بازگشت

جواب عن اعتراض:


جواب عن اعتراض:



وقد يعترض معترض جاهل بآثار الحكمة، غافل عن مستقيم التدبير لاهل الملة بأن يقول: مابال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدم من آبائه الائمة بزعمكم وقد نجد شيعة آل محمد عليهم السلام في زماننا هذا أحسن حالا وأرغد عيشا منهم في زمن بنى اميه إذ كانوا في ذلك الزمان مطالبين بالبراء ة من أمير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك من أحوال القتل والتشريد وهم في هذا الحال وادعون سالمون، قد كثرت شيعتهم وتوافرت أنصارهم وظهرت كلمتهم بموالاة كبراء أهل الدولة لهم وذوى السلطان و النجدة منهم.



فأقول - وبالله التوفيق -: إن الجهل غير معدوم من ذوي الغفلة وأهل التكذيب والحيرة وقد تقدم من قولنا أن ظهور حجج الله عليهم السلام واستتار هم جرى في وزن



[46]



الحكمة(1) حسب الامكان والتدبير لاهل الايمان، وإذا ذلك كذلك فليقل ذو والنظر والتمييز: إن الامر الآن - وإن كان الحال كما وصفت - أصعب والمحنة أشد مما تقدم من أزمنة الائمة السالفة عليهم السلام وذلك أن الائمة الماضية أسروا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من الناس إليهم حتى تظاهر ذلك بين أعدائهم أن صاحب السيف هو الثانى عشر من الائمة عليهم السلام وأنه عليه السلام لايقوم حتى تجيئ صيحة من السمآء باسمه واسم أبيه والانفس منيتة(2) على نشر ما سمعت وإذاعة ما أحست فكان ذلك منتشرا بين شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وعند مخلالفيهم من الطواغيت وغيرهم وعرفوا منزلة أئمتهم من الصدق ومحلهم من العلم والفضل، وكانوا يتوقفون عن التسرع إلى إتلافهم ويتحامون القصد لانزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهور هم كذلك ليصل كل امرء منهم إلى ما يستحقه من هداية أو ضلالة كما قال الله تعالى: " من يهدالله فهو المهتدومن يضلل فلن تجدله وليا مرشدا "(3) وقال الله عزوجل: " وليزيدن كثيرا منهم ما انزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين "(4) وهذا الزمان قد استوفى أهله كل إشارة من نص وآثار فتناهت بهم الاخبار واتصلت بهم الآثار إلى أن صاحب هذا الزمان عليه السلام هو صاحب السيف والانفس منيتة(2) على(ما وصفنا من) نشر ما سمعت وذكرما رأت وشاهدت، فلو كان صاحب هذا الزمان عليه السلام ظاهرا موجودا لنشر شيعته ذلك ولتعد اهم إلى مخالفيهم بحسن ظن بعضهم بمن يدخل فيهم ويظهر الميل إليهم وفي أوقات الجدال بالدلالة على شخصه والاشارة إلى مكانه كفعل هشام بن الحكم مع الشامي وقد ناظره بحضرة الصادق عليه السلام



___________________________________



(1) كذا، يعنى في الميزان الحكمة.



(2) في بعض النسخ " مبنية " والمنيتة أى المائلة كما في بعض اللغات.



وفي بعض النسخ " منبعثة ".



(3) الكهف: 17.



(4) المائدة: 68.



[47]



فقال الشامي لهشام: من هذا الذي تشير إليه وتصفه بهذه الصفات؟ قال هشام: هو هذا وأشار بيده إلى الصادق عليه السلام فكان يكون ذلك منتشرا في مجالسهم كانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومكانه، ثم لم يكونوا حينئذ يمهلون ولا ينظرون كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للذي قدكان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى عليه السلام بينهم وهلاك فرعون ومملكة على يديه، وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب إبراهيم عليه السلام زمان انتشار الخبر بوقت ولادته وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن - على عليهما السلام والد صاحب الزمان عليه السلام وطلب ولده والتوكيل بداره وحبس جواريه وانتظاره بهن وضع الحمل الذي كان بهن(1)، فلو لا أن إرادتهم كانت ما ذكر نا من حال إبراهيم وموسى عليهما السلام لماكان ذلك منهم، وقد خلف عليه السلام أهله وولده وقد علموا من مذهبه ودينه أن لايرث مع الولد والابوين أحد إلا زوج أوزوجة، كلاما يتوهم غير هذا عاقل ولافهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور والاستتار فاذا كان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه وضلوا عن معرفة مكانه، ثم نشر ناشر من شيعة شيئا من أمره بما وصفناه وصاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوام تفحص عما ورد من الاستتار وذكر من الاخبار فلم يجد حقيقة يشار إليها ولا شبهة يتعلق بها انكسرت العادية و سكنت الفتنة وتراجعت الحمية، فلا يكون حينئذ على شيعته ولاعلى شئ من أشيائهم(2) لمخالفيهم متسلق ولا إلى اصطلامهم سبيل متعلق(3) عند ذلك تخمد النائرة وترتدع العادية، فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم، ويتضح للمتأهل أمرهم، و يتحقق المؤمن المفكر في مذهبهم، فيلحق بأولياء الحجة من كان في حيرة الجهل و



___________________________________



(1) في بعض النسخ " وضع حمل ان كان بهن ".



(2) في بعض النسخ " من اسبابهم ".



(3) تسلق الجدار: تسور.وصعد عليه، والمتسلق: آلة التسلق.



والاصطلام: الاستيصال.



[48]



ينكشف عنهم ران الظلمة(1) عند مهلة التأمل(2) بيناته وشواهد علاماته كحال اتضاحه وانكشافه عند من يتأمل كتابنا هذا مريدا للنجاة، هاربا من سبل الضلالة، ملتحقا بمن سبقت لهم من الله الحسنى، فآثر على الضلالة الهدى.



جواب عن اعتراض آخر ومما سأل عنه جهال المعاندين للحق أن قالوا: أخبرونا عن الامام في هذا الوقت يدعى الامامة أم لايدعيها ونحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدين فان كان يجيبنا ويدعى الامامة علما أنه الامام، وإن كان لايدعي الامامة ولايجيبنا إذا صرنا إليه فهو ومن ليس بامام سواء.



فقيل لهم: قد دل على إمام زماننا الصادق الذي قبله وليست به حاجة إلى أن يدعى هو أنه إمام إلا أن يقول ذلك على سبيل الاذكار والتأكيد، فأما على سبيل الدعوى التى نحتاج إلى برهان فلا، لان الصادق الذي قبله قد نص عليه وبين أمره وكفاه مؤونة الادعاء، والقول في ذلك نظير قولنا في على بن أبي طالب عليه السلام في نص النبى صلى الله عليه وآله واستغنائه عن أن يدعي هو لنفسه أنه إمام، فأما إجابته أياكم عن معالم الدين فان جئتموه مسترشدين متعلمين، عارفين بموضعه، مقرين بامامته عرفكم و علمكم.



