34ـ باب ماروي عن أبي الحسن موسي بن جعفر في النص علي القائم
ـ باب ماروي عن أبي الحسن موسى بن جعفر في النص على القائم
عليه السلام وغيبته، وأنه الثاني عشرمن الائمة
1 - حدثنا أبي، ومحمدبن الحسن رضي الله عنهما قالا: حدثنا سعدبن عبدالله، عن الحسن بن عيسى بن محمد بن على بن جعفر، عن أبيه، عن جده محمدبن علي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع
___________________________________
(1) الزخرف: 27.
(2) الانبياء: 23.وللمؤلف كلام طويل ذيل هذا الخبر في كتابه معانى الاخبار ص 127.
[360]
فالله الله في أديانكم لايزيلنكم أحد عنها، يابني(1): إنه لابد لصاحب هذا الامر من غيبة حتى يرجع عن هذا الامر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذه لاتبعوه.
فقلت: يا سيدي وما الخامس من ولد السابع؟ فقال: يابني عقولكم تضعف عن ذلك وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه.
2 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعدبن عبدالله قال: حدثنا الحسن ابن موسى الخشاب، عن العباس بن عامر القصباني(2) قال: سمعت أبا الحسن موسى ابن جعفر عليهما السلام يقول: صاحب هذا الامر من يقول الناس: لم يولد بعد(3).
3 - حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعدبن عبدالله قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسى، عن موسى بن القاسم، عن معاوية بن وهب البجلي، وأبي قتادة علي ابن محمد بن حفص، عن على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: قلت: ما تأويل قول الله عزوجل: " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين "(4) فقال: إذا فقدتم إمامتكم فلم تروه فماذا تصنعون.
___________________________________
(1) كذا في نسخ الكتاب وعلل الشرايع وغيبة الطوسى وغيبة النعماني رحمهما الله وكفاية الاثر، والخطاب لاخيه على بن جعفر ولعله من باب اللطف والشفقة، أويكون في الاصل " على بن جعفر قال: حدثنا موسى بن جعفر عليهما السلام - الخ " وقوله: " يابني " بصيغة الجمع من باب الشفقة أيضا.
(2) عباس بن عامر بن رباح أبوالفضل الثقفي القصباني عنونه الشيخ في رجاله تارة من أصحاب الكاظم عليه السلام واخرى في باب من لم يرو عنهم عليه السلام، وعنونه العلاقة في القسم الاول وقال: الشيخ الصدوق الثقة انتهي.
والقصباني نسبة إلى بيع القصب كما في اللباب وهو خلاف القياس.
(3) اعلم أن الخبر يأتي أيضا في باب ما روى عن الهادي عليه السلام في النص على القائم وغيته عن سعد عن الخشاب عن اسحاق بن محمد بن أيوب، عن الهادي(ع) ص 382.
(4) الملك: 30.
[361]
4 - حدثنا أحمدبن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا على ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمدبن خالد البرقي، عن على بن حسان، عن داود بن كثير الرقي قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن صاحب هذا الامر قال: هوالطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه عليه السلام.
5 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبدالرحمن قال: دخلت على موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت له: ياابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهر الارض من أعداء الله عزوجل ويملا ها عدلا كماملئت جورا وظلما هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ثم قال: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراء ة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبي لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة.
* * * قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إحدي العلل التي من أجلها وقعت الغيبة الخوف كماذكر في هذا الحديث، وقد كان موسى بن جعفر عليهما السلام في ظهوره كاتما لامره وكان شيعته لاتختلف إليه ولاتجترون(1) على الاشارة خوفا من طاغية زمانه، حتى أن هشام بن الحكم لما سئل في مجلس يحيى بن خالد عن الدلالة على الامام أخبر بها، فلما قيل له: " من هذا الموصوف "؟ قال: صاحب القصر أمير المؤمنين هارون الرشيد، وكان هو خلف الستر قد سمع كلامه، فقال: أعطانا والله من جراب النورة(2) فلما علم هشام أنه قد أتي هرب وطلب فلم يقدر عليه وخرج إلى الكوفة ومات بها
___________________________________
(1) في بعض النسخ " لاتجسرون ".
(2) مثل بين العرب والاصل فيه أنه سأل محتاج اميرا قسى القلب شيئا فعلق على رأسه جرابا من النورة(الكلس) عند فمه وأنفه، وكلما تنفس دخل في أنفه شئ فصار مثلا.
