بازگشت

كمال الدين وتمام النعمة


كمال الدين وتمام النعمة



للشيخ الجليل الاقدام الصدوق



ابى جعفر محمد بن على بن الحسين بن بابويه القمى



المتوفى سنه 381



صححه وعلق عليه على اكبر الغفارى



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمدالله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.



الحمدالله الواحد الاحد الفرد الصمد الحي القادر العليم الحكيم، تقدس و تعالى عن صفة المخلوقين، ذي الجلال والاكرام، والافضال والانعام، واالمشيئة النافذة والارادة الكاملة، ليس كمثله شئ، وهو السميع البصير، لاتدركه الابصار، وهو يدرك الابصار، وهو اللطيف الخبير.



وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، خالق كل شئ، ومالك كل شئ وجاعل كل شئ، ومحدث كل شئ، ورب كل شئ، وأنه يقضي بالحق، ويعدل في الحكم، وبحكم بالقسط، ويأمر بالعدل والاحسان، وأيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغئ، نفسا إلا وسعها، ولا يحملها فوق طاقتها، وله الحجة البالغة، ولو شاء لهدى الناس أجمعين، يدعو إلى دار السلام، ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.



لايعجل بالعقوية ولا يعذب إلا بعد إيضاح الحجة وتقديم الآيات والنذارة، لم يستعبد عباده بمالم يبينه لهم، ولم يأمر هم إطاعة من لم ينصبه لهم، ولم يكلهم إلى أنفسهم واختيارهم وآرائهم بطاعته واختراعهم في خلافته(1)، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.



وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وأمينه، وأنه بلغ عن ربه، ودعا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وعمل بالكتاب وأمر باتباعه، وأوصى بالتمسك...



___________________________________



(1) في بعض النسخ " في دينه ".



[2]



به وبعترته الائمة بعده(1) صلوات الله عليهم، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليه حوضه، وإن اعتصام المسلمين بهما على المحجة الواضحة(2)، والطريقة المستقيمة، والحنيفية البيضاء التى ليلها كنهارها، وباطنها كظاهرها، ولم يدع امته في شبهة ولا عمى من أمره، ولم يدخر عنهم دلالة ولانصحية ولاهداية، ولم يدع برهانا ولاحجة إلا أوضح سبيلها وأقام لهم دليلها لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.



وأشهد أنه ليس بمؤمن ولا مومنة إذا قضى الله ورسوله أمر ا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وأن الله يخلق من يشاء ويختار، وأنهم لايؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم، ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضاه ويسلموا تسليما، وإن من حرم حلالا ومن حلل حراما، أو غير سنة، أو نقص فريضة، أو بدل شريعة، أو أحدث بدعة يريد أن يتبع عليها ويصرف وجوه الناس إليها فقد أقام نفسه لله شريكا، ومن أطاعه فقد ادعى مع الله ربا، وباء بغضب الله ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين، وحبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.



وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.



قال الشيخ الفقيه أبوجعفر محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه القمى مصنف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته -: إن الذي دعانى إلى تأليف كتابى هذا: أنى لما قضيت وطرى من زيارة على بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلى نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إلى(3) من الشيعة قد حيرتهم الغيبة، وخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودى في إرشادهم إلى الحق وردهم إلى الصواب بالاخبار الواردة في ذلك عن النبى والائمة صلوات الله عليهم، حتى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، طال ما تمنيت لقاء ه و



___________________________________



(1) في نسخة " بعد وفاته ".



(2) في بعض النسخ " وانه يدل المسلمين بهما على المحجة الواضحة ".



(3) الاختلاف بعمنى التردد اى الذهاب والمجيئ.