وإن جئتموه أعداء له، مرصدين بالسعاية إلى أعدائه، منطوين على مكروهه عند أعداء الحق، متعرفين مستور امور الدين لتذيعوه لم يجبكم لانه يخاف على نفسه منكم، فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبي صلى الله عليه وآله وهو في الغار أن لو أراد الناس أن يسألوه عن معالم الدين هل كانوا يلقونه ويصلون إليه أم لا، فان كانوا يصلون إليه فقد بطل أن يكون استتارة في الغار، وإن كانوا لايصلون إليه فسواء وجوده في العالم وعدمه على علتكم، فان قلتم: إن النبي صلى الله عليه وآله كان متوقيا، قيل: وكذلك الامام عليه السلام في هذا الوقت متوق، فان قلتم: إن النبي صلى الله عليه وآله بعد ذلك قد ظهر ودعا إلى نفسه، قلنا: وما في ذلك من الفرق أليس قد كان نبيا قبل أن يخرج من الغار



___________________________________



(1) أى تغطيه الظلمة.



وفي بعض النسخ " درن الظلمة " والدرن: الوسخ.



(2) في بعض النسخ " المتأمل للحق ".



[49]



ويظهر وهو في الغار مستتر ولم ينقض ذلك نبوته، وكذلك الامام يكون إماما و إن كان يستتر بامامته ممن يخافه على نفسه، ويقال لهم: ماتقولون في أفاضل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله؟ والمتقدم في الصدق منهم لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبى صلى الله عليه وآله فلم يعرفوه فسألوهم عنه هل هو هذا؟ وهو بين أيديهم أو كيف أخفى؟(1) وأين هو؟ فقالوا: ليس نعرف موضعه أوليس هو هذا؟ هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقين ولا محمودين أم لا؟ فان قلتم: كاذبين خرجتم من دين الاسلام بتكذيبكم أصحاب النبى صلى الله عليه وآله، وإن قلتم: لايكون ذلك كذلك لانهم يكونون قد حرفوا كلامهم و أضمروا معنى أخرجهم من الكذب وإن كان ظاهره ظاهر كذل، فلا يكونون مذمومين بل محمودين لانهم دفعوا عن نفس النبى صلى الله عليه وآله القتل.



قيل لهم: وكذلك الامام أذا قال: لست بامام ولم يجب أعداء ه عما يسألونه عنه لايزيل ذلك إمامته لانه خائف على نفسه، وإن أبطل جحده لاعدائه أنه إمام في حال الخوف إمامته أبطل على أصحاب النبى صلى الله عليه وآله أن يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف، وإن لم يزل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضا ستر الامام نفسه إمامته، ولا فرق في ذلك، ولو أن رجلا مسلما وقع في أيدي الكفار وكانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه هل أنت مسلم؟ فقال: لا، لم يكن ذلك بمخرج له من الاسلام، فكذلك الامام إذا جحد عند أعدائه ومن يخافه على نفسه أنه إمام لم يخرجه ذلك من الامامة.



فان قالوا: إن المسلم لم يجعل في العالم ليعلم الناس ويقيم الحدود، فلذلك افترق حكماهما ووجب أن لايستر الامام نفسه.



قيل لهم: لم نقل إن الامام يستر نفسه(عن جميع الناس)(2) لان الله عزو جل قد نصبه وعرف الخلق مكانه بقول الصادق الذى قبله فيه ونصبه له، وإنما قلنا: إن الامام لا يقر عند أعدائه بذلك خوفا منهم أن يقتلوه فأما أن يكون مستورا عن



___________________________________



(1) أى كيف أخفى نفسه.



وفى بعض النسخ " كيف أخذ ".



(2) هذه الزيادة بين القوسين كانت في بعض النسخ دون بعض.



[50]



جميع الخلق فلا، لان الناس جميعا لو سألوا عن إمام الامامية من هو؟ لقالوا: فلان بن فلان مشهور عند جميع الامة، وإنما تكلمنا في أنه هل يقر عند أعدائه أم لايقر، وعارضناكم باستتار النبى صلى الله عليه وآله في الغار وهو مبعوث معه المعجزات وقد أتى بشرع مبتدع ونسخ كل شرع قبله وأريناكم أنه إذا خاف كان له أن يجحد عند أعدائه أنه إمام ولا يجيبهم إذا سألوه، ولا يخرجه ذلك من أن يكون إماما، ولا فرق في ذلك، فان قالوا: فاذا جوزتم للامام أن يجحد إمامته أعداء ه عند الخوف فهل يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وبين الامام بأن قالوا: إن النبى صلى الله عليه وآله هو الداعى إلى رسالته والمبين للناس ذلك بنفسه فاذا جحد ذلك وأنكره للتقية بطلت الحجة، ولم يكن أحد يبين عنه، والامام قد قام له النبى صلى الله عليه وآله بحجته وأبان أمره فاذا سكت أو جحد كان النبى صلى الله عليه وآله قد كفاه ذلك.



وليس هذا جوابنا، ولكنا نقول: إن حكم النبى صلى الله عليه وآله وحكم الامام سيان في التقية إذا كان قد صدع بأمر الله عزو جل وبلغ رسالته وأقام المعجزات، فأما قبل ذلك فلا وقد محى النبي صلى الله عليه وآله اسمه من الصحيفة في صلح الحديبية حين أنكر سهيل بن عمرو، وحفص بن الاحنف نبوته فقال لعلى عليه السلام: امحه واكتب: هذا ما صالح عليه محمدبن عبدالله.



فلم يضر ذلك نبوته إذاكانت الاعلام في البراهين قد قامت له بذلك من قبل، وقد قبل الله عزوجل عذ ر عمار حين حمله المشركون على سب رسول الله صلى الله عليه وآله وأرادو قتله فسبه، فلما رجع إلى النبي صلى عليه وآله قال: قد أفلح الوجه ياعمار، قال: ما أفلح وقد سببتك يا رسول الله، فقال عليه السلام: أليس قلبك مطئمن بالايمان؟ قال: بلى يا رسول الله، فأنزل الله تبارك وتعالى " إلا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان "(1) والقول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت و حظره في وقت آخر، وإذا جاز للامام أن يجحد إمامته ويستر أمره جاز أن يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته وإذا جاز أن يغيب يوما لعله موجبة جاز سنة، وإذا جاز



___________________________________



(1) النحل: 106.



[51]



سنة، جاز مائة سنة، وإذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الذى توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته، ولا قوة إلا بالله.



ونحن نقول مع ذلك(1): إن الامام لايأتي جميع ما يأتيه من اختفاء وظهور وغيرهما إلا بعهد معهود إليه من رسول الله صلى الله عليه وآله كما قد وردت به الاخبار عن أئمتنا عليهما السلام.



حدثنا محمدبن موسى بن المتوكل - رضى الله عنه - قال: حدثنا على بن - إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالسلام بن صالح الهروي، عن أبي الحسن على بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن على عليهما السلام قال: قال النبى صلى الله عليه وآله: والذي بعثنى بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه منى حتى يقول أكثر الناس: مالله في آل محمد حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه، ولايجعل للشيطان إليه سبيلا بشكه(2) فيزيله عن ملتى ويخرجه من دينى، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله عزو جل جعل الشياطين أولياء للذين .لا يؤمنون.



