بازگشت

لزوم وجود الخليفة:


لزوم وجود الخليفة:



ولقوله عزوجل: " وإذ قال ربك للملئكة - الآية " في الخطاب الذي خاطب الله عزوجل به نبيه صلى الله عليه وآله لما قال: " ربك " من أصح الدليل على أنه سبحانه يستعمل هذا المعنى في امته إلى يوم القيامة، فان الارض لاتخلو من حجة له عليهم، ولو لا ذلك لما كان لقوله: " ربك " حكمة وكان يجب أن يقول: " ربهم " وحكمة الله في السلف كحكمته في الخلف لايختلف في مر الايام وكر الاعوام، وذلك أنه عزو وجل عدل حكيم لا يجمعه وأحد من خلقه نسب، جل الله عن ذلك.



وجوب عصمة الامام: ولقوله عزو جل: " وإذقال ربك للملئكة إنى جاعل في الارض خليفة الآية " معنى، وهو أنه عزو وجل لايستخلف إلا من له نقاء السربرة ليبعد عن الخيانة لانه لواختار من لانقاء له في السريرة كان قد خان خلقه لانه لو أن دلا لا قدم حمالا خائنا إلى تاجر فحمل له حملا فخان فيه كان الدلال خائنا، فكيف تجوز الخيانة على الله عزو جل وهو يقول - وقوله الحق -: " إن الله لايهدى كيد الخائنين "(1) وأدب محمدا صلى الله عليه وآله بقوله عزوجل: " ولاتكن للخائنين خصيما "(2) فكيف وأنى يجوز أن يأتى ماينهى عنه، وقد عير اليهود بسمة النفاق، وقال: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "(3).



___________________________________



(1) يوسف: 52.



(2) النساء: 105.



(3) البقرة: 44.



[11]



وفي قول الله عزو جل: " وإذ قال ربك للملئكة إنى جاعل في الارض خليفة " حجة قوية في غيبة الامام عليه السلام، وذلك أنه عزو وجل لما قال: " إنى جاعل في الارض خليفة " أو جب بهذا اللفظ معنى وهو أن يعتقدوا طاعته فاعتقد عدوالله إبليس بهذه الكلمة نفاقا وأضمره حتى صاربه منافقا، وذلك أنه أضمر أنه يخالفه متى استعبد بالطاعة له، فكان نفاقه أنكر النفاق لانه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلهم، ولما عرف الله عزوجل ملائكة ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرتبة عشرة أضعاف مااستحق عدوالله من الخزى والخسار، فالطاعة والموالات بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح لانه أبعد من الشبهة والمغالطة، ولهذا روى عن النبى صلى الله عليه وآله أنه قال: " من دعا لاخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء ولك مثلاه ".



وإن الله تبارك وتعالى أكد دينه بالايمان بالغيب فقال: " هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب الآية "(1) فالايمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه لانه خلو من كل عيب وريب لان بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهم على المبايع أنه إنما يطيع رغبة في خير أو مال، أورهبة من قتل أو غير ذلك مما هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم وإيمان الغيب مأمون من ذلك كله، ومحروس من معايبه بأصله، يدل على ذلك قول الله عزوجل: " فلما رأو ابأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا "(2) ولما حصل للمتعبد ما حصلل من الايمان بالغيب لم يحرم الله عزوجل ذلك ملائكته فقد جاء في الخبر أن الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام.



وكان يحصل في هذه المدة الطاعة للملائكة الله على قدرها.



ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والاعوام لم يجد بدا من القول بالغيبة ولوساعة واحدة، والساعة الواحدة لاتتعرى من حكمة م‍، وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان وفي الساعات حكم، وما زاد في الوقت إلا زاد في



___________________________________



(1) البقرة: 2.



(2) المؤمن: 84.



[12]



المثوبة ومازاد في المثوبة إلا كشف عن الرحمة، ودل على الجلالة، فصح الخبر أن فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجة.



وفى قول الله عزو جل: " وإذ قال ربك للملئكة إنى جاعل في الارض خليفة " حجة في غيبة الامام عليه السلام من أوجه كثيرة: أحدها أن الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلها وذلك أن الملائكة ما شهدوا(1) قبل ذلك خليفة قط، وأما نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الاخبار حتى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا(2) واحدا منهم، فكانت تلك الغيبة أبلغ.



وآخر: أنها كانت غيبة من الله عزو جل، وهذه الغيبة التى للامام عليه السلام هى من قبل أعداء الله تعالى، فإذا كان في الغيبة التى هي من الله عزوجل عبادة لملائكته فما الظن بالغيبة التى هي من أعداء الله.



وفي غيبة الامام عليه السلام عبادة مخلصة(3) لم تكن في تلك الغيبة، وذلك أن الامام الغائب عليه السلام مقموع مقهور مزاحم في حقه، قد غلب قهرا، و(جرى) على شيعته(قسرا) من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء ونهب الاموال وإبطال الاحكام والجور على الايتام وتبديل الصدقات وغير ذلك مما لاخفاء به، ومن اعتقد موالاته شاركه في أجره وجهاده، وتبرأ من أعدائه، وكان له في براء ة مواليه من أعدائه أجر، وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عزو وجل على الايمان بالامام المغيب في العدم، وإنما قص الله عزوجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ليستعبد له الملائكة ويتشمروا لطاعته.



وإنما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنه قادم عليهم حتى يتهيؤوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصيرإن قصروا في خدمته كذلك بدأالله عزو جل بذكر نبائه إبانة عن جلالته ورتبته، وكذلك قضيته في السلف والخلف، فما قبض خليفة إلا عرف خلقه الخليفة الذي يتلوه، وتصديق



___________________________________



(1) في بعض النسخ " ماشاهدوا ".



(2) في بعض النسخ " لم يعهدوا ".



(3) في بعض النسخ " عبادة محصلة ".



[13]



ذلك قوله عزو جل: " أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه - الآية "(1) والذى على بينة من ربه محمد صلى الله عليه وآله، والشاهد الذي يتلوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام.



دلالته قوله عزو جل: " ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة " والكلمة - من كتاب موسى المحاذية لهذا المعنى حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة - قوله: " وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشرفتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لاخيه هرون اخلفنى في قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين "(2).



السر في امره تعالى الملائكة بالسجود لادم عليه السلام: واستعبد الله عزوجل الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له لما غيبة عن أبصارهم وذلك أنه عزو جل إنما أمرهم بالسجود لآدم لما أودع صلبه من أرواح حجج الله تعالى ذكره فكان ذلك السجود لله عزو جل عبودية ولآدم طاعة، ولما في صلبه تعظيما، فأبى إبليس أن يسجد لآدم حسدا له أذ جعل صلبه مستودع أرواح حجج الله دون صلبه فكفر بحسده وتأبيه، وفسق عن أمر ربه، وطرد عن جواره، ولعن وسمى رجيما لاجل إنكاره للغيبة لانه احتج في امتناعه من السجود لآدم بأن قال: " أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين "(3) فجحد ماغيب عن بصره ولم يوقع التصديق به، واحتج بالظاهر الذي شاهده وهو جسد آدم عليه السلام، وأنكر أن يكون يعلم لما في صلبه وجودا، ولم يؤمن بأن آدم إنما جعل قبلة للملائكة وامروا بالسجود له لتعظيم ما في صلبه، فمثل من آمن بالقائم عليه السلام في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله عزو جل في السجود لآدم، ومثل من أنكر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لآدم، كذلك روى عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام.



حدثنا بذلك محمد بن موسى بن المتوكل - رضى الله عنه - قال: حدثنا محمدبن - أبى عبدالله الكوفي، عن محمدبن اسماعيل البرمكى، عن جعفر بن عبدالله الكوفى، عن...



___________________________________



(1) هود: 17.



(2) الاعراف: 142.



(3) الاعراف: 12.



[14]



الحسن بن سعيد، عن محمدبن زياد، عن أيمن بن محرز، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أن الله تبارك وتعالى علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله كلها ثم عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة فقال: أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم احق بالخلافة في الارض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام " قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " قال الله تبارك وتعالى: " يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباء هم بأسمائهم " وقفوا على عظيم منزلتهم عندالله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته، ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم: " ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السموات والارض وأعلم ماتبدون وما كنتم تكتمون ".



حدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسين بن على الكسرى قال: حدثنا محمدبن زكريا الجوهرى قال: حدثنا جعفربن محمد بن عمارة، عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام.



وهذا استعباد الله عزو جل للملائكة بالغيبة والآية أولها في قصة الخليفة وإذا كان آخرها مثلها كان للكلام نظم وفي النظم حجة، ومنه يؤخذ وجه الاجماع لامه محمد صلى الله عليه وآله أولهم وأخرهم، وذلك أنه سبحانه وتعالى إذا علم آدم الاسماء كلها على ماقاله المخالفون فلا محالة أن أسماء الائمة عليهم السلام داخلة في تلك الجملة، فصار ما قلناه في ذلك باجماع الامة، ومن أصح الدليل عليه أنه لامحالة لما دل الملائكة على السجود لآدم فانه حصل لهم عبادة فلما حصل لهم عبادة أوجب باب الحكمة أن يحصل لهم ماهو في حيزه سواء كان في وقت أو في غير وقت فان الاوقات ماتغير الحكمة ولا تبدل الحجة، أولها كآخر ها وآخرها كأولها، لايجوز في حكمة الله أن يحرمهم معنى من معانى المثوبة ولا أن يبخل من فضائل الائمة لانهم كلهم شرع واحد، دليل ذلك أن الرسل متى آمن مؤمن بواحد منهم، أو بجماعة وأنكرو احدا منهم، لم يقبل منه إيمانه، كذلك القضية في الائمة عليهم السلام أولهم وآخرهم واحد، وقد قال الصادق عليه السلام: " المنكر لآخرنا كالمنكر لاولنا " وقال عليه السلام: " من أنكر واحدامن



