رد اشكال:
رد اشكال:
فكان من الزيادة لخصومنا أن قالوا: ما أنكر تم إذ قد ثبت لكم ما ادعيتم من الغيبة كغيبة موسى عليه السلام ومن حل محله من الائمة(1) الذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجة موسى لم تلزم أحدا إلا من بعد أن أظهر دعوته ودل على نفسه وكذلك لاتلزم حجة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتى يظهر دعوته ويدل على نفسه(كذلك) فحينئذ تلزم حجة وتجب طاعته، ومابقى في الغيبة فلا تلزم حجته، ولا تجب طاعته.
فأقول - وبالله أستعين إن خصومنا غفلوا عما يلزم من حجة حجج الله في ظهورهم واستتار هم وقد ألزمهم الله تعالى الحجة البالغة في كتابه ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبطهم ولكنهم كما قال الله عزوجل: " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها "(2) إن الله عزو جل قد أخبرنا في قصه موسى عليه السلام أنه كان له شيعة...
___________________________________
(1) في بعض النسخ " من الانبياء ".
(2) سوره محمد صلى الله عليه وآله: 24.
[29]
وهم بأمره عارفون وبولايته متمسكون ولد عوته منتظرون قبل إظهار دعوته، ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول: " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه "(1) وقال عزو جل حكاية عن شيعة: " قالوا اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا - الآية "(2) فأعلمنا الله عزو جل في كتابه أنه قدكان لموسى عليه السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوه، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة ولم يكونوا يعرفون أن ذلك الشخص هو موسى بعينه، وذلك أن نبوة موسى إنما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التى رعى فيها لشعيب حتى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعيب، وكذلك وجدنا مثل نبيبا محمد صلى الله عليه وآله وقد عرف اقوام أمره قبل ولادته وبعد ولادته، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوه، ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسى رحمه الله -، ومثل قس بن ساعدة الايادي، ومثل تبع الملك، ومثل عبدالمطلب، وأبى طالب، ومثل سيف بن عذي - يزن، ومثل بحيرى الراهب، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام، ومثل أبي مويهب الراهب، ومثل سطيح الكاهن، ومثل يوسف اليهودي، ومثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام، ومثل زيدبن عمرو بن نفيل، ومثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبى صلى الله عليه وآله بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده، والاخبار في ذلك موجودة عند الخاص والعام، وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها، فليس من حجة الله عزو جل نبى ولا وصى إلا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتى لم يشتبه عليهم شئ من أمر حجج الله عزو جل في ظهورهم في كل عصر وزمان حتى لم يشتبه عليهم شي من أمر حجج الله عزوجل في ظهورهم وحين استتارهم، وأغفل ذلك أهل الجحود والضلال والكنود فلم يكن عندهم(علم) شئ من أمرهم، وكذلك سبيل صاحب زماننا عليه السلام حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل...
___________________________________
(1) القصص: 15.
(2) الاعراف: 129.
[30]
المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيامه(1) وكونه ووقت ولادته ونسبه، فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده، وأغفل ذلك أهل الجحود و الانكار والعنود، وفي صاحب زماننا عليه السلام قال الله عزوجل: يوم يأتي بعض آيات ربك لاينفع نفسا أيمانها لم تكن آمنت من قبل "(2) وسئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال: الآيات هم الائمة، والآية المنتظرة هو القائم المهدي عليه السلام فاذا قام لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه عليهم السلام ".
حدثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني - رضى الله عنه - قال: حدثنا على بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمدبن أبي عمير، والحسن بن محبوب، عن على ابن رئاب وغيره، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام.
وتصديق ذلك(أن الآيات هم الحجج) من كتاب الله عزو وجل قول الله تعالى: " وجعلنا ابن مريم وامه آية "(3) يعنى حجة، وقوله عزو جل لعزير(4) حين أحياه الله من بعد أن أماته مائة سنة " فانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس"(5) يعنى حجة فجعله عزو جل حجة على الخلق وسماه آية.
وإن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أولهم عمربن الخطاب فانه قال لما قبض النبي صلى الله عليه وآله: والله مامات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عليه السلام عن قومه وإنه سيظهر لكم بعد غيبته.