[3]



اشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدين أبوسعيد محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن على بن الصلت القمى - أدام الله توفيقه - وكان أبى يروى عن جده محمدبن أحمد بن على بن الصلت - قدس الله روحه - ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمدبن عيسى في فضله وجلالته يروى عن أبى طالب عبدالله ابن الصلت القمي - رضي الله عنه - وبقى(1) حتى لقيه محمدبن الحسن الصفار وروى عنه، فلما أظفرنى الله تعالى ذكره بهذا الشيخ الذى هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسرلي من لقائه وأكرمنى به من إخائه وحبانى به من وده وصفائه، فبينا هو يحدثنى ذات يوم إذ ذكرلى عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقين كلاما في القائم عليه السلام قد حيره وشككه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له فصولا في إثبات كونه عليه السلام ورويت له أخبارا في غيبته عن النبى و الائمة عليهم السلام سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ماكان دخل عليه من الشك والارتياب والشبهة، وتلقى ما سمعه من الآثار الصحيحه بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألنى أن اصنف(له) في هذا المعنى كتابا، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهل الله لى العود إلى مستقري ووطنى بالري.



فبينا أنا ذات ليلة افكر فيما خلقت ورائى من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبنى النوم فرأيت كأنى بمكة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الاسود أستلمه واقبله، وأقول: " أمانتى أديتها وميثاقى تعاهدته لتشهد لى بالموافاة " فأرى مولانا القائم صاحب الزمان - صلوات الله عليه - واقفا بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسم فكر، فعلم عليه السلام مافي نفسي بتفرسه في وجهى، فسلمت عليه فرد على السلام، ثم قال لي: لم لا تصنف كتابا في الغيبة حتى تكفى ما قد همك؟ فقلت له: يا ابن رسول الله قد صنف في الغيبة أشياء، فقال عليه السلام: ليس على ذلك السبيل آمرك أن تصنف(ولكن صنف)(2) الآن كتابا في الغيبة واذكر فيه غيبات الانبياء عليهم السلام.



__________________________________



(1) يعنى عبدالله بن الصلت.



(2) كذا في النسخ.



[4]



ثم مضى صلوات الله عليه، فانتبهت فزعا إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلما أصحبت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلا لامر ولى الله وحجته، مستعينا بالله ومتوكلا عليه ومستغفرا من التقصير، وما توفيقى إلا بالله عليه تولكت وإليه انيب.



الخليفة قبل الخليقة:(1) اما بعد فان الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه: " وإذ قال ربك للملئكة إنى جاعل في الارض خليفة - الآية "(2) فبدأ عزو جل بالخليفة قبل الخليقة، فدل ذلك على أن الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة، فلذلك ابتدأ به لانه سبحانه حكيم، والحكيم من يبدء بالاهم دون الاعم، وذلك تصديق قول الصادق جعفربن محمد عليهما السلام حيث يقول: " الحجة قبل الخلق، ومع الخلق، وبعد الخلق " ولو خلق الله عزوجل الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف، ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الذى توجب حكمته من اقامة الحدود وتقويم المفسد.



و اللحظة الواحدة لاتسوغ الحكمة ضرب صفح عنها(3)، إن الحكمة تعم كما أن الطاعة تعم، ومن زعم أن الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة، ولو لا أن القرآن نزل بأن محمدا صلى الله عليه وآله خاتم الانبياء لوجب كون رسول في كل وقت، فلما صح ذلك لارتفع معنى كون الرسول بعده وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل، وذلك أن الله تقدس ذكره لايدعو إلى سببب إلا بعد أن يصور في العقول حقائقه، وإذا لم يصور ذكل لم تتسق الدعوة ولم تثبت الحجة، وذلك أن الاشياء تألف أشكالها، وتنبو عن أضدادها.



فلو كان في العقل إنكار الرسل لما بعث الله عزوجل نبيا قط.



مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه، ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدى ذلك ألى تلفه، فثبت أن الله أحكم الحاكمين لايدعو إلى سبب إلا وله في



___________________________________



(1) العنوان هنا ومايأتى في المقدمة منا أضفناها تسهيلا للباحثين.



