مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة:
مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة:
ولقد كلمنى بعض الملحدين في مجلس الامير السعيد ركن الدولة - رضى الله عنه - فقال لي: وجب علي إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين.
فقلت له: إن أهل الكفر كانوا في أيام نبيناصلى الله عليه وآله أكثر عددا منهم اليوم وقد أسر عليه السلام أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله جل ذكره وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمن لم يثق به، ثم آل الامر إلى أن تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بنى هاشم والمحامين عليه لاجله، فخرجوا إلى الشعب وبقوافيه ثلاث سنين فلو أن قائلا قال في تلك السنين: لم لايخرج محمد صلى الله عليه وآله فانه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على ماكان يكون جوابنا له إلا أنه عليه السلام بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج وباذنه غاب(1) ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر، لان النبى صلى الله عليه وآله بقى في الشعب هذه المدة حتى أوحى الله عزوجل إليه أنه قد بعث أرضه على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبى صلى الله عليه وآله وجميع نبى هاشم، المختومة بأربعين خاتما، المعدلة(3) عند زمعة بن الاسود فأكلت ماكان فيها من قطيعة رحم وتركت ماكان فيها من اسم الله عزوجل، فقام أبوطالب فدخل مكة، فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم إليهم النبى صلى الله عليه وآله حتى يقتلوه أوير جعوه عن نبوته، فاستقبلوه وعظموه فلما جلس قال لهم: يا معشر قريش إن ابن أخى محمد لم اجرب عليه كذبا قط وإنه قد أخبرنى أن ربه أوحى إليه أنه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الارضة فأكلت ماكان فيها من قطيعة رحم وتركت ماكان فيها من أسماء الله عزوجل.
فأخرجوا الصحيفة وفكوها فوجدوها كماقال، فآمن بعض وبقي بعض على كفره، ورجع النبى صلى الله عليه وآله وبنو هاشم إلى مكة.
هكذا الامام عليه السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج.
وشئ آخر وهو أن الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الامام فلو أن قائلا قال: لم يمهل الله أعداء ه ولايبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له
___________________________________
(1) مثل قوله تعالى: " واهجرهم هجرا جميلا ".
(2) كذا، ولعل الصواب " المحفوظة " أو " المودعة ".
[88]
أن الله تعالى ذكره لايخاف الفوت فيعا جلهم بالعقوبة، ولايسأل عما يفعل وهم يسألون.
ولايقال له: لم ولاكيف، وهكذا إظهار الامام إلى الله الذي غيبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.
فقال الملحد: لست اومن بامام لاأراه ولاتلزمنى حجته مالم أره، فقلت له: يجب أن تقول: إنه لاتلزمك حجة الله تعالى ذكره لانك لاتراه ولاتلزمك حجة الرسول عليه السلام لانك لم تره.
فقال للامير السعيد ركن الدولة - رضى الله عنه -: أيها الامير راع مايقول هذا الشيخ فانه يقول: إن الامام إنما غاب ولايرى لان الله عزوجل لايرى، فقال له الامير - رحمه الله -: لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز.
وهذا سبيل جمعى المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا عليه السلام ما يلفظون في دفع ذلك وجحوده إلا بالهذيان والوساوس والخرافات المموهة.
وذكر أبوسهل اسماعيل بن على النوبختى(1) في آخر كتاب التنبيه: وكثيراما يقول خصومنا: لو كان ماتدعون من النص حقا لادعاه على عليه السلام بعد مضى النبى صلى الله عليه وآله.
فيقال لهم: كيف يدعيه فيقيم نفسه مقام مدع يحتاج إلى شهود على صحة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبي عليه السلام فكيف يقبلون دعواه لنفسه، وتخلفه عن بيعة
___________________________________
(1) هو اسماعيل بن على بن اسحاق بن أبي سهل بن نوبخت، كان شيخ المتكلمين من أصحابنا الامامية ببغداد ووجههم، متقدم النوبختيين في زمانه، له جلالة في الدين و الدنيا، يجرى مجرى الوزارء، صنف كتبا كثيرة جملة منها في الرد على أرباب المقالات الفاسدة، وله كتاب الانوار في تواريخ الائمة الاطهار(ع).
رأى مولا نا الحجة عليه السلام عند وفاة أبيه الحسن بن على عليهما السلام، وله احتجاج على الحلاج صارذلك سببا لفضيحة الحلاج و خذلانه.
(الكنى والالقاب للمحدث المقى ره)
[89]
أبى بكر ودفنه فاطمة عليهما السلام من غير أن يعرفهم جمعيا خبرها حتى دفنها سرا أدل دليل على أنه لم يرض بمافعلوه.
فان قالوا: فلم قبلها بعد عثمان؟ قيل لهم: اعطوه بعض ما وجب له فقيله، وكان في ذلك مثل النبى صلى الله عليه وآله حين قبل المنافقين والمؤلفة قلوبهم.
وربما قال خصومنا - إذا عضهم الحجاج(1) ولزمتهم الحجة في أنه لابد من إمام منصوص عليه، عالم بالكتاب والسنة، مأمون عليهما، لاينساهما ولايغلط فيها، ولاتجوز مخالفته، واجب الطاعة بنص الاول عليه - فمن هو هذا الامام سموه لنا ودلونا عليه؟.
فيقال لهم: هذا كلام في الاخبار وهو انتقال من الموضع الذي تكلمنا فيه لانا إنما تكلمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبى عليه السلام وهل يجوز أن لايستخلف وينص على إمام بالصفة التى ذكرناها؟ فاذا ثبت ذلك بالادلة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الامام في كل عصر من قبل الاخبارر ونقل الشيع النص على على عليه السلام وهم الآن من الكثرة واختلاف الاوطان والهم على ماهم عليه يوجب العلم والعمل لاسيما وليس بازائهم فرقة تدعى النص لرجل عبد النبى صلى الله عليه واله غير على عليه السلام، فان عارضونا بما يدعيه أصحاب زرداشت(2) وغيرهم من المبطلين، قيل لهم: هذا المعارضة تلزمكم في آيات النبي صلى الله عليه وآله فاذا انفصلتم بشئ فهوفصلنا لان صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة فانهم لايتعارفون وإن أسلافهم يجب أن يكونوا كذلك(3) بل أخبار الشيع أوكد لانه ليس معهم دولة ولاسيف ولارهبة ولارغبة وإنماتنقل الاخبار الكاذبة لرغبة أورهبة أو حمل عليها بالدول، وليس في أخبار الشيعة شئ من ذلك وإذا صح بنقل الشيعة النص من النبى صلى الله عليه وآله على على عليه السلام صح بمثل ذلك نقلها النص من على على الحسن ومن الحسن على الحسين ثم على إمام إلى الحسن بن علي، ثم
___________________________________
(1) عض الرجل بصاحبه يعض عضيضا أى لزمه(الصحاح).