اعتراضات لابن بشار: وقد تكلم علينا أبوالحسن على بن أحمد بن بشار في الغيبة وأجابه أبوجعفر محمدبن عبدالرحمن بن قبة الرازي(3) وكان من كلام على بن أحمد بن بشار علينا في ذلك أن قال في كتابه أقول: إن كل المبطلين أغنياء عن تثبيت إنية من يدعون له، وبه يتمسكون، وعليه يعكفون، ويعطفون لوجود أعيانهم وثبات إنياتهم وهؤلاء



___________________________________



(1) في بعض النسخ " في ذلك ".



(2) في بعض النسخ " يشككه ".



(3) محمد بن عبدالرحمن بن قبة - بالقاف المكسورة وفتح الباء الموحدة الرازى أبوجعفر متكلم عظيم القدر حسن العقيدة كان قديما من المعتزلة وتبصر وانتقل، وكان شيخ الامامية في زمانه كما في(جش وصه).



[52]



(يعنى أصحابنا) فقراء إلى ما قد غنى عنه كل مبطل سلف من تثبيت أنية من يدعون له وجوب الطاعة، فقد افتقروا إلى ما قد غنى عنه سائر المبطلين واختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلانا وانحطوا بها عن سائر المبطلين، لان الزيادة من الباطل تحط والزيادة من الخير تعلو، والحمد الله رب العالمين.



ثم قال: وأقول قولا تعلم فيه الزيادة على الانصاف منا وإن كان ذلك غير واجب علينا.



أقول: إنه معلوم أنه ليس كل مدع ومدعى له بمحق، وإن كل سائل لمدع تصحيح دعواه بمنصف(1) وهؤلاء القوم ادعو أن لهم من قد صح عندهم أمره ووجب له على الناس الانقياد والتسليم وقد قدمنا أنه ليس كل مدع ومدعى له بواجب له التسليم، ونحن نسلم لهؤلاء القوم الدعوى ونقر على أنفسنا بالابطلال - وإن كان ذلك في غاية المحال بعد أن يوجدونا إنية المدعى له ولانسألهم تثبيت الدعوى، فان كان معلوما أن في هذا أكثر من ا لانصاف فقد وفينا بما قلنا، فان قدروا عليه فقد أبطلوا، و إن عجزوا عنه فقد وضح ماقلنا من زيادة عجز هم عن تثبيت ما يدعون على عجز كل مبطل عن تثبيت دعواه.



وأنهم مختصون من كل نوع من الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا عن المبطلين أجمعين لقدرة كل مبطل سلف على تثبيت دعواه إنية من يدعون له وعجز هؤلاء عما قدر عليه كل مبطل إلا مايرجعون إليه من قولهم " إنه لابد ممن تجب به حجة الله عزوجل " وأجل لابد من وجوده فضلا عن كونه، فأوجدونا الانية من دون إيجاد الدعوي.



ولقد خبرت عن أبي جعفر بن أبى غانم(2) أنه قال لبعض من سأله فقال: بم تحاج الذين(3) كنت تقول ويقولن: إنه لابد من شخص قائم من أهل هذا البيت؟ قال



___________________________________



(1) في بعض النسخ " ليس كل مدع ومدعى له فمحق وان كان(كل - خ ل) سائل للمدعى تصحيح دعواه فمنصف ".



(2) هو غير على بن أبى غانم الذي عنونه منتجب الدين بل هو رجل آخر لم أعثر على عنوانه في كتب الرجال.



(3) في بعض النسخ " الذي ".



[53]



له(1): أقول لهم: هذا جعفر.



فيا عجبا أيخصم الناس بمن ليس هو بمخصوم(2) وقد كان شيخ في هذا الناحية - رحمه الله - يقول: قد وسمت هؤلاء باللابدية أي أنه لامرجع لهم ولا معتمد إلا إلى أنه لابد من أن يكون هذا الذي(ليس) في الكاينات، فوسمهم من أجل ذلك، و نحن نسميهم بها أي أنهم دون كل من له بد يعكف عليه إذ كان أهل الاصنام التى أحدها البد قد عكفوا على موجود وإن كان باطلا، وهم قد تعلقوا بعدم ليس وباطل محض وهم اللابدية حقا، أي لابد لهم يعكفون عليه(3) إذكان كل مطاع معبود، وقد وضح ما قلنا من اختصاصهم من كل نوع الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا و الحمدالله.



ثم قال: نختم الآن هذا الكتاب بأن نقول: إنما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الاجماع على أنه لابد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله ويسد به فقر الخلق وفاقتهم ومن لم يجتمع معنا على ذلك فقد خرج من النظر في كتابنا فضلا عن مطالبتنا به ونقول لكل من اجتمع معنا على هذا الاصل من الذي قد منا في هذا الموضع: كناوإياكم قد أجمعنا على أنه لايخلوا أحد من بيوت هذه الدار من سراج زاهر، فدخلنا الدار فلم نجد فيها إلا بيتا واحد فقد وجب وصح أن في ذلك البيت سراجا.



والحمد الله رب العالمين.



فأجابه أبوجعفر محمدبن عبدالرحمن بن قبة الرازى بأن قال: إنا نقول: - وبالله التوفيق: - ليس الاسراف في الادعاء التقول على الخصوم ممايثبت بهما حجة، ولو كان ذلك كذلك لارتفع الحجاج بين المختلفين واعتمد كل واحد على إضافة مايخطر بباله من سوء القول إلى مخالفه وعلى ضد هذا بنى الحجاج ووضع



___________________________________



(1) يعنى أبوجعفر قال للممترض.



(2) لما كان جواب أبي جعفر ابن أبى غانم للممترض: " أقول انه جعفر ".



تعجب منه ابن بشارلان جعفر ليس بقابل أن يخاصم فيه أولم يكن موردا لها.



(3) كذا.



[54]



النظر والانصاف أولى مايعامل به أهل الدين وليس قول أبي الحسن ليس لنا ملجأنرجع إليه ولاقيما نعطف عليه ولا سندا نتمسك بقوله حجة لان دعواه هذا مجرد من البرهان، والدعوي إذا انفردت عن البرهان كانت غير مقبول عند ذوي العقول والالباب ولسنا نعجز عن أن نقول: بلى لنا - والحمدلله - من نرجع إليه ونقف عند أمره ومن كان ثبتت حجته وظهرت أدلته، فان قلت: فأين ذلك؟ دلونا عليه قلنا: كيف تحبون أن ندلكم عليه أتسألوننا أن نأمره أن يركب ويصير إليكم ويعرض نفسه عليكم أو تسألونا أن نبنى له دارا ونحوله إليها ونعلم بذل أهل الشرق والغرب فان رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه ولاذلك بواجب عليه، فان قلتم: من أي وجه تلزمنا حجته وتجب علينا طاعته؟ قلنا: إنا نقر أنه لابد من رجل من ولد أبي الحسن على بن محمد العسكرى عليهما السلام تجب به حجة الله دللناكم على ذلك حتى نضطركم إليه إن أنصفتم من أنفسكم، وأول مايجب علينا وعليكم أن لانتجاوز ماقد رضى به أهل النظر واستعملوه وأو ا أن من حاد عن ذلك فقد ترك سبيل العلماء، وهو أنالانتكلم في فرع لم يثبت أصله وهذا الرجل الذي تجحدون وجوده فانما يثبت له الحق بعد أبيه وأنتم قوم لاتخالفونا في وجود أبيه فلا معنى لترك النظر في حق أبيه والاشتغال(1) بالنظر معكم في وجوده فانه إذا ثبت الحق لابيه، فهذا ثابت ضرورة عند ذلك باقراركم، وإن بطل أن يكون الحق لابيه فقد آل الامر إلى ما تقولون وقد أبطلنا، وهيهات لن يزداد الحق إلا قوة ولا الباطل إلا وهنا، وإن زخرفه المبطلون، والدليل على صحته أمر أبيه أنا وإياكم مجمعون على أنه لابد من رجل من ولد أبي الحسن تثبت به حجة لاله وينقطع به عذر الخلق وإن ذلك الرجل تلزم حجته من نأي عنه من أهل السلام كما تلزم من شاهده وعاينه ونحن وأكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحجة من غير مشاهدة فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحجة ماهي، ثم ننظر من أولى من الرجلين اللذين لا عقب لابي الحسن غير هما فأيهما كان أولى فهو الحجة والامام لاحاجة بنا إلى التطويل، ثم



___________________________________



(1) في بعض النسخ " والانتقال ".



[55]



نظرنا من أي وجه تلزم الحجة من نأي عن الرسل والائمة عليهم السلام فاذا ذلك بالاخبار التى توجب الحجة وتزول عن ناقليها تهمة التواطؤ عليها والاجماع على تخرصها ووضعها ثم فحصنا عن الحال فوجدنا فريقين ناقلين يزعم أحدهما أن الماضي نص على الحسن عليه السلام وأشار إليه ويروون مع الوصية وماله من خاصة الكبر أدلة يذكرونها وعلما يثبتونه، ووجدنا الفريق الآخر يروون مثل ذلك لجعفر لايقول غير هذا فانه أولى بنا نظرنا فاذا الناقل لاخبار جعفر جماعة يسيرة والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقى والتراسل فوقع نقلهم موقع شبهة لاموقع حجة وحجج الله لاتثبت بالشبهات ونظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدنا هم جماعات متباعدي الديار والاقطار، مختلفى الهم والآراء متغايرين، فالكذب لايجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولا التواطؤ ولا التراسل والاجتماع على تخرص خبر ووضعه، فعلمنا أن النقل الصحيح هو نقلهم وأن المحق هؤلاء، ولانه إن بطل ماقد نقله هؤلاء على ما وصفنا من شأنهم لم يصح خبر في الارض وبطلت الاخبار كلها فتأمل - وفقك الله - في الفريقين فانك تجدهم كما وصفت، وفي بطلان الاخبار هدم الاسلام وفي تصحيحها تصحيح خبرنا، وفي ذلك دليل على صحة أمرنا، والحمد الله رب العالمين.



ثم رأيت الجعفرية(1) تختلف في إمامة جعفربن أي وجه تجب؟ فقال قوم: بعد أخيه محمد، وقال قوم: بعد أخيه الحسن، وقال قوم: بعد أبيه.



ورأينا هم لايتجاوزون ذلك ورأينا أسلافهم وأسلافنا قدرووا قبل الحادث مايدل على إمامة الحسن وهو ما روي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إذا توالت ثلاثة أسماء: محمد وعلي والحسن فالرابع القائم " وغيرذلك من الروايات وهذه وحدها توجب الامامة للحسن، وليس إلا الحسن وجعفر.



فاذا لم تثبت لجعفر حجة على من شاهده في أيام الحسن والامام ثابت الحجة على من رآه ومن لم يره فهو الحسن اضطرارا، وإذا ثبت الحسن عليه السلام وجعفر عندكم مبرء تبرأ منه والامام لايتبرأ من الامام والحسن قد مضى ولابد عندنا وعندكم من



___________________________________



(1) يعين القائلين بامامة جعفر الكذاب.



[56]



رجل من ولد الحسن عليه السلام تثبت به حجة الله، فقد وجب بالاضطرار للحسن ولد قائم عليه السلام.



وقل يا أبا جعفر - أسعدك الله - لابي الحسن أعزه الله(1): يقول محمدبن عبدالرحمن قد أوجدناك إنية المدعى له فأين المهرب؟ هل تقر على نفسك بالابطلال كما ضمنت أو يمنعك الهوى من ذلك فتكون كما قال الله تعالى: " وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم "(2).



فأما ما وسم به أهل الحق من اللابدية لقولهم: " لابد ممن تجب به حجة الله " فيا عجبا فلا يقول أبوالحسن لابد ممن تجب به حجة الله؟ وكيف لا يقول وقد قال عند حكايته عنا وتعييره إيانا: " أجل لابد من وجوده فضلا عن كونه " فان كان يقو ل ذلك فهو وأصحابه من اللابدية وإنما وسم نفسه وعاب إخوانه، وإن كان لايقول ذلك فقد كفينا مؤونة تنظيره ومثله بالبيت والسراج، وكذا يكون حال من عاند أولياء الله يعيب نفسه من حيث يرى أنه يعيب خصمه، والحمد الله المؤيد للحق بأدلته.



ونحن نسمى هؤلاء بالبدية إذ كانوا عبدة البد قد عكفوا على ما لايسمع ولايبصر ولايغني عنهم شيئا.



وهكذا هؤلاء، ونقول: يا أبا الحسن - هداك الله - هذا حجة الله على الجن والانس ومن لاتثبت حجته على الخلق إلا بعد الدعاء والبيان محمد صلى الله عليه وآله قد أخفى شخصه في الغار حتى لم يعلم بمكانه ممن احتج الله عليهم به إلا خمسة نفر(3)



___________________________________



(1) يعنى بأبي جعفر محمد بن عبدالرحمن بن قبة، وبابى الحسن على بن أحمد ابن بشار.



(2) الانعام: 119.



(3) المراد بالخمسة: على بن أبي طالب، وأبوبكر، وعبدالله بن اريقط الليثى، واسماء بنت أبي بكر، وعامربن فهيرة.



والقصة كما في اعلام الورى هكذا: بقى رسول صلى الله عليه وآله في الغار ثلاثة أيام، ثم اذن الله له في الهجرة وقال: يا محمد اخرج عن مكة فليس لك بها ناصر بعد أبي طالب.



فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وأقبل راع لبعض قريش يقال له ابن اريقط فدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: ياابن اريقط أئتمنك على دمي؟ قال اذا احرسك وأحفظك ولاأدل عليك فأين تريد يا محمد؟ قال: يثرب، قال: والله لاسلكن بك مسلكا لايهتدي اليه أحد، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ائت عليا وبشره بان الله قد أذن لى في الهجرة فيهيئ لى زادا وراحلة.