(2) البقرة: 30.



(3) يعنى عن اقامة الحدود.



[5]



العقول صورة ثابتة، وبالخليفة يستدل على المستخلف كما جرت به العادة في العامة والخاصة، وفي المتعارف متى استخلف ملك ظالما استدل بظلم خليفته على ظلم مستخلفه وإذا كان عادلا استدل بعدله على عدل مستخلفه، فثبت أن خلافة الله توجب العصمة ولايكون الخليفة إلا معصوما.



وجوب طاعته الخليفة: ولما استخلف الله عزوجل آدم في الارض أوجب على أهل السماوات الطاعة له فكيف الظن بأهل الارض، ولما أوجب الله عزوجل على الخلق الايمان بملائكة الله وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله، ثم لما امتنع ممتنع من الجن عن السجود له أحل به الذل والصغار والدمار، وأخزاه ولعنه إلى يوم القيامة، علمنا بذلك رتبة الامام وفضله، وان الله تبارك وتعالى لما أعلم الملائكة أنه جاعل في الارض خليفة أشهدهم على ذلك لان العلم شهادة فلزم من ادعى أن الخلق يختار الخليفة أن تشهد ملائكة الله كلهم عن آخر هم عليه، والشهادة العظيمة تدل على الخطب العظيم كما جرت به العادة في الشاهد فكيف وأنى ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائكة الله أولهم وآخرهم، وكيف وأنى يعذب صاحب النص وقد شهدت له ملائكة الله كلهم.



ولد وجه آخر وهو أن القضية في الخليفة باقية إلى يوم القيامة، ومن زعم أن الخليفة أراد به النبوة فقد أخطأ من وجه، وذلك أن الله عزوجل وعد آن يستخلف من هذه الامة(الفاضلة) خلفاء راشدين كما قال جل وتقدس: " وعدالله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا "(1) ولو كانت قضية الخلافة قضية النبوة أوجب حكم الآية أن يبعث الله عزوجل نبيا بعد محمد صلى الله عليه وآله وما صح قوله: " وخاتم النبين "(2) فثبت



___________________________________



(1) النور: 55.



(2) الاحزاب: 40.



[6]



أن الوعد من الله عزو جل ثابت من غير النبوة وثبت أن الخلافة تخالف النبوة بوجه وقد يكون الخليفة غير نبى ولايكون النبي إلا خليفة.



وآخر: هو أنه عزوجل أراد يظهر باستعباده الخلق بالسجود لآدم عليه السلام نفاق المنافق وإخلاص المخلص كما كشفت الايام والخبر عن قناعيهما أعنى ملائكة الله والشيطان، ولو وكل ذلك المعنى - من اختيار الامام - إلى من أضمر سوء ا لما كشفت الايام عنه بالتعرض، وذلك أنه يختار المنافق من سمحت نفسه بطاعته والسجود له، فكيف يوصل إلى مافي الضائر من النفاق والاخلاص والحسد والداء - الدفين.



ووجه آخر: وهو أن الكمة تتفاضل على أقدر المخاطب والمخاطب، فخطاب الرجل عبده يخالف خطاب سيده، والمخاطب كان الله عزووجل، والمخاطبون ملائكة الله أولهم وآخرهم، والكلمة العموم لها مصلحة عموم كما أن الكلمة الخصوص لها مصلحة خصوص، والمثوبة في العموم أجل من المثوبة في الخصوص كالتوحيد الذي هو عموم على عامة خلق الله يخالف الحج والزكاة وسائر أبواب الشرع الذي هو خصوص فقوله عزو وجل: " وإذ قال ربك للمئكة إنى جاعل في الارض خليفة " دل على أن فيه معنى من معانى التوحيد لما أخرجه مخرج العموم، والكلمة إذا جاورت الكلمة في معنى لزمها مالزم اختها إذا جمعهما معنى واحد، ووجه ذلك أن الله سبحانه علم أن من خلقه من يوحده ويأتمر لامره، وأن لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم، ولو أنه عزوجل قصر الايدي عنهم جبرا وقهرا لبطلت الحكمة وثبت الاجبار رأسا(1)، وبطل الثواب والعقاب والعبادات، ولما استحال ذلك وجب أن يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لاتبطل به ومعه العبادات والمثوبات فكان الوجه في ذلك إقامة الحدود كالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق كما قيل: " مايزع السلطان أكثر



___________________________________



(1) في بعض النسخ " لبطلت الحكمة وتنيه الاختيار ".