(2) كناية عن المخالفين للحق.
وزرادشت رئيس مذهب المجوس.
(3) في بعض النسخ " وان اسلامهم يجب أن يكون كذلك ".
[90]
على الغائب الامام بعده عليهم السلام لان رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات كلهم قد شهدوا له بالامامة، وغاب عليه السلام لان السلطان طلبه طلبا ظاهرا، ووكل بمنازله وحرمه سنتين.
فلو قلت: إن غيبة الامام عليه السلام في هذا العصرمن أدل الادلة على صحة الامامة قلت: صدقا لصدق الاخبار المتقدمة في ذلك وشهرتها.
وقدذكر بعض الشيعة ممن كان في خدمة الحسن بن على عليهما السلام وأحد ثقاته أن السبب بينه وبين ابن الحسن بن على عليهما السلام متصل وكان يخرج من كتبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أن توفى وأوصى إلى رجل من الشيعة مستور فقام مقامه في هذا الامر.
وقدسألونا في هذا الغيبة(1) وقالوا: إذا جازأن يغيب الامام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم؟ فيقال لهم: في ارتفاع عينه ارتفاع الحجة من الارض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها.
وأماإذا استتر الامام للخوف على نفسه بأمر الله عزوجل وكان له سبب معروف متصل به وكانت الحجة قائمة إذكانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنما عدم إفتائه وأمره نهيه ظاهرا وليس في ذلك بطلان للحجة، ولذلك نظآئر قد أقام النبى صلى الله عليه وآله في الشعب مدة طويلة وكان يدعو الناس في أول أمره سر ا إلى أن أمن وصارت له فئة وهو في كل ذلك نبى مبعوث مرسل فلم يبطل توقيه وتستره من بعض الناس بدعوته نبوته ولا أدحض ذلك حجته، ثم دخل عليه السلام الغار فأقام فيه فلايعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلك نبوته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوته وكذلك الامام يجوز أن يحبسه السلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتى لايفتى ولايعلم ولايبين، والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبين لانه موجود العين في العالم، ثابت الذات، ولو أن نبيا أو إماما لم يبين ويعلم ويفت(2) لم تبطل نبوته ولا إمامته ولا حجته، ولو ارتفعت ذاته لبطلت
___________________________________
(1) في بعض النسخ " وقدسألونا في ذلك.
(2) في بعض النسخ " ويقل ".
[91]
الحجة، وكذلك يجوز أن يستتر الامام المدة الطويلة إذا خاف ولاتبطل حجة الله عزوجل.
فان قالوا: فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسالة؟ قيل له: كماكان يصنع والنبى صلى الله عليه وآله في الغار من جاء أليه ليسلم وليتعلم منه، فان كان ذلك سائغا في الحكمة كان هذا مثله سائغا.
ومن أوضح الادلة على الامامة أن الله عزوجل جعل آية النبى صلى الله عليه وآله أنه أتى بقصص الانبياء الماضين عليهم السلام وبكل عليم(من) توراة وإنجيل وزبور من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهرا، أولقى نصرانيا أو يهوديا فكان ذلك أعظم آياته، وقتل الحسين بن على عليهما السلام وخلف على بن الحسين عليهما السلام متقارب السن كانت سنة أقل من عشرية سنة، ثم انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا كان يلقاه إلا خواص أصحابه و كان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلا يسيرا لصعوبة الزمان وجور بنى امية ثم ظهر ابنه محمد بن على المسمى بالباقر عليه السلام لفتقه العلم(1) فأتى من علوم الدين و الكتاب والسنة والسير والمغازى بأمر عظيم، وأتى جعفر بن محمد عليهما السلام من بعده من ذلك بماكثر وظهر وانتشر، فلم يبق فن في فنون العلم إلا أتى فيه بأشياء كثيرة، و فسر القرآن والسنن، ورويت عنه المغزى وأخبار الانبياء من غير أن يرى هو وأبوه محمدبن على أو على بن الحسين عليهم السلام عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئا، وفى ذلك أدل دليل على أنهم إنما أخذوا ذلك العلم عن النبى صلى الله عليه وآله، ثم عن على عليه السلام، ثم عن واحد واحد من الائمة، وكذلك جماعة الائمة عليهم السلام هذه سنتهم في العلم(2) يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متفقة من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس، فأي دليل أدل من هذا على إمامتهم وأن النبى صلى الله عليه وآله نصبهم وعلمهم وأودعهم علمه وعلوم الانبياء عليهم السلام قبله، وهل رأينا في العادات
___________________________________
(1) في بعض النسخ " لبقرة العلم ".
(2) في بعض النسخ " سبيلهم في العلم."
[92]
من ظهر عنه مثل ماظهر عن محمدبن على وجعفربن محمد عليهم السلام من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس.
فان قال قائل: لعلهم كانوا يتعلمون ذلك سرا، قيل لهم: قد قال مثل ذلك الدهرية في النبى صلى الله عليه وآله أنه كان يتعلم الكتابة ويقرأ الكتاب سرا.
وكيف يجوز أن يظن ذلك بمحمد بن على وجعفربن محمد على عليهم السلام وأكثر ما أتوا به لايعرف إلا منهم، ولاسمع من غيرهم.
وقد سألونا فقالوا: ابن الحسن لم يظهر ظهورا تاما للخاصة والعامة فمن أين علمتم وجوده في العالم؟ وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة(قد) تواترت أخبارها أنها شاهدتته وعاينته؟ فيقال لهم: إن أمر الدين كله بالاستدلال يعلم، فنحن عرفنا الله عزوجل بالادلة ولم نشاهده، ولا أخبرنا عنه من شاهده، وعرفنا النبى صلى الله عليه وآله وكونه في العالم بالاخبار، وعرفنا نبوته وصدقه بالاستدلال، وعرفنا أنه استخلف على بن أبي طالب عليه السلام بالاستدلال، وعرفنا أن النبى صلى الله عليه وآله وسائر الائمة عليهم السلام بعده عالمون بالكتاب والسنة ولايجوز عليهم في شئ من ذلك الغلط ولا النسيان ولاتعمد الكذب بالاستدلال، وكذلك عرفنا أن الحسن بن علي عليهما السلام إمام مفترض الطاعة، وعلمنا بالاخبار المتواترة عن الائمة الصادقين عليهم السلام أن الامامة لاتكون بعد كونها في الحسن والحسين عليهما السلام إلا في ولد الامام ولايكون في أخ ولاقرابة، فوجب من ذلك أن الامام لايمضى إلا أن يخلف من ولده إماما(1) فلما صحت إمامة الحسن عليه السلام وصحت وفاته ثبت أنه قد خلف من ولده إماما، هذا وجه من الدلالة عليه.
ووجه آخر: وهو أن الحسن عليه السلام خلف جماعة من ثقاته ممن يروي(2) عنه الحلال والحرام ويؤدي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وكانوا بموضع من الستر(3) والعدالة بتعديله إياهم في حياته، فلما مضى أجمعوا جميعا على أنه قد خلف
___________________________________
(1) في بعض النسخ " من بعده اماما ".
(2) في بعض النسخ " يؤدى عنه الحلال ".
(3) في بعض النسخ " في الستر ".
[93]
ولدا هو الامام وأمروا الناس أن لايسألوا عن اسمه وأن يستروا ذلك من أعدائه، و طلبه السلطان أشد طلب ووكل بالدور والحبالى من جواري الحسن عليه السلام، ثم كانت كتب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشيعة بالامر والنهى على أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين سنة، ثم انقطعت المكاتبة ومضى أكثر رجال الحسن عليه السلام الذين كانوا شهدوا بأمر الامام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته فأمر الناس بالكتمان وأن لا يذيعوا شيئا من أمر الامام، وانقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الامام بما ذكرت من الدليل، وبما وصفت عن أصحاب الحسن عليه السلام ورجاله ونقلهم خبره، وصحة غيبته بالاخبار المشهورة في غيبة الامام عليه السلام وأن له غيبتين احديهما أشد من الاخرى.
ومذهبنا في غيبة الامام في هذا الوقت لايشبه مذهب الممطورة(1) في موسى بن جعفر لان موسى مات ظاهرا ورآه الناس ميتا ودفن دفنا مكشوفا ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنة لايدعي أحد أنه يراه ولايكاتبه ولايراسله، ودعواهم أنه حي فيه إكذاب الحواس التى شاهدته ميتا وقد قام بعده عدة أئمة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى عليه السلام.
وليس في دعوا نا هذه - غيبة الامام - إكذاب للحس ولامحال ولا دعوى تنكرها العقول ولاتخرج من العادات وله إلى هذا الوقت من يدعى من شيعته الثقات المستورين أنه باب إليه وسبب يؤدي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل
___________________________________
(1) المراد بالممطورة: الواقفية.
كمافي المجمع قال فيه: والممطر - كمنبر - ما يلبس في المطر يتوقى به.
والممطورة: الكلاب المبتلة بالمطر.
وقال أبومحمد الحسن ابن موسى النوبختى في كتابه " فرق الشيعة " وقد لقب الواقفة بعض مخالفيها ممن قال بامامة على بن موسى " الممطورة " وغلب عليها هذا الاسم وشاع لها.
وكان سبب ذلك أن على ابن اسماعيل الميثمى ويونس بن عبدالرحمن ناظرا بعضهم فقال له على بن اسماعيل - وقد اشتد الكلام بينهم -: ما أنتم الاكلاب ممطورة.
أراد أنكم أنتن من جيف لان الكلاب اذا أصابها المطرفهي أنتن من الجيف.
فلزمهم هذا اللقب فهم يعرفون به اليوم، لانه اذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر عليهما السلام خاصة لان كل من مضى منهم فله واقفة قد وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسى خاصة.
انتهى.
[94]
المدة في الغيبة طولا يخرج من عادات من غاب، فالتصديق بالاخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام على ما شرحت وأنه قد غاب كما جاء ت الاخبار في الغيبة فانها جاء ت مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقعها وتترجاها(1) كما ترجون بعد هذا من قيام القائم عليه السلام بالحق وإظهار العدل.
ونسأل الله عزوجل توفيقا وصبرا جميلا برحمته.
وقال أبوجعفر محمدبن عبدالرحمن بن قبة الرازي في نقض كتاب الاشهاد لابى زيد العلوي، قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لامنازعة فيها: وقالت الزيدية والمؤتمة(2): الحجة من ولد فاطمة بقول الرسول المجمع عليه في حجة الوداع، ويوم خرج إلى الصلاة في مرضعة الذي توفى فيه: " أيها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتى ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض، ألا وإنكم لن تضلوا ما استمستكم بهما ".
ثم أكد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولا لا مخالفة فيه، ثم قال بعد ذلك: إن المؤتمة خالفت الاجماع وادعت الامامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة(3)، ثم لرجل من ذلك البطن في كل عصر.
فأقول - وبالله الثقة: إن في قول النبي صلى الله عليه وآله على مايقول الامامية دلالة واضحة وذلك أن النبى صلى الله عليه وآله قال: " إنى تارك فيكم ماإن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتى أهل بيتى " دل على أن الحجة من بعده ليس من العجم ولامن سائر قبايل العرب بل من عترته أهل بيته، ثم قرن قوله بمادل(به) على مراده فقال: ألا وإنها لن يفترقاحتى يردا على الحوض " فأعلمنا أن الحجة من عترته لا تفارق الكتاب، وإنا متى تمسكنا بمن لا يفارق لكتاب لن نضل، ومن لايفارق الكتاب ممن فرض على الامة أن يتمسكوا به، ويجب في العقول أن يكون عالما بالكتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه، وخاصه من عامه، وحتمه من ندبه، ومحكمه من متشابهه
___________________________________
(1) في بعض النسخ " تتوخاها ".
(2) يعنى الامامام - الاثنى عشرية -.
(3) يريد أن لفظ العترة عام يشملهم جميعا فجيميع العترة داخل.
[95]
ليضع كل شئ من ذلك موضعه الذي وضعه الله عزوجل، لايقدم مؤخرا، ولايؤخر مقدما.
ويجب أن يكون جامعا لعلم الدين كله ليمكن التمسك به والاخذ بقوله فيما اختلفت فيه الامة وتنازعته من تأويل الكتاب والسنة، ولانه إن بقي منه شئ لايعلمه لم يمكن التمسك به ثم متى كان بهذا المحل أيضا لم يكن مأمونا على الكتاب، لم يؤمن أن يغلط فيضع الناسخ منه مكان المنسوخ، والمحكم مكان المتشابه، والندب مكان الحتم، إلى غير ذلك ممايكثر تعداده، وإذا كان(هذا) هكذا صار الحجة والمحجوج سواء، وإذ افسد هذا القول صح ماقالت الامامية من أن الحجة من العترة لايكون إلا جامعا لعلم الدين معصوما مؤتمنا على الكتاب، فان وجدت الزيدية في أئمتها من هذه صفته فنحن أول من ينقادله، وإن تكن الاخرى فالحق أولى ما اتبع.
