بازگشت

قصة ابن مهزيار


وقال في (حق اليقين) روي الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والطبرسي وغيرهم ـ قدس سرهم ـ باسانيد صحيحة عن محمد بن ابراهيم بن مهزيار، ورواها البعض عن علي بن إبراهيم بن مهزيار [1] انه قال: حججت عشرين حجة کلاً اطلب به عيان الإمام فلم أجد إلي ذلک سبيلا، فبينا أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلاً يقول: يا علي بن إبراهيم قد اذن الله لک في الحج.

فانتبهت وانا فرح مسرور فما زلت في الصلاة حتي انفجر عمود الصبح وفرغت من صلاتي وخرجت اسأل عن الحاج، فوجدت فرقة تريد الخروج فبادرت مع أول مَن خرج، فما زلت کذلک حتي خرجوا وخرجت بخروجهم أريد الکوفة.. فما وافيتها نزلت عن راحلتي وسلمت متاعي إلي ثقات اخواني وخرجت اسأل عن ابي محمد، فما زلت کذلک فلم أجد أثراً ولا سمعت خبراً وخرجت في أول من خرج أريد المدينة، فلما دخلتها لم أتمالک أن نزلت عن راحلتي وسلمت رحلي إلي ثقات اخواني وخرجت أسأل عن الخبر وأقفو الأثر، فلا خبراً سمعت ولا أثراً وجدت.

فلم أزل کذلک إلي أن نفر الناس إلي مکة وخرجت مع من خرج حتي وافيت مکة، ونزلت فاستوثقت من رحلي وخرجت اسأل عن آل أبي محمد فلم أسمع خبرا ولا وجدت أثراً، فما زلت بين الاياس والرجاء متفکراً في أمري وعائباً علي نفسي وقد جن الليل.

فقلت: ارقب إلي أن يخلو لي وجه الکعبة لأطوف بها واسأل الله عزوجل أن يعرفني أملي فيها، فبينما انا کذلک وقد خلا لي وجه الکعبة إذ قمت إلي الطواف فإذا أنا بفتي مليح الوجه، طيب الرائحة متزر ببردة متشح باخري وقد عطف بردائه علي عاتقه فرعته.

فالتفت اليّ فقال: ممن الرجل؟

فقلت: من الأهواز.

فقال: أتعرف بها ابن الخصيب؟

فقلت: رحمه الله دُعي فاجاب.

فقال: رحمه الله.. لقد کان بالنهار صائماً، وبالليل قائماً، وللقرآن تالياً، ولنا موالياً.

فقال: أتعرف بها علي بن إبراهيم بن مهزيار.

فقلت: أنا علي.

فقال: أهلاً وسهلاً بک يا أبا الحسن أتعرف الصريحين.

قلت: نعم، قال: ومن هما؟

قلت: محمد وموسي.

ثم قال: ما فعلت العلامة التي بينک وبين أبي محمد.

فقلت: معي.

فقال:أخرجها إليّ فأخرجتها إليه خاتماً حسناً علي فصه (محمد وعلي) فلما رأي ذلک بکي ملياً ورن شجياً وهو يقول: رحمک الله يا أبا محمد، فلقد کنت إماماً عادلاً، ابن أئمة وأبا إمام، أسکنک الله الفردوس الأعلي مع آبائک.

ثم قال: يا أبا الحسن صر إلي رحلک وکن علي أهبة من کفايتک حتي إذا ذهب الثلث من الليل وبقي الثلثان فالحق بنا فانک تري مناک إن شاء الله.

قال ابن مهزيار: فصرت إلي رحلي أطيل التفکر، حتي إذا هجم الوقت فقمت إلي رحلي وأصلحته وقدّمت راحلتي وحملتها وصرت في متنها حتي لحقت الشعب، فإذا أنا بالفتي هناک يقول: أهلاً وسهلاً يا أبا الحسن، طوبي لک فقد اُذن لک، فسار وسرت بسيره حتي جاز بي عرفات ومني وصرت في أسفل ذروة جبل الطائف.

فقال لي: يا أبا الحسن انزل وخذ في أهبة الصلاة، فنزل ونزلت حتي فرغ وفرغت، ثم قال لي: خذ في صلاة الفجر وأوجز فأوجزت فيها وسلم وعفر وجهه في التراب، ثم رکب وأمرني بالرکوب فرکبت، ثم سار وسرت بسيره حتي علا الذروة، فقال: المح هل تري شيئاً؟

فلمحت فرأيت بقعة نزهة کثيرة العشب والکلاء. فقلت: يا سيدي اري بقعة نزهة کثيرة العشب والکلاء.

فقال لي: هل تري في أعلاها شيئاً؟

فلمحت فإذا أنا بکثيب من رمل فوق بيت من شعر يتوقد نورا.

فقال لي: هل رايت شيئاً؟

قفلت: أري کذا وکذا.

فقال لي: يا ابن مهزيار طب نفساً وقرّ عيناً.. فان هناک أمل کل مؤمّل.

ثم قال لي: انطلق بنا، فسار وسرت حتي صار في اسفل الذروة، ثم قال: انزل فها هنا يذّل لک کل صعب، فنزل ونزلت حتي قال لي: يا ابن مهزيار خلّ عن زمام الراحلة.

فقلت: علي من أخلّفها وليس ها هنا أحد؟

فقال: إن هذا لا يدخله إلا ولي ولا يخرج منه إلا ولي.

فخليت عن الراحلة فسار وسرت، فلما دنا من الخباء سبقني وقال لي: قف هنا إلي أن يؤذن لک، فما کان هنيئه فخرج إلي، وهو يقول: طوبي لک قد أعطيت سؤلک.

