بازگشت

کيف تأتي للمهدي هذا العمر الطويل؟


هل بالإمکان أن يعيش الإنسان قروناً کثيرة کما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أکثر من ألف ومئة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة بقدر عمر الإنسان الاعتيادي الذي يمرّ بکل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلي الشيخوخة؟

کلمة الإمکان هنا تعني أحد ثلاثة معان: الإمکان العملي، والإمکان العلمي، والإمکان المنطقي أو الفلسفي.

وأقصد بالإمکان العملي: أن يکون الشيء ممکناً علي نحو يتاح لي أو لک، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحقّقه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلي قاع البحر، والصعود إلي القمر، أشياء أصبح لها إمکان عملي فعلاً. فهناک من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشکل وآخر. [1] .

وأقصد بالإمکان العلمي: أنّ هناک أشياء قد لا يکون بالإمکان عملياً لي أو لک، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدينة المعاصرة، ولکن لا يوجد لدي العلم ولا تشير اتّجاهاته المتحرکة إلي ما يبرّر رفض إمکان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلي کوکب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إنّ اتّجاهاته القائمة فعلاً تشير إلي إمکان ذلک، وإن لم يکن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لک لأنّ الفارق بين الصعود إلي الزهرة والصعود إلي القمر ليس إلاّ فارق درجة، ولا يمثل الصعود إلي الزهرة إلاّ مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من کون المسافة أبعد، فالصعود إلي الزهرة ممکن علمياً وإن لم يکن ممکناً عملياً فعلاً. [2] وعلي العکس من ذلک الصعود إلي قرص الشمس في کبد السماء فإنّه غير ممکن علمياً، بمعني أنّ العلم لا أمل له في وقوع ذلک، إذ لا يتصوّر علمياً وتجريبياً إمکانية صنع ذلک الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثّل أتّوناً هائلاً مستعراً بأعلي درجة تخطر علي بال إنسان.

وأقصد بالإمکان المنطقي أو الفلسفي: أن لا يوجد لدي العقل وفق ما يدرکه من قوانين قبليّة - أي سابقة علي التجربة - ما يبرّر رفض الشيء والحکم باستحالته.

فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون کسر إلي نصفين ليس له إمکان منطقي لأنّ العقل يدرک - قبل أن يمارس أي تجربة - أنّ الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمکن أن تنقسم بالتساوي لأنّ انقسامها بالتساوي يعني کونها زوجاً، فتکون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً. ولکن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أنّ الحرارة لا تتسرّب من الجسم الأکثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة، وإنّما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأکثر حرارة إلي الجسم الأقل حرارة إلي أن يتساوي الجسمان في الحرارة.

وهکذا نعرف أنّ الإمکان المنطقي أوسع دائرة من الإمکان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمکان العملي.

ولا شکّ في أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممکن منطقياً لأنّ ذلک ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض لأنّ الحياة کمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلک.

کما لا شکّ أيضاً ولا نقاش في أنّ هذا العمر الطويل ليس ممکناً إمکاناً عملياً، علي نحو الإمکانات العملية للنزول إلي قاع البحر أو الصعود إلي القمر، ذلک لأنّ العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا يستطيع أن يُمدّد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أنّ أکثر الناس حرصاً علي الحياة وقدرة علي تسخير إمکانات العلم، لا يتاح لهم من العمر إلاّ بقدر ما هو مألوف.

وأما الإمکان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرّر رفض ذلک من الناحية النظرية. [3] وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدي الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض علي أنسجة جسم الإنسان وخلاياه - بعد أن تبلغ قمّة نموّها - أن تتصلّب بالتدريج وتصبح أقل کفاءة للاستمرار في العمل، إلي أن تتعطّل في لحظة معيّنة، حتي لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي؟ أو أنّ هذا التصلب وهذا التناقض في کفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية، نتيجة صراع مع عوامل خارجية کالميکروبات أو التسمّم الذي يتسرّب إلي الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مکثّف؟ أو ما يقوم به من عمل مکثّف أو أي عامل آخر؟

وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم علي نفسه، وهو جادّ في الإجابة عنه، ولا يزال للسؤال أکثر من جواب علي الصعيد العلمي.

فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتّجه إلي تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتکاک مع مؤثرات خارجية معيّنة، فهذا يعني أنّ بالإمکان نظريّاً، إذا عزلت الأنسجة التي يتکوّن منها جسم الإنسان عن تلک المؤثّرات المعيّنة، أن تمتدّ بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلّب عليها نهائياً.

وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخري، التي تميل إلي افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعيّاً للخلايا والأنسجة الحيّة نفسها، بمعني أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.

أقول:

إذا أخذنا بوجهة النظر هذه، فليس معني هذا عدم افتراض أي مرونة في هذا القانون الطبيعي، بل هو - علي افتراض وجوده - قانون مرن لأننا نجد في حياتنا الاعتيادية ولأنّ العلماء يشاهدون في مختبراتهم العلمية، أنّ الشيخوخة کظاهرة فسيولوجية لا زمنيّة، قد تأتي مبکّرة، وقد تتأخر ولا تظهر إلاّ في فترة متأخرة، حتي أنّ الرجل قد يکون طاعناً في السن ولکنه يملک أعضاء ليّنة، ولا تبدو عليه أعراض الشيخوخة کما نصّ علي ذلک الأطباء. [4] بل إنّ العلماء استطاعوا عمليّاً أن يستفيدوا من مرونة ذلک القانون الطبيعي المفترض، فأطالوا عمر بعض الحيوانات مئات المرّات بالنسبة إلي أعمارها الطبيعية وذلک بخلق ظروف وعوامل تؤجل فاعلية قانون الشيخوخة.

وبهذا يثبت علمياً أنّ تأجيل هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معيّنة أمر ممکن علمياً، ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل بالنسبة إلي کائن معقّد معيّن کالإنسان، فليس ذلک إلاّ لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلي الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلي أحياء أخري. وهذا يعني أنّ العلم من الناحية النظرية وبقدر ما تشير إليه اتجّاهاته المتحرّکة لا يوجد فيه أبداً ما يرفض إمکانية إطالة عمر الإنسان، سواء فسّرنا الشيخوخة بوصفها نتاج صراع واحتکاک مع مؤثّرات خارجية، أو نتاج قانون طبيعي للخليّة الحيّة نفسها يسير بها نحو الفناء.

ويتلخّص من ذلک: أنّ طول عمر الإنسان وبقاءه قروناً متعدّدة أمر ممکن منطقياً وممکن علمياً، ولکنه لا يزال غير ممکن عملياً، إلاّ أنّ اتّجاه العلم سائر في طريق تحقيق هذا الإمکان عبر طريق طويل.

وعلي هذا الضوء نتناول عمر المهديّ عليه الصلاة والسلام وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ:

إنه بعد أن ثبت إمکان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمکان النظري إلي إمکان عملي تدريجاً، لا يبقي للاستغراب محتويً إلاّ استبعاد أن يسبق المهديّ العلم نفسه، فيتحوّل الإمکان النظري إلي إمکان عملي في شخصه، قبل أن يصل العلم في تطوّره إلي مستوي القدرة الفعلية علي هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اکتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان.

وإذا کانت المسألة هي أنه کيف سبق الإسلام - الذي صمّم عمر هذا القائد المنتظر - حرکة العلم في مجال هذا التحويل؟

فالجواب: إنه ليس ذلک هو المجال الوحيد الذي سبق فيه الإسلام حرکة العلم.

أوَليست الشريعة الإسلامية ککلّ قد سبقت حرکة العلم والتطوّر الطبيعي للفکر الإنساني قروناً عديدة؟ [5] .

أولم تنادِ بشعارات طرحت خططاً للتطبيق لم ينضج الإنسان للتوصل إليها في حرکته المستقلة إلاّ بعد مئات السنين؟

أولم تأتِ بتشريعات في غاية الحکمة، لم يستطع الإنسان أن يدرک أسرارها ووجه الحکمة فيها إلاّ قبل برهة وجيزة من الزمن؟

أولم تکشف رسالة السماء أسراراً من الکون لم تکن تخطر علي بال إنسان، ثمّ جاء العلم ليثبّتها ويدعمها؟

فإذا کنا نؤمن بهذا کله، فلماذا نستکثر علي مرسل هذه الرسالة - سبحانه وتعالي - أن يسبق العلم في تصميم عمر المهديّ؟ [6] وأنا هنا لم أتکلم إلاّ عن مظاهر السبق التي نستطيع أن نحسّها نحن بصورة مباشرة، ويمکن أن نضيف إلي ذلک مظاهر السبق التي تحدّثنا بها رسالة السماءنفسها.