وقال شيخ من الامامية: إنالم نقل: إن الحجة من ولد فاطمة عليهما السلام قولا مطلقا وقلناه بتقييد وشرائط، ولم نحتج لذلك بهذا الخبر فقط بل احتججنا به و بغيره، فأول ذلك أنا وجدنا النبى صلى الله عليه وآله قد خص من عترته أهل بيته أمير المؤمنين و الحسن والحسين عليهم السلام بماخص به ودل على جلالة خطر هم وعظم شأنهم وعلو حالهم عندالله عزوجل بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف مماشهرته تغنى عن ذكره بيننا وبين الزيدية، ودل الله تبارك وتعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله: " إنمايريد الله ليذهب عنك الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا "(1) و بسورة هل أتى ومايشاكل ذلك، فلما قدم عليه السلام هذه الامور وقرر عند امته أنه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يكن عليه السلام ممن ينسب إلى المحاباة ولاممن يولى ويقدم إلا على الدين علمناأنهم عليهم السلام نالوا ذلك منه استحقاقا بما خصهم به، فلما قال بعد ذلك كله: " قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتى " علمنا أنه عنى هؤلاء دون غيرهم لانه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصه عليه السلام و
___________________________________
(1) الاحزاب: 33.
[96]
نبه على مكانه، ودل على موضعه لئلا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام محاباة، وهذا واضح، والحمد الله، ثم دلنا على أن الامام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين عليه السلام إياه واتباع أخيه له طوعا.
وأما قوله: " إن المؤتمة خالفت الاجماع وادعت الامامة في بطن من العترة " فيقال له: ماهذا الاجماع السابق الذي خالفناه فانا لانعرفه، اللهم إلا أن جعل مخالفة الامامية للزيدية خروجا من الاجماع، فان كنت إلى هذا تومي فليس يتعذر على الامامية أن تنسبك إلى مثل مانسبتها إليه وتدعى عليك من الاجماع مثل الذي ادعيته عليها، وبد فأنت تقول: إن الامامة لاتجوز(1) إلا لولد الحسن والحسين عليهما السلام فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبين لك بأحسن من حجتك ماقلناه، وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله.
ثم قال صاحب الكتاب: وقالت الزيدية: الامامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم عاما لم يخصص بها بعضا دون بعض، ولقول الله عزوجل لهم دون غيرهم باجماعهم: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا - الآية(2).
فأقول - وبالله التوفيق -: قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى لان الزيدية إنما تجيز الامامةلولد الحسن والحسين عليهما السلام(3) خاصة، والعترة في اللغة العم و بنو العم، الاقرب فالاقرب، وماعرف أهل اللغة قط ولاحكى عنهم أحد أنهم قالوا: العترة لاتكون إلا ولدالا بنة من ابن العم، هذا شئ تمنته الزيدية وخدعت به أنفسنا وتفردت بادعائه بلا بيان ولابرهان، لان الذى تدعيه ليس في العقل و لافي الكتاب ولا في الخبر ولافي شئ من اللغات وهذه اللغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم
___________________________________
(1) في بعض النسخ " لاتكون ".
(2) فاطر: 32، وتمام الاية " فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير".
(3) في منقولة المترجم في كتاب المسمى بنامه دانشوران ج 4 ص 278 " الزيدية انماتجيز الامامة لولد الحسين عليه السلام ".
[97]
يبين لكم أن العترة في اللغة الاقرب فالاقرب من العم وبنى العم.
فان قال صاحب الكتاب: فلم زعمت أن الامامة لاتكون(1) لفلان وولده، وهم من العترة عندك؟ قلنا له: نحن لم نقل هذا قياسا وإنما قلناه اتباعا لمافعله صلى الله عليه وآله بهؤلاء الثلاثة(2) دون غير هم من العترة ولو فعل بفلان(3) مافعله بهم لم يكن عندنا إلا السمع والطاعة.
وأما قوله: إن الله تبارك وتعالى قال: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا - الاية ".
فيقال له: قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية وخالفتك الامامية وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الامامية، وأقل ماكان يجب عليك - وقد ألفت كتابك هذا لتبين الحق وتدعو إليه - أن تؤيد الدعوى بحجة، فان لم تكن فاقناع، فان لم يكن فترك الاحتجاج(4) بمالم يمكنك أن تبين أنه حجة لك دون خصومك، فان تلاوة القرآن وادعاء تأويله بلا برهان أمر لايعجز عنه أحد، وقد ادعى خصومنا وخصومك أن قول الله عزوجل: " كنتم خير أمه اخرجت للناس - الآية "(5) هم جميع علماء الامة وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد وأن الاجماع لايتم والحجة لاتثبت بعلم العترة فهل بينك وبينها فصل؟ وهل تقنع منها بماادعت أو تسألها البرهان؟ فان قال: بل أسألها البرهان، قيل له: فهات برهانك أولا على أن المعنى بهذه الآية التى تلوتها هم العترة، وأن العترة هم الذرية وأن الذرية هم ولد الحسن الحسين عليهما السلام دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممن
___________________________________
(1) في بعض النسخ " لاتجوز ".
(2) يعنى امير المؤمنين والسبطين عليهم السلام.
(3) أي لو فعل رسول الله صلى الله عليه وآله مثلا بعباس وولديه عبدالله والفضل مافعل بهؤلاء الثلاثة لم يكن - الخ.
(4) يعنى ان لم تكن حجة فبدليل اقناعى وان لم يكن دليل اقناعى فترك الاحتجاج بماليس لك حجة بل يمكن أن يكون حجة لخصومك.
(5) آل عمران: 110.
[98]
امهاتهم فاطميات.
ثم قال: ويقال للمؤتمة: مادليلكم على إيجاب الامامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع، فان اعتلوا بالوارثة والوصية، قيل لهم: هذه المغيرية(1) تدعى الامامة لولد الحسن ثم في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كل عصر وزمان بالوراثة والوصية من أبيه خالفوكم بعد فيما تدعون كماخالفتم غيركم فيمايدعي.
فأقول - وبالله الثقة -: الدليل على أن الامامة لاتكون إلا لواحد أن الامام لايكون إلا الافضل والافضل يكون على وجهين: إما أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كل واحد من الجميع، فكيف كانت القصة فليس يكون الافضل إلا واحدا لانه من المحال أن يكون أفضل من جميع الامة أو من كل واحد من الامة وفي الامة من هو أفضل منه، فلما لم يجز هذا وصح بدليل تعترف الزيدية بصحة أن الامام لايكون إلا الافضل صح أنها لاتكون إلا لواحد في كل عصر، والفصل فيما بيننا وبين المغيرية سهل واضح قريب والمنة لله، وهو أن النبى صلى الله عليه وآله دل على الحسن والحسين عليهما السلام دلالة بينة وبان بهما من سائر العترة بماخصهما به مماذكرناه ووصفناه، فلما
___________________________________
(1) المغيرة هم أصحاب المغيرة بن سعيد العجلى مولى بجيلة الذى خرج بظاهر الكوفة في امارة خالدبن عبدالله القسرى فظفربه وأحرقه وأحرق أصحابه سنة 119 كمافى تاريخ الطبري وقد تظافرت الروايات بكونه كذابا وروى الكشى روايات كثيرة في ذمه.
