بازگشت

المقدمة


ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتّجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطريّ، [1] أدرک الناس من خلاله - علي الرغم من تنوّع عقائدهم ووسائلهم إلي الغيب - أن للإنسانية يوماً موعوداً علي الأرض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الکبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المکدودة للإنسان علي مرّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر علي المؤمنين دينيّاً بالغيب، بل امتدّ إلي غيرهم أيضاً وانعکس حتي علي أشدّ الإيديولوجيّات والاتّجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، کالمادية الجدلية التي فسّرت التاريخ علي أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود، [2] تُصفّي فيه کل تلک التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام. وهکذا نجد أنّ التجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الإنسانية علي مر الزمن، من أوسع التجارب النفسية وأکثرها عموماً بين أفراد الإنسان.

وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤکّد أنّ الأرض في نهاية المطاف ستمتليء قسطاً وعدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، [3] يعطي لذلک الشعور قيمته

الموضوعية، ويحوله إلي إيمان حاسم بمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل مصدر عطاء وقوة. فهو مصدر عطاء لأنّ الإيمان بالمهديّ إيمان برفض الظلم والجور حتي وهو يسود الدنيا کلّها، وهو مصدر قوة ودفع لا ينضب [4] لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان، ويحافظ علي الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمّت الخطوب وتعملق الظلم لأنّ اليوم الموعود يثبت أنّ بإمکان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور، فيزعزع ما فيه من أرکان الظلم، ويقيم بناءه من جديد، [5] وأنّ الظلم مهما تجبّر وامتدّ في أرجاء العالم وسيطر علي مقدّراته، فهو حالة غير طبيعية، ولا بدّ أن ينهزم. [6] وتلک الهزيمة الکبري المحتومة للظلم وهو في قمّة مجده، تضع الأمل کبيراً أمام کلّ فرد مظلوم، وکلّ أمّة مظلومة، في القدرة علي تغيير الميزان وإعادة البناء.

وإذا کانت فکرة المهديّ أقدم من الإسلام وأوسع منه، فإنّ معالمها التفصيلية التي حدّدها الإسلام جاءت أکثر إشباعاً لکلّ الطموحات التي انشدّت إلي هذه الفکرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغني عطاءً، وأقوي إثارةً لأحاسيس المظلومين والمعذّبين علي مرّ التاريخ. وذلک لأنّ الإسلام حوّل الفکرة من غيب إلي واقع، ومن مستقبل إلي حاضر، ومن التطلّع إلي منقذ تتمخّض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلي الإيمان بوجود المنقذ فعلاً، وتطلّعه مع المتطلّعين إلي اليوم الموعود، واکتمال کلّ الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم. فلم يعد المهديّ فکرةً ننتظر ولادتها، ونبوءةً نتطلّع إلي مصداقها، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته، وإنساناً معيّناً يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا، ويشارکنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد کلّ ما تزخر به الساحة علي وجه الأرض من عذاب المعذّبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويکتوي بکلّ ذلک من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يده إلي کلّ مظلوم، وکلّ محروم [7] ، وکلّ بائس، ويقطع دابر الظالمين.

وقد قدّر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه، ولا يکشف للآخرين حياته علي الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للّحظة الموعودة.

ومن الواضح أنّ الفکرة بهذه المعالم الإسلامية، تقرّب الهوّة الغيبية بين المظلومين، کلّ المظلومين والمنقذ المنتظر، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.

ونحن حينما يراد منّا أن نؤمن بفکرة المهديّ، بوصفها تعبيراً عن إنسان حيّ محدّد، يعيش فعلاً کما نعيش، ويترقّب کما نترقّب، يراد الإيحاء إلينا بأنّ فکرة الرفض المطلق لکلّ ظلم وجور التي يمثّلها المهديّ، تجسّدت فعلاً في القائد الرافض المنتظر، الذي سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، کما في الحديث، [8] وأنّ الإيمان به إيمان بهذا الرفض الحيّ القائم فعلاً، ومواکبة له.