وفى بعضها " وفائدة الاختيار " وفى بعضها " وتب الاختيار ".



[7]



مما يزع القرآن "(1) وقد نطق بمثله قوله عزوجل: " لانتم أشد رهبة في صدروهم من الله "(2) فوجب أن ينصب عزو جل خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصح به ومعه الولاية لانه لاولاية مع من أغفل الحقوق وضيع الواجبات ووجب خلعه في العقول.



جل الله تعالى عن ذلك، والخليفة اسم مشترك لانه لو أن رجلا بنى مسجدا ولم يؤذن فيه ونصب فيه مؤذنا كان مؤذنه، فأما إذا أذن فيه أياما ثم نصب فيه مؤذنا كان خليفة، وكذلك الصورة في العقول والمعارف متى قال البندار:(3) هذا خليفتى كان خليفته على البندرة لاعلى البريد والمظالم، فكذلك القول في صاحبي البريد والمظالم، فثبت أن الخليفة من الاسماء المشتركة، فكان من صفة الله تعالى ذكره الانتصاب لاوليائه من أعدائه، فوكل من ذلك معنى إلى خليفة فلهذا الشأن استحق معنى الخليفة دون معنى أن يتخذ شريكا معبودا مع الله سبحانه، ولهذا من الشأن قال الله تبارك وتعالى لابليس: " يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت " ثم قال: عزو جل " بيدى أستكبرت "(4) وذكل أنه يقطع العذر ولايوهم أنه خليفة شارك الله في وحدته، فقال: بعدما عرفت أنه خلق الله ما منعك أن تسجد، ثم قال: " بيدي أستكبرت "(5) واليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وقد كان الله عزوجل عليه نعمتان حوتا نعما(6) كقوله عزوجل " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة "(7) وهما نعمتان حوتا



___________________________________



(1) أى ما يمنع الحاكم أكثر مما يمنع القرآن.



(2) الحشر: 13.



(3) البندار - بضم الميم -: من بيده ديوان الخراج، ويقال لمحمد بن بشار البصري: " بندار " لانه جمع حديث أهل بلده.



(4) سورة ص: 75 - وتمامها " ام كنت من العالمين ".



(5) يعنى الباء في قوله " بيدى " ليست متعلقة بخلقت حتى تكون اليد بمعنى القدرة، بل متعلقة بفعل متأخر هوقوله " استكبرت ".



أقول: وفيه مالا يخفى لان الهمزة للاستفهام بقرينة " ام " وشأنها الصدر وعليه فلا يصح أن يكون ما قبلها معمولا لما بعدها كما حقق في محله، وفى حديث عن الرضا عليه السلام قال: يعنى بقدرتى وقوتى.



(6) في بعض النسخ " جرتا نعما " وكذا مايأتي.



(7) لقمان: 20.



[8]



نعما لاتحصى، ثم غلظ عليه القول بقوله عزوجل: " بيدي استكبرت " كقول القائل بسيفى تقاتلنى وبرمحى تطاعننى، وهذا أبلغ في القبح وأشنع، فقوله عزوجل: " وإذ قال ربك للمئكة إني جاعل في الارض خليفة " كانت كلمة متشابهة أحد وجوهها أنه يتصور عند الجاهل أن الله عزوجل يستشير خلقه في معنى التبس عليه ويتصور عند المستدل إذا استدل على الله عزوجل بأفعاله المحكمة وجلالته الجليلة أنه جل عن أن يلتبس عليه معنى أو يستعجم عليه حال فانه لايعجزه شئ في السماوات والارض والسبيل في هذا الآية المتشابهة كالسبيل في أخواتها من الآيات المتشابهات أنها ترد إلى المحكمات مما يقطع به ومعه العذر للمتطرق إلى السفه والالحاد.