وقال أبوبكر: ائت اسماء بنتى وقل لها: تهيا لى زادا وراحلتين، وأعلم عامربن فهيرة أمرنا - وكان من موالى أبى بكر وقد كان أسلم - قل له: ائتنا بالزادود الراحلتين، فجاء ابن اريقط إلى على وأخبره بذلك فبعث على بن أبي طالب عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بزاد و راحلة، وبعث ابن فهيرة بزاد وراحلتين.



وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الغار وأخذبه ابن اريقط على طريق نخلة بنى الجبال فلم يرجعوا إلى الطريق الابقديد.



[57]



فان قلت: إن تلك غيبة بعد ظهوره وبعد أن قام على فراشه من يقوم مقامه، قلت له: لسنا نحتج عليك في حال ظهوره ولا استخلافه لمن يقوم مقامه من هذا في قبيل ولا دبير(1) وإنما نقول لك: أليس تثبت حجته في نفسه في حال غيبته على من لم يعلم بمكانه لعلة من العلل فلابد من أن تقول: نعم، قلنا، ونثبت حجة الامام وإن كان غائبا لعله اخرى وإلا فما الفرق؟ ثم نقول: وهذا أيضا لم يغب حتى ملا آباؤه عليهم السلام آذان شيعتم بأن غيبته تكون وعرفوهم كيف يعلمون عند غيبته.



فان قلت في ولادته، فهذا موسى عليه السلام مع شدة طلب فرعون إياه ومافعل بالنساء والاولاد لمكانه حتى أذن الله في ظهوره، وقد قال الرضا عليه السلام في وصفه: " بأبى و امي شبيهي وسمى جدي وشبيه موسى بن عمران.



وحجة اخرى نقول لك: يا إبا الحسن أتقرأن الشيعة قدروت في الغيبة أخبارا؟ فان قال: لا، أوجدناه الاخبار، إن قال: نعم، قلنا له: فكيف تكون حالة الناس إذا غاب إمامهم فكيف تلزمهم الحجة في وقت غيبة، فان قال: يقيم من يقوم مقامه، فليس يقوم عندنا وعندكم مقام الامام إلا الامام، وإذا كان إماما قائما(2)



___________________________________



(1) القبيل ما اقبلت به إلى صدرك.



والدبير ما أدبرت به عن صدرك، ويقال: فلان مايعرف قبيلا ولادبيرا.والمراد ما أقبلت به المرأة من غزلها وماأدبرت.وهذا الكلام تعريض لابن بشار يعنى أنه لايدرى مايقول ولسنا نحتج عليه في هذا الامر.



(2) يعنى اذا كان من يقوم اماما قائما.



[58]



فلا غيبة وإن احتج بشئ آخر في تلك الغيبة فهوبعينه حجتنا في وقتنا لافرق فيه ولافصل.



ومن الدليل على فساد أمر جعفر موالاته وتزكيته فارس بن حاتم - لعنه الله(1) - وقد برئ منه أبوه، وشاع ذلك في الامصار حتى وقف عليه الاعداء فضلا عن الاولياء.



ومن الدليل على فساد أمره استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أم الحسن عليه السلام وقد أجمعت الشيعة أن آباء ه عليهم السلام أجمعوا أن الاخ لايرث مع الام.



ومن الدليل على فساد أمره قوله: إنى إمام بعد أخي محمد، فليت شعري متى تثبت إمامة أخيه وقدمات قبل أبيه حتى تثبت إمامة خليفته، ويا عجبا إذا كان محمد يستخلف ويقيم إماما بعده وأبوه حي قائم وهو الحجة والامام فمايصنع أبوه، و متى جرت هذا السنة في الائمة وأولادهم حتى نقبلها منكم، فدلونا على مايوجب إمامة محمد حتى إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته.



والحمد الله الذي جعل الحق مؤيدا والباطل مهتوكا ضعيفا زاهقا.



فأما ما حكى عن ابن أبى غانم - رحمه الله - فلم يرد الرجل بقوله عندنا يثبت إمامة جعفر، وإنما أراد أن يعلم السائل أن أهل هذه البيت لم يفنوا حتى لايوجد منهم أحدا.



وأما قوله: " وكل مطاع معبود " فهو خطأ عظيم لانا لانعرف مبعودا إلا الله ونحن نطيع رسول الله صلى الله عليه وآله ولانعبده.



وأما قوله: نختم الآن هذا الكتاب بأن نقول: إنما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الاجماع بأنه لابد من إمام قائم من أهل هذه البيت تجب به حجة الله - إلى قوله - وصح أن في ذلك البيت سراجا، ولاحاجة بنا إلى دخوله فنحن - وفقك الله - لانخالفه وأنه لابد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله وإنما



___________________________________



(1) هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزوينى نزيل العسكر من اصحاب الرضا عليه السلام غال ملعون أهدر أبوالحسن العسكري عليه السلام دمه وضمن لمن يقتله الجنة قتله جنيد.



راجع منهج المقال ص 257.



[59]



نخالفه في كيفية قيامه وظهوره وغيبته.



وأما ما مثل به من البيت والسراج فهو منى، وقد قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس، ولكنا نضرب مثلا على الحقيقة لانميل فيه على حضم ولانحيف فيه على ضد، بل نقصد فيه الصواب فنقول: كنا ومن خالفنا قد أجمعنا على أن فلانا مضى وله ولدان وله دار وأن الدار يتسحقها منهما من قدر على أن يحمل باحدى يديه ألف رطل وأن الدار لاتزال في يدي عقب الحامل(1) إلى يوم القيامة، ونعلم أن أحدهما يحمل والآخر يعجز، ثم احتجنا أن نعلم من الحامل منهما فقصدنا مكانهما لمعرفة ذلك فعاق عنهما عائق منع عن مشاهدتهما غير أنا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنهم رأوا أن الاكبر منهما قد حمل ذلك، و وجونا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أن الاصغر منهما فعل ذلك، ولم نجد لهذه الجماعة خاصة يأتوا بها، فلم يجز في حكم النظر وحفيظة الانصاف وماجرت به العادة وصحت به التجربة رد شهادة تلك الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة و التهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أولئك.



فان قال خصومنا: فما تقولون في شهادة سلمان وأبى ذر وعمار والمقداد لامير المؤمنين عليه السلام، وشهادة تلك الجماعات وأولئك الخلق لغيره أيهما كان أصوب؟ قلنا لهم: لامير المؤمنين عليه السلام وأصحابه امور خص بها وخصوابها دون من بازائهم، فان أوجدتمونا مثل ذلك أوما يقاربه لكم فأنتم المحقون: أولها أن أعداء ه كانوا يقرون بفضله وطهارته وعلمه، وقد روينا ورووا له معنا أنه صلى الله عليه وآله خبر " أن الله يوالى من يواليه ويعادي من يعاديه " فوجب لهذا أن يتبع دون غيره، والثاني أن أعداء ه لم يقولوا له: نحن نشهد أن النبي صلى الله عليه وآله أشار إلى فلان بالامامة ونصبه حجة للخلق وإنما نصبوه لهم على جهة الاختيار كماقد بلغك، والثالث أن أعداء ه كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنه لايكذب لقوله صلى الله عليه وآله: " ما



___________________________________



(1) يعنى اولاده وأحفاده.