وقد ورد في الأحاديث الحثّ المتواصل علي انتظار الفرج، ومطالبة المؤمنين بالمهديّ أن يکونوا بانتظاره. وفي ذلک تحقيق لتلک الرابطة الروحية، والصلة الوجدانية بينهم وبين القائد الرافض، وکلّ ما يرمز إليه من قيم، وهي رابطة وصلة ليس بالإمکان إيجادها ما لم يکن المهديّ قد تجسّد فعلاً في إنسان حيّ معاصر. [9] .

وهکذا نلاحظ أنّ هذا التجسيد أعطي الفکرة زخماً جديداً، وجعل منها مصدر عطاء وقوة بدرجة أکبر، إضافة إلي ما يجده أي إنسان رافض من سلوة وعزاء وتخفيف لما يقاسيه من آلام الظلم والحرمان، حين يحسّ أنّ إمامه وقائده يشارکه هذه الآلام، ويتحسّس بها فعلاً بحکم کونه إنساناً معاصراً، يعيش معه وليس مجرد فکرة مستقبلية. ولکنّ التجسيد المذکور أدّي في نفس الوقت إلي مواقف سلبية تجاه فکرة المهدي نفسها [10] لدي عدد من الناس، الذين صعب عليهم أن يتصوّروا ذلک ويفترضوه.

فهم يتساءلون!

إذا کان المهديّ يعبّر عن إنسان حيّ، عاصر کلّ هذه الأجيال المتعاقبة منذ أکثر من عشرة قرون، وسيظلّ يعاصر امتداداتها إلي أن يظهر علي الساحة، فکيف تأتّي لهذا الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض علي کلّ إنسان أن يمرّ بمرحلة الشيخوخة والهرم، في وقت سابق علي ذلک جدّاً، وتؤدّي به تلک المرحلة طبيعيّاً إلي الموت؟ أوَليس ذلک مستحيلاً من الناحية الواقعية؟ [11] .

ويتساءلون أيضاً!

لماذا کلّ هذا الحرص من الله - سبحانه وتعالي - علي هذا الإنسان بالذات؟ فتُعطّل من أجله القوانين الطبيعيّة، [12] ويفعل ويُفعل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود؟ فهل عقمت البشريّة عن إنتاج القادة ا لأکفّاء؟ ولماذا لا يترک اليوم الموعود لقائد يولد [13] مع فجر ذلک اليوم، وينمو کما ينمو الناس، ويمارس دوره بالتدريج، حتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعد أن ملئت ظلماً وجوراً؟

ويستاءلون أيضاً!

إذا کان المهديّ اسماً لشخص محدّد هو ابن الإمام الحادي عشر [14] من أئمّة أهل البيت (ع)، الذي ولد سنة (256 هـ) [15] وتوفّي أبوه سنة (260 هـ)، فهذا يعني أنه کان طفلاً صغيراً عند موت أبيه، لا يتجاوز خمس سنوات، وهي سن لا تکفي للمرور بمرحلة إعداد فکري وديني کامل علي يد أبيه، فکيف وبأي طريقة يکتمل إعداد هذا الشخص [16] لممارسة دوره الکبير، دينياً وفکرياً وعلمياً؟

ويتساءلون أيضاً!

إذا کان القائد جاهزاً، فلماذا کلّ هذا الانتظار الطويل مئات السنين؟

أوليس في ما شهده العالم من المحن والکوارث الاجتماعية ما يبرّر بروزه [17] علي الساحة وإقامة العدل علي الأرض؟

ويتساءلون أيضاً!

کيف نستطيع أن نؤمن بوجود المهديّ، حتي لو افترضنا أنّ هذا ممکن؟ وهل يسوغ لإنسان أن يعتقد بصحة فرضية من هذا القبيل دون أن يقوم عليها دليل علمي أو شرعي قاطع؟ [18] وهل تکفي بضع روايات تنقل عن النبيّ (ص) لا نعلم مدي صحّتها [19] للتسليم بالفرضية المذکورة؟

ويتساءلون أيضاً بالنسبة إلي ما أعدّ له هذا الفرد من دور في اليوم الموعود!

