بازگشت

وهل للفرد کلّ هذا الدور؟


ونأتي إلي سؤال آخر في تسلسل الأسئلة المتقدمة، وهو السؤال الذي يقول: هل للفرد ـ مهما کان عظيماً ـ القدرة علي إنجاز هذا الدور العظيم؟ وهل الفرد العظيم إلاّ ذلک الإنسان الذي ترشّحه الظروف ليکون واجهةً لها في تحقيق حرکتها؟

والفکرة في هذا السؤال ترتبط بوجهة نظر معيّنة للتاريخ تفسّره علي أساس أنّ الإنسان عامل ثانوي [1] فيه، والقوي الموضوعية المحيطة به هي العامل الأساسي، وفي إطار ذلک لن يکون الفرد في أفضل الأحوال إلاّ التعبير الذکي عن اتّجاه هذا العامل الأساسي.

ونحن قد أوضحنا في مواضع أخر من کتبنا المطبوعة [2] أنّ التاريخ يحتوي علي قطبين: أحدهما الإنسان، والآخر القوي المادية المحيطة به. وکما تؤثر القوي المادية وظروف الإنتاج والطبيعة في الإنسان، يؤثر الإنسان أيضاً فيما حوله من قويً وظروف، ولا يوجد مبرّر لافتراض أنّ الحرکة تبتدئ من المادة وتنتهي بالإنسان إلاّ بقدر ما يوجد مبرر لافتراض العکس، فالإنسان والمادة يتفاعلان علي مرّ الزمن، وفي هذا الإطار بإمکان الفرد أن يکون أکبر من ببغاء في تيار التاريخ، وبخاصة حين نُدخل في الحساب عامل الصلة بين هذا الفرد والسماء. [3] فإن هذه الصلة تدخل حينئذ کقوة موجّهة لحرکة التاريخ. وهذا ما تحقّق في تاريخ النبوّات، وفي تاريخ النبوّة الخاتمة بوجه خاصّ، فإنّ محمّداً (ص) بحکم صلته الرسالية بالسماء تسلّم بنفسه زمام الحرکة التاريخية، وأنشأ مدّاً حضاريّاً لم يکن بإمکان الظروف الموضوعية التي کانت تحيط به أن تتمخّض عنه بحال من الأحوال، کما أوضحنا ذلک في المقدمة الثانية للفتاوي الواضحة. [4] .

وما أمکن أن يقع علي يد الرسول الأعظم يمکن أن يقع علي يد القائد المنتظر من أهل بيته الذي بشّر [5] به ونوّه عن دوره العظيم.


پاورقي

[1] إشارة إلي نظرية المادية التاريخية، أي إلي التفسير المارکسي للتاريخ، راجع: اقتصادنا 1: 19، وفيه تحليل علميّ ومناقشة فلسفية عميقة بقلم الإمام الشهيد الصدر (ره).

[2] إشارة إلي کتاب (فلسفتنا)، وإلي مقدّمة کتاب (اقتصادنا).

[3] راجع: کتاب الأبطال (البطل في صورة نبيّ) / توماس کارليل / ترجمة الدکتور السباعي، سلسلة الألف کتاب ـ مصر.

[4] راجع المقدمة الثانية في الفتاوي الواضحة: ص 63، وفيها توضيح وتفصيل لهذه المسألة.

[5] التاج الجامع للأصول 5: 343، عن أبي سعيد (رض) عن النبيّ (ص): المهديّ منّي أجلي الجبهة أقني الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً».