بازگشت

تشرف عبدالمحسن من أهل السواد بلقاء الحجة و رسالته الي علي بن


قال السيد الجليل صاحب المقامات الباهرة و الکرامات الظاهرة رضي الدين علي بن طاوس في کتاب غياث سلطان الوري علي ما نقله عنه المحدث الاسترابادي في الفوائد المدنية في نسختين کانت احداهما بخط الفاضل الهندي ما لفظه: يقول علي بن موسي بن جعفر بن طاوس: کنت قد توجهت أنا وأخي الصالح محمد بن محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله سعادته، و شرف خاتمته من الحلة إلي مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه، في يوم الثلثاء سابع عشر شهر جمادي الاخري سنة إحدي و أربعين و ستمأة، فاختار الله لنا المبيت بالقرية التي تسمي دورة بن سنجار، و بات أصحابنا و دوابنا في القرية، و توجهنا منها أوائل نهار يوم الاربعاء ثامن عشر الشهر المذکور.

فوصلنا إلي مشهد مولانا علي صلوات الله و سلامه عليه قبل ظهر يوم الاربعاء المذکور، فزرنا و جاء الليل في ليلة الخميس تاسع عشر جمادي الاخري المذکورة فوجدت من نفسي إقبالا علي الله، و حضورا و خيرا کثيرا فشاهدت ما يدل علي القبول و العناية و الرأفة و بلوغ المأمول و الضيافة، فحدثني أخي الصالح محمد بن محمد الآوي ضاعف الله سعادته أنه رأي في تلک الليلة في منامه کأن في يدي لقمة و أنا أقول له: هذه من فم مولانا المهدي عليه السلام و قد أعطيته بعضها.



[ صفحه 209]



فلما کان سحر تلک الليلة، کنت علي ما تفضل الله به من نافلة الليل فلما أصبحنا به من نهار الخميس المذکور، دخلت الحضرة حضرة مولانا علي صلوات الله عليه علي عادتي، فورد علي من فضل الله و إقباله و المکاشفة، ما کدت أسقط علي الارض، و رجفت أعضائي و اقدامي، و ارتعدت رعدة هائلة، علي عوائد فضله عندي و عنايته لي، و ما أراني من بره لي و رفدي، و أشرفت علي الفناء و مفارقة دار الفناء و الانتقال إلي دار البقاء، حتي حضر الجمال محمد بن کنيلة، و أنا في تلک الحال فسلم علي فعجزت عن مشاهدته، و عن النظر إليه، و إلي غيره، و ما تحققته بل سألت عنه بعد ذلک، فعرفوني به تحقيقا و تجددت في تلک الزيارة مکاشفات جليلة، و بشارات جميلة.

و حدثني أخي الصالح محمد بن محمد بن محمد الآوي ضاعف الله سعادته، بعدة بشارات رواها لي منها أنه رأي کأن شخصا يقص عليه في المنام مناما، و يقول له: قد رأيت کأن فلانا يعني عني [1] و کأنني کنت حاضرا لما کان المنام يقص عليه راکب فرسا و أنت يعني الاخ الصالح الآوي، و فارسان آخران قد صعدتم جميعا إلي السماء قال: فقلت له: أنت تدري أحد الفارسين من هو؟ فقال صاحب المنام في حال النوم لا أدري، فقلت: أنت يعني عني ذلک مولانا المهدي صلوات الله و سلامه عليه.

و توجهنا من هناک لزيارة أول رجب بالحلة، فوصلنا ليلة الجمعة، سابع عشر جمادي الآخرة بحسب الاستخارة، فعرفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذکورة أن شخصا فيه صلاح يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد قد حضر بالحلة وکر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهرا في اليقظة، و قد أرسله إلي عناي؟ برسالة، فنفذت قاصدا و هو محفوظ بن قرا فحضرا ليلة السبت ثامن عشر من جمادي الآخرة المقدم ذکرها.



[ صفحه 210]



فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته فهو رجل صالح، لا يشک النفس في حديثه، و مستغن عنا، و سألته فذکر أن أصله من حصن بشر و أنه انتقل إلي الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهدية، و يعرف الدولاب بإبن أبي الحسن و أنه مقيم هناک، و ليس له عمل بالدولاب و لا زرع، و لکنه تأجر في شراء غليلات و غيرها، و أنه کان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر و جاء ليقبضها، و بات عند المعيدية في المواضع المعروفة بالمحبر.

فلما کان وقت السحر کره استعمال ماء المعيدية، فخرج بقصد النهر، و النهر في جهة المشرق، فما أحس بنفسه إلا و هو في قل السلم، في طريق مشهد الحسين عليه السلام، في جهة المغرب، و کان ذلک ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي الآخرة من سنة لحدي و أربعين و ستمأة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله علي فيها و في نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

فجلست أريق ماء و إذا فارس عندي ما سمعت له حسا، و لا وجدت لفرسه حرکة، و لا صوتا، و کان القمر طالعا، و لکن کان الضباب کثيرا. [2] .

فسألته عن الفارس و فرسه، فقال: کان لون فرسه صدءا و عليه ثياب بيض و هو متحنک بعمامة و متقلد بسيف.

فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: کيف وقت الناس؟ قال عبد المحسن: فظننت أنه يسال عن ذلک الوقت، قال: فقلت الدنيا عليه ضباب و غبرة، فقال: ما سألتک عن هذا أنا سألتک عن حال الناس، قال: فقلت: الناس طيبين مرخصين آمنين في أوطانهم و علي أموالهم.

فقال: تمضي إلي ابن طاوس، و تقول له کذا و کذا، و ذکر لي ما قال صلوات الله عليه ثم قال عنه عليه السلام: فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا، قال عبد المحسن فوقع في قلبي و عرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان عليه السلام فوقعت علي وجهي



[ صفحه 211]



و بقيت کذلک مغشيا علي إلي أن طلع الصبح، قلت له: فمن أين عرفت أنه قصد ابن طاوس عني؟ [3] قال: ما أعرف من بني طاوس إلا أنت، و ما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة إليک، قلت: أي شيء فهمت بقوله عليه السلام فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله و سلامه عليه؟ فقال: بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه.

قال: فتوجهت ذلک الوقت [4] إلي مشهد الحسين عليه السلام و عزمت أنني ألزم بيتي مدة حياتي أعبد الله تعالي، و ندمت کيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء کنت أشتهي أسأله فيها.

قلت له: هل عرفت بذلک أحدا؟ قال: نعم، عرفت بعض من کان عرف بخروجي من المعيدية، و توهموا أني قد ضللت و هلکت بتأخيري عنهم، و اشتغالي بالغشية التي وجدتها، و لانهم کانوا يروني طول ذلک النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصيته أن لا يقول ذلک لاحد أبدا، و عرضت عليه شيئا فقال: أنا مستغن عن الناس و بخير کثير.

فقمت أنا و هو فلما قام عني نفذت له غطاء و بات عندنا في المجلس علي باب الدار التي هي مسکني الآن بالحلة، فقمت و کنت أنا و هو في الروشن [5] في خلوة، فنزلت لا نام فسألت الله زيادة کشف في المنام في تلک الليلة أراه أنا.

فرأيت کأن مولانا الصادق عليه السلام قد جاءني بهدية عظيمة، و هي عندي و کأنني ما أعرف قدرها، فاستيقظت و حمدت الله، و صعدت الروشن لصلاة نافلة



[ صفحه 212]



الليل، و هي ليلة السبت ثامن عشر جمادي الآخرة فأصعد فتح [6] الابريق إلي عندي فمددت يدي فلزمت عروته لا فرغ علي کفي فأمسک ماسک فم الابريق و أداره عني و منعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل الماء نجس فأراد الله أن يصوني عنه فإن لله عز و جل علي عوائد کثيرة أحدها مثل هذا و أعرفها.