کيف يمکن أن يکون للفرد هذا الدور العظيم الحاسم في حياة العالم؟! مع أنّ الفرد مهما کان عظيماً لا يمکنه أن يصنع بنفسه التاريخ، ويدخل به مرحلة جديدة، وإنما تختمر بذور الحرکة التاريخية وجذوتها في الظروف الموضوعية وتناقضاتها، وعظمة الفرد [20] هي التي ترشّحه لکي يشکّل الواجهة لتلک الظروف الموضوعية، والتعبير العملي عما تتطلبه من حلول؟

ويتساءلون أيضاً!

ما هي الطريقة التي يمکن أن نتصور من خلالها ما سيتمّ علي يد ذلک الفرد من تحوّل هائل وانتصار حاسم للعدل ورسالة العدل علي کلّ کيانات الظلم والجور والطغيان، علي الرغم مما تملک من سلطان ونفوذ، وما يتواجد لديها من وسائل الدمار والتدمير، وما وصلت إليه من المستوي الهائل في الامکانات العلمية والقدرة السياسية والاجتماعية والعسکرية؟ [21] .

هذه أسئلة قد تتردّد في هذا المجال وتقال بشکل وآخر، وليست البواعث الحقيقية لهذه الأسئلة فکرية فحسب، بل هناک مصدر نفسي لها أيضاً، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالمياً، وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم علي مرّ الزمن من هذا الشعور، تتعمّق الشکوک وتترادف التساؤلات. وهکذا تؤدّي الهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدي الإنسان إلي أن يحسّ نفسيّاً بإرهاق شديد، لمجرد تصور عملية التغيير الکبري للعالم التي تفرغه من کلّ تناقضاته ومظالمه التاريخية، وتعطيه محتويً جديداً قائماً علي أساس الحق والعدل، وهذا الإرهاق يدعوه إلي التشکّک في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر.

ونحن الآن نأخذ التساؤلات السابقة تباعاً لنقف عند کلّ واحد منها وقفة قصيرة بالقدر الذي تتسع له هذه الوريقات.


پاورقي

[1] إشارة إلي أن هذا ارتکاز في ضمير الإنسانية، واعتقاد سائد عند أغلب شعوب الأرض، إذ هناک شعور قويٌّ يخالج وجدان الإنسان بظهور المنقذ عندما تتعقّد الأمور، وتتعاظم المحنة، وتدلّهم الخطوب، ويطبق الظلم، وهو ما تبشّر به الأديان، ويحکيه تاريخ الحضارات الإنسانية. راجع: سيرة الأئمّة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني 2: 516 فيما نقله عن الکتب والمصادر، ومنها: نظرية الإمامية عند الشيعة / الدکتور أحمد محمود صبحي.

[2] إشارة إلي معتقد المارکسيّين وأمانيهم باليوم الموعود، حيث ستسود الشيوعيّة - کما يعتقدون - آخر الأمر ويتوقف الصراع المرير، استناداً إلي نظريّتهم الشهيرة في المادية التاريخية. راجع: فلسفتنا / الشهيد الصدر (ره): ص 26 في عرض النظرية ومناقشتها.

[3] إشارة إلي الحديث الشريف المتواتر: «لو لم يبق من الدهر إلا يومٌ لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً کما مُلئت جوراً». راجع: صحيح سنن المصطفي لأبي داود 2: 207، وراجع: التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.

[4] هذا ردُّ علي من يزعم بأنّ العقيدة في الإمام المهديّ تورث الخمول والسلبية، وهو أبلغ ردّ مستفاد من الحديث الشريف نفسه.

[5] إشارة إلي دولة الإمام (ع) التي أشار إليها الرسول الأکرم (ص)، راجع: التاج الجامع للأُصول 5: 343.

[6] إشارة إلي الوعد الإلهي في قوله تعالي: (ونريد أن نمنّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين). القصص: 5، وأيضاً إشارة إلي قوله تعالي: (ليظهره علي الذين کلّه ولو کره المشرکون). التوبة: 33، راجع في تفسير الآيتين الإشارة إلي المهديّ (ع) ينابيع المودّة / القندوزي الحنفي: ص 450.