[362]
عند بعض الشيعة، فلم يكف الطلب عنه حتى وضع ميتا بالكناسة وكتبت رقعة و وضعت معه: " هشام بن الحكم الذي يطلبه أميرالمومنين " حتى نظر إليه القاضي والعدول وصاحب المعونة والعامل، فحينئذ كف الطاغية عن الطلب عنه(1).
*(ذكر كلام هشام بن الحكم رضي الله عنه في هذا) * *(المجلس وما آل اليه أمره) * حدثنا أحمدبن زياد الهمداني، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا: حدثنا على بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد ابن أبي عمير قال: أخبرني على الاسواري قال: كان ليحيى بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة يوم الاحد، فيتناظرون في أديانهم، يحتج بعهضم على بعض، فبلغ ذلك الرشيد، فقال ليحيى بن - خالد: يا عباسي ماهذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ماشئ مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الكرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس، فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتج بعضهم على بعض ويعرف المحق منهم، ويتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم.
فقال له الرشيد: أنا احب أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم على أن لايعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم، قال: ذلك إلى أمير المؤمنين متى شاء، قال: فضع يدك على رأسي أن لاتعلمهم بحضوري، ففعل(ذلك) وبلغ الخبر المعتزلة، فتشاوروا بينهم وعزموا على أن لا يكلموا هشاما إلا في الامامة لعلمهم بمذهب الرشيد وإنكاره على من قال بالامامة.
قال: فحضروا، وحضر هشام، وحضر عبدالله بن يزيد
___________________________________
(1) في بعض النسخ " كف الطلب عنه ".
[363]
الاباضي وكان من أصدق الناس(1) لهشام بن الحكم، وكان يشاركه في التجارة(2)، فلما دخل هشام سلم على عبدالله بن يزيد من بينهم، فقال يحيى بن خالد لعبدالله بن يزيد: يا عبدالله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة.
فقال هشام: أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة إن هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا على إمامة رجل، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلاحين كانوا معنا عرفوا الحق، ولاحين فارقونا علموما على ما فارقونا، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.
فقال بيان(3) - وكان من الحرورية أنا أسألك ياهشام، أخبرني عن أصحاب على يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟ قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون، وصنف مشركون، و صنف ضلال، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي: إن عليا عليه السلام إمام من عندالله عزوجل.
ومعاوية لايصلح لها، فآمنوا بما قال الله عزوجل في على عليه السلام وأقروابه.
وأما المشركون فقوم قالوا: على إمام، ومعاوية يصلح لها، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع على عليه السلام.
وأما الضلال: فقوم خرجوا على الحمية والعصبية للقبائل والعشائر(ف) لم يعرفوا شيئا من هذا وهم جهال.
قال: فأصحاب معاوية ماكانوا؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف كافرون، وصنف مشركون، وصنف ضلال.
___________________________________
(1) من الصداقة.
والاباض - بكسر الهمزة - ومنه الاباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبدالله بن اباض التميمى.
(الصحاح).
(2) في بعض النسخ " في المحاورة ".
(3) في بعض النسخ " بنان " وكذا فيما يأتي.
[364]
فأما الكافرون: فالذين قالوا: إن معاوية إمام، وعلى لايصلح لها، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماما من الله عزوجل، ونصبوا إماما ليس من الله.
وأما المشركون: فقوم قالوا: معاوية إمام، وعلى يصلح لها، فأشركوا معاوية مع على عليه السلام.
وأما الضلال: فعلي سبيل اولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر.
فانقطع بيان عند ذلك.
فقال ضرار: وأنا أسألك ياهشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولم؟ قال: لانكم كلكم مجتمعون على دفع إمامة صاحبي، وقد سألنى هذا عن مسألة وليس لكم أن تثنوا بالمسألة على حتي أسألك ياضرار عن مذهبك في هذا الباب؟ قال ضرار: فسل، قا ل: أتقول: إن الله عزوجل عدل لايجور؟ قال: نعم هو عدل لايجوز تبارك وتعالي، قال: فلو كلف الله المقعد المشي إلى المساجد والجهاد في سبيل الله، وكلف الاعمي قراء ة المصاحف والكتب أتراه كان يكون عادلا أم جائرا؟ قال ضر ار: ماكان الله ليفعل ذلك، قال هشام: قد علمت أن الله لايفعل ذلك ولكن ذلك على سبيل الجدل والخصومة، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا إذكلفه تكليفا لا يكون له السبيل إلى إقامته وأدائه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائزا.