حدثنا أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العد ل قال: حدثنا أبوجعفر محمدبن العباس ابن بسام قال: حدثنا أبوجعفر محمدبن يزداد قال: حدثنا نصربن سيار بن داود....
___________________________________
(1) في بعض النسخ " وشواهد آياته ".
(2) الانعام: 158.
(3) المؤمنون: 50.
(4) في بعض النسخ " لارميا ".
(5) البقرة: 259.
[31]
الاشعرى قال: حدثنا محمدبن عبد ربه(1)، وعبدالله بن خالد السلولى أنهما قالا: حدثنا أبومعشر نجيح المدنى قال: حدثنا محمد بن قيس، ومحمدبن كعب القرظي، و عمارة بن غزية، وسعيد بن أبي سعيد المقبري(2)، وعبدالله بن أبي مليكة وغيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقبل عمربن الخطاب يقول: والله مامات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عن قومه وإنه سيظهر بعد غيبته فمازال يردد هذا القول ويكرره حتى ظن الناس أن عقله قد ذهب، فأتاه أبوبكر وقد اجتمع الناس عليه يتعجبون من قوله فقال: اربع على نفسك ياعمر(3) من يمينك التى تحلف بها، فقد أخبرنا الله عزوجل في كتابه فقال: يا محمد " إنك ميت وإنهم ميتون(4) " فقال عمر: وإن هذه الآية لفى كتاب الله يا أبابكر؟ فقال: نعم أشهد بالله لقد ذاق محمد....
___________________________________
(1) محمدبن يزداد الرازى قال أبوالنضر العياشى: لابأس به.
ونصربن سيار لم أجد من ذكره وليس هو بنصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام بن عبدالملك، و محمدبن عبدربه الانصاري اجاز التلعكبرى جميع حديثه وكان يروى عن سعدبن عبدالله و عبدالله بن جعفر الحميرى ونظرائهما كما في منهج المقال.
وأما عبدالله بن خالد فلم أعرفه.
(2) أبومعشر نجيح بن عبدالرحمن السندى بكسر المهملة وسكون نون - المدنى مولى بنى هاشم مشهور بكنيته وليس بقوى في الحديث، ومحمد بن قيس شيخه ضعيف كما في التقريب وأما محمد بن كعب القرظى فثقة عالم ولدسنة أربعين على الصحيح ومات سنة 120 وقيل قبل ذلك.
وأماعمارة بن غزية المدنى فوثقة أحمد وأبوزرعة وقال يحيى بن معين: صالح وقال أبوحاتم: ما بحديثه بأس، وكان صدوقا.
وأما سعيدبن أبى سعيد فاسمه كيسان المقبري أبوسعد المدنى، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها فوثقة صدوق كما في التهذيب.
واما عبدالله بن أبى مليكة فهو عبدالله بن عبيدالله وأبوملكية بالتصغير ثقة فقيه.
(3) أى ارفق بنفسك وكف عن هذا القول واليمين.
(4) الزمر: 30.
[32]
الموت، ولم يكن عمر جمع القرآن(1).
الكيسانية: ثم غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه - حتى أن السيد بن محمد الحميرى رضى الله عنه(2) اعتقد ذلك وقال فيه:
ألا إن الائمة من قريش*** ولاة الامر أربعة سواء
على والثلاثة من بنيه*** هم أسباطنا والاوصياء(3)
فسبط سبط إيمان وبر***وسبط قد حوته كربلاء(4)
وسبط لايذوق الموت حتى*** يقود الجيش يقدمه اللواء(5)
يغيب فلايرى عنا زمانا(6) *** برضوى عنده عسل وماء
وقال فيه السيد - رحمه الله عليه - أيضا:
أيا شعب رضوى مالمن بك لايرى*** فحتى متى يخفى وأنت قريب
فلو غاب عنا عمر نوح لايقنت*** منا النفوس بأنه سيؤوب(7)
___________________________________
(1) أى لم يقرء أو يحفظ جميع القرآن.
(2) هو اسماعيل بن محمد الحميري، سيد الشعراء.
كان يقول أولا بامامة محمدبن الحنفية ثم رجع إلى الحق، وأمره في الجلالة والمجد ظاهر لمن تتبع كتب التراجم.
قيل: توفى ببغداد سنة 179 فبعثت الاكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفنا له، فكنفه الرشيد من ماله ورد الاكفان إلى أهلها.
(3) في " الفرق بين الفرق " لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الاسفر ايينى " هم الاسباط ليس بهم خفاء " وكذا في الملل والنحل للشهرستانى.
(4) في الفرق " وسبط غيبته كربلاء ".
وكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين.
(5) في الفرق والملل " يقود الخيل يقدمها اللواء ".
(6) في الفرق " تغيب لايرى فيهم زمانا ".
(7) هذا المصراع في بعض النسخ هكذا " نفوس البرايا أنه سيؤوب ".
[33]
وقال فيه السيد أيضا:
ألاحى المقيم بشعب رضوى***واهد له بمنزله السلاما
وقل: ياابن الوصى فدتك نفسى***أطلت بذلك الجبل المقاما
فمر بمعشر والوك منا***وسموك الخليفة والاماما
فماذاق ابن خولة طعم موت***ولاوارت له أرض عظاما
فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقى الصادق جعفربن محمد عليهما السلام ورأي منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة، فذكر له أنها حق ولكنها تقع في الثاني عشر من الائمة عليهم السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفية وأن أباه شاهد دفنه، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتضاحه له، ودان بالامامة.
حدثنا عبدالواحد بن محمد العطار النيسابوري - رضى الله عنه - قال: حدثنا على بن محمد قتيبة النيسابورى، عن حمدان بن سليمان، عن محمدبن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال: سمعت السيد بن محمد الحميرى يقول: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمدبن على - ابن الحنفية - قد ضللت في ذلك زمانا، فمن الله على بالصادق جعفربن - محمد عليهما السلام وأنقذنى به من النار، وهدانى إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندى بالدلائل التى شاهدتها منه أنه حجة الله على وعلى جميع أهل زمانه وأنه الامام الذي فرض الله طاعته وأ وجب الاقتداء به، فقلت له،: ياابن رسول اللهقد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرنى بمن تقع؟ فقال عليه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الائمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين على بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الارض و صاحب الزمان، والله لوبقى في غيبته مابقى نوح في قومه(1) لم يخرج من الدنياو حتى يظهر فيملا لاأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
قال السيد: فلما.
___________________________________
(1) في بعض النسخ " في الارض ".
[34]
سمعت ذلك من مولاى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه، وقلت قصيدتى التى أولها:
فلما رأيت الناس في الدين قد غووا*** تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا(1)
وناديت باسم الله والله*** اكبر وأيقنت أن يعفوويغفر
ودنت بدين الله ماكنت دينا(2) *** به ونهانى سيد الناس جعفر
فقلت:
فهبنى قد تهودت برهة***وإلا فدينى دين من يتنصر
وإنى إلى الرحمن من ذاك تائب***إنى قد أسلمت والله أكبر
فست بغال ما حييت وراجع*** إلى ما عليه كنت اخفى واظهر
ولا قائل حى برضوى محمد*** وإن عاب جهال مقالى وأكثروا
ولكنه منم مضى لسبيله***على أفضل الحالات يقفى ويخبر
مع الطيبين الطاهرين الاولى لهم*** من المصطفى فرع زكى وعنصر
إلى آخر القصيدة،(وهي طويلة) وقلت بعد ذلك قصيدة اخرى:
أيا راكبا نحو المدينة جسرة*** عذافرة يطوى بها كل سبسب(3)
إذا ماهداك الله عاينت جعفرا*** فقل لولى الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه***أتوب إلى الرحن ثم تأوبى
إليك من الامر الذي كنت مطنبا(4) *** أحارب فيه جاهدا كل معرب
وماكان قول في ابن خولة مطنبا*** معاندة منى لنسل المطب
ولكن روينا عن وصى محمد*** وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولى الامر يفقد لايرى*** ستيرا(5) كفعل الخائف المترقب
___________________________________
(1) في بعض النسخ " باسم الله والله اكبر ".
(2) في بعض النسخ " ودنت بدين غير ماكنت دينا ".
(3) الجسرة: البعير الذي أعيا وغلظ من السير.
والعذافرة: العظمة الشديدة من الابل.