ومثال ذلک أنها تخبرنا بأنّ النبيّ (ص) قد أسري به ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي، وهذا الإسراء [7] إذا أردنا أن نفهمه في إطار القوانين الطبيعيّة، فهو يعبّر عن الاستفادة من القوانين الطبيعية بشکل لم يُتح العلم أن يحقّقه [8] إلاّ بعد مئات السنين، فنفس الخبرة الربانية أتاحت للرسول (ص) التحرک السريع قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلک، أتاحت لآخر خلفائه المنصوصين العمر المديد، قبل أن يتاح للعلم تحقيق ذلک.

نعم، هذا العمر المديد الذي منحه الله تعالي للمنقذ المنتظر يبدو غريباً في حدود المألوف حتي اليوم في حياة الناس، وفي ما أنجز فعلاً من تجارب العلماء.

ولکن!

أوَليس الدور التغييري الحاسم الذي أعدّ له هذا المنقذ غريباً في حدود المألوف في حياة الناس، وما مرّت بهم من تطورات التاريخ؟

أوَليس قد أنيط به تغيير العالم، وإعادة بنائه الحضاري من جديد علي أساس الحق والعدل؟

فلماذا نستغرب إذا اتّسم التحضير لهذا الدور الکبير ببعض الظواهر الغريبة والخارجة عن المألوف، کطول عمر المنقذ المنتظر؟ فإنّ غرابة هذه الظواهر وخروجها عن المألوف مهما کان شديداً، لا يفوق بحال غرابة نفس الدور العظيم الذي يجب علي اليوم الموعود إنجازه. فإذا کنا نستسيغ ذلک الدور الفريد [9] تاريخياً علي الرغم من أنه لا يوجد دور مناظر له في تاريخ الإنسان، فلماذا لا نستسيغ ذلک العمر المديد الذي لا نجد عمراً مناظراً له في حياتنا المألوفة؟

ولا أدري!

هل هي صدفة أن يقوم شخصان فقط بتفريغ الحضارة الإنسانية من محتواها الفاسد وبنائها من جديد، فيکون لکلّ منها عمر مديد يزيد علي أعمارنا الاعتيادية أضعافاً مضاعفة؟

أحدهما مارس دور في ماضي البشرية وهو النبيّ نوح، الذي نصّ القرآن الکريم [10] علي أنه مکث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وقدّر له من خلال الطوفان أن يبني العالم من جديد.

والآخر يمارس دوره في مستقبل البشرية وهو المهديّ الذي مکث في قومه حتي الآن أکثر من ألف عام، وسيقدّر له في اليوم الموعود أن يبني العالم من جديد.

فلماذا نقبل نوح الذي ناهز ألف عام علي أقل تقدير ولا نقبل المهديّ؟ [11] .


پاورقي

[1] ولم تکن مثل هذه الأمور بمتصوّرة سابقاً قبل وقوعها، ولو حدّث بها أحدٌ من الناس قبل تحقّقها فعلاً لعدّ الحديث مجرّد تخيّلات وأوهام.

[2] الکلام في وقته دقيق علميّاً، فهو يقول: إنه ممکن علمياً، ولکنه لم يکن قد تحقّق فعلاً، والواقع أنّ کثيراً من الإنجازات في عالم الفضاء، وتسيير المرکبات الفضائية إلي کواکب وتوابع الأرض وغيرها قد أصبح حقائق في أواخر القرن العشرين.

[3] نعم، لا يوجد مبرّر علمي واحدٌ يرفض هذه النظرية، بل إنّ علماء الطبّ منشغلون فعلاً بمحاولات حثيثة لإطالة عمر الإنسان، وإنّ هناک عشرات التجارب التي تتمّ في هذا المجال، وذلک وحده ينهض دليلاً قوياً علي الإمکان النظري أو العملي.

[4] يؤکد الأطباء والدراسات الطبيّة علي هذه الملاحظة، وأنّ لديهم مشاهدات کثيرة في هذا المجال، ولعلّ هذا هو الذي دفعهم إلي إجراء محاولات وتجارب لإطالة العمر الطبيعي للإنسان، وکالمعتاد کان مسرح التجربة في البداية هي الحيوانات لميسورية ذلک، وعدم وجود محاذير أخري تمنع إجراء مثل تلک التجارب علي الإنسان.