[7] إشارة إلي بشارة الرسول الأعظم نبيّنا محمد (ص) في الحديث الشريف: «إنّ في أمّتي المهديّ، يخرج يعيش خسماً أو سبعاً أو تسعاً»، (الشک من الراوي) قال: قلنا: وما ذاک؟ «قال: سنين، قال: فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهديّ أعطني أعطني قال: فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله». رواه الترمذي. راجع: التاج الجامع للأصول / الشيخ منصور علي ناصف 5: 343، وفيه أکثر من إشارة إلي کون الإمام المهديّ موجود حيٌّ يعيش في وسط الأمّة، وأنّ خروجه وعيشه، سبع سنين يعني ظهوره، وقيام دولته المبارکة التي فيها الخلاص والعدل.

[8] ورد عنه (ع) أنه سيظهر وليس في عنقه بيعة لظالم، راجع: الاحتجاج / الطبرسي 2: 545.

[9] إشارة إلي أنّ (المهديّ) ليس مجرد حلم أو فکرة تداعب أفکار المظلومين وتناغي شعورهم، بل هو حقيقة حيّة مجسّدة متشخّصة في ذات إنسان بعينه، ومن هنا تکون الفکرة ملامسة لوجدانهم، يعيشون بها، ويعيشون لها، ويسهمون في التحضير والتهيئة للالتحام في المعرکة الفاصلة التي سيقودها القائد المنتظر، ولو کانت مجرد حلم أو فکرة، فليس من المتوقّع أن تکون مثل تلک الصلة الوجدانية والشعورية. ومن هنا تتأتّي أهمية الانتظار، وتبيّن فلسفته وغاياته، وهو في جملته يتّسق مع حالة الترقّب والإرهاص التي تسبق ظهور المنقذين من الأنبياء والمصلحين.

[10] اختلفت الآراء وتباينت المواقف من مسألة المهديّ المنتظر، تبعاً لاختلاف المواقف من مسألة الغيب الديني والنصوص الدينية المشهورة والمتواترة، علي أنّ هناک إطباقاً بين علماء المسلمين والمحقّقين من أهل الحديث من السنّة والشيعة علي صحة العقيدة بالمهديّ، وعدم جواز التشکيک بها حتي جاء في المأثور: «من أنکر المهديّ فقد کفر...» وقد استوفي هذه المسألة بحثاً الشيخ عبدالمحسن عبّاد في محاضرته التي نشرتها مجلة الجامعة الإسلامية / العدد الثالث / 1969 م. وراجع: غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف 5: 343.

[11] هذا تساؤل فريق من الناس، والواقع أنه يمکن تسجيل الملاحظة السريعة الآتية، وإن کان سيأتي جوابه تفصيلاً:

أ ـ إنه ليس مستحيلاً بالمعني المنطقيّ بل هو في دائرة الإمکان.

ب ـ إنه ليس مستحيلاً عادةً لوقوع نظائر ذلک فعلاً کما نصّ القرآن الکريم في مسألة نوح (ع) في قوله تعالي: (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً). العنکبوت: 14.

[12] إنّ تعطيل القوانين الطبيعية قد حدث مراراً بالنسبة إلي معاجز الأنبياء (ع)، وهذا أمرٌ ضروريّ من الدين لا مجال لنکرانه فإذا أخبر بذلک من وجب تصديقه جاز بلا خلاف.

[13] هذا إشارة إلي عقيدة طوائف من إخواننا أهل السنّة. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 360 الهامش.

[14] هذا التساأل أثير من قبل ويثار اليوم، بأساليب مختلفة، وکلها تستند إلي موهومات وافتراضات لا تقوم علي أساس من العلم، بل هي مجرد تشکيکات، ومحاولات بائسة للفرار من أصل القضية ولوازمها الضرورية، فهي لا تعدو أن تکون أشبه بتشکيکات المادّيين عندما جوبهوا بأدلة العقل والمنطق والعلم فيما يتعلق بالله تعالي، فلجأوا إلي تساؤلات ساذجة تحکي عدم إيمانهم بما قامت عليه الأدلة الوفيرة، نظير قولهم: لو کان موجوداً فلماذا لا نراه؟ ولماذا لا يفعل کذا وکيت؟