والناقة الصلبة القوية.
والسبب: المفازة، أو الارض المستوية البعيدة.
(4) في بعض النسخ " كنت مبطنا ".
(5) في بعض النسخ " سنين ".
وفى بعضها " كمثل الخائف ".
[35]
فتقسم أموال الفقيد كأنما*** تغيبه بين الصفيح المنصب(1)
فيمكث حينا ثم ينبع نبعة*** كنبعة جدي من الافق كوكب(2)
يسير بنصر الله من بيت ربه*** على سودد منه وأمر مسبب(3)
يسير إلى أعدائه بلوائه*** فيقتلم قتلا كحران مغضب(4)
فلما روى أن ابن خولة غائب*** صرفنا إليه قولنا لم نكذب
وقلنا هو المهدي والقائم الذي*** يعيش به من عدله كل مجدب
فان قلت لافالحق قولك والذى*** أمرت(5) فحتم غير ما متعصب
واشهد ربى أن قولك حجة***على الناس طرا من مطيع ومذنب
بأن ولى الامر والقائم الذى*** تطلع نفسى نحوه بتطرب
له غيبة لابد من أن يغيبها*** فصلى علهى الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه(6) *** فيملك من في شرقها والمغرب(7)
بذاك أدين الله سرا وجهرة***ولست وإن عوتبت فيه بمعتب(8)
وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية، ومتى صح موت.
___________________________________
(1) الصفيح: من أسماء السماء، ووجه كل شئ عريض.والمنصب المرتفع.
ولعل المراد بالصفيح هنا موضع بين حنين وأنصاب الحرم.كما يظهر من بعض اللغات.
(2) كذا وفى بعض نسخ الحديث:
" فيمكث حينا ثم يشرق شخصه*** مضيئا بنور العدل اشراق كوكب "
وهكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين.وليس هذا البيت في ارشاد المفيد ولا كشف الغمة للاربلى.
(3) في بعض النسخ " وأمر مسيب ".
(4) فرس حرون: الذى لاينقاد والاسم الحران.
(5) في الارشاد وكشف الغمة " تقول فحتم ".
(6) في الارشاد " يظهر أمره " ولعله هو الصواب.
(7) في اعلام الورى " فيملاء عدلا كل شرق ومغرب ".
(8) بمعتب " خبر ليست.
يعنى عتابهم اياى ليس بموقع.
[36]
محمدبن على ابن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التى رويت في الاخبار واقعة به.
فمما روى في وفاة محمد بن الحنفية رضى الله عنه(1) ماحدثنا به محمد بن عصام - رضى الله عنه - قال: حدثنا محمدبن يعقوب الكلينى قال: حدثنا القاسم بن العلاء قال: حدثني إسماعيل بن علي القزوينى قال: حدثنى على بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار(2) قال: دخل حيان السراج على الصادق جعفربن محمد عليهما السلام فقال له: يا حيان مايقول أصحابك في محمدبن الحنفية؟ قال: يقولون: إنه حى يرزق، فقال الصادق عليه السلام: حدثنى يأبى عليه السلام أنه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نسائه وقسم ميراثه، فقال: يا أبا عبدالله إنما مثل محمدبن الحنفية في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم شبه أمره للناس، فقال الصادق عليه السلام: شبه أمره على أوليائه أو على أعدائه؟ قال: بل على أعدائه فقال: أتزعم أن أبا جعفر محمد بن على الباقر عليهما السلام عدو عمه محمدبن الحنفية؟ فقا ل: لا، فقال الصادق عليه السلام: يا حيان إنكم صدفتم عن أيات الله، وقد قال الله تبار ك وتعالى: " سنجزى الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بماكانوا يصدفون "(3).
وقال الصادق عليه السلام: ما مات محمدبن الحنفية حتى أقرلعلى بن الحسين عليهما السلام.
وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة.
حدثنا أبى - رضى الله عنه - قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن محمدبن أحمد بن - يحيى: عن إبراهيم بن هاشم، عن عبدالصمد بن محمد، عن حنان بن سدير، عن أبى جعفر عليه السلام قال: دخلت على محمدبن الحنفية وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصية، فلم.
___________________________________
(1) هذا العنوان للمؤلف وموجود في جميع النسخ.
(2) هو الحسين بن المختار القلانسى الكوفى ثقة واقفى من أصحاب الكاظم عليه السلام.
ومافى بعض النسخ من " جعفر بن مختار " فهو تصحيف، وعلى بن اسماعيل الظاهر هو على بن السندى الثقة.
وأما حيان السراج فهو كيسانى متعصب.
(3) الانعام: 157.
والصدف الرجوع عن الشئ.
[37]
يجب، قال: فأمرت بطست فجعل فيه الرمل، فوضع فقلت له: خط بيدك، قال: فخط وصيته بيده في الرمل، ونسخت أنا في صحيفة.
ابطال قول الناووسية والواقفة في الغيبة ثم غلطت الناووسية بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صح وقوعها عندهم بحجة الله على عباده فاعتقدوها جهلا منهم بموضعها في الصادق بن محمد عليهما السلام حتى أبطل الله قولهم بوفاته عليه السلام وبقيام كاظم الغيظ الاواه الحليم، الامام أبى إبراهيم موسى ابن جعفر عليهما السلام بالامر مقام الصادق عليه السلام.
وكذلك ادعت الوافقية ذلك في موسى بن جعفر عليهما السلام فأبطل الله قولهم باظهار موته وموضع قبره، ثم بقيام الرضا على بن موسى عليهما السلام بالامر بعده، وظهور علامات الامامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه عليهم السلام.
فمما روى في وفاة موسى بن جعفر عليهما السلام(1) ما حدثنى به محمد بن إبراهيم بن إسحاق - رضى الله عنه - قال: حدثنا أحمدبن - محمدبن عمار، قال: حدثنى الحسن بن محمد القطعى، عن الحسن بن على النخاس العدل عن الحسن بن عبدالواحد الخزاز، عن على بن جعفر، عن عمر بن واقد قال: أرسل إلى السندى بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد فاستحضرنى فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بى، فأوصيت عيالى بما احتجت إليه وقلت: إنا لله وإنا اليه راجعون، ثم ركبت إليه، فما رآنى مقبلا قال: يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك، قلت: نعم قال: فليس ههنا إلا خير، قلت: فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبرى؟ فقال: نعم ثم قال: يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك؟ فقلت: لافقال: أتعرف موسى بن جعفر؟ فقلت: اي والله إنى لاعرفه وبينى وبينه صداقة منذ دهر، فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما ووقع في نفسى أنه عليه السلام قدمات، قال: فبعث إليهم وجاء بهم كما جاء بى، فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن -.
___________________________________
(1) العنوان من المؤلف.
[38]
جعفر؟ فسموا له قوما، فجاء بهم، فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى وقد صحبه، قال: ثم قام ودخل وصلينا، فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب أسماء نا ومنازلنا وأعمالنا وخلانا، ثم دخل إلى السندى، قال: فخرج السندي فضرب يده إلى فقال: قم يا أبا حفص، فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا وقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت، ثم قال للقوم: انظروا إليه، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد؟ قالوا: نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد، ثم قال: يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه، قال: ففعل، فقال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولانراه إلا ميتا، قال: لاتبرحوا حتى تغسلوه واكفنه وأدفنه، قال: فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل فصلى عليه السندى بن شاهك، ودفناه ورجعنا، فكان عمربن - واقد يقول: ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر عليهما السلام منى، كيف تقولون: إنه حى وأنا دفنته.
حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار - رحمه الله - قال: حدثنا على بن محمدبن - قتيبة، عن حمدان بن سليمان النيسابورى، عن الحسن بن عبدالله الصيرفى، عن أبيه قال: توفى موسى بن جعفر عليهما السلام في يد السندي بن شاهك فحلم على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه، فما اتى به مجلس الشرطة أقام أربعة نفرفنادو ألامن أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، فخرج سليمان بن - أبى جعفر(1) من قصره إلى الشط فسمع الصياح والضوضاء(2) فقال لولده وغلمانه: ماهذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش، فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربى، فاذا عبربه فأنزلوا مع غلمانكم.
___________________________________
(1) هو عم الرشيد أحد أركان الدولة العباسية.