فناديت إلي فتح، و قلت: من أين ملات الابريق؟ فقال: من المصبة [7] فقلت: هذا لعله نجس فاقلبه و اطهره [8] و أملاه من الشط فمضي و قلبه و أنا أسمع صوت الابريق و شطفه و ملاه من الشط، و جاء به فلزمت عروته و شرعت أقلب منه علي کفي فأمسک ماسک فم الابريق و أداره عني و منعني منه.

فعدت و صبرت، و دعوت بدعوات، و عاودت الابريق و جري مثل ذلک، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلک الليلة، و قلت في خاطري: لعل الله يريد أن يجري علي حکما و ابتلاء غدا و لا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلک، و جلست لا يخطر بقلبي ذلک.

فنمت و أنا جالس، و إذا برجل يقول لي: يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة کأنه ينبغي أن تمشي بين يديه، فاستيقظت و وقع في خاطري أنني قد قصرت في احترامه و إکرامه، فتبت إلي الله جل جلاله، و اعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلک، و شرعت في الطهارة فلم يمسک أبدا [فم] الابريق و ترکت علي عادتي فتطهرت و صليت رکعتين فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، و فهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة.

فنزلت إلي الشيخ عبد المحسن، و تلقيته و أکرمته، و أخذت له من خاصتي



[ صفحه 213]



ستانير [9] و من خاصتي خمسة عشر دينارا مما کنت أحکم فيه کمالي [10] و خلوت به في الروشن، و عرضت ذلک عليه، و اعتذرت إليه، فامتنع من قبول شيء أصلا، و قال: إن معي نحو مائة دينار و ما آخذ شيئا، أعطه لمن هو فقير، و امتنع غاية الامتناع.

فقلت: إن رسول مثله عليه الصلاة و السلام، يعطي لاجل الاکرام لمن أرسله لا لاجل فقره و غناه، فامتنع، فقلت له مبارک أما الخمسة عشر، فهي من خاصتي، فلا أکرهک علي قبولها، و أما هذه الستة دنانير فهي من خاصتي فلا بد أن تتقبلها مني فکاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها، و عاد ترکها، فألزمته فأخذها، و تغديت أنا و هو، و مشيت بين يديه کما أمرت في المنام إلي ظاهر الدار و أوصيته بالکتمان، و الحمد لله وصلي الله علي سيد المرسلين محمد و آله الطاهرين.


پاورقي

[1] قد تکرر في الحکاية قوله يعني عني و أمثاله، و هي من لغة أهل العراق: المولدين، و کأنه يستعمل يعني بمعني يکني أي يکني بفلان عني.

[2] الضباب: ندي کالغبار يغشي الارض و قيل سحاب رقيق کالدخان، يقال له بالفارسية مه.

[3] هکذا في النسخة و الصحيح قصدني عن ابن طاوس منه رحمه الله، أقول: قد عرفت أن ناقل الحکاية من أهل السواد، فإذا عدي عني و قصد بعن الجارة يضمنه معني الکناية کانه قال کني بإبن طاوس عني و معناه علي لغته ظاهر.

[4] اليوم، خ.

[5] الروشن: أصلها فارسية، قال الفيروز آبادي: الروشن: الکوة لکن المراد بقرينة ما بعده: الغرفة المشرفة.

[6] فتح: اسم غلامه.

منه رحمه الله.

[7] في الاصل المطبوع: المسببة، بالسين و هو تصحيف.

[8] في نسخة الفاضل الهندي: فاشطفه و هو الاصح لغة، و بقرينة ما يأتي، منه رحمه الله.

أقول: الشطف: الغسل، و هي لغة سواد أهل العراق، ليست بأصيلة.

[9] ستانير، کذا في النسخ و الظاهر انه مخفف ستة دنانير کذا بخط المؤلف رحمه الله، أقول: بل هو مقطوع لما يأتي بعده من التصريح بذلک، و هو مثل قولهم ستي مخفف سيدتي.

[10] أي مثل مالي.