قال: فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لايقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم؟ قال: بلي، قال: فجعل لهم دليلا على وجود ذلك الدين، أو كلفهم مالا دليل لهم على وجوده فيكون بمنزلة من كلف الاعمي قراء ة الكتب والمعقد المشي إلى المساجد والجهاد قال: فسكت ضرار ساعة، ثم قال: لابد من دليل بصاحبك، قال:
[365]
فتبسم هشام وقال: تشيع شطرك(1) وصرت إلى الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلا في التسمية، قال ضرار: فإني أرجع القول عليك فهذا، قال: هات، قال ضرار لهشام: كيف تعقد الامامة؟ قال هشام: كما عقدالله عزو جل النبوة، قال: فهو إذا نبي، قال هشام: لالان النبوة يعقدها أهل السماء، والامامة يعقدها أهل الارض، فعقد النبوة بالملائكة، و عقد الامامة بالنبي(2) والعقدان جميعا بأمرالله جل جلاله، قال: فما الدليل على ذلك؟ قال هشام: الاضطرار في هذا، قال ضرار: وكيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: إما أنيكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله، فلم يكلفهم ولم يأمر هم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها، أفتقول هذا ياضرار إن التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلى الله عليه وآله؟ قال: لا أقول هذا، قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون(3) قد استحالوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله علماء في مثل حد الرسول في العلم حتى لايحتاج أحد إلى أحد، فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا إن الناس استحالوا علماء حتى صاروا في مثل حدالرسول في العلم بالدين حتى لايحتاج أحد إلي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق؟ قال: لا أقول هذا ولكنهم يحتاجون إلى غيرهم.
قال: فبقي الوجه الثالث وهو أنه لابد لهم من عالم يقيمه
___________________________________
(1) أى بعضك، ولعل المراد به لسانه حيث أقر بوجود الدليل.
(2) في بعض النسخ " الا أن النبوة تعقد بالملائكة والامامة تعقد بالنبي ".
(3) صفة للناس.
و " استحالوا " أي تحولوا علماء لايحتاجون إلى علمه صلى الله عليه وآله بعد أن يكون في زمان الرسول يحتاجون اليه في دينهم.
[366]
الرسول لهم لايسهو ولايغلط ولايحيف، معصوم من الذنوب، مبرء، من الخطايا، يحتاج(الناس) إليه ولايحتاج إلى أحد، قال: فما الدليل عليه؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه، وأربع في نعت نفسه.
فأما الاربع التي في نعت نسبه: فإنه يكون معروف الجنس، معروف القبيلة، معروف البيت، وأن يكون من صالب الملة والدعوة إليه إشارة، فلم يرجنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة والدعوة الذي ينادي باسمه في كل يوم خمس مرات على الصوامع " أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله " فتصل دعوته إلى كل بر وفاجر وعالم وجاهل، مقر ومنكر، في شرق الارض وغربها ولو جاز أن تكون الحجة من الله على هذا الخلق في غير هذا الجسن لاتي على الطالب المرتاد دهر من عصره لايجده، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم، ولكان من حيث أرادالله عزوجل أن يكون صلاح يكون فساد ولايجوز هذا في حكمة الله جل وجلاله و عدله أن يفرض على الناس فريضة لاتوجد، فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة، ولما كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الامامة لعلوها وشرفها ادعاها كل واحد منهم فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه كيلا يطمع فيها غيره.
وأما الاربع التي في نعت نفسه: فأن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتى لايخفى عليه منها دقيق ولاجليل، وأن
[367]
يكون معصوما الذنوب كلها، وأن يكون أشجع الناس، وأن يكون أسخي الناس.
فقال عبدالله بن يزيد الاباضي: من أين قلت: إنه أعلم الناس؟ قال: لانه إن لم يكن عالما بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حده، ومن وجب عليه الحد قطعه، فلا يقيم لله عزوجل حدا على ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا.
قال: فمن أين قلت: إنه معصوم من الذنوب؟ قال لانه إن لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ، فلا يؤمن أن يكتم على نفسه ويكتم على حميمه وقريبه، ولايحتج الله بمثل هذا على خلقه.
قال: فمن أين قلت: إنه أشجع الناس، قال: لانه فئة للمسلمين الذى يرجعون إليه في الحروب، وقال الله عزوجل: " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله "(1) فإن لم يكن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله، ولايجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عزوجل حجة الله على خلقه.
