4ـ باب في غيبة ابراهيم (ع)
باب في غيبة ابراهيم عليه السلام
وأما غيبته إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه فانها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه بل هي أعجب منها لان الله عزوجل غيب أثر إبراهيم عليه السلام وهو في بطن أمه حتى حوله له عزوجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثم أخفي أمر ولادته إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.
___________________________________
(1) الاعراف 76 و 77.وفيها " اتعلمون أن صالحا - الاية ".
(2) في بعض النسخ " بغير علام ".
[138]
7 - حدثنا أبي، ومحمدبن الحسن - رضى الله عنهما - قالا: حدثنا سعدبن - عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمدبن أبي عمير، عن هشام بن سالم(1)، عن أبي - بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أبوإبراهيم عليه السلام منجما لنمرود بن كنعان، و كان نمرود لايصدر إلا عن رأيه، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال: لقد رأيت في ليلتى هذه عجبا فقال له نمرود: وماهو؟ فقال: رأيت مولودا يولد في أرضنا هذه فيكون هلاكنا على يديه، ولايلهث إلا قليلا حتى يحمل به، فعجب من ذلك نمرود وقال له: هل حملت به النساء؟ فقال: لا، وكان فيما اوتى به من العلم أنه سيحرق بالنار ولم يكن اوتى أن الله تعالى سينجيه، قال: فحجب النساء عن الرجال، فلم يترك امرأة إلا جعلت بالمدينة حتى لايخلص إليهن الرجال(2) قال: ووقع(3) أبو أبراهيم على امرأته فحملت به وظن أنه صاحبه، فأرسل إلى نساء من القوابل لايكون في البطن شئ إلا علمن به، فنظرن إلى ام إبراهيم، فألزم الله تعالى ذكره ما في الرحم الظهر، فقلن: مانرى شيئا في بطنها، فلما وضعت ام إبراهيم(به) أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود، فقالت له امرأته: لاتذهب بابنك إلى نمرود فيقتله، دعنى أذهب به إلى بعض الغيران(4) أجعله فيه حتى يأتى عليه أجله ولايكون أنت تقتل ابنك، فقال لها: فاذهبي به، فذهبت به إلي غارر، ثم أرضعته، ثم جعلت على باب الغار صخرة، ثم انصرفت عنه، فجعل الله عزوجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبنا(5) وجعل يشب في اليوم كمايشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة كمايشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ماشاء الله أن يمكث،
___________________________________
(1) كأن فيه سقطالما رواه الكلينى في روضة الكافي باسناده عن ابن أبي عمير عن هشام بن أبى أيوب الخزاز عن أبي بصير.
(2) أي لايصل اليهن، وفي الصحاح: خلص اليه الشئ: وصل.
(3) في بعض النسخ " وباشر " بدون " على ".
(4) جمع الغار وهو الكهف في الجبل.
(5) في روضة الكافي " فيشب لبنها ".
[139]
ثم إن امة قالت لابيه: لو أذنت لى حتى أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت، قال: فافعلي، فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليه السلام وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان، فأخذته وضمته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه، فسألها أبوه عن الصبي، فقالت له: قد واريته في التراب، فمكثت تعتل وتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم عليه السلام فتضمه إليها وترضعه ثم تنصرف، فلما تحرك أتته امة كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع، فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها فقالت له: مالك؟ فقال لها: اذهبي بى معك، فقالت له: حتى أستأمر أباك(1).
فلم(2) يزل إبراهيم عليه السلام في الغيبة مخفيا لشخصه، كاتما لامره، حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه.
ثم غاب عليه السلام الغيبة الثانية، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال: " وأعتزلكم وماتدعون من دون الله وأدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيقا " قال الله عزوجل: " فلما اعتزلهم ومايعبدون من دون الله وهبناله إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا * ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا "(3) يعنى به على بن أبي طالب عليه السلام لان إبراهيم قد كان دعا الله عزوجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين فجعل الله تبارك وتعالى له ولاسحاق ويعقوب لسان صدق عليا فأخبر على عليه السلام بأن القائم هو الحادي عشر(4) من ولده وأنه المهدي الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما مئلت جورا وظلما، وأنه تكون له غيبة وحيرة يضل فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، وأن هذا كائن كما أنه مخلوق.
وأخبر عليه السلام في حديث كميل ابن زياد النخعي " أن الارض لاتخلوا من قائم بحجة إما ظاهر مشهور أوخاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته " وقد أخرجت هذين الخبرين في هذا الكتاب بإسنادهما في باب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام من وقوع الغيبة وكررت ذكرهما للاحتياج إليه على أثر ماذكرت من قصة إبراهيم عليه السلام.
ولا براهيم عليه السلام غيبة اخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار.
___________________________________
(1) تتمة الحديث في الكافي ج 8 تحت رقم 558 فليراجع.
(2) من هناكلام المؤلف لابقية الحديث.
(3) مريم: 49 - 51.
(4) كذا ولعله وهم من الراوي والصوبا العاشر.
[140]
8 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن - رضى الله عنهما - قالا: حدثنا سعدبن عبدالله، وعبدالله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة لثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج إبراهيم عليه السلام ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر، فمر بفلاة من الارض فإذا هو برجل قائم يصلى قد قطع إلى السماء صوته(1) ولباسه شعر، فوقف عليه إبراهيم عليه السلام فعجب منه وجلس ينتظر فراغه فلما طال ذلك عليه حركه بيده وقال له: إن لى حاجة فخفف قال: فخفف الرجل وجلس إبراهيم، فقال له إبراهيم عليه السلام لمن تصلي؟ فقال: لاله إبراهيم فقال: من إله إبراهيم؟ قال: الذي خلقك وخلقني، فقال له إبراهيم: لقد أعجبني نحوك(2) وأنااحب أن أواخيك في الله عزوجل، فأين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاء ك؟ فقال له الرجل: منزلي خلف هذه النطقة(3) - وأشار بيده إلى البحر - وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله، ثم قال الرجل لابراهيم: لك حاجة؟ فقال إبراهيم: نعم، فقال الرجل: وماهي؟ قال له: تدعو الله وأؤمن أنا على دعاء ك أو أدعو أنا وتؤمن أنت على دعائي؟ فقال له الرجل: وفيم ندعوالله؟ فقال له إبراهيم: للمذنبين المؤمنين، فقال الرجل: لا، فقال إبراهيم: ولم؟ فقال: لانى دعوت الله منذثلاث سنين بدعوة لم أرإجابتها إلى الساعة وأنا أستحيى من الله عزوجل أن أدعوه بدعوة حتى أعلم أنه قد أجابني، فقال إبراهيم: وفيما دعوته؟ فقال له الرجل: إنى لفى مصلاى هذا ذات يوم إذ مربي غلام أروع(4) النور يطلع من جبهته، له ذؤابة من خلفه، ومعه بقر يسوقها كأنما دهنت دهنا، وغنم يسوقها كأنما دخست دخسا(5) قال: فأعجبني مارأيت منه فقلت: ياغلام لمن هذه البقر، والغنم؟ فقال: لي(6) فقلت:
___________________________________
(1) كذا وفي الكافي " طوله ".والقطع كمافي الوافي: العمود، ولعله تصحيف " رفع ".
(2) أي طريقتك في العبادة، والنحو: الطريق.
(3) النطفة: الماء الصافي قل أو كثر.
(4) الاروع - كجعفر - من الرجال: الذي يعجبك حسنه.
(5) الدخس - بالمعجمعة بين المهملتين -: الورم والسمن.
(6) في الكافي ج 8 ص 392 تحت رقم 591 " فقال لابراهيم ".
[141]
ومن أنت ! فقال: أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عزوجل، فدعوت الله عزوجل عندذلك وسألته أن يريني خليله، فقال له إبراهيم عليه السلام: فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني، فقال له الرجل عند ذلك: الحمدالله رب العالمين الذي أجاب دعوتى قال: ثم قبل الرجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقة، ثم قال: الآن فنعم وداع(1) حتى اؤمن على دعائك، فدعا إبراهيم عليه السلام للمؤمنين والمؤمنات المذنبين من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة والرضا عنهم، قال: وأمن الرجل على دعائه،(قال) فقال أبوجعفر عليه السلام: فدعوة إبراهيم بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة.
___________________________________
(1) في الكافي " فقم وادع "