وهو وأصحابه أنكروا امامة أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام وقالوا بامامة محمد ابن عبدالله بن الحسن فلما قتل صاروا لا امام لهم ولا وصى ولايثبتون لاحد امامة بعد وفى بعض النسخ المصححة " المفترية " وفى هامشة " العمل أن الفرق بين المفترية والزيدية أن المفترية لايقولون بامامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما السلام بل يقولون: ان الامام بعد الحسن عليه السلام ابنه الحسن المثنى والزيدية قائلون بامامة على بن الحسين من بعد أبيه لكن لم يقولوا بامامة محمدبن على بن الحسن عليهم السلام بل قائلون بامامة زيدبن على بن - الحسين عليهما السلام بعد أبيه وأيضا قائلون بامامة ولد الحسن من كان منهم ادعى الامامة " انتهى.
وفى بعض النسخ " المعترية ".
[99]
مضى الحسن كان الحسين أحق وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرسول صلى الله عليه وآله عليه واختصاصه إياه وإشارته إليه، فلو كان الحسن أوصى بالامامة إلى ابنه لكان مخالفا للرسول صلى الله عليه وآله وحاشاله من ذلك، وبعد فلسنا نشك ولانرتاب في أن الحسين عليه السلام أفضل من الحسين ابن الحسن بن على والافضل هو الامام على الحقيقة عندنا وعند الزيدية، فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الاصل الذي بنو اعليه مقالتهم، ونحن لم نخص على بن الحسين بن على عليهم السلام بماخصصناه به محاباة، ولاقلدنا في ذلك أحدا، ولكن الاخبار قرعت سمعنا فيه بمالم تقرع في الحسن بن الحسن.
ودلنا على أنه أعلم منه ما نقل(1) من علم الحلال والحرام عنه، وعن الخلف من بعده، وعن أبي عبدالله عليه السلام، ولم نسمع للحسن بن الحسن بشئ يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم على بن الحسين عليهما السلام، والعالم بالدين أحق بالامامة ممن لاعلم له، فان كنتم يامعشر الزيدية عرفتم للحسن بن الحسن علما بالحلال و الحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله عزوجل، " أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لايهدي إلا أن يهدي فمالكم كيف تحكمون "(2)، فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدم وطهارة وزكاة وعدالة، والامامة لايتم أمرها إلا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام رب العالمين وبتأويل كتابه، وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحدقالت الزيدية بامامته إلا وهو يقول في التأويل - أعنى تأويل القرآن - على الاستخراج وفي الاحكام على الاجتهاد والقياس، وليس يمكن معرفة وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد، فأما القرآن قد نزل بلغات كثيرة، وفيه أشياء لايعرف المراد منها إلا بتوقيف مثل الصلاة والزكاة والحج(4) ومافي هذا الباب منه،
___________________________________
(1) في بعض النسخ " مافضل ".
(2) يونس: 35.
(3) في بعض النسخ " بالاستخراج ".
(4) يعنى لفظ " الصلاة " و " الزكاة " و " الحج ".
[100]
وفيه أشياء لايعرف المراد إلا بتوقيف مما نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره، فليس يجوز حمله على اللغة لانك تحتاج أولا أن تعلم أن الكلام الذى تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلا، لافي جمله ولافي تفصيله.
فان قال منهم قائل: لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله صلى الله عليه وآله، وماكان سبيله أن يستخرج فقد وكل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلا على بعض فاستغينا بذلك عما تدعون من التوقيف والموقف.
قيل له: لايجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لانا نجد للاية الواحدة تأويلين متضادين كل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسن أن يتعبد الله به، وليس يجوز أن تكون للمتلكم الحكم كلام يحتمل مرادين متضادين.
فان قال: ماينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره.
فيقال للمعترض بذلك: أنكرنا هذا الذي وصفته لامر نخبرك به: ليس تخلو تلك الدلالة التى في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتلمة للتأويل أو غير محتملة فان كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية وإن كانت لاتحتمل التأويل فهى إذا توقيف ونص على المراد بعينه ويجب أن لايشكل على أحد علم اللغة معرفة المراد، وهذا مالاتنكره العقول، وهو من فعل الحكيم جائز حسن، ولكنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائما بين أهل العلم بالدين و اللغة، ولو كان هناك آيات تفسر آيات تفسيرا لايحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين، ولامكن كشف أمرهم بأهون السعي، ولكان من تأويل الآية خارجا من اللغة ومن لسان أهلها، لان الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على مالايحتمله خرجت عن اللغة التى وقع الخطاب بها، فدلونا يا معشر الزيدية على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن مايدل نصا و توقيفا على تأويلها، وهذا أمر متعذر وفي تعذره دليل على أنه لابد للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به، وهذا عندي واضح.
[101]
ثم قال صاحب الكتاب: وهذه الخطابية يدعى الامامة لجعفر بن محمد من أبيه عليهما السلام بالوراثة والوصية، ويقنون على رجعته، ويخالفون كل من قال بالامامة و يزعمون أنكم وافقتموهم في إمامة جعفر عليه السلام وخالفوكم فيمن سواه.
فأقول - وبالله الثقة -: ليس تصح الامامة بموافقة موافق ولامخالفة مخالف وإنما تصح بأدلة الحق وبراهينه وأحسب أن صاحب الكتاب غلط والخطابية قوم غلاة، وليس بين الغلو والامامة(1) نسبة، فان قال: فانى أردت الفرقة التى وقفت عليه(2) قيل له: فيقال لتلك الفرقة: نعلم أن الامام بعد جعفر موسى بمثل ماعلمتم أنتم به أن الامام بعد محمد بن على جعفر، ونعلم أن جعفرا مات كما نعلم أن أباه مات والفصل بيننا وبينكم هو الفصل بينكم وبين السبائية والواقفة على أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فقولوا كيف شئتم(3).
ويقال لصاحب الكتاب: وأنت فما الفصل بينك وبين من اختار الامامة لولد العباس وجعفر وعقيل أعنى لاهل العلم والفضل منهم واحتج باللغة في أنهم من عترة الرسول، وقال: إن الرسول صلى الله عليه وآله عم جميع العترة ولم يخص إلا ثلاثة(4) هم أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم عرفناه وبين لنا.
ثم قال صاحب الكتاب: وهذه الشمطية تدعى إمامة عبدالله بن جعفر بن محمد من أبيه(5) بالوراثة والوصية وهذه الفطحية تدعى إمامة إسماعيل بن جعفر(6) عن
___________________________________
(1) في بعض النسخ " والامامية ".
(2) يعنى على جعفر بن محمد عليهما السلام.
(3) يعنى كل ماقلتم في رد السبائية فنحن عارضناكم بمثله.
(4) كذا.وفى هامش بعض النسخ: الظاهر " ولم يخص بالثلاثة ".
أقول: ويمكن أن يكون " الا " في قوله " الا ثلاثة " زائدا من سهو النساخ.
(5) كذا.وفى فرق الشيعة للنو ببختى " السمطية هم الذين جعلوا الامامة في محمد ابن جعفر وولده من بعده وهذه الفرقة تسمى " السمطية " نسبة إلى رئيس لهم يقال له يحيى ابن أبى السميط " انتهى.
وفى المحكى عن المقريزى يحيى بن شميط الاحمسى ويذكر انه كان قائدا من قواد مختاربن أبى عبيدة الثقفى " والظاهر التعدد لتقدم المختار عن محمد بتسعين سنة.
(6) كذا.وفى كتاب النوبختى الفطحية فرقة يقولون بامامة عبدالله بن جعفر وسموا. بذلك لان عبدالله كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقل بعض الرواة: نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له: عبدالله بن فطيح.
[102]
أبيه بالوراثة والوصية، وقبل ذلك(إن) ما قالوا بامامة عبدالله بن جعفر ويسمون اليوم إسماعيلية لانه لم يبق للقائلين بامامة عبدالله بن جعفر خلف ولابقية، وفرقة من الفطحية يقال لهم: القرمطة(1) قالوا بامامه محمدبن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية.
وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدعى الامامة لموسى وترتقب لرجعته.
وأقول: الفرق بيننا وبين هؤلاء سهل واضح قريب: أما الفطحية فالحجة عليهما أوضح من أن تخفى لان إسماعيل مات قبل أبي عبدالله عليه السلام، والميت لايكون خليفة الحى، وإنما يكون الحى خليفة الميت، ولكن القوم عملوا على تقليد الروساء وأعرضوا عن الحجة ومافي بابها.
وهذا أمر لايحتاج فيه على إكثار لانه ظاهر الفساد، بين الانتقاد.
وأما القرامطة فقد نقضت الاسلام حرفا حرفا، لانها أبطلت أعمال الشريعة و جاء ت بكل سوفسطائية، وإن الامام إنمايحتاج إليه للدين وإقامة حكم الشريعة فاذا جاء ت القرامطة تدعى أن جعفر بن محمد أو وصيه استخلف رجلا دعا إلى نقض الاسلام والشريعة والخروج عما عليه طبايع الامة لم نحتج في معرفة كذبهم إلى أكثر من دعواهم المتناقض الفاسد الركيك
___________________________________
(1) هم فرقة من المباركية وانما سموا بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الانباط كان يلقب " قرمطويه " كانوا في الاصل على مقالة المباركية ثم خالفوهم فقالوا: لايكون بعد محمد صلى الله عليه وآله الاسبعة أئمة على بن ابي طالب إلى جعفر بن محمد ثم محمد بن اسماعيل وهو الامام القائم المهدي وهو رسول.
وزعموا أن النبى انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذى امر فيه بنصب على بن أبي طالب عليه السلام للناس في غدير خم، فصارت الرسالة في ذلك اليوم في على بن أبي طالب، واعتلوافي ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وآله " من كنت مولاه فهذا على مولاه " وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة والتسليم منه في ذلك لعلى عليه السلام بامر الله عزوجل وأن النبى صلى الله عليه وآله بعد ذلك كان مأموما لعلى محجوجا به.
(قال النوبختى) وفى تلبيس ابليس لابن الجوزى تحقيق لسبب تسمية القرامطة بهذا الاسم.
[103]
وأما الفصل بيننا وبين سائر الفرق فهو أن لنانقله أخبار وحملة آثار قد طبقوا البلدان كثرة، ونقلوا عن جعفر بن محمد عليهما السلام من علم الحلال والحرام مايعلم بالعادة الجارية والجربة الصحيحة أن ذلك كله لايجوز أن يكون كذبا مولدا، وحكوا مع نقل ذلك عن أسلافهم أن أبا عبدالله عليه السلام أوصى بالامامة إلى موسى عليه السلام، ثم نقل إلينا من فضل موسى عليه السلام وعلمه ماهو معروف عند نقله الاخبار، ولم نسمع لهؤلاء بأكثر من الدعوى وليس سبيل التواتر وأهله سبيل الشذوذ وأهله، فتأملوا الاخبار الصادقة تعرفا بهافصل مابين موسى عليه السلام ومحمد وعبدالله بنى جعفر، وتعالوا نمتحن هذا الامر بخمس مسائل من الحلال والحرام مماقد أجاب فيه موسى عليه السلام فان وجدنا لهذين فيه جوابا عند أحد من القائلين بامامتهما فالقول كمايقولون، وقدروت الامامية أن عبدالله بن جعفر سئل كم في مائتى درهم؟ قال: خمسة دراهم، قيل له: وكم في مائة درهم؟ فقال: درهمان ونصف(1).
ولو أن معترضا اعترض على الاسلام وأهله فادعي أن ههنا من قد عارض القرآن(2) وسألنا أن نفصل بين تلك المعارضة والقرآن، لقلنا له: أما القرآن فأظهر تلك المعارضة حتى نفصل بينها وبين القرآن.
وهكذا نقول لهذه الفرق، أما أخبارنا فهي مروية محفوظة عند أهل الامصار من علماء الامامية فأظهروا تلك الاخبار التى تدعونها حتى نفصل بينها وبين أخبارنا، فأما أن تدعواخبرا لم يسمعه سامع ولاعرفه أحدثم تسألونا الفصل بين(هذا) الخبر فهذا مالا يعجز عن دعوى مثله أحد، ولو أبطل مثل هذه الدعوى أخبار أهل الحق من الامامية لابطل مثل هذه الدعوي من البراهمة أخبار المسلمين، وهذه واضح ولله المنة.
وقد ادعت الثنوية أن مانى أقام المعجزات وأن لهم خبرا يدل على صدقهم،
___________________________________
(1) يعنى لم يعلم عبدالله أن نصاب الدرهم في الزكاة مائتان، ولازكاة فيمادون ذلك فأجاب في المسألة بالقياس وأخطأ.
(2) يعنى ادعى أنه جاء رجل وأتى بمثل هذا القرآن.
[104]
فقال لهم الموحدون: هذه دعوى لايعجز عنها أحد فأظهروا الخبر لندلكم على أنه لايقطع عذرا ولا يوجب حجة، وهذا شبيه بجوابنا لصاحب الكتاب.
ويقال لصاحب الكتاب: قد ادعت البكرية والاباضية(1) أن النبى صلى الله عليه وآله نص على أبي بكر وأنكرت أنت ذلك كما أنكرنا نحن أن أبا عبدالله عليه السلام أوصى إلى هذين، فبين لنا حجتك ودلنا على الفصل بينك وبين البكرية والاباضية لندلك بمثله على الفصل بيننا وبين من سميت.