وهکذا شأن هؤلاء، فعندما جوبهوا بالأدلة المنطقية والروايات المتواترة في مسألة المهديّ المنتظر مما أطبق عليه الخاص والعام وبما لا يسع المرء إنکاره، لجأوا إلي التشکيک في أنه لم يعرف للحسن العسکري ولدُ، کما اخترعوا أمراً نسبوه زوراً إلي الشيعة من أنهم يقفون علي السرداب يومياً ينادون علي إمامهم بالخروج، إلاّ أنّهم اختلفوا في السرداب فقال قائل منهم: هو في سامراء، وذهب آخرون إلي أنه في النجف وثالث في مکان آخر، وهکذا شأن المنکرين للضرورات تراهم يخبطون خبط عشواء. راجع: معالجتنا في المقدمة.

[15] لقد أثبت الشيخ المفيد في الإرشاد: ص 346، والشيخ الشعراني في اليواقيت والجواهر ج 2 / المبحث 65، ولادة محمد بن الحسن العسکري في عام 255 هـ، وهما من أجلّة المحقّقين لدي الفريقين، وهذا ما يدحض التشکيکات التي يثيرها بعض أدعياء العلم، فضلاً علي ما يقتضيه الحديث المتواتر: «الأئمّة اثنا عشر کلهم من قريش»، فهو لا يستقيم إلاّ بما تقرر لدي الإمامية، وبما التزموا به من إمامة اثني عشر إماماً کلّهم من العترة الطاهرة، أولهم الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وآخرهم المهديّ. وهؤلاء هم المنصوص عليهم، ويدعم ذلک ويشهد له حديث الثقلين المتواتر، وحديث من مات لا يعرف إمام زمانه، فهما لا يستقيمان إلاّ علي عقيدة الإمامية الاثني عشرية. راجع مناقشة وافية في: الأصول العامة للفقه المقارن / العلاّمة محمد تقي الحکيم / بحث حجية السنّة: ص 145 وما بعدها.

[16] إنّ الذي تعهّد وتکفّل بإعداد النبيّ عيسي (ع)، ووهب النبيّ يحيي الحکم والحکمة وهو صبيّ، کما صرّح القرآن، يمکن أن يتعهّد ويتکفّل بمن أعدّه لتطهير الأرض من الظلم والجور في آخر الزمان، کما هو نصّ الخبر المتواتر في المهديّ الذي هو من عترة فاطمة وذريّة الحسين (ع). راجع: التاج الجامع للأصول 5: 341 ـ 343.

[17] إنّ هذه المسألة مرهونة باشتراطاتها الخاصة، وکما تأخّر النبي (ص) إلي زمن ظهوره المبارک لحکم وأمور اقتضتها حکمة المرسل (الله) تعالي علي رغم الاحتياج إليه، فکذا الأمر هنا.

[18] سيناقش الشهيد الصدر هذه المسألة تفصيلاً.

[19] الواقع ـ وکما سيأتي ـ أنّ علماء الأمّة الإسلامية أجمعوا علي صحة أحاديث المهديّ (ع)، ولم يشذ إلاّ من هو ليس من أهل المعرفة بالحديث. راجع: التاج الجامع للأصول 5: 361.

[20] لقد رأينا صنع (الأبطال) تاريخ أممهم، علي أنّ الشهيد الصدر (ره) هنا يقدّم فهماً أصيلاً ومهمّاً جداً لحرکة التاريخ ودور الفرد البطل، وأهمية الظروف الموضوعية في ا لتأثير. وقد أشار توماس کارليل في کتابه (الأبطال) إلي دور البطل. راجع کتابه المذکور، ترجمة الدکتور السباعي - مصر - سلسلة الألف کتاب.

[21] في هذا إشارة إلي أسلحة الدمار (الشامل) فضلاً عن التطور التکنولوجي الذي شمل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وتأثيراتها الهائلة. إلاّ أننا شهدنا کيف توجد بالمقابل الأسلحة المضادّة التي کثيراً ما تعطّل تلک التأثيرات، وکذلک رأينا تأثير المعنويات في إبطال مفعول أسلحة الخصم أو التقليل من آثارها إلي حدٍّ کبير جداً، کما حدث في الثورات والانتفاضات الشعبية.