بازگشت

14ـ باب في خبر بحيري الراهب


14ـ باب في خبر بحيري الراهب



وكان بحيري الراهب(1) ممن قد عرف النبي صلى الله عليه وآله بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة، وكان من المنتظرين لخروجه.



33 - حدثنا أحمد بن الحسن القطان، وعلى بن أحمد بن محمد، ومحمدبن أحمد الشيباني(2) قالوا: حدثنا أبوالعباس أحمدبن محمد بن يحيى بن زكريا القطان قال: حدثنا محمدبن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا عبدالله بن محمد قال: حدثنا أبي، عن الهيثم(3)، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح،، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب، عن أبي طالب قال: خرجت إلي الشام تاجرا سنة ثمان من مولد النبي صلى الله عليه وآله، وكان في أشد مايكون من الحر، فلما أجمعت على السير قال لي رجال من قومي: ماتريد أن تفعل بمحمد وعلى من تخلفه؟ فقلت: لااريد أن أخلفه على أحد من الناس اريد أن يكون معي، فقيل: غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لايفارقني حيثما توجهت أبدا فاني لا وطئ له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية(كساء وكتانا(4)) ركبانا كثيرا فكان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لايفارقني



___________________________________



(1) بحيرى - بفتح الموحة وكسر الحاء(كذا ضبطه الديار بكرى في تاريخ الخميس).



(2) في بعض النسخ " الشامي " ولعله السنانى المكتب.



(3) مجهول والظاهر الصواب " هشيم " لماذكر هو فيمن يروي عن محمد بن السائب الكلبي كما في تهذيب التهذيب لكن تقدمت وتأتي رواية عبدالله بن محمد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو.



وأما عبدالله بن محمد فيحتمل أن يكون هو ابن محمدبن مروان السدي الاصغر المتهم بالكذب، والعلم عندالله.



(4) في بعض النسخ " ريشا وكنانا " ولعله هو الصوا ب.



[183]



وكان يسبق الركب كلهم، فكان إذا اشتد الحر جاء ت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه فتقف على رأسه لاتفارقه، وكانت ربما امطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لانصيب قربة إلا بدينارين، وكناحيث مانزلنا تمتلئ الحياض ويكثر الماء وتخضر الارض، فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشي إليها رسول الله صلى الله عليه وآله ومسح يده عليها فسارت، فلما قربنا من بصري الشام(1) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كماتمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت وإذا فيها ر اهب وكانت السحابة لاتفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة وكان الراهب لايكلم الناس ولايدري ماالركب ولامافيه من التجارة، فلما نظر إلى النبى صلى الله عليه وآله عرفه فسمعته يقول: إن كان أحد فأنت أنت قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الاغصان ليس لها حمل، وكانت الركبان ننزلون تحتها فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها(2) على رسول الله صلى الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء، فتعجب جميع من معنا من ذلك، فلما رأي بحيري الراهب ذلك يذهب فاتخذ لرسول الله صلى الله عليه وآله طعاما بقد ر مايكفيه.



ثم جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال: أي شئ تكون منه؟ فقلت: أنا عمه فقال: ياهذاإن له أعمام فأي الاعمام أنت؟ فقلت: أنا أخو أبيه من ام واحدة، فقال: أشهد أنه هو وإلا فلست بحيري، ثم قال لي: يا هذا تأذن لي أن اقرب هذا الطعام منه ليأكله؟ فقلت له: قربة إليه، ورأيته كارها ذلك، والتفت إلى



___________________________________



(1) بصري بضم الموحدة -: مدينة حوران، فتحت صلحا لخمس بقين من ربيع الاول سنة ثلاث عشرة وهي أول مدينة فتحت بالشام.وقد وردها رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين كمافي المواهب المدينة.



(2) في بعض نسخ الحديث " وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وآله - الخ " وقال الجزري: أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه اليك وتعطفه، ومنه الحديث " انه صلى الله عليه وآله كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فهصرت أغصان الشجرة " أي تهدلت عليه.



[184]



النبي صلى الله عليه وآله فقلت: يابني رجل أحب أن يكرمك فكل فقال: هولي دون أصحابي؟ فقال بحيري: نعم هو لك خاصة فقال النبي صلى الله عليه وآله فإني لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيري: إنه لم يكن عندي أكثر من هذا؟ فقا ل: أفتأذن يابحيرى إلى أن يأكلوامعي؟ فقال: بلي، فقال: كلوا بسم الله، فأكل وأكلنا معه فوالله لقد كنا مائة وسبعين رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ، وبحيري قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام، وفي كل ساعة يقبل رأسه و يافوخه، ويقول: هو هوورب المسيح، والناس لايفقهون فقال له رجل من الركب: إن لك لشأنا قد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر؟ فقال بحيري: والله إن لي لشأنا وشأنا، وإنى لاري مالاترون وأعلم مالاتعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلامالو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى ترد وه إلى وطنه، والله ما أكرمتكم إلا له، ولقد رأيت له - وقد أقبل نورا أضاء له مابين السماء والارض، ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثم هذه السحابة لاتفارقه، ثم صومعتي مشت إليه كماتمشي الدابة على رجلها، ثم هذه الشجرة لم نزل يابسة قليلة الاغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه، فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء، ثم هذه الحياض التي غارت و ذهبت ماؤها أيام تمرج بني إسرائيل(1) بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعاعليهم فغارت وذهب ماؤها، ثم قال: متى مارأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لاجل نبى يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلى المدينة اسمه في قومه الامين وفي السماء أحمد وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه.فوالله إنه لهو.



ثم قال بحيري: ياغلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا(ما) أخبر تنيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزي وقال: لاتسألني بهما فوالله



___________________________________



(1) المرج - بالتحريك -: الفساد والغلق والاضطراب.



[185]



ما أبغضت شيئا كبغضهما، وإنما هما ضمان من حجارة لقومي، فقال بحيري: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظه واموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ماعند بحيري من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيري، فقبل رجليه وقال: يابني ما أطيبك وأطيب ريحك، ياأكثر النبيين أتباعا، يامن بهاء نورالدنيا من نوره، يامن بذكره تعمر المساجد، كأني بك قد قدت الاجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها وكأني باللات والعزى وقد كسرتهما وقد صار البيت العتيق لايملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه، معك مفاتيح الجنان والنيران، معك الذبح الاكبر وهلاك الاصنام، أنت الذي لاتقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قميئة(1) فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول: لئن أدركت زمانك لاضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند(2) أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين و خاتم النبيين، والله لقد ضحكت الارض يوم ولدت فهى ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا بك، والله لقد بكت البيع والاصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة، أنت دعوة إبراهيم وبشري عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية، ثم التفت إلى أبي طالب وقال: مايكون هذا الغلام منك؟ فإني أراك لاتفارقه، فقال أبوطالب: هو ابني، فقا ل: ما هو بابنك وماينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا ولا امه فقال: إنه ابن أخي وقد مات أبوه وامه حاملة به، وماتت امه وهو ابن ست سنين، فقال: صدقت هكذا هو، ولكن أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه فإنه مابقي على ظهر الارض يهودي ولانصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام، ولئن رأوه وعرفوا منه ماقد عرفت أنا منه ليبغينه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود، فقال



___________________________________



(1) أي ذليلة.



(2) الزند: الذي يقدح به النار.



[186]



أبوطالب: ولم ذلك؟ قال: لانه كائن لابن أخيك هذه النبوة والرسالة ويأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبوطالب: كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضعه.



ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطنا الشام ماقدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ماازدحموا الناس وينظرون إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وذهب الخبر في جميع الشامات حتى مابقي فيها حبر ولاراهب إلا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطور فجلس حذاه ينظر إليه ولايكلمه بشئ حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوا لية فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا فقلت له: ياراهب كأنك تريد منه شيئا؟ فقال: أجل إني اريد منه شيئا ما اسمه؟ قلت: محمدبن عبدالله فتغيروا الله لونه، ثم قال: فترى أن تأمره أن يكشف لى عن ظهره لانظر إليه، فكشف عن ظهره، فلما رأي الخاتم انكب عليه يقبله ويبكي، ثم قال: ياهذا اسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذى ولد فيه فإنك لوتدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي: أتري أن يلبس هذا القميص ليذكرني به، فلم يقبله ورأيته كارها لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم وقلت: أنا البسه وعجلت به حتى رددته إلى مكة، فوالله مابقى بمكة يومئذ امرأة ولاكهل ولاشاب ولاصغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ماخلا أبوجهل - لعنه الله - فإنه كان فاتكا ماجنا(1) قد ثمل من الكسر(2).



___________________________________



(1) الفاتك: الذى يرتكب مادعت اليه النفس، والجرى الشجاع.



والماجن: الذي لايبالي قولا وفعلا.والثمل السكر.



يقال: ثمل - كفرح - والمراد هنا شدته، أو السكر - بالتحريك - وهو الخمر ونبيذ يتخذ من التمر.



(2) اعلم أن هذه القصة مع ضعف سندها وانقطاعها واشتمالها على الغرائب التى كانت شأن الاساطير نقلها جمع من المؤرخين باختلافات في متنها وألفاظها راجع سيرة ابن هشام ج 1 ص 191، والمواهب اللدنية وشرحه، واعلام الورى، وتاريخ الطبري، وتاريخ الخميس وغيرها.



[187]



34 - وبهذا الاسناد، عن عبدالله بن محمدقال: حدثني أبي.



وحدثني عبدالرحمن ابن محمد، عن(محمدبن)(1) عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده أن أبا طالب قال: لما فارقه بحيري بكى بكاء شديدا وأخذ يقول: ياابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب بوترها، وقد قطعك الاقارب ولوعلموا لكنت لهم بمنزلة الاولاد ثم التفت إلى وقال: أما أنت ياعم فارغ فيه قرابتك الموصولة واحتفظ فيه وصية أبيك فإن قريشا ستهجرك فيه فلاتبال، وإنى أعلم أنك لاتؤمن به ظاهرا ولكن ستؤمن به باطنا، ولكن سيؤمن به ولد تلده وسينصره نصرا عزيزا اسمعه في السماوات البطل الهاصر، و(في الارض) الشجاع الانزع(2) منه الفرخان المستشهدان وهو سيد العرب ورئيسها وذوقرنيها وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى عليه السلام، فقال أبوطالب: والله قد رأيت كل الذى وصفه بحيري وأكثر.



35 - حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان يرفعه قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله أراد أبوطالب أن يخرج إلى الشام في عير قريش، فجاء رسو ل الله صلى الله عليه وآله وتشبث بالزمام وقال: ياعم على من تخلفنى لاعلى ام ولاعلى أب، وقد كانت امه توفيت، فرق له أبوطالب ورحمه وأخرجه معه وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله غمامة تظله من الشمس.



___________________________________



(1) مابين القوسين زائد من النساخ ولايخفى على من له معرفة بالرجال، والمراد بعبد الرحمن عبدالرحمن بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.



وبعبدالله عبدالله ابن أبي بكربن محمدبن عمروبن حزم الانصاري كمايظهر من تهذيب التهذيب ج 6 ص 264 وج 5 ص 164.



(2) البطل: الشجاع.



والهاصر: الاسد الشديد الذى يفترس ويكسر، و الانزع: الذى ينحسر شعر مقدم رأسه ممافوق الجبين، وفى بعض النسخ " الاقرع " و المراد: الاصلع.



[188]



فمروا في طريقهم برجل يقال له: بحيري فلما رأي الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاما وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له: يابحيرى والله ماكنا نعهد هذا منك، قال قد أحببت أن تأتوني، فأتوه وخلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحل، فنظر بحيري إلى الغمامة قائمة، فقال لهم: هل بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا: مابقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل، فقال: لاينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أقبل أقبلت الغمامة، فلما نظر إليه بحيري قال: من هذا الغلام؟ قالوا: ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب، فقال له بحيري: هذا ابنك؟ قال أبوطالب: هذا ابن أخي قال: مافعل أبوه؟ قال: توفي، وهو حمل، فقال بحيري لابي طالب: رد هذا الغلام إلى بلاده فإنه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه، فإن لهذا شأنا من الشأن، هذا نبي هذه الامة، هذا نبي السيف.