[5] هذه التساؤلات التي يثيرها السيد الشهيد (ص) تهدف إلي ترسيخ حقيقة مهمة، هي أنّ الرسول الأعظم (ص) عندما بشّر (بالمهديّ)، وهو حالة غير اعتيادية في سياق البشرية، تنبيء في جملتها عن تسجيل سبق في الإمکانية العملية، بعد تأکيد الإمکانيّة العلمية، أي لبقاء الإنسان مدةً أطول بکثير من المعتاد، فإنّ مثل هذا السبق في التنبيه علي حقائق في هذا الوجود کان قد سجّله القرآن الکريم والحديث الشريف في موارد کثيرة جداً في مسائل الطبيعة والکون والحياة، راجع: القرآن والعلم الحديث / الدکتور عبدالرزاق نوفل.

[6] إشارة إلي أنّ هذا من قبيل الإعجاز أيضاً، وهو إفاضة ربانية خاصة، وهذا أمر لا يسع المسلم إنکاره، بعد أن أخبرت بأمثاله الکتب السماوية، وبالأخص القرآن، کالذي ورد في شأن عمر النبيّ نوح (ع)، وکذا ما أخبر به القرآن من المغيبات الأخري، علي أنّ کثيراً من أهل السنّة ومن المتصوّفة وأهل العرفان يؤمنون بوقوع الکرامات ومايشبه المعجزات للأولياء والصلحاء والمقرّبين من حضرة المولي تعالي. راجع: التصوّف والکرامات / الشيخ محمد جواد مغنيّة. وراجع: التاج الجامع للأصول 5: 228 / کتاب الزهد والرقائق، الذين تکلّموا في المهد.

[7] إشارة إلي الآية المبارکة: (سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي...) الإسراء: 1.

[8] إشارة إلي تصميم المرکبات الفضائية، ورکوب الفضاء والتوغّل إلي مسافات بعيدة عن أرضنا، وقطعها في ساعات أو أيام معدودة، وقد أضحت هذه حقائق في حياتنا المعاصرة في أواخر القرن العشرين.

[9] إشارة إلي ما أعدّ للإمام المهدي المنتظر من دور ومهمة تغييرية علي مستوي الوجود الإنساني برمّته کما يشير الحديث الصحيح: «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً».

وهذا الدور وهذه المهمة عليهما الإجماع بين علماء الإسلام، والاختلاف حصل في أمور فرعية.

ومن هنا کان التساؤل الذي أثاره السيد الشهيد (رض) له مبرر منطقي قويّ.

[10] في الآية المبارکة: (فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاماً). العنکبوت: 14.

[11] السؤال موجّه إلي المسلمين المؤمنين بالقرآن الکريم وبالحديث النبوي الشريف، وقد روي علماء السنّة لغير نوح ما هو أکثر من ذلک. راجع تهذيب الأسماء واللغات / النووي 1: 176، ولا يصحّ أن يشکّل أحدٌ بأنّ ذاک أخبر به القرآن فالنصّ قطعيّ الثبوت، وهو يتعلق بالنبيّ المرسل نوح (ع)، أما هنا فليس لدينا نصّ قطعي، ولا الأمر متعلق بنبيّ.

والجواب: أنّ المهمة أولاً واحدة، وهي تغيير الظلم والفساد، وأنّ الوظيفة کما أوکلت إلي النبيّ، فقد أوکلت هنا إلي من اختاره الله تعالي أيضاً، کما هو لسان الروايات الصحيحة. قال الرسول الأعظم (ص): «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم الطوّل الله ذلک اليوم حتي يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...» التاج الجامع للأصول 5: 343.

وأما من جهة قطعيّة النص، فأحاديث المهديّ بلغت حدّ االتواتر، وهو موجب للقطع والعلم، فلا فرق في المقامين، راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 و 360 فقد نقل التواتر عن الشوکاني، وانتهي المحقّقون من علماء الفريقين إلي القول بأنّ من کفر بالمهديّ فقد کفر بالرسول محمد (ص)، وليس ذلک إلاّ بلحاظ أنه ثبت بالتواتر، وأنه من ضرورات الدين، والمنکر لذلک کافر إجماعاً. وراجع: الإشاعة لأشراط الساعة / البرزنجي في بحثه حول المهديّ. وقد نقلنا حکاية التواتر في المقدّمة أيضاً.