قال:(ف) من أين قلت إنه أسخي الناس؟ قال: لانه خازن المسلمين فإن لم يكن سخيا تاقت نفسه إلى أموالهم(2) فأخذها فكان خائنا، و لايجوز أن يحتج الله على خلقه بخائن.
فعند ذلك قال ضرار: فمن هذابهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال: صاحب القصر أمير المؤمنين.
وكان هارون الرشيد قد سمع الكلام كله، فقال عند ذلك: أعطانا والله من جراب النورة، ويحك ياجعفر - وكان جعفر بن يحيى جالسا معه في الستر - من يعني بهذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين يعني
___________________________________
(1) الانفال: 16.
(2) أي اشتاقت ونازعت نفسه اليه.
[368]
به موسى بن جفعر، قال: ماعني بها غيرأهلها(1)، ثم عض على شفتيه وقال: مثل هذا حي ويبقي لي ملكي ساعة واحدة؟ ! فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف، وعلم يحيى أن هشاما قد اني(2) فدخل الستر فقال: ياعباسي يوحك من هذا الرجال فقال: يا أمير المؤمنين حسبك تكفى تكفى، ثم خرج إلى هشام فغمزه، فلم هشام أنه قد اتي فقام يريهم أنه يبول أويقضي حاجة فلبس نعليه وانسل ومرببيته وأمرهم بالتواري وهرب ومرمن فوره نحو الكوفة فوافي الكوفة ونزل على بشير النبال - وكان من حمله الحديث من أصحاب أبي عبدالله عليه السلام - فأخبره الخبر، ثم اعتل علة شديدة فقال له البشير: آتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت، فلما حضره الموت قال لبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين، مات حتف أنفه.
وكان هارون قد بعث إلي إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلما أصبح أهل الكوفة رأوه، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل و المعدلون بالكوفة، وكتب إلي الرشيد بذلك، فقال: الحمدالله الذي كفانا أمره فخلي عمن كان اخذبه.
* * *
6 - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا على ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي أحمد بن زياد الازدي قال: سألت سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام عن قول الله عزوجل: " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة "(3) فقال عليه السلام: النعمة الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب، فقلت له: و يكون في الائمة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولايغيب عن
___________________________________
(1) أي ماعني بقوله " أمير المؤمنين " الا من هو أمير المؤمنين عنده.
(2) يعني وقع في الهلكة.
(3) لقمان: 20.
[369]
قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له كل عسير، ويذلل له كل صعب، ويظهر له كنوزالارض، ويقرب له كله بعيد، ويبير به كل جبار عنيد(1) ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الاماء الذى تخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عزوجل فيملا الارض قسطا وعدلا كما مئلت جورا وظلما(2).
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني رضي الله عنه بهمدان عند منصرفي من حج بيت الله الحرام، وكان رجلا ثقة دينا فاضلا رحمة الله عليه ورضوانه.
___________________________________
(1) ابارة الله: أهلكه.
وفي بعض النسخ " يتبر " والتبر: الكسر والاهلاك كالتتبير وفى بعض النسخ " يفنى به ".
(2) في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا: " الذى ادعاه المصنف فيما تقدم من النهي عن ذكر اسمه عليه السلام يقويه ويؤيده هذا الحديث ولا فالروايات التى ذكرها في هذه الابواب عن الائمة عليهم السلام في النهي عن ذكر اسمه عليه السلام يمكن أن يحمل النهي فيها على قبل الغيبة في زمان العباسية دون عصرنا هذا لان التقية كانت في ذلك الزمان أشد من هذا العصر.
وانما قلنا " يمكن أن يحمل النهى على قبل غيبته عليه السلام " لان النهي لا يخلو من وجهين اما خوفاعلى الامام وهو مفقود في هذا العصر اذلا يقدر احد أن يظفر به، واما خوفا على القائل الذاكر باسمه وهذا أيضا منتف اذ لا يتصور الضرر من مخالفى هذا العصر ولا التعرض به لانه لوكان أحد ينادي في السواق باعلى صوته يامحمد بن الحسن لايرى أحد من المخالفين أنه سمع اسمه ويعرفه حتى يؤذى قائله واذا كان كذلك فلم لايجوز للمؤمنين أن يسموه و يتبركوا ويتشرفوا بذكر اسمه(ع).
وأما قبل غيبته الكبرى كان الضرر متصورا، لكن هذه الرواية تأبي ذلك والله أعلم "