فقوله: " وإذ قال ربك للمئلكة إنى جاعل في الارض خليفة " يدل على معنى هدايتهم لطاعة جليلة مقترنة بالتوحيد، نافية عن الله عزوجل الخلع والظلم وتضييع الحقوق وما تصح به ومعه الولاية، فتكمل معه الحجة، ولايبقى لاحد عذ ر في إغفال حق واخرى أنه عزوجل إذا علم استقلال أحد من عباده لمعنى من معانى الطاعات ندبه له حتى تحصل له به عبادة ويستحق معها مثوبة على قدرها مالو أغفل ذلك جاز أن يغفل جميع معانى حقوق خلقه أولهم وآخرهم، جل الله عن ذلك.



فللقو ام بحقوق الله وحقوق خلقه مثوبة جليلة متى فكر فيها مفكر عرف أجزاء ها إذ لاوصول إلى كلها لجلالتها وعظم قدرها، وأحد معانيها وهو جزء من أجزائها أنه يسعد بالامام العادل النملة والبعوضة والحيوان أولهم وآخرهم بدلالة قوله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "(1).



ويدل على صحة ذلك قوله عزوجل في قصه نوح عليه السلام: " فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا - الآية "(2).



ثم من المدرار ماينتفع به الا نسان وسائر الحيوان، وسبب ذلك الدعاة إلى دين الله والهداة إلى حق الله، فمثوبته على أقداره، وعقوبته على من عانده بحسابه.



ولهذا نقول: إن



___________________________________



(1) الانبياء: 107.



(2) نوح: 10 - 12.



[9]



الامام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه.



وقد أخرجت الاخبار التى رويتها في هذا المعنى في هذا الكتاب في باب العلة التى يحتاج من أجلها إلى الامام.



ليس لاحد أن يختار الخليفة الا الله عزوجل: وقول الله عزو جل: " وإذ قال ربك للملئكة إنى جاعل في الارض خليفة" " جاعل " منون(1) صفة الله التى وصف بها نفسه، وميزانه قوله: " إنى خالق بشرا من طين(2) فنونه ووصف به نفسه، فمن ادعى أنه يختار الامام وجب أن يخلق بشرا من طين، فلمابطل هذا المعنى بطل الآخر إذهما في حيز واحد.



ووجه آخر: وهو أن الملائكة في فضلهم وعصمتهم لو يصلحوا لاختيار الامام حتى تولى الله ذلك بنفسه دونهم واحتج به على عامة خلقه أنه لاسبيل لهم إلى اختياره لما لم يكن للملائكة سبيل إليه مع صفائهم ووفائهم وعصمتهم، ومدح الله إياهم في آيات كثيرة مثل قوله سبحانه: " بل عباد مكرمومن لا يسبقونه بالقول وهم بأمر يعملون "(3) وكقوله عزوجل: " لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون(4) ".



ثم إن الانسان بما فيه من السفه والجهل كيف وأنى يستتب له(5) ذلك فهذا والاحكام دون الا مامة مثل الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك لم يكل الله عزو جل شئيا من ذلك إلى خلقه، فكيف وكل إليهم الاهم الجامع للاحكام كلها و الحقائق بأسرها.



___________________________________



(1) يعنى قوله تعالى " جاعل " بالتنوين يفيد الحصر.



(2) ص: 71.



(3) أنبياء: 26 و 27.



(4) التحريم: 6.



(5) أى يهيؤ ويستقيم له.



وفى بعض النسخ " يستثبت له ".