[60]



أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبي ذر " فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم، والرابع أن أعداء ه قد نقلواما نقله أولياؤه مماتجب به الحجة وذهبوا عنه بفساد التأويل، والخامس أن أعداء ه رووا في الحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة، ورووا أيضا أنه صلى الله عليه وآله قال: " من كذب على متعمدا فليتبوا مقعده من النار " فلما شهدا لابيهما بذلك وصح أنهما من أهل الجنة بشهادة الرسول وجب تصديقهما لانهما لو كذبا في هذا لم يكونا من أهل الجنة وكانامن أهل النار وحاشالهما الزكيين الطيبين الصادقين، فليوجدنا أصحاب جعفر خاصة هي لهم دون خصومهم حتى يقبل ذلك، وإلا فلا معنى لترك خبر متواتر لاتهمة في نقله ولا على ناقليه وقبول خبر لايؤمن على ناقليه تهمة التواطؤ عليه، ولا خاصة معهم يثبتون بها ولن يفعل ذلك إلا تائه حيران.



فتأمل - أسعدك الله - في النظر فيما كتبت به إليك مماينظر به الناظر لدينه، المفكر في معاده المتأهل بعين الخيفة والحذار إلى عواقب الكفر والجحود موفقا إن شاء الله تعالى أطال الله بقاء ك وأعزك وأيدك وثبتك و جعلك من أهل الحق وهداك له وأعاذك من أن تكون من الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.



ومن الذين يستزلهم الشيطان بخدعه و غروره وإملائه وتسويله وأجرى لك أجمل ما عودك.



وكتب بعض الامامية إلى أبى جعفربن قبة كتابا يسأله فيه عن مسائل، فورد في جوابها أما قولك - أيدك الله - حاكيا عن المعتزلة أنها زعمت أن الامامية تزعم أن النص على الامام واجب في العقل فهذا يحتمل أمرين إن كانوا يريدون أنه واجب في العقل قبل مجئ الرسل عليهم السلام وشرع الشرايع فهذا خطأ وإن أرادوا أن العقول دلت على أنه لابد من إمام بعد الانبياء عليهم السلام، فقد علموا ذلك بالادلة القطعية وعلموه أيضا بالخبر الذى ينقلونه عمن يقولون بامامته.



وأما قول المعتزلة: إنا علمنا يقينا أن الحسن بن على عليهما السلام مضى ولم ينص فقد ادعوا دعوي يخالفون فيها وهم محتاجون إلى أن يدلوا عنى صحتها وبأي شئ ينفصلون ممن زعم من مخالفيهم أنهم قد علموا من ذلك ضد ما ادعوا أنهم علموه.



[61]



ومن الدليل على أن الحسن بن على عليهما السلام قد نص ثبات إمامته، وصحة النص من النبى صلى الله عليه وآله، وفساد الاختيار، ونقل الشيع عمن قد أوجبوا بالادلة تصديقه أن الامام لايمضى أو ينص على إمام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله إذكان الناس محتاجين في كل عصر إلى من يكون خبره لايختلف ولايتكاذب كما اختلفت أخبار الامة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت وأن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته ولايد فوق يده ولايسهو ولايغلط وأن يكون عالما ليعلم الناس ماجهلوا، وعادلا ليحكم بالحق، ومن هذا حكمه فلابد من أن ينص عليه علام الغيوب على لسان من يؤدي ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته مايدل على عصمته.



فأن قالت المعتزلة: هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلوا على صحتها، قلنا: أجل لابد من الدلائل على صحة ما ادعيناه من ذلك وأنتم، فإنما سألتم فرع والفرع لايدل عليه دون أن يدل على صحة أصله، ولائلنا في كتبنا موجودة على صحة هذه الاصول ونظير ذلك أن سائلا لو سألنا الدليل على صحة الشرايع لاحتجنا أن ندل على صحة الخبر وعلى صحة نبؤة النبي صلى الله عليه وآله وعلى أنه أمر بها، وقبل ذلك أن الله عزوجل واحد حكيم، وذلك بعد فراغنا من الدليل على أن العالم محدث، و هذا نظير ماسألونا عنه، وقد تأملت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكا وهو أنهم قالوا: لو كان الحسن بن علي عليهما السلام قد نص على من تدعون إمامته لسقطت الغيبة.



والجواب في ذلك أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الانسان إلى بلد يكون معروفا فيه ومشاهدا لاهله، ويكون غائبا عن بلد آخر، وكذلك قد يكون الانسان غائبا عن قوم دون قوم، وأعدائه لاعن أوليائه فيقال: إنه غائب وإنه مستتر، و إنما قيل غائب لغيبة عن أعدائه وعمن لايوثق بكتمانه من أوليائه وأنه ليس مثل آبائه عليهم السلام ظآهرا للخاصة والعامة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في همهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم، ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه عليهم ا لسلام وإن خالفهم مخالفوهم فيها وكما تجب بنقل المسلمين صحة آيات النبي صلى الله عليه وآله سوى القرآن وإن خالفهم



[62]



أعدائهم من أهل الكتاب والمجوس والزنادقة والدهرية في كونها.



ولبست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأملك.



وأما قولهم(1) إذا ظهر فكيف يعلم أنه محمدبن الحسن بن علي عليهم السلام؟ فالجواب في ذلك أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم.



وجواب آخر وهو أنه قد يجوز أن يظهر معجزا يدل على ذلك.



وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن كان الاول صحيحا.



وأما قول المعتزلة: فكيف لم يحتج عليهم على بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشور ى؟ فإنا نقول: إن الانبياء والحجج عليهم السلام إنما يظهرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله عزوجل به مما يعلم الله أنه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجة عليهم بقول النبي صلى الله عليه وآله فيه ونصه عليه فقد استغنى بذلك عن إقامة المعجزات اللهم إلا أن يقول قائل: إن إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت، فنقول له: وماالدليل على صحة ذلك؟ وماينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح وأن يكون الله عزوجل لو أظهر معجزا على يديه في ذلك الوقت لكفر واأكثر من كفرهم ذلك الوقت ولا دعوا عليه السحر والمخرقة وإذا كان هذا جائزا لم يعلم أن إقامة المعجز كانت أصلح.



فإن قالت المعتزلة: فبأي شئ تعلمون أن إقامة(2) من تدعون إمامته المعجز على أنه ابن الحسن بن على عليهما السلام إصلح؟ قلنا لهم: لسنا نعلم أنه لابد من إقامة المعجز في تلك الحال وإنما نجوز ذلك، اللهم إلاأن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لابد منه لاثبات الحجة وإذا كان لابد منه كان واجبا وماكان واجبا كان صلاحا لافسادا، وقد علمنا أن الانبياء عليهم السلام قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كل يوم ووقت ولحظة وطرفة وعندكل محتج عليهم ممن أراد الاسلام، بل في



___________________________________



(1) أي قول المعتزلة.



(2) في بعض النسخ " ان أقام ".



[63]



وقت دون على حسب مايعلم الله عزوجل من الصلاح.



وقد حكى الله عزوجل عن المشر كين أنهم سألوا نبيه صلى الله عليه وآله أن يرقى في السماء وأن يسقط السماء عليهم كسفا أو ينزل عليهم كتابا يقرؤونه وغير ذلك مما في الآية، فما فعل ذلك بهم، وسألوه أن يحيى لهم قصى بن كلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن كان عليه السلام قد أقام لهم غيرذلك من المعجزات، وكذا حكم ماسألت المعتزلة عنه، ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج وأبين الادلة من تكرر المعجزات والاستظهار بكثرة الدلالات.



وأما قول المعتزلة: إنه احتج بما يحتمل التأويل، فيقال: فما احتج عندنا على أهل الشوري إلا بماعرفوا من نص النبي صلى الله عليه وآله لان اولئك الروساء لم يكونوا جهالا بالامر وليس حكمهم حكم غير هم من الاتباع، ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عزوجل بأضعاف من بعث من الانبياء؟ ولم لم يبعث في كل قرية نبيا وفي كل عصر ودهر نبيا أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة؟ ولم لم يبين معانى القرآن حتى لايشك فيه شاك ولم تركه محتملا للتأويل؟ وهذه المسائل تضطر هم إلى جوابنا.



إلى ههنا كلام أبي جعفر بن قبة - رحمه الله -.



كلام لاحد المشايخ في الرد على الزيدية: وقال غير من متكلمى مشايخ الامامية: إن عامة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل ويجب عليهم أن يعلموا أن القول بغيبة صاحب الزمان عليه السلام مبني على القول بإمامة آبائه عليهم السلام، والقول بأمامة آبائه عليهم السلام مبني على القول بتصديق محمد صلى الله عليه وآله وإمامته، وذلك أن هذا باب شرعى وليس بعقلى محض والكلام في الشرعيات مبنى على الكتاب والسنة كماقال الله عزوجل: " فإن تنازعتم في شئ(يعنى في الشرعيات) فردوه إلى الله وإلى الرسول "(1) فمتى شهدلنا الكتاب والسنة وحجة العقل فقولنا هو المجتبى، ونقول: إن جميع طبقات الزيدية و



___________________________________



(1) النساء: 59.



[64]



الامامية قد اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وآله: " إنى تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " وتلقوا هذا الحديث بالقبول فوجب أن الكتاب لايزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عزوجل كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخبر عن المراد ولايكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطا ولا استخراجا كمالم تكن معرفة الرسول صلى الله عليه وآله بذلك استخراجا ولا استنباطا ولا استدلالا ولا على ماتجوز عليه اللغة وتجرى عليه المخاطبة، بل يخبر عن مراد الله ويبين عن الله بيانا تقوم بقوله الحجة على الناس، كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرسول صلى الله عليه وآله بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة، قال الله عزوجل في صفة رسول الله صلى الله عليه وآله: " قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني "(1) فأتباعه من أهله وذريته وعترته هم ا لذين يخبرون عن الله عزوجل مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة، ومتى لم يكن المخبر عن الله عزوجل مراده ظاهرا مكشوفا فانه يجب علينا أن نعتقد أن الكتاب لايخلو من مقرون به من عترة الرسول صلى الله عليه وآله يعرف التأويل والتنزيل إذا الحديث يوجب ذلك.



وقال علماء الامامية: قال الله عزوجل: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض "(2) فوجب بعموم هذا الآية أن لايزال في آل إبراهيم مصطفى وذلك أن الله عزوجل جنس الناس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم وهم الانبياء والرسل والخلفاء عليهم السلام وجنسا امروا باتباعهم، فمادام في الارض من به حاجة إلى مدبر وسائس ومعلم ومقوم يجب أن يكون بازائهم مصطفى من آل إبراهيم ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عزوجل " ذرية بعضها من بعض " وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم المصطفون من آل إبراهيم فوجب



___________________________________



(1) يوسف: 108.



(2) آل عمران: 33.



[65]



أن يكون المصطفى بعد الحسين عليه السلام منه لقوله عزوجل " ذرية بعضها من بعض " ومتى لم تكن الذرية منه لاتكون الذرية بعضها من بعض إلا أن تكون في بطن دون جميعهم وكانت الامامة قد انتقلت عن ا لحسن إلى أخيه الحسين عليهما السلام وجب أن يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه وذلك معنى قوله تعالى " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم "، فدلت الآية على ما دلت السنة عليه.



استدلال على وجودامام غائب من العترة يظهر ويملا الارض عدلا: وقال بعض علماء الامامية: كان الواجب علينا وعلى كل عاقل يؤمن بالله و برسوله وبالقرآن وبجميع الانبياء الذين تقدم كونها كون نبيا محمد صلى الله عليه وآله أن يتأمل حال الامم الماضية والقرون الخالية فاذا تأملنا وجدنا حال الرسل والامم المتقدمة شبيهة بحال أمتنا وذلك أن قوة كل دين كانت في زمن أنبيائهم عليهم السلام إنما كانت متى قبلت الامم الرسل فكثر أتباع الرسول في عصره ودهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أن قوى أمر الرسول من هذه الامة لان الرسل الذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمد صلى الله عليه وآله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام هم الرسل الذين في يد الامم آثارهم وأخبارهم، ووجدنا حال تلك الامم اعترض في دينهم الوهن في المتمسكين به لتركهم كثيرا مما كان يجب عليهم محافظته في أيام رسلهم وبعد مضى رسلهم وكذلك مال قال الله عزو جل: " قد جاء كم رسولنا يبين لكم كثيرا مماكنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير "(1)وبذلك وصف الله عزوجل أمر تلك القرون فقال عزوجل: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا "(2) وقال الله عزو جل لهذه الامة: " ولايكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم "(3)



___________________________________



(1) المائدة: 18.



(2) مريم: 59.



(3) الحديد: 16.



[66]



وفي الاثر " أنه يأتي على الناس زمان لايبقى فيهم من الاسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه " وقال النبي صلى الله عليه وآله " " إن السلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء " فكان الله عزوجل يبعث في كل وقت رسولا يجدد لتلك الامم ما انمحى من رسوم الدين واجتمعت الامة إلا من لايلتفت إلى اختلافه، ودلت الدلائل العقلية أن الله عزوجل قد ختم الانبياء بمحمد صلى الله عليه وآله فلانبي بعده، ووجدنا أمر هذه الامة في استعلاء الباطل على الحق والضلال على الهدى بحال زعم كثير منهم أن الدار اليوم دار كفر وليست بدار الاسلام، ثم لم يجر على شئ من اصول شرايع الاسلام ماجرى في باب الامامة، لان هذه الامة يقولون: لم يقم(لهم) بالامامة منذ قتل الحسين عليه السلام إمام عادل لامن نبي بنى امية ولامن ولد عباس الذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق، ونحن والزيدية وعامة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون: إن الامام لايكون إلا من ظاهره ظاهر العدالة، فالامة في يد الجائرين يلعبون بهم و يحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله، وظهرأهل الفساد على أهل الحق و عدم اجتماع الكلمة، ثم وجدنا طبقات الامة كلهم يكفر بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض.



ثم تأملنا أخبار الرسول صلى الله عليه وآله فوجدناها قد وردت بأن الارض تملا قسطا وعدلا كمامئلت جورا وظلما برجل من عترته، فدلنا هذا الحديث على أن القيامة لا تقوم على هذه الامة إلا بعد ماملئت الارض عدلا، فآن هذا الدين الذى لايجوز عليه النسخ ولاالتبديل سيكون له ناصر يؤيده الله عزوجل كما أيد الانبياء و الرسل لما بعثهم لتجديد الشرايع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودة غير معدومة، وقد علمنا عامة اختلاف الامة وسبرنا أحوال الفرق، فدلنا أن الحق مع القائلين بالامة الاثنى عشر عليهم السلام دون من سواهم من قرن الامة، ودلنا ذلك على أن الامام اليوم هو الثاني عشرمنهم وأنه الذى أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله به ونص عليه.



وسنورد في هذا الكتاب ماروى عن النبي صلى الله عليه وآله في عد د الائمة عليهم السلام وأنهم اثنا عشر والنص على القائم الثاني عشر،



[67]



والاخبار بغيبة قبل ظهوره وقيامه بالسيف إن شاء الله تعالى.



اعتراضات للزيدية: قال بعض الزيدية: إن الرواية التى دلت على أن الائمة اثناعشر قول أحدثه الامامية قريبا وولدوا فيه أحاديث كاذبة.



فنقول - وبالله التوفيق -: إن الاخبار في هذا الباب كثيرة والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا مستفيضا من حديث عبدالله ابن مسعود ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان المعروف بأبي على بن عبد ربه الرازى وهو شيخ كبير لاصحاب الحديث قال: حدثنا أبويزيد محمدبن يحيى بن خلف بن يزيد المروزى بالري في شهر ربيع الاول سنة اثنين وثلاثمائة، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلى في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف باسحاق بن راهويه، عن يحيى بن يحيى(1)، عن هشام، عن مجالد(1) عن الشعبي، عن مسروق قال: بينا نحن عند عبدالله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شاب: هل عهد إليكم نبيكم صلى الله عليه وآله كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنك لحدث السن وإن هذا شئ ما سألني عنه أحد(من) قبلك، نعم



___________________________________



(1) هويحيى بن يحيى بن بكربن عبدالرحمن التميمى الحنظلى أبوزكريا النيسابورى ثقة.



وأما اسحاق بن راهويه فهو ابويعقوب الحنظلى المروزى المحدث الفقيه، قال ابن حنبل: اسحاق عندنا امام من أئمة المسلمين وما عبر جسر أفضل مننه(راجع تهذيب التهذيب ج 11 ص 296 وج 1 ص 216).



(2) في بعض النسخ " هشام بن خالد " وفى أكثرها " هشام بن مجالد " وفى مسند أحمد ج 1 ص 398 هذا الحديث بعينه " عن مادبن زيد، عن المجالد، عن الشبعى: وعليه فالمراد هشام بن سنبر الدستوائي الذى يأتى، يروى عن مجالد بن سعيد بن عمير أبى عمرو وهو كما قال ابن حجر ليس بالقوى.



وفى كفاية الاثر أيضا " عن هشام الدستوائي، عن مجالد بن سعيد " وهذا هو الصواب لما في طريق الشيخ في كتاب الغيبة " عن عميس بن يونس عن مجالد بن سعيد " وقلنا المراد بهشام أبوبكر البصرى واسم ابيه " سنبر " وهوثقة ثبت.



وفى الخصال " هيثم بن خالد " وهو تصحيف.



وأما الشعبى فهو عامربن شراحيل أبوعمرو، ثقة مشهور فقيه فاضل كما في التقريب.



وأما مسروق فهومسروق بن الاجدع بن مالك الهمداني الوادعي ثقة فقيه عابد.



[68]



عهد إلينا نبينا صلى الله عليه واله أنه يكون من بعد اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني اسرائيل.



وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النص على الائمة الاثنى عشر عليهم السلام بالامامة.



ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا ظاهرا مستفيضا من حديث جابربن سمره ماحدثنا به أحمد بن محمدبن إسحاق الدينورى، و كان من أصحاب الحديث قال: حدثنى أبوبكر بن أبي داود(1)، عن إسحاق بن إبراهيم ابن شاذان، عن الوليد بن هشام، عن محمدبن ذكوان(2) قال: حدثنى أبي، عن أبيه، عن ابن سيرين، عن جابربن سمرة السوائى قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: يلي هذه الامة اثنا عشر، قال: فصرخ الناس فلم أسمع ماقال: فقلت لابي - وكان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منى: ماقال: رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال: قال: كلهم من قريش وكلهم لايرى مثله.



وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضا، وبعضهم روى " اثنا عشر أميرا "، وبعضهم روى " اثنا عشر خليفة " فدل ذلك على أن الاخبار التى في يد الامامية، عن النبي صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام بذكر الائمة الاثنى عشر أخبار صحيحة(3).



قالت الزيدية: فان كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد عرف امته أسماء الائمة الاثنى عشر فلم ذهبوا عنه يمينا وشمالا وخبطوا هذا الخبط العظيم؟ فقلنا لهم: إنكم تقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف عليا عليه السلام وجعله الامام بعده ونص عليه وأشار إليه وبين أمره وشهره، فما بال أكثر الامة ذهبت عنه و



___________________________________



(1) في الخصال " ابوبكر بن أبى زواد " ولم أظفر به.



(2) في بعض النسخ من الخصال " مخول بن ذكوان " ولم أجده.



(3) روى أحمد في مسنده هذا الحديث ونحوه من أربع وثلاثين طريقا عن جابر بن سمرة راجع المسند ج 5 ص 87 إلى ص 108.



ورواه الخطيب أيضا في التاريخ ج 14 ص 353 من حديث جابربن سمرة ونحوه في ج 6 ص 326 من حديث عبدالله بن عمرو وأخرجه مسلم في صحيحة كتاب الامارد بطرق عديدة من حديث جابر.



[69]



تباعدت منه حتى خرج من المدينة إلى ينبع(1) وجرى عليه ماجرى، فان قلتم: إن عليا عليه السلام لم يستخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم أودعتم كتبكم ذلك وتكلمتم عليه، فان الناس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحا، وعن البيان وإن كان مشروحا كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد، ومن قوله عزوجل: " ليس كمثله شئ " إلى التشبيه.



___________________________________



(1) في بعض النسخ " البقيع ".