قال: فدخلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس علي نمط، عليه نطع أديم احمر متکئ علي مسوره أديم، فسلمت عليه وردّ عليّ السلام، ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر، لا بالخرق ولابالبزق، ولا بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللاصق، ممدود القامة صلت الجبين، أزج الحاجبين، ادعج العينين، أقني الأنف، سهل الخدين، علي خدّه الأيمن خال، فلما أن بصرت به حار عقلي في نعته وصفته.

فقال لي: يا ابن مهزيار کيف خلّفت أخوانک في العراق؟

قلت: في ضنک عيش وهناء، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيطان.

فقال: قاتلهم الله أني يؤفکون، کأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم واخذهم أمر ربهم ليلاً ونهاراً، لتملکونهم کما ملکوکم وهم يومئذ اذلاّء.

ثم قال: إن أبي صلوات الله عليه عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها، إسراراً لأمري وتحصنياً لمحلي من مکائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم والضوال...

إعلم أنه قال [2] صلوات الله عليه يا بني، إن الله جل ثناؤه لم يکن ليخلّي أطباق أرضه وأهل الجّد في طاعته وعبادته بلا حجة يستعلي بها، وامام يؤتم به ويقتدي بسبل سنته ومنهاج قصده، وأرجو يا بني أن تکون أحد من اعده الله لنشر الحق ووطي الباطل واعلاء الدين واطفاء الضلال، فعليک يا بني بلزوم خوافي الأرض وتتبع اقاصيها، فان لکل ولي من أولياء الله عزوجل عدواً مقارعاً، وضداً منازعاً… فلا يوحشنّک ذلک.

وأعلم أن قلوب أهل الطاعة والإخلاص نزع إليک مثل الطير إلي أوکارها، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستکانة وهم عند الله بررة أعزاء يبرزون بانفس مختلة محتاجة وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه علي مجاهدة الأضداد. حضهم الله باحتمال الضيم في الدنيا ليشملهم باتساع العز في دار القرار وجبلهم علي خلائق الصبر لتکون لهم العاقبة الحسني وکرامة حسن العقبي،فاقتبس يا بني نور البصر علي موارد أمورک تفز بدرک الصنع في مصادرها، واستشعر العز فيما ينوبک تحظ مما تحمده غبه إن شاء الله.

وکأنک يا بني بتأييد نصر الله وقد آن وتيسر الفلج وعلو الکعب قد حان، وکأنک بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق علي أثناء اعطافک ما بين الحطيم وزمزم، وکأنک بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليک تناظم الدر في مثاني العقود، وتصافق الاکف علي جنبات الحجر الأسود. تلوذ بفنائک من ملأ برأهم الله من طهارة الولادة، ونفاسة التربة، مقدسة قلوبهم من دنس النفاق، مهذبة افئدتهم من رجس الشقاق، لينة عرائکهم للدين، خشنة ضرائبهم عن العدوان، واضحة بالقبول أوجههم، نضرة بالفضل عيدانهم، يدينون بدين الحق وأهله، فإذا اشتدت أرکانهم وتقوت أعمارهم فدنت بمکانفتهم طبقات الأمم إلي إمام إذ تبعتک في ظلال شجرة دوحة تشعبت أفنان غصونها علي حافات بحيرة الطبرية فعندها يتلألأ صبح الحق وينجلي ظلام الباطل ويقصم الله بک الطغيان ويعيد معالم الإيمان، يظهر بک استقامة الآفاق وسلام الرفاق يود الطفل في المهد لو استطاع اليک نهوضاً ونواشط الوحش لو تجد نحوک مجازاً، تهتز بک أطراف الدنيا بهجة، وتنشر بک أغصان العز نضرة، وتستقر بواني الحق في قرارها وتؤوب شوارد الدين إلي أوکارها، تتهاطل عليک سحائب الظفر، فتخنق کل عدو وتنصر کل ولي، فلا يبقي علي وجه الأرض جبار قاسط ولا جاحد غامط ولا شانئ مبغض ولا معاند کاشح ومن يتوکل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لکل شيء قدراً.

ثم قال: ليکن مجلسي هذا عندک مکتوماً إلا عن أهل الصدق والأخوة الصادقة في الدين...

قال إبراهيم بن مهزيار: فمکثت عنده حيناً أقتبس ما أؤدي إليهم من موضحات الأعلام ونيرات الأحکام وأروي النبات الصدور من نضارة ما أدخره الله في طبائعه من لطائف الحکم وطرائف فواضل القسم…

فاستأذنته بالقفول وأعلمته عظيم ما أصدر به عنه من التوحش لفرقته والتجرع للظعن عن محاله، فاذن وأردفني من صالح دعائه ما يکون ذخراً عند الله ولعقبي وقرابتي ان شاء الله.

فلما أزف ارتحالي وتهيّأ اعتزام نفسي غدوت عليه مودّعاً ومجدداً للعهد وعرضت عليه مالاً کان معي يزيد علي خمسين ألف درهم، وسألته أن يتفضل بالأمر بقبوله مني.

فابتسم وقال: استعن به علي مصرفک، فان الشقة قذفة وفلوات الأرض أمامک جمة.. ثم دعا لي کثيراً وانصرفت إلي وطني.


پاورقي

[1] انظر کمال الدين: ص465 ح22 ب43 ذکر من شاهد القائم؟ ورآه وکلمه، و(دلائل الامامة): ص296 باب معرفة من شاهد صاحب الزمان؟ في حال الغيبة وعرفه.

[2] أي الإمام الحسن العسکري؟.