بازگشت

وجوب معرفة المهدي عجل الله تعالي فرجه:


وجوب معرفة المهدى عجل الله تعالى فرجه:



ولايكون الايمان صحيحا من مؤمن إلا من بعد علمه بحال من يؤمن به كما قال الله تبارك وتعالى: " إلا من شهد بالحق وهم يعلمون "(2) فلم يوجب لهم صحة مايشهدون به إلا من بعد علمهم، ثم كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهدي القائم عليه السلام حتى يكون عارفا بشأنه في حال غيبته وذلك أن الائمة عليهم السلام قد أخبروا بغيبة عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتى سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الائمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنفاته وهي الكتب التى تعرف بالاصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين، وقد أخرجت ما حضرنى من الاخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها، فلا يخلو حال هؤلاء الاتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها، وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل، أو أن يكونوا(قد) أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الامرلهم كما ذكذوا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم، وهذا أيضا محلا كسبيل الوجه الاول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام ألى آخر المقامات مادونوه في كتبهم وألفوه في اصولهم، وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل.



إن الباطل كان زهوقا....



___________________________________



(2) الزخرف: 86.



[20]



وان خصومنا ومخالفينا من أهل الاهواء المضلة قصدوا(1) لدفع الحق وعناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم عليه السلام واحتجابه عن أبصار المشاهدين ليلبسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة(2) ولابصيرته مستحكمة.



اثبات الغيبة والحكمة فيها: فأقول - وبالله التوفيق -: إن الغيبة التى وقعت لصاحب زماننا عليه السلام قد لزمت حكمتها وبان حقها وفلجت حجتها للذي شاهدناه وعرفناه من آثار حكمة الله عزو جل واستقامة تدبيره في حججه المتقدمة في الاعصار السالفة مع أئمة الضلال وتظاهر الطواغيت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية ومانحن بسبيله في زماننا هذا من تظاهر أئمة الكفر بمعونة أهل الافك والعدوان والبهتان.



وذلك أن خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا عليه السلام كوجود من تقدمه من الائمة عليهم السلام فقالوا: إنه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبينا عليه السلام أحد عشر إماما كل منهم كان موجودا معروفا باسمه وشخصه بين الخاص والعام، فان لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدم من أئمتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذر وجوده.



فأقول - وبالله التوفيق - إن خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى وأغفلوا مواقع الحق ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمة الضلال في دول الباط في كل عصر وزمان إذ قد ثبت أن ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الامكان والتدبير لاهل الزمان، فان كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الاولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام كان ظهور الحجة وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الاولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام وكان استتاره مما توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله،...



___________________________________



(1) في بعض نسخ " تصدوا ".



(2) في بعض النسخ " مستقيمة ".



[21]



كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدمة من عصر وفاة آدم عليه السلام إلى حين زماننا هذا منهم السمتخفون ومنهم المستعلنون، بذلك جاء ت الآثار ونطق الكتاب.



فمن ذلك ما: حدثنا به أبي - رحمه الله - قال: حدثنا سعدبن عبدالله قال: حدثنا أحمدبن - محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن جرير، عن عبدالله الحميد ابن أبى الديلم قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: يا عبدالحميد إن لله رسلا مستعلنين ورسلا مستخفين فاذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين.



وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى: " ورسلا قد قصصنا هم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما "(1) فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين، فلما كان وقت كون إبراهيم عليه السلام ستر الله شخصه وأخفى ولادته، لان الامكان في ظهور الحجة كان متعذرا في زمانه، وكان إبراهيم عليه السلام في سلطان نمرود مستترا لامره و كان غير مظهر نفسه، ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلهم إبراهيم عليه السلام على نفسه، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذى أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه، فلما كان وقت وفاة إبراهيم عليه السلام كان له أوصياء حججا الله عزوجل في أرضه يتوارثون الوصية كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى عليه السلام فكان فرعون يقتل أولاد بنى إسرائيل في طلب موسى عليه السلام الذى قد شاع من ذكره وخبر كونه، فستر الله ولادته، ثم قذفت به أمه في اليم كما أخبر الله عزوجل في كتابه " فالتقطه آل فرعون"(2) وكان موسى عليه السلام في حجر فرعون يربيه وهو لايعرفه، وفرعون يتقل أولاد بنى إسرائيل في طلبه، ثم كان من أمره بعد أن أظهر دعوته ودلهم على نفسه ما قد قصه الله عزو جل في كتابه، فلما كان وقت...



___________________________________



(1) النساء: 164.



(2) القصص: 7.



[22]



وفاة موسى عليه السلام كان له أوصياء حججا الله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى عليه السلام.



فظهر عيسى عليه السلام في ولادته معلنا لدلائله، مظهرا لشخصه، شاهرا لبراهينه، غير مخف لنفسه لان زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجة كذلك.



ثم كان له من بعده أوصياء حججا لله عزو جل كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبيا صلى الله عليه وآله فقال الله عزوجل له في الكتاب: " مايقال لك إلا ما قدقيل للرسل من قبلك "(1) ثم قال عزو جل: " سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا "(2) فكان مما قيل له ولزم من سنته على إيجاب سنن من تقدمه من الرسل إقامة الاوصياء له كاقامة من تقدمه لاوصيائهم، فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله أوصياء كذلك وأخبر يكون المهدى خاتم الائمة عليهم السلام، وأنه يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، نقلت الامة ذلك بأجمعها عنه، وأن عيسى عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلى خلفه، فحفظت ولادات ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا عليه السلام المنتظر للقسط والعدل، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود.



وذلك أن المعروف المتسالم بين الخاص والعام من أهل هذه الملة أن الحسن ابن على ولد صاحب زماننا عليهما السلام قد كان وكل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلما توفى عليه السلام وكل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشد الطلب و كان أحد المتوليين عليه عمه جعفر أخو(3) الحسن بن على بما ادعاده لنفسه من الامامة ورجا أن يتم له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان عليه السلام فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة، ولزم من حكمة غيبة عليه السلام ما لزم من حكمة غيبتهم.....



___________________________________



(1) فصلت: 43.



(2) الاسراء: 77.



(3) كذا.



[23]



رد اشكال: وكان من معارضة خصومنا أن قالوا: ولم أوجبتم في الائمة ماكان واجبا في الانبياء، فما أنكرتم أن ذلك كان جائزا في الانبياء وغير جائز في الائمة فإن الائمة ليسوا كالانبياء فغير جائز أن يشبه حال الائمة بحال الانبياء فأوجدونا دليلا مقنعا على أنه جائز في الائمة ماكان جائزا في الانبياء والرسل فيما شبهتم من حال الائمة الذين ليسوا بأشباه الانبياء والرسل، وإنما يقاس الشكل بالشكل والمثل بالمثل، فلن تثبت دعواكم في ذلك، ولن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الائمة بحال الانبياء عليهم السلام إلا بدليل مقنع.



فأقول - وبالله أهتدي -: إن خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك ولو أنهم كانوا من أهل التمييز والنظر والتفكر والتدبر باطراح العناد وإزالة العصبية لرؤسائهم ومن تقدم من إسلافهم لعلموا أن كل ماكان جائزا في الانبياء فهو واجب لازم في الائمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وذلك أن الانبياء هم اصول الائمة ومغيضهم(1) والائمة هم خلفاء الانبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلاتبطل حجج الله وحدود(ه و) شرايعه مادام التكليف على العباد قائما والامرلهم لازما، ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول: إن الانبياء هم حجج الله فغير جائز أن يكون الائمة حجج الله إذ ليسوا بالانبياء ولا كالانبياء، وله أن يقول أيضا: فغير جائز أن يسموا أئمة لان الانبياء كانوا أئمة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمة كالانبياء، وغير جائز أيضا أن يقوموا بما كان يقوم به الرسل من الجهاد والامر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشريعة إذ ليسوا كالرسول ولا هم برسل.



ثم يأتى بمثل هذا من المحال مما يكثر تعداده ويطول الكتاب بذكره، فلما فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفسادة....



___________________________________



(1) المغيض: مجتمع الماء ومدخله في الارض والمراد بالفارسية(انبياء نسخه اصل وسر چشمه امامانند).



وفى بعض النسخ " ومغيضهم " من الافاضة.



[24]



ثم نحن نبين الآن ونوضح بعد هذا كله أن التشاكل بين الانبياء والائمة بين واضح فيلزمهم أنهم حجج الله على الخلق كما كانت الانبياء حججه على العباد، وفرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الانبياء، وذلك قول الله عزو جل: " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول واولى الامر منكم "(1) وقوله تعالى: " ولو رد وه إلى الرسول و وإلى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "(2) فولاة الامرهم الاوصياء والائمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرسول وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول كما أوجب على العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته عزوجل في قوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " ثم قال: " من يطع الرسول فقد أطاع الله(3) " وإذا كانت الائمة عليهم السلام حجج الله على من لم يلحق بالرسول ولم يشاهده وعلى من خلفه من بعده كما كان الرسول حجة على من لم يشاهد في عصره لزم من طاعة الائمة مالزم من طاعة الرسول محمد صلى الله عليه وآله فقد تشاكلوا واستقام القياس فيهم وإن كان الرسول أفضل من الائمة فقد تشاكلوا في الحجة والاسم والفعل(4) والفرض، إذ كان الله جل ثناؤه قد سمى الرسل أئمة بقوله لابراهيم: " إنى جاعلك للناس إماما "(5) وقد أخبر نا الله تبارك وتعالى أنه قد فضل الانبياء الرسل بعضهم على بعض فقال تبارك وتعالى: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله - الآية "(6) وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض - الآية "(7) فتشاكل الانبياء في النبوة وإن كان بعضهم أفضل من بعض، وكذلك تشاكل الانبياء والاوصياء، فمن قاس حال الائمة بحال الانبياء واستشهد بفعل الانبياء على فعل الائمة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الانبياء والاوصياء عليهم السلام.....



___________________________________



(1) النساء: 59.



(2) النساء: 83.



(3) النساء: 80.



(4) في بعض النسخ " والعقل ".



(5) البقرة: 119.



(6) البقره: 254.



(7) الاسراء: 56.