(2) الضوضاء: الضوضاء - وزنا ومعنى - وأصوات الناس في الحرب.
[39]
فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضر بوهم واخرقوا ما عليهم من السواد، قال: فلما عبروابه نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سواد هم ووضعوه في مفرق أربع طرق(1) وأقام المنادين ينادون: ألا من أراد أن ينظر إلى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق وغسله وحنطه بحنوط وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار، مكتوبا عليها القرآن كله، واحتفى(2) ومشى في جنازته، متلسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه عليه السلام هناك، وكتب بخبره إلى الرشيد، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر: وصلت رحمك يا عم وأحسن الله جزاك، والله، ما فعل السندي بن شاهك - لعنه الله - ما فعله عن أمرنا.
حدثنا أحمدبن زياد الهمدانى - رضى الله عنه - قال: حدثنا على بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم، عن محمدبن صدقة العنبري قال: لماتوفى أبوإبراهيم موسى ابن جعفر عليهما السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبنى العباس وسائر أهل المملكة والحكام وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام فقال: هذا موسى بن جعفر قدمات حتف أنفه(3) وماكان بينى وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعنى في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليهما السلام وليس به أثر جراحه ولاسم ولاخنق، وكان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر وتولى غسله وتكفينه واحتفى وتحسر في جنازته(4).
حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور - رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري قال: حدثنى على بن رباط قال: قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام: إن عندنا رجلا يذكرأن أباك عليه السلام حى وأنك تعلم من ذلك ماتعلم؟ فقال عليه السلام: سبحان الله مات رسول الله صلى الله عليه وآله ى، ولم يمت موسى بن جعفر؟ ! بلى والله.
___________________________________
(1) يعنى الموضع الذي يتشعب منه الطرق ويقال له بالفارسية(جهار راه).
(2) أي مشى حافيا بلا نعل.
وقوله: " متسلبا " أي بلارداء ولازينة.
(3) أى مات من غيرقتل ولا ضرب، بل مات بأجله.
(4) تحسر إي تلهف أو مشى بلارداء وعمامة.
[40]
لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه.
ادعاء الواقفة الغيبة على العسكري(ع) ثم ادعت الواقفة على الحسن بن على بن محمد عليهم السلام أن الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنه القائم المهدي، فلما صحت وفاته عليه السلام بطل قولهم فيه وثبت بالاخبار الصحيحة التى قد ذكرناها في هذا الكتاب أن الغيبة واقعة بابنه عليه السلام دونه.
فمما روى في صحة وفاة الحسن بن على بن محمد العسكرى(ع)(1) ما حدثنا به أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضى الله عنهما - قالا: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا من حضر موت الحسن بن علي بن محمد العسكري عليهم السلام ودفنه ممن لايوقف على إحصاء عددهم ولايجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب.
وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضى أبى محمد الحسن ابن علي العسكرى عليهما السلام بثمانية عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيدالله بن يحيى ابن خاقان(2) وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم، وكان من أنصب خلق الله وأشد هم عداوة لهم، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسر - من رأي ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان، فقال أحمد بن عبيدالله: ما رأيت ولاعرفت بسرمن رأي رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن على الرضا عليهم السلام، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بنى هاشم، وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس فانى كنت قائما ذات يوم على رأس أبى وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له: إن ابن الرضا على الباب، فقال بصوت عال: ائذنواله(3) فدخل رجل أسمر أعين حسن القاخمة، جميل الوجه، جيد البدن
___________________________________
(1) العنوان من المؤلف.
(2) في أعلام الورى " أحمد بن عبدالله بن يحيى بن خاقان ".
(3) زاد في الكافى ج 1 ص 503 " فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلا على أبى بحضرته ولم يكن عنده الاخليفة أوولى عهد أومن أمر السلطان أن يكنى ".
[41]
حدث السن، له جلالة وهيبة، فلما نظر إليه أبى قام فمشى إليه خطى ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بنى هشام ولا بالقواد ولابأولياء العهد، فلما دنامنه عانقه وقبل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده فأجلسه على مصلاه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه، مقبلا عليه بوجهه، وجعل يكلمه ويكنيه، ويفديه بنفسه وبأبويه، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل عليه الحجاب فقالوا: الموفق قد جاء(1)، وكان الموفق إذا جاء ودخل على أبى تقدم حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين(2) إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبى مقبلا عليه(3) يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذ.
إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمد، ثم قال لغلمانه: خذوابه خلف السماطين كيلايراه الاميره - يعنى الموفق - فقام وقام أبي فعانقه وقبل وجهه و مضى، فقلت لحجاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل؟ فقالوا: هذا رجل من العلوية يقال له: الحسن بن على يعرف باابن الرضا، فازددت تعجبا، فلم أزل يومى ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبى ومارأيت منه حتى كان الليل وكانت عادته أن يصلى العتمة، ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات ومايرفعه إلى السلطان فلما صلى وجلس(4) جئنت فجلست بين يديه فقال،: يا أحمد ألك حاجة؟ فقلت: نعم يا أبة إن أذنت سألتك عنها؟ فقال: قد أذنت لك يابني فقل ما أحببت فقلت له: يا أبة من كان الرجل الذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الاجلال و الاكرام والتبجيل، وفديته بنفسك وبأبويك؟ فقال: يابني ذاك إمام الرافضة، ذاك ابن الرضا، فسكت ساعة فقال: يابني لوزالت الخلافة عن خلفاء بنى العباس ما استحقها
___________________________________
(1) الموفق هو أخو الخليفة المعتمد على الله أحمد بن المتوكل وكان صاحب جيشه.
(2) السماط: الصف من الناس، يعنى رديفين منظمين، وفى الكافي " فقاموا بين مجلس أبى وبين باب الدار سماطين إلى أن.
"(3) أي مقبلا على أبي محمد عليه السلام.
(4) في بعض النسخ " فلما نظر وجلس ".
[42]
أحد من بنى هاشم غير هذا، فان هذا يستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيرا فاضلا، فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبى مما سمعت منه فيه ولم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألت عنه أحدا من بنى هاشم ومن القواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم وكل يقول: هو إمام الرافضة، فعظم قدره عندي إذ لم أرله وليا ولاعدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه.
فقال له بعض أهل المجلس من الاشعريين: يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر؟ فقال: ومن جعفر فيسأل عن خبره(1) أو يقرن به، إن جعفرا معلن بالفسق، ماجن(2)، شريب للخمور، وأقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لستره، فدم خمار(3) قليل في نفسه، خفيف، والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي عليهما السلام ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبى أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته مبادرا إلى دارالخلافة، ثم رجع مستعجلا و معه خمسة نفر من خدام أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فمنهم نحرير(4) وأمرهم بلزوم دارالحسن بن على عليهما السلام وتعرف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه(5) وتعاهده صباحا ومساء، فلما كان بعد ذلك بيومين جاء ه من أخبره قد ضعف فركب حتى بكر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه وبعث إلى قاضى
___________________________________
(1) المراد به جعفر الكذاب.
(2) الماجن: من لم يبال بماقال وما صنع، والشريب - كسكين - المولع بالشراب.
(3) الفدم: العيبى عن الكلام في رخاوة وقلة فهم، والاحمق والمراد الثانى.
(4) كان من خواص خدم الخليفة، وكان شقيا من الاشقياء.
والنحرير: الحاذق الفطن.
(5) يعنى بالاختلاف: النردد للاطلاع على أحواله عليه السلام.
[43]
القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه، فأحضرهم فبعث بهم إلى دارالحسن عليه السلام وأمرهم بلزوم داره ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى توفى عليه السلام لايام مضت من شهر ربيع الاول من سنة ستين و مائتين، فصارت سر من رأي ضجة واحدة - مات ابن الرضا - وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها، وختم على جميع مافيها وطلبوا أثر ولده وجاؤوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه فنظرن إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل(1) فأمربها فجلعت في حجرة ووكل بهانحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم، ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطلت الاسواق وركب أبى وبنو هاشم والقواد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته عليه السلام فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة، فملا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبى عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فملا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبوعيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بنى هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين، وقال: هذا الحسن ابن علي بن محمد، ابن الرضا مات حتف أنفه(2) على فراشه حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ثم غطى وجهه وقام فصلى عليه وكبر عليه خمسا وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام.