ويقال لصاحب الكتاب: أنت رجل تدعى أن جعفر بن محمد كان على مذهب الزيدية وأنه لم يدع الامامة من الجهة التى تذكرها الامامية وقداد عى القائلون بامامة محمدبن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلاف ماتدعيه أنت وأصحابك ويذكرون أن أسلافهم رووا ذلك عنه فعرفنا الفصل بينكم وبينهم لنأتيك بأحسن منه، وأنصف من نفسك فأنه أولى بك.
وفرق آخر: وهو أن أصحاب محمدبن جعفر وعبدالله بن جعفر معترفون بأن الحسين نص على على وأن عليا نص محمد وأن محمد انص على جعفر ودلينا أن جعفرا نص على موسى عليهم السلام هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء على أن الحسين نص على على، وبعد فان الامام إذا كان ظاهرا واختلف إليه(2) شيعته ظهر علمه وتبين معرفته بالدين، ووجدنا رواة الاخبار وحملة الآثار قد نقلوا عن موسى من علم الحلال واالحرام ماهو مدون مشهور، وظهر من فضله في نفسه ماهو بين عند الخاصة و العامة وهذه هي أمارات الامامة فلما وجدناها لموسى دون غيره علمنا أنه الامام بعد أبيه دون أخيه.
وشئ آخر: وهو أن عبدالله بن جعفر مات ولم يعقب ذكرا ولانص على أحد فرجع القائلون بامامته عنها إلى القول بامامة موسى عليه السلام والفصل بعد ذلك بين أخبارنا وأخبارهم هو أن الاخبار لاتوجب العلم حتى يكون في طرقه وواسطته قوم يقطعون
___________________________________
(1) الاباضية: فرفة من الخوارج أصحاب عبدالله بن اباض التميمى.
(2) يعنى بالاختلاف الاياب والذهاب.
[105]
العذر إذا أخبروا، ولسنا نشاح(1) هؤلاء في أسلافهم بل نقصر على أن يوجدونا في دهرنا من حملة الاخبار ورواة الآثار ممن يذهب مذهبهم عددا يتواتر بهم الخبر كما نوجدهم نحن ذلك، فان قدروا على هذا فليظهروه، وإن عجزوا فقد وضح الفرق بيننا وبينهم في الطرف الذي يلينا ويليهم(2) ومابعد ذلك موهوب لهم وهذاواضح و الحمدلله.
وأما الواقفة على موسى عليه السلام فسبيلهم سبيل الواقفة على أبي عبدالله عليه السلام، ونحن فلم نشاهد موت أحد من السلف وإنما صح موتهم عندنا بالخبر فان وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه وبين من وقف على سائرهم وهذا مالاحيلة لهم فيه.
ثم قال صاحب الكتاب: ومنهم فرقة قطعت على موسى وائتموا بعده بابنه على ابن موسى عليهما السلام دون سائر ولد موسى عليه السلام وزعموا أنه استحقها بالوراثة والوصية، ثم في ولده حتى انتهوا إلى الحسن بن على عليهما السلام فادعوا له ولدا وسموه الخلف الصالح فمات قبل أبيه(3)، ثم إنهم رجعوا إلى أخيه الحسن وبطل في محمد ماكانوا توهموا - وقالوا: بدالله من محمد إلى الحسن كما بداله من إسماعيل بن جعفر إلى موسى و قد مات إسماعيل في حياة جعفر - إلى أن مات الحسن بن علي في سنة ثلاث وستين ومأتين فرجع بعض أصحابه إلى إمامة جعفر بن علي، كمارجع أصحاب محمدبن - على بعد وفاة محمد إلى الحسن، وزعم بعضهم أن جعفر بن علي استحق الامامة من أبيه على بن محمد بالوراثة والوصية دون أخيه الحسن، ثم نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصية، وكل هذه الفرق يتشاحون على الامامة ويكفر بعضهم بعضا، ويكذب بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من إمامة بعض، وتدعى كل فرقة الامامة لصاحبها بالوراثة والوصية وأشياء من علوم الغيب، الخرافات أحسن منها ولادليل لكل فرقة فيما تدعى وتخالف الباقين غير الوراثة والوصية، دليلهم شهادتهم لانفسهم
___________________________________
(1) أى لاننازع.
(2) في بعض النسخ " بيننا وبينهم ".
(3) في بعض النسخ بعد قوله: " وسمعوه الخلف الصالح " هكذا " ومنهم فرقة قالت بامامة محمد بن على فمات قبل أبيه ثم انهم رجعوا إلى أخيه الحسن - الخ ".
[106]
دون غير هم قولا بلا حقيقة ودعوى بلادليل، فان كان ههنا دليل فيما يدعي كل طائفة غير الوراثة والوصية وجب إقامة وإن لم يكن غير الدعوى للامامة بالوراثة والوصية فقد بطلت الامامة لكثرة من يدعيها بالوراثة والوصية ولاسبيل إلى قبول دعوى طائفة دون الاخري إن كانت الدعوي واحدة، ولاسيما وهم في إكذاب بعضهم بعضا مجتمعون، وفيما يدعى كل فرقة منهم منفر دون.
فأقول - والله الموفق للصواب -: لو كانت الامامة تبطل لكثرة من يدعيها لكان سبيل النبوة سبيلها، لانا نعلم أن خلقا قد ادعاها، وقد حكى صاحب الكتاب عن الامامية حكايات مضطربة وأوهم أن تلك مقالة الكل وأنه ليس فيهم إلا من يقول بالبداء.
ومن قال: إن الله يبدوله من إحداث رأى وعلم مستفاد فهو كافر بالله.
وماكان غير هذا فهو قول المغيرية، ومن ينحل للائمة علم الغيب.
فهذا كفر بالله، وخروج عن السلام عندنا.
وأقل ماكان يجب عليه أن يذكر مقالة أهل الحق، وأن لايقتصر على أن القوم اختلفوا حتى يدل على أن القول بالامامة فاسد.
بعد فان الامام عندنا يعرف من وجوه سنذكر ها ثم نعتبر مايقول هؤلاء، فان لم نجدبيننا وبينهم فصلا حكمنا بفساد المذهب، ثم عدنا نسأل صاحب الكتاب عن أن أي قول هو الحق من بين الاقاويل: أماقوله: " إن منهم فرقة قطعت على موسى وائتموا بعده بابنه على بن موسى " فهو قول رجل لايعرف أخبار الامامية(1) لان كل الامامية - إلا شرذمة وقفت وشذوذ قالوا بامامة إسماعيل وعبدالله بن جعفر - قالوا بامامة على بن موسى ورووافيه ما هومدون في الكتب، ومايذكر من حملة الاخبار ونقلة الآثار خمسة مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث، وإنما كثرمن كثر منهم بعد، فكيف استحسن صاحب
___________________________________
(1) في بعض النسخ " أخبار الناس ".
[107]
الكتاب أن يقول: " ومنهم فرقة قطعت على موسى "؟ وأعجب من هذا قوله " حتى انتهواإلى الحسن فادعوا له
ابنا " وقد كانوا في حياة على بن محمد وسموا للامامة ابنه محمدا إلا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم، وليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمة بالباطل الذى لاأصل له.
والذي يدل على فسادقوم القائلين بامامة محمد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل ابن جعفر لان القصة واحدة وكل واحد منهما مات قبل أبيه، ومن المحال أن يستخلف الحى الميت ويوصى إليه بالامامة، وهذا أبين من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول.
والفصل بيننا وبين القائلين بامامة جعفر أن حكاية القائلين بامامته عنه اختلف وتضادت لان منهم ومنا من حكى عنه أنه قال: " إنى إمام بعد أخى محمد " ومنهم من حكى عنه أنه قال: " إنى إمام بعد أخى الحسن " ومنهم من قال: إنه قال: " إنى إمام بعد أبى على بن محمد ".
وهذه أخباركما ترى يكذب بعضها بعضا، وخبرنا في أبي الحسن بن على خبر متواتر لايتناقض وهذا فصل بين، ثم ظهر لنا من جعفر مادلنا على أنه جاهل، بأحكام الله عزوجل وهوأنه جاء يطالب أم أبى محمد بالميراث وفي حكم آبائه " أن الاخ لايرث مع الامام " فاذاكان جعفر لايحسن هذا المقدار من الفقه حتى تبين فيه نقصه وجهله، كيف يكون إماما؟ وإنما تعبدنا الله بالظاهر من هذه الامور ولو شئنا أن نقول لقلنا وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على أن جعفر ا ليس بامام.
وأما قوله: " إنهم ادعوا للحسن ولدا " فالقوم لم يدعوا ذلك إلا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث مايحدث، وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر.
وأما قوله: " إن كل هذه الفرق يتشاحون(1) ويكفر بعضهم بعضا " فقدصدق
___________________________________
(1) أي يتنازعون.وتشاح القوم أو الخصمان في الجدل: أراد كل أن يكون هو النالب.
[108]
في حكايته وحال المسلمين في تكفير بعضهم بعضا هذه الحال، فليقل كيف أحب، وليطعن كيف شاء، فان البراهمة تتعلق به فتطعن بمثله في الاسلام من سأل خصمه عن مسألة يريدبها نقض مذهبه إذا ردت عليه كان فيها من نقض مذهبه مثل الذي وقدر أن يلزمه خصمه، فإنما هو رجل يسأل نفسه وينقض قوله، وهذه قصة صاحب الكتاب، و النبوة أصل والامامة فرع فاذا أقر صاحب الكتاب بالاصل لم يحسن به أن يطعن في الفرع بمارجع على الاصل والله المستعان.
ثم قال: ولو جازت الامامة بالوراثة والوصية لمن يدعى له بلادليل متفق عليه لكانت المغيرية أحق بها للاجماع الكل معها على إمامة الحسن بن على الذي هو أصلها المستحق للامامة من أبيه بالوراثة والوصية وامتناعها بعد اجماع الكل معها على إمامة الحسن من إجازتها لغيره.
هذامع اختلاف المؤتمة في دينهم، منهم من يقول بالجسم، ومنهم من يقول بالتناسخ.
ومنهم من تجرد التوحيد ومنهم من يقول بالعدل ويثبت الوعيد، ومنهم من يقول بالقدر ويبطل الوعيد.
ومنهم من يقول بالروية، ومنهم من ينفيها مع القول بالبداء، وأشياء يطول الكتاب بشرحها، يكفربها بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من دين بعض ولكل فرقة من هذه الفرق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم، أدوا إليهم عن أئمتهم ماهم متمسكو به.
ثم قال صاحب الكتاب: وإذاجاز كذا جازكذا، شئ لايجوز عندنا ولم نأت بأكثر من الحكاية، فلامعنى لتطويل الكتاب بذكر ماليس فيه حجة ولافائدة.
فأقول - وبالله الثقة لو كان الحق لايثبت إلا بدليل متفق عليه ما صح حق أبدا ولكان أول مذهب يبطل مذهب الزيدية لان دليلها ليس بمتفق عليه، وأما ماحكاه عن المغيرية فهو شئ أخذته عن اليهود لانها تحتج أبدا باجماعنا وإياهم على نبوة موسى عليه السلام ومخالفتهم إينافي نبوة محمد صلى الله عليه وآله.
وأما تعييره إيانا بالاختلاف في المذاهب وبأنه كل فرقة مناتروى ما تدين به عن أمامها، فهو مأخوذ من البراهمة لانها تطعن به بيعنه دون غيره - على الاسلام
[109]
ولولا الاشفاق من أن يتعلق بعض هؤلاء المجان(1) بما أحكيه عنهم لقلت كمايقولون.
والامامة - أسعدكم الله إنما تصح عندنا بالنص وظهور الفضل والعلم بالدين مع الاعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعية وفي فروعها ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الامام، وسنقول في اختلاف الشيعة قلا مقنعا.
قال صاحب الكتاب: ثم لم يخل اختلافهم من أن يكون مولدا من أنفسهم أومن عند الناقلين إليهم أومن عند أئمتهم، فان كان اختلافهم من قبل أئمتهم فالامام من جمع الكلمة، لامن كان سببا للاختلاف بين الامة لاسيماو هم أولياؤه دون أعدائه، ومن لاتقية بينهم وبينه، وماالفرق بين المؤتمة والامة إذ كانوا(2) مع أئمتهم وحجج الله عليهم في أكثر ماعابوا على الامة التى لا إمام لها من المخالفة في الدين وإكفار بعضهم بعضا، وإن يكن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الامامة، لاسيما إذا كان المدعى له الامامة معدوم العين غير مرئي الشخص، وهو حجة عليهم فيما يدعون لامامهم من علم الغيب إذا كان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته كذا بين يكذبون عليه، ولا علم له بهم، وإن يكن اختلاف المؤتمة في دينها من قبل أنفسهادون أئمتها فما حاجة المؤتمة إلى الائمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهر هم ولاينهاهم وهو التراجمان لهم من الله والحجة عليهم؟ هذا أيضا من أدل الدليل على عدمه وما يدعى من علم الغيب له لانه لو كان موجودا لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله عزوجل: " وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه الآية "(3) فكما بين الرسول صلى الله عليه وآله لامته وجب على الامام مثله لشيعته.
فأقول - وبالله الثقة -: إن اختلاف الامامية إنما هومن قبل كذابين دلسوا
___________________________________
(1) مجن الشئ غلظ وصلب.
مزح وقل حياء، كانه صلب وجهه فهو ماجن والجمع مجان، وفى بعض النسخ " الفجار " وفى بعضها " المخالفين ".
والاشفاق: الخوف.
(2) في بعض النسخ " بين المؤتمة والائمة اذا كانوا ".
(3) النحل: 66