بازگشت

ائتنا بثوب العجوز


وروي ابن بابويه وغيره أن احمد بن إسحاق أحد وکلاء الإمام الحسن العسکري أخذ سعد بن عبد الله من ثقات الأصحاب معه إلي الإمام (ع) کي يسأله عن اسئلة کانت في نفسه، فقال سعد: فوردنا سر من رأي فانتهينا منها إلي باب سيدنا فاستاذنا، فخرج علينا الاذن بالدخول عليه وکان علي عاتق احمد بن إسحاق جراب قط غطاه بکساء طبري فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم علي کل صرة منها ختم صاحبها.

قال سعد: فما شبهت وجه مولانا أبي محمد حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفي من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، علي رأسه فرق بين وفرتين کأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبيّة تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المرکبة عليها، قد کان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم إذا أراد ان يسطر به علي البياض شيئاً قبض الغلام علي أصابعه، فکان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها کيلا يصده عن کتابة ما أراد.

فسلمنا عليه، فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من کتبة البياض الذي کان بيده، اخرج أحمد بن إسحاق جوابه من طي کسائه فوضعه بين يديه، فنظر العسکري إلي الغلام وقال له: يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتک ومواليک.

فقال: يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلي هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب احلها بأحرمها؟

فقال مولاي: يا بن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها.

فأول صرة بدأ احمد باخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلّة کذا بقم، يشتمل علي اثنتين وستين ديناراً فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وکانت إرثاً له عن أبيه خمسة وأربعون ديناراً ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.

فقال مولانا: صدقت يا بني، دل الرجل علي الحرام منها.

فقال: فتش عن دينار رازي السکة، تاريخه سنة کذا قد انطمس من نصف إحدي صفحتيه نقشه وقراضة آملية، وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر کذا من سنة کذا علي حائک من جيرانه من الغزل منّاً وربع منٍّ فاتت علي ذلک مدة وفي انتهائها قيض لذلک الغزل سارق، فأخبر به الحائک صاحبه فکذبه واسترد منه بدل ذلک منّاً ونصف منٍّ غزلاً أدق مما کان دفعه إليه واتخذ من ذلک ثوباً، کان هذا الدينار مع القراضة ثمنه..

فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها علي حسب ما قال، واستخرج الدينار والقراضة بتلک العلامة.

ثم أخرج صرة أخري فقال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلّة کذا بقم تشتمل علي خمسين ديناراً لا يحل لنا لمسها.

قال: وکيف ذاک؟

قال: لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها علي اکاره في المقاسمة، وذلک انه قبض حصته منها بکيل واف وکان ما حصّ الاکار بکيل بخس.

فقال مولانا: صدقت يا بني.

ثم قال: يا احمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها علي أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها، وائتنا بثوب العجوز.

قال أحمد: وکان ذلک الثوب في حقيبة لي فنسيته.

فلما انصرف احمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إليّ مولانا أبو محمد فقال: ما جاء بک يا سعد؟

فقلت: شوقني احمد بن إسحاق علي لقاء مولانا.

قال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟

قلت: علي حالها يا مولاي.

قال: فسل قرّة عيني وأومأ إلي الغلام…

فأخذ يسأل مسائله والإمام المهدي (ع) يجيب عليها حتي أن بعض الأسئلة کان الراوي قد نسيها فذکره الإمام (ع) بها علي نحو الاعجاز، إلي آخر الرواية الطويلة. [1] .


پاورقي

[1] انظر کمال الدين: ص457 ب43 ذکر من شاهد القائم؟ ورآه وکلمه.