[15]



الاحياء فقد أنكر الاموات ".



وساخرج ذلك في هذا الكتاب مسندا في موضعه إن شاء الله، فصح أن قوله عزوجل: " وعلم آدم الاسماء كلها " أرادبه أسماء الائمة عليهم السلام، وللاسماء معان كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر، وللاسماء أوصاف وليس أحد الاوصاف بأولى من الآخر، فمعنى الاسماء أنه سبحانه علم آدم عليه السلام أوصفاف الائمة كلها أولها وآخرها، ومن أوصافهم العلم والحلم والتقوى والشجاعة والعصمة والسخاء والوفاء، وقد نطق بمثله كتاب الله عزو جل في أسماء الانبياء عليهم السلام كقوله عزو جل: " واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا "(1) " واذكر في الكتاب إسمعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلوة والزكوة وكان عند ربه مرضيا * واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا "(2) و كقوله عزو جل: " واذكر في الكتاب إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا * وناديناه من جانب الطور الايمن وقربناه نجيا * ووهبناله من رحمتنا أخاه هرون نبيا "(3) فوصف الرسل عليهم السلام وحمدهم بماكان فيهم من الشيم المرضية والاخلاق الزكية، وكان ذلك أوصافهم وأسماء هم كذلك علم الله عزو جل آدم الاسماء كلها.



والحكمة في ذلك أيضا أنه لا وصول إلى الاسماء ووجوه الاستعبادات إلا من طريق السماع، والعقل غير متوجه إلى ذلك، لانه لو أبصر عاقل شخصا من بعيد أو قريب لما توصل إلى استخراج اسمه ولاسبيل إليه إلا من طريق السماع فجعل الله عزوجل العمدة في باب الخليفة السماع، ولما كان كذلك أبطل به باب الاختيار إذ الاختيار من طريق الآراء، وقضيته الخليفة موضوعة على الاسماء والاسماء موضوعة على السماع، فصح به ومعه مذهبنا في الامام أنه يصح بالنص والاشارة، فأما باب الاشارة فمضمر في قوله عزو جل: " ثم عرضهم على المئلكة " فباب العرض مبنى على الشخص والاشارة، وباب الاسم مبنى على السمع، فصح معنى الاشارة والنص جميعا....



___________________________________



(1) مريم: 41.



(2) مريم: 55 - 58.



(3) مريم: 50 - 52.



[16]



وللعرض الذي قال الله عزو جل: " ثم عرضهم على الملئكة " معنيان أحدهما عرض أشخاصهم وهيئاتهم كما رويناه في باب أخبار أخذ الميثاق والذر، والوجه الآخر أن يكون عزو جل عرضهم على الملائكة من طريق الصفة والنسبة كما يقوله قوم من مخالفينا، فمن كلا المعنيين يحصل استعباد الله عزو جل الملائكة بالايمان بالغيبة.



وفى قوله عزو جل: " أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " حكم كثيرة: أحدها أن الله عزو جل أهل آدم عليه السلام لتعليم الملائكة أسماء الائمة عن الله تعالى ذكره، وأهل الملائكة لتعلم أسمائهم عن آدم عليه السلام، فالله عزو جل علم آدم وآدم علم الملائكة، فكان آدم في حيز المعلم وكانوا في حيز المتعلمين، هذا ما نص عليه القرآن.



وقول الملائكة: " سبحانك لاعلم لنا إلا علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " فيه أصح دليل وأبين حجة لنا أنه لايجوز لاحد أن يقول في أسماء الائمة وأوصافهم عليهم السلام إلا عن تعليم الله جل وجلاله، ولو جاز لاحد ذلك كان للملائكة أجوز، ولما سبحوا الله دل تسبيحهم على أن الشرع فيه مما ينافي التوحيد، وذلك أن التسبيح تنزيه الله عزو جل وباب التنزيه لايوجد في القرآن إلا عند قول جاحد أو ملحد أو متعرض لابطال التوحيد والقدح فيه، فلم يستنكفوا إذ لم يعلموا أن يقولوا: " لاعلم لنا " فمن تكلف علم مالا يعلم احتج الله عليه بملائكته، وكانوا شهداء الله عليه في لدنيا والآخرة، وإنما أهل الله الملائكة لاعلامهم على لسان آدم عند اعترافهم بالعجز و أنهم لايعلمون فقال عزو وجل: " يا آدم أنبئهم بأسمائهم ".



ولقد كلمنى رجل بمدينة السلام(1) فقال لى: أن الغيبة قد طالت والحيرة قد اشتدت وقد رجع كثير عن القول بالامامة لطول الامد، فكيف هذا؟.



فقلت له: إن سنة الاولين في هذه الامة جارية حذو النعل بالنعل كماروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله في غير خبر، وأن موسى عليه السلام ذهب إلى ميقات ربه على أن يرجع إلى قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله عزو جل بعشرة فتم ميقات ربه أربعين ليلة، و...



___________________________________



(1) يعنى بغداد.



[17]



لتأخره عنهم فضل عشرة أيام على ما واعدهم استطالوا المدة القصيرة وقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربهم عزو جل وعن أمر موسى عليه السلام وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وكادوا يقتلونه، وعبدوا عجلا جسدا له خوار من دون الله عزوجل، وقال السامري لهم: " هذا إلهكم وإله موسى " وهارون يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل ويقول: " يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسي"(1) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه "(2) والقصة في ذلك مشهورة فليس بعجيب أن يستطيل الجهال من هذه الامة مدة غيبة صاحب زماننا عليه السلام ويرجع كثير منهم عما كانوا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة، ثم لايعتبرون بقول الله تعالى ذكره حيث يقول: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ومانزل من الحق ولايكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "(3).



فقال(4): وما أنزل الله عزو جل في كتابه في هذا المعنى؟ قتل: قوله عزو جل " الم ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " يعنى بالقائم عليه السلام وغيبته.



حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل - رحمه الله - قال: حدثنا محمدبن يحيى العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن عمربن عبدالعزيز، عن غير واحد، عن داود ابن كثير الرقي، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزو جل " هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " قال: من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق.



حدثنا على بن أحمد بن موسي - رحمه الله قال: حدثنا محمدبن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة...



___________________________________



(1) طه: 93 و 94.



(2) الاعراف: 149.



(3) الحديد: 15.



(4) يعنى الرجل الذى كلمه بمدينة السلام.



[18]



عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام عن قول الله عزو جل " الم ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " فقال: المتقون شيعة على عليه السلام والغيب فهو الحجة الغائب.



وشاهد ذلك قول الله عزو جل: " ويقولون لولا انزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين "(1) فأخبر عزو جل أن الآية هي الغيب، والغيب هو الحجة، وتصديق ذلك قول الله عزو جل: " وجعلنا ابن مريم وامه آية "(2) يعنى حجة.



حدثنا أبي - رحمه الله - قال: حدثنا سعدبن عبدالله قال: حدثنا محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن على بن رئاب، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: في قول الله عزو جل: " يو م يأتي بعض آيات ربك لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل "(3) فقال: الآيات هم الائمة، والآية المنتظرة هو القائم عليه السلام، فيومئذ لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام.



وقد سمى الله عزو جل يوسف عليه السلام غيبا حين قص قصته على نبيه محمد صلى الله عليه وآله فقال عزو جل: " ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وماكنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون "(4) فمسى يوسف عليه السلام غيبا لان الانباء التى قصها كانت أنباء يوسف فيما أخبربه من قصته وحاله وما آلت إليه اموره.



ولقد كلمنى بعض المخالفين في هذه الآية فقال: معنى قوله عزو جل: " الذين يؤمنون بالغيب: أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة، فقلت له: لقد جهلت في تأويلك وضللت في قولك فان اليهود والنصارى وكثيرا من فرق المشركين والمخالفين لدين الاسلام يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب فلم يكن الله تبارك وتعالى ليمدح المؤمنين بمدحة قد شركهم فيها فرق الكفر والجحود بل وصفهم الله...



___________________________________



(1) يونس: 20.



(2) المؤمنون: 50.



(3) الانعام: 53.



(4) يوسف: 103.



[19]



عزو جل ومدحهم بما هو لهم خاصة، لم يشركهم فيه أحد غيرهم(1).



___________________________________



(1) هذا النكير من المؤلف - رحمه الله - في غير مورده ومخالف لما روى من طريق جابر عن الباقر عليه السلام في معنى الغيب في الاية " أنه البعث والنشور وقيام القائم والرجعة " وما روى عن الصادق عليه السلام أن المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء " قيام القائم والكرة ويوم القيامة ".