُمّة) تفيد التبعيض، وهذا يعني الاستثناء، وقد دلنا الکتاب الکريم في آيات عديدة علي أنّ حشر القيامة لا يختصّ بقوم دون آخرين، ولا بجماعة دون أُخري، بل يشمل الجميع دون استثناء (ويومَ يَحشُرُهُم جميعاً) [13] ، فطالما حصل الاستثناء فإنَّ ذلک لا يتعلق بأحداث يوم القيامة الذي ينهي الحياة برمّتها علي وجه الاَرض، ومن خلال ما تقدم اتضح الکلام عن دلالة الآية الثانية التي ذکرناها کعلامة بين يدي الساعة.

إذن فالآية تأکيد لحدوث الرجعة التي تعتقد بها الشيعة الاِمامية في حق جماعة خاصة ممّن محضوا الکفر أو الاِيمان، وتعني عودة هذه الجماعة للحياة قبل يوم القيامة، أما خصوصيات هذه العودة وکيفيتها وطبيعتها وما يجري فيها، فلم يتحدث عنها القرآن الکريم، بل جاء تفصيلها في السُنّة المبارکة، فإنّ صحت الاَخبار بها توجّب قبولها والاعتقاد بها، وإلاّ وجب طرحها [14] .


پاورقي

[1] سورة هود 11: 6.

[2] سورة النحل 16: 61.

[3] سورة الانفال 8: 22.

[4] سورة الحج 22: 18.

[5] سورة فاطر 35: 28.

[6] مجمع البيان، للطبرسي 7: 366. وتفسير القرطبي 13: 237. والدر المنثور 6: 378. وروح المعاني، للآلوسي 20: 21. وتفسير الرازي 24: 217. وتفسير ابن کثير 3: 387. والآية من سورة النمل 27: 82.

[7] ميزان الاعتدال، للذهبي 1: 384 دار المعرفة.

[8] الکافي 1: 198: 3 باب أنّ الاَئمة عليهم السلام هم أرکان الاَرض.

[9] تفسير القمي 2: 131. ومجمع البيان 7: 366.

[10] تفسير القمي 2: 130. وتفسير البرهان، للبحراني 4: 228: 8043 تحقيق مؤسسة البعثة.

[11] تأويل الآيات، للسيد شرف الدين 1: 404: 109. والرجعة، للاسترآبادي: 166: 95 دار الاعتصام.

[12] تفسير الاَمثل، للشيخ ناصر مکارم الشيرازي12: 129 مؤسسة البعثة ـ بيروت. عن تفسير أبي الفتوح 8: 423.

[13] سورة الانعام 6: 128.

[14] راجع نقض الوشيعة، للسيد محسن الاَمين: 473 طبعة 1951 م.