فلما دفن وتفرق الناس اضطراب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا على قسمة ميراثه، ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التى توهموا عليها الحبل ملازمين لهاسنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين امه وأخيه جعفر وادعت امه وصيته، وثبت ذلك عند القاضي.
والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده، فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبى، وقال له: اجعل لى مرتبة
___________________________________
(1) في بعض النسخ " لهاحبل " وفى بعضها " بها حبل ".
(2) يعنى مات من غير قتل ولاضرب ولاخنق.
[44]
أبى وأخى وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار مسلمة، فزبره(1) أبى وأسمعه وقال له: يا أحمق إن السلطان - أعزه الله - جرد سيفه وسوطه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيا له صرفهم عن هذا القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة يتهيا له ذلك، فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهم ولاغير السلطان وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلهابنا، واستقله(أبى) عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه، فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبى وخرجنا والامر على تلك الحال، والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليها السلام حتى اليوم.
وكيف يصح الموت إلا هكذا وكيف يجوز رد العيان وتكذيبه، وإنما كان السلطان لايفتر عن طلب الولد لانه قد كان وقع في مسامعه خبره وقد كان ولد عليه السلام قبل موت أبيه بسنين، وعرضه على أصحابه وقال لهم: " هذا إمامكم من بعدي و خليفتي عليكم أطبعوه فلاتتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، أما إنكم لن تروه بعد يومكم هذا، فغيبه ولم يظهره، فلذلك لم يفتر السلطان عن طلبه.
وقد روى أن صاحب هذا الامر هو الذي تخفى ولادته على الناس ويغيب عنهم شخصه لئلايكون لاحد في عنقه بيعة إذاخرج وأنه هو الذي يقسم ميراثه وهوحي، وقد أخرجت ذلك مسندا في هذا الكتاب في موضعه، وقد كان مرادنا بايراد هذا الخبر تصحيحا لموت الحسن بن علي عليهما السلام، فلما بطل وقوع الغيبة لمن ادعيت له من محمد بن علي بن الحنفية، والصادق جعفربن محمد، وموسى بن جعفر، و الحسن بن على العسكري عليهم السلام بماصح من وفاتهم فصح وقوعها بمن نص عليه النبي والائمة الاحد عشر صلوات الله عليهم وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد العسكري عليهم السلام وقد أخرجت الاخبار المسندة في ذلك الكتاب في أبواب النصوص عليه صلوات الله عليه
___________________________________
(1) أي زجره.
[45]
وكل من سألنا من المخالفين عن القائم عليه السلام لم يخل من أن يكون قائلا بامامة الائمة الاحد عشر من آبائه عليهم السلام أو غير قائل بامامتهم، فان كان قائلا بإمامتهم لزمه القول بامامة الامام الثانى عشر لنصوص آبائه الائمة عليهم السلام عليه باسمه ونسبه وإجماع شيعتهم على القول بامامته وأنه القائم الذي يظهر بعد غيبته طويلة فيملا الارض قسطا وعدلا كما مئلت جورا وظلما.
وإن لم يكن السائل من القائلين بالائمة الاحد عشر عليهم السلام لم يكن له علينا جواب في القائم الثاني عشر من الائمة عليهم السلام وكان الكلام بيننا و بينه في أثبات إمامة آبائه الائمة الاحد عشر عليهم السلام، وهكذا لو سألنا يهودي فقال لنا: لم صارت الظهر أربعا والعصر أربعا والعتمة أربعا والغداة ركعتين والمغرب ثلاثا؟ لم يكن له علينا في ذلك جواب، بل لنا أن نقول له: إنك منكر لنبوة النبى الذي أتى بهذه الصلوات وعدد ركعاتها، فكلمنا في نبوته وإثباتها فان بطلت بطلت هذه الصلوات وسقط السؤال عنها، وإن ثبتت نبوته صلى الله عليه وآله لزمك الاقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها لحصة مجيئها عنه واجتماع امته عليها، عرفت علتها أم لم تعرفها، وهكذا الجواب لمن سأل عن القائم عليه السلام حذو النعل بالنعل.