5ـ باب في غيبة يوسف (ع)
باب في غيبة يوسف عليه السلام
وأما غيبة يوسف عليه السلام فإنها كانت عشرين سنة لم يدهن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب لم يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيام في الجب، وفى السجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنية.
وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين، وكان بينهما مسيرة تسعة أيام فاختلفت عليه الاحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثم إلقائهم إياه في غيابت الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة، ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين، ثم صار إليه بعدذلك ملك مصر(2)، وجمع الله - تعالى ذكره - شمله وأراده تأويل رؤياه.
9 - حدثنا محمدبن على ماجيلويه - رضي الله عنه - قال: حدثنا محمدبن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن بان، عن محمد بن اورمة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسن الواسطي، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قدم أعرابي على يوسف ليشتري منه طعاما فباعه، فلما فرغ قال له يوسف: أين منزلك؟
___________________________________
(2) الذي يظهر من القرآن وبعض الاخبار أنه صار عزيز مصر لا ملكه، والعزيز رئيس الدولة، والملك هو فرعون مصر.
[142]
قال له: بموضع كذا وكذا، قال: فقال له: فإذا مررت بوادي كذا وكذا فقف فناد: يا يعقوب ! يايعقوب ! فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل جسيم وسيم، فقل له: لقيت رجلا بمصر وهويقرئك السلام ويقول لك: إن وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع، قال: فمضى الاعرابي حتى انتهى إلى الموضع فقال لغمانة: احفظوا على الابل ثم نادي: يا يعقوب ! يا يعقوب ! فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتقى الحائط بيده حتى أقبل فقال له لارجل: أنت يعقوب؟ قال: نعم فأبلغه ماقال له يوسف قال: فسقط مغشيا عليه، ثم أفاق فقال: ياأعرابي ألك حاجة إلى الله عزوجل؟ فقال له: نعم إنى رجل كثير المال ولي ابنة عم ليس يولد لى منها واحب أن تدعوالله أن ير زقنى ولدا، قال: فتوضأ يعقوب وصلى ركعتين ثم دعا الله عزوجل، فرزق أربعة أبطن أوقال ستة أبطن في كل بطن اثنان.
فكان يعقوب عليه السلام يعلم أن يوسف عليه السلام حى لم يمت وأن الله تعالى ذكره - سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه: " إنى أعلم من الله ما لاتعلمون "(1) وكان أهله وأقرباؤه يفندونه على ذكره ليوسف حتى أنه لما وجدريح يوسف قال: " إنى لاجد ريح يوسف لولا أن تفندون * قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم * فلما أن جاء البشير(وهو يهودا ابنه وألقى قميص يوسف) على وجهه فارتد بصيرا * قال ألم أقل لكم إنى أعلم من الله مالاتعلمون "(2).
10 - حدثنامحمد بن على ماجيلويه - رضى الله عنه - قال: حدثنا محمدبن - يحيى العطار قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي إسماعيل السراج، عن بشر بن جعفر، عن المفضل - الجعفى أظنه -(3) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: أرتدي ماكان قميص يوسف عليه السلام؟ قلت: لاقال: إن إبراهيم عليه السلام لما اوقدت له النار أتاه جبرئيل عليه السلام بثوب من ثياب الجنة وألبسه إياه فلم يضره معه حر ولابرد، فلما حضر إبراهيم
___________________________________
(1) يوسف: 98.
(2) يوسف: 95 - 98.
(3) في الكافي ج 1 ص 232 " عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام ".
[143]
الموت جعله في تميمة(1) وعلقه إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب، فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه، وكان في عضده حتى كان من أمره ماكان، فلما أخرج يوسف القميص من التميمة، وجد يعقوب ريحه، وهو قوله: إنى لاجد ريح يوسف لولا أن تنفدون "(2) فهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة، قال: قلت: جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟ قال: إلى أهله ثم قال: كل نبي ورث علما أو غيره فقد انتهي إلى(آل) محمد صلى الله عليه وآله.
فروي " أن القائم عليه السلام إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسى، وخاتم سليمان عليهم السلام ".
والدليل على أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه إنما غيب عنه لبلوي واختبار: أنه لما رجع إليه بنوه يبكون قال لهم: يابني لم تبكون وتدعون بالويل؟ ومالى ماأري فيكم حبيبى يوسف؟ " قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين "(3) هذاقميصه قد أتيناك به، قال: ألقوه إلى، فألقوه إليه وألقاه على وجهه فخر مغشيا عليه، فما أفاق قال لهم: يابنى ألستم تزعمون أن الذئب قد أكل حبيبى يوسف؟ قالوا: نعم، قال: مالى لا أشم ريح لحمه؟ ! ومالي أري قميصه صحيحا؟ هبوا أن القميص(4) انكشف من أسفله أرأيتم ماكان في منكبيه وعنقه كيف خلص إليه الذئب من غير أن يخرقه، إن هذا الذئب لمكذوب عليه، وإن ابني لمظلوم " بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " وتولى عنهم ليلتهم تلك لايكلمهم وأقبل يرثى يوسف ويقول: حبيبى يوسف الذى اوثره جميع أولادي فاختلس منى حبيبى يوسف
___________________________________
(1) التميمة: الخرزة التى تعلق على الانسان وغيره من الحيوانات، ويقال لكل عوذة تعلق عليه.
(2) يوسف: 95 والتفنيد: النسبة إلى الفند وهو نقصان عقل يحدث من الهرم.
(3) يوسف: 18.
(4) أي احسبوا.
تتقول: هب زيدا منطلقا بمعنى احسب، يتعدي إلى مفعولين ولا يستعمل منه ماض ولا مستقبل في هذا المعنى(الصحاح).
[144]
الذي كنت أرجوه من بين أولادي فاختلس منى، حبيبى يوسف الذي اوسده يمينى وادثره بشمالى فاختلس منى، حبيبى يوسف الذي كنت أونس به وحدتى فاختلس منى، حبيبى يوسف ليت شعري في أي الجبال طرحوك، أم في أي البحار غرقوك، حبيبى يوسف ليتنى كنت معك فيصيبنى الذي أصابك.
ومن الدليل على أن يعقوب عليه السلام علم بحياة يوسف عليه السلام وأنه في الغيبة قوله: " عسى الله أن يأتينى بهم جمعيا "(1) وقوله لبنيه " يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولاتيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "(2).
وقال الصادق عليه السلام: إن يعقوب عليه السلام قال لملك الموت: أخبرنى عن الارواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة؟ قال: بل متفرقة قال: فهل قبضت روح يوسف في جملة ما قبضت من الارواح؟ قال: لا، فعندذلك قال لبنيه: " يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه " فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب عليه السلام حال يعقوب عليه السلام في معرفته بيوسف وغيبته وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال أهله وأقربائه(3) الذين بلغ من جهلهم بأمر يوسف وغيبته حتى قالوا لابيهم يعقوب: " تالله إنك لفي ضلالك القديم ".
وقول يعقوب - لما ألقى البشير قميص يوسف على وجهه فارتد بصيرا -: " ألم أقل لكم إنى أعلم من الله مالاتعلمون " دليل على أنه قد كان علم أن يوسف حي وأنه إنما غيب عنه للبلوي والامتحان.
11 - حدثنا أبي، ومحمدبن الحسن - رضي الله عنهما - قالا: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن هلال، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن فضالة بن أيوب، عن سدير قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن في القائم سنة من يوسف، قلت كأنك تذكر خبره أو غيبته؟ فقال لي: وماتنكر هذه الامة أشباه الخنازير أن إخوة يوسف كانوا أسباطا أولاد أنبياء تاجروا يوسف وبايعوه وهم إخوته وهو أخو هم فلم يعرفوه حتى قال لهم: " أنا يوسف وهذا أخي " فماتنكر هذه الامة أن يكون الله عزوجل في وقت
___________________________________
(1) يوسف: 84.
(2) يوسف: 88.
(3) في بعض النسخ " حال اخوة يوسف ".
[145]
من الاوقات يريد أن يستر حجته عنهم لقد كان يوسف يوما ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشريوما(1) فلو أراد الله تبارك وتعالى أن يعرفه مكانه لقدر على ذلك والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة في تسعة إيام إلى مصر، فما تنكر هذه الامة أن يكون الله عزوجل يفعل بحجته مافعل بيوسف أن يكون يسير فيما بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لايعرفونه حتى يأذن الله عزوجل له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف عليه السلام حين قال لهم: " هل علمتم مافعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون * قالوا إنك لانت يوسف * قال أنا يوسف وهذا أخي(2) ".