بازگشت

في توجيه التوقيع الذي خرج من صاحب الدار الي علي بن محمد السم


روي الشيخ الطوسي في کتاب الغيبة عن الحسن بن أحمد المکتب و الطبرسي في الاحتجاج مرسلا أنه خرج التوقيع إلي أبي الحسن السمري: يا علي بن محمد السمري اسمع أعظم الله أجر إخوانک فيک، فانک ميت ما بينک و ما بين ستة أيام، فاجمع أمرک، و لا توص إلي أحد يقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالي ذکره، و ذلک بعد الامد، و قسوة القلوب و امتلاء الارض جورا، و سيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة، فهو کذاب مفتر، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم. [1] .

و هذا الخبر بظاهره ينافي الحکايات السابقة و غيرها مما هو مذکور في البحار و الجواب عنه من وجوه: الاول: أنه خبر واحد مرسل، موجب علما، فلا يعارض تلک الوقائع و القصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل و من بعضها المتضمن لکرامات و مفاخر لا يمکن صدورها من غيره عليه السلام، فکيف يجوز الاعراض عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله، و هو الشيخ في الکتاب المذکور کما يأتي کلامه فيه، فکيف بغيره و العلماء الاعلام تلقوها بالقبول، و ذکروها في زبرهم و تصانيفهم، معولين عليها معتنين بها.



[ صفحه 319]



الثاني: ما ذکره في البحار بعد ذکر الخبر المزبور ما لفظه: لعله محمول علي من يدعي المشاهدة مع النيابة، و إيصال الاخبار من جانبه إلي الشيعة علي مثال السفراء لئلا ينافي الاخبار التي مضت و سيأتي فيمن رآه عليه السلام و الله يعلم. [2] .

الثالث: ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء، قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل المازندراني: فقلت للسيد شمس الدين محمد و هو العقب السادس من أولاده عليه السلام: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الامر عليه السلام أنه قال: لما أمر بالغيبة الکبري: من رآني بعد غيبتي فقد کذب، فکيف فيکم من يراه؟ فقال: صدقت إنه عليه السلام إنما قال ذلک في ذلک الزمان لکثرة أعدائه من أهل بيته، و غيرهم من فراعنة بني العباس، حتي أنا لشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذکره، و في هذا الزمان تطاولت المدة و أيس منه الاعداء، و بلادنا نائية عنهم، و عن ظلمهم و غنائهم، الحکاية. [3] .

و هذا الوجه کما تري يجري في کثير من بلاد أوليائه عليهم السلام.

الرابع: ما ذکره العلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد ذکر التوقيعات [4] المشهورة الصادرة منه عليه السلام في حقه ما لفظه: و قد يشکل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الکبري، مع جهالة المبلغ، و دعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغري، و يمکن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضي القرائن، و اشتمال التوقيع علي الملاحم و الاخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله و أولياؤه بإظهاره لهم، و أن المشاهدة المنفية أن يشاهد الامام عليه السلام و يعلم أنه الحجة عليه السلام حال مشاهدته له، و لم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلک.

و قال رحمه الله في فوائده في مسالة الاجماع بعد اشتراط دخول کل من



[ صفحه 320]



لا نعرفه: و ربما يحصل لبعض حفظة الاسرار من العلماء الابرار العلم بقول الامام عليه السلام بعينه علي وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في صورة الاجماع، جمعا بين الامر بإظهار الحق و النهي عن إذاعة مثله بقول مطلق، انتهي.

و يمکن أن يکون نظره في هذا الکلام إلي الوجه الآتي.

الخامس: ما ذکره رحمه الله فيه أيضا بقوله: و قد يمنع ايضا امتناعه في شأن الخواص و إن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، و دلالة بعض الآثار.

و لعل مراده بالآثار الوقائع المذکورة هنا و في البحار أو خصوص ما رواه الکليني في الکافي و النعماني في غيبته و الشيخ في غيبته بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا بد لصاحب هذا الامر من غيبة، و لا بد له في غيبته من عزلة، و ما بثلاثين من وحشة. [5] .

و ظاهر الخبر کما صرح به شراح الاحاديث أنه عليه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته، و قيل: إن المراد أنه علي هيئة من سنه ثلاثون أبدا و ما في هذا السن وحشة و هذا المعني بمکان من البعد و الغرابة، و هذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الامام عليه السلام في غيبته لا بد أن يتبادلوا في کل قرن إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم عليه السلام ففي کل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه.



[ صفحه 321]



و في خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الاهوازي المروي في إکمال الدين و غيبة الشيخ [6] و مسند فاطمة عليها السلام لابي جعفر محمد بن جرير الطبري و في لفظ الاخير أنه قال له الفتي الذي لقيه عند باب الکعبة، و أوصله إلي الامام عليه السلام: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟ قال: الامام المحجوب عن العالم، قال: ما هو محجوب عنکم و لکن حجبه سوء أعمالکم.

الخبر.

و فيه إشارة إلي أن من ليس له عمل سوء فلا شيء يحجبه عن إمامه عليه السلام و هو من الاوتاد أو من الابدال، في الکلام المتقدم عن الکفعمي، رحمه الله.

و قال المحقق الکاظمي في أقسام الاجماع الذي استخرجه من مطاوي کلمات العلماء، و فحاوي عباراتهم، الاجماع المصطلح المعروف: و ثالثها أن يحصل لاحد من سفراء الامام الغائب عجل الله فرجه، وصلي عليه، العلم بقوله إما بنقل مثله له سرا، أو بتوقيع أو مکاتبة، أو بالسماع منه شفاها، علي وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة، و يحصل ذلک لبعض حملة أسرارهم، و لا يمکنهم التصريح بما إطلع عليه، و الاعلان بنسبة القول إليه، و الاتکال في إبراز المدعي علي الاجماع من الادلة الشرعية، لفقدها.

و حينئذ فيجوز له إذا لم