1ـ باب(1) في غيبة ادريس النبي (ع)
باب(1) في غيبة ادريس النبى عليه السلام
فأول الغيبات غيبة إدريس النبى عليه السلام المشهورة حتى آل الامر بشيعته إلى أن تعذر عليهم القوت وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف باقيتهم، ثم ظهر عليه السلام فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح عليه السلام ثم رفع الله عزو جل إدريس عليه السلام إليه، فلم تزل الشيعة تتوقعون قيام نوح عليه السلام قرنا بعد قرن، و خلفا عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوة نوح عليه السلام.
1 - حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، ومحمد بن موسى بن - المتوكل - رضى الله عنهم - قالوا: حدثنا سعدبن عبدالله، وعبدالله بن جعفر الحميرى، ومحمدبن يحيى العطار قالوا: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، وإبراهيم ابن هاشم جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن على الباقر عليهما السلام قال: كان بدء نبوة إدريس عليه السلام أنه كان في زمانة ملك جبار وأنه ركب ذات يوم في بعض نزهه، فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة(2) فأعجبته فسأل وزراء ه لمن هذه الارض؟ قالوا: لعبد مؤمن من عبيدالملك فلان الرافضى، فدعابه فقال له: أمتعني بأرضك هذه(3) فقال: عيالى أحوج إليها
___________________________________
(1) النسخ مختلفة في عنوان الابواب وهنا في بعضها " الباب الاول " وفى بعضها " الباب الثاني " وفى بعضها " باب " فقط، وفى بعضها " باب " مع الرقم الهندسى.
(2) الرافضة هم الدين تركوا مذهب سلطانهم.
والرفض في اللغة: الترك، والروافض جنود تركوا قائدهم وانصرفوا وذهبوا عنه.
أو المراد الذين رفضوا الشرك والمعاصى او مذهب الملك أو الدنيا ونعيمها، وفى اثبات الوصية " فقيل انها لرجل من الرافضة كان لايتبعه على كفره ويرفضه يسمى رافضيا فدعى به الخ ".
(3) أي اجعلها لى انتفع بها وألتذبها.
[128]
منك، قال: فمسني بها(1) اثمن لك، قال: لا امتعك بها ولا أسومك دع عنك ذكرها، فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكر في أمره وكانت له امرأة من الازارقة(2)، وكان بها معجبا يشاورها في الامر إذا نزل به، فلما استقر في مجلسه بعث إليها ليشاورها في أمر صاحب الارض، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب فقالت: أيها الملك ماالذي دهاك(3) حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك(4)؟ فأخبرها بخبر الارض وماكان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له، فقالت، أيها الملك إنما يهتم به(5) من لايقدر على التغيير والانتقام، فإن كنت تكره أن تقتله بغير حجة فأنا أكفيك أمره واصير أرضه بيديك بحجة لك فيها العذر عند أهل مملكتك، قال: وماهي؟ قالت: أبعث إليه أقواما من أصحابى الازارقة حتى يأتوك به فيشهدوا عليه عندك أنه قد برئ من دينك فيجوز لك قتله وأخذ أرضه، قال: فافعلى ذلك، قال: وكان لها أصحاب من الازارقة على دينهايرون قتل الروافض من المؤمنين، فبعثت إلى قوم من الازارقة(6) فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضى عند الملك أنه قد برئ من دين الملك فشهدوا عليه أنه قد برئ من دين الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عندذلك فأوحى الله إلى إدريس أن ائت عبدى هذا الجبار فقل له: أمارضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك، فأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعتزتى لانتقمن له منك في الآجل ولاسلبنك ملكك في العاجل، ولاخربن مدينتك ولاذلن عزك ولا طعمن الكلاب
___________________________________
(1) السوم طلب الشراء أي يعنى.و " أثمن لك " أي أعطيك الثمن.
(2) المراد بهم أهل الروم أوالديلم لان زرقة العيون غالبة فيهم.والارارقة أيضا هم الذين يبيحون مال من على غير عقيدتهم ويستحلون دمه نظير عقيدة الخوارج في الاسلام، والمراد هنا المعنى الثاني.
(3) دهى فلانا أي أصابه بداهية.
(4) أي قبل اتيانك بما غضبت له.
(5) في بعض النسخ " يغتم ويأسف ".
(6) في بعض النسخ " إلى قوم منهم ".
[129]
لحم امرأتك، فقد غرك يامبتلى حلمي عنك.
فأتاه إدريس عليه السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال: أيها الجبار إنى رسول الله إليك وهو يقول لك: أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعزتى لانتقمن له منك في الآجل، ولاسلبنك ملكك في العاجل، ولاخربن مدينتك، و لاذلن عزك، ولا طمعن الكلاب لحم امرأتك، فقال الجبار: اخرج عنى يا إدريس فلن تسبقنى بنفسك(1).
ثم أرسل إلى امرأته فأخبرها بماجاء به إدريس، فقال: لاتهو لنك رسالة إله إدريس أنا أكفيك أمر إدريس، ارسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وكلما جاء ك به، قال: فافعلي، وكان لادريس أصحاب من الرافضة مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم إدريس بماكان من وحى الله عزوجل إليه ورسالته إلى الجبار، وماكان من تبليغه رسالة الله عزوجل إلى الجبار، فأشفقوا على إدريس وأصحابه، وخافوا عليه القتل.
وبعثت امرأة الجبار إلى إدريس أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوه فأتوه في مجلسه الذى كان يجتمع إليه فيه أصحابه، فلم يجدوه، فانصرفوا وقدرآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتقرقوا في طلبه، فلقوه، فقالوا له: خذ حذرك يا إدريس فان الجبار قاتلك قد بعث اليوم أربعين رجلا من الازارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية، فتنحى إدريس، عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه، فلما كان في السحر ناجى إدريس ربه فقال: يارب بعثتنى إلى جبار فبلغت رسالتك، وقد توعدنى هذا الجبار بالقتل، بل هو قاتلى إن ظفربي، فأوحى الله عزوجل: أن تنح عنه واخرج من قريته، وخلنى وإياه فوعزتى لانفذن فيه أمري، ولاصد قن قولك فيه وما أرسلتك به إليه، فقال إدريس: يارب إن لى حاجة، قال الله عزوجل: سل
___________________________________
(1) أي لايمكنك الفرار بنفسك والتقدم بحيث لايمكنني اللحوق بك لاهلاكها أو لاتغلبني في أمر نفسك بان تتخلصها منى.
[130]
تعطها، قال: أسألك أن لاتمطر السماء على أهل هذه القرية وماحولها وماحوت عليه حتى أسألك ذلك، قال الله عزوجل: يا إدريس إذا تخريب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون، قال إدريس: وإن خربت وجهدوا وجاعوا، قال الله عزوجل: فإني قد أعطيتك ماسألت ولن امطر السماء عليهم حتى تسألني ذلك، وأنا أحق من وفي بوعده.
فأخبر إدريس أصحابه بماسأل الله من حبس المطر عنهم، وبما أوحى الله إليه ووعده أن لايمطر السماء عليهم حتى يسأله ذلك.
فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى، فخرجوا منها، وعدتهم يومئذ عشرون رجلا، فتفرقوا في القرى، وشاع خبر إدريس في القرب بما سأل ربه تعالى، وتنحى إدريس إلى كهف في جبل شاهق، فلجأ إليه ووكل الله عزوجل به ملكا يأتيه بطعامه عند كل مساء، وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء، وسلب الله عزوجل عندذلك ملك الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمنين فظهرفي المدينة جبار آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها عليهم، فجهدالقوم اشتدت حالهم وصاروا يمتارون الاطمعة(1) من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا: إن الذى نزل بنا مماترون بسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، وقد خفى إدريس عنا ولا علم لنا بموضعة، والله أرحم بنامنه فأجمع أمرهم على أن يتوبوا إلى الله ويدعوه و يفزعوا إليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ماحوت قريتهم، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب، وعجوا(2) إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع إليه، فأوحى الله عزوجل إلى إدريس يا إدريس إن أهل قريتك قد عجوا إلى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة أعفو
___________________________________
(1) أي يجمعون الاطمعة من أطراف القري.
(2) المسح - بالكسر -: البلاس معرب پلاس.
والحث.والعج: رفع الصوت.
وفى نسخة " ورجعوا ".
[131]
عن السيئة، وقد رحمتهم ولم يمنعني إجابتهم إلى ماسألوني من المطر إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا امطر السماء عليهم حتى تسألني، فسلني ياإدريس حتى اغيثهم وامطر السماء عليهم؟ قال إدريس: اللهم إنى لا أسألك ذلك(1) قال الله عزوجل: ألم تسألني يا إدريس فأجبتك إلى ماسألت وأنا أسألك أن تسألني فلم لاتجب مسألتي؟ قال: إدريس اللهم لا أسألك، فأوحي الله عزوجل إلى الملك - الذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كل مساء - أن احبس عن إدريس طعامه ولاتأته به، فلما أمسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر، فلما كان في(ليلة) اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادي ربه حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحى، فأوحى الله عزوجل إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة إيام ولياليها ولم تجزع ولم تذكر(2) جوع أهل قريتك وجهدهم منذعشرين سنة، ثم سألتك عن جهدهم ورحمتى إياهم أن تسألني أن امطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إياي فأدبتك بالجوع(3)، فقل عندذلك صبرك وظهر جزعك، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلتك.
فهبط إدريس عليه السلام من موضعه إلى قرية يطلب اللة من جوع فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة، فقال لها: أيتها المرأة أطعميني فانى مجهود من الجوع فقالت له: يا عبدالله ماتركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا - وحلفت أنها ماتملك غيره شيئا - فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعمينى ما امسك به روحى وتحملنى به رجلى إلى أن أطلب، قالت: إنما هما قرصتان واحدة لي والاخري لابني فان أطعمتك قوتى مت، وإن أطعمتك قوت ابنى مات، وماههنا فضل اطعمكه، فقال لها: إن.
___________________________________
(1) أمرة تعالى اياه بالدعاء على سبيل الندب أ والتخيير، وعرض ادريس عليه السلام عن التأخير زجرهم عن الفساد وتنبيههم لئلا يخالفوا ربهم بعد دخوله فيهم.
(2) في بعض النسخ " ولم تنكر ".
(3) في البحار " مأذقتك الجوع ".
[132]
ابنك صغير يجزيهه نصف قرصة فيحيى به ويجزيني النصف الآخر فاحيى به وفي ذلك بلغة لى وله، فأكلت المرأة قرصتها وكسرت الاخرى بين إدريس وبين ابنها، فلما رأي ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطراب حتى مات، قال امه: ياعبدالله قتلت على ابنى جزعا على قوته، قال(لها) إدريس: فأنا احييه بإذن الله تعالى فلاتجزعي، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي، ثم قال: أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله، وأنا إدريس.
فرجعت روح الغلام إليه باذن الله، فلما سمعت المرأة كلام إدريس وقوله: " أناإدريس " ونظرت على ابنها قد عاش بعد الموت قالت: أشهد أنك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلي صوتها في القرية أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الاول فوجدها وهي تل، فاجتمع إليه اناس من أهل قريته فقالوا له: يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التى جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها، فادع الله لنا أن يمطر السماء عليناقال: لاحتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك، فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بإدريس فأتوه فقالوا له: إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه، فدعا عليهم فماتوا، فبلغ الجبار ذلك، فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له: يا إدريس إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه، فقال لهم إدريس: انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له: يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت أمالك رحمة؟ فقال: ما أنا بذاهب إليه وما أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتيني جباركم ماشيا حافياوأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضى معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدريس مشاة حفاة، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله عزوجل لهم أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم إدريس: أما الآن فنعم فسأل الله عزوجل إدريس عندذلك أن يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم ونواحيها، فأظلتم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم(1) من
___________________________________
(1) هطلت السماء: نزلت عليهم متتابعا.
وهطل المطر ادا تتابع.
[133]
ساعتهم حتى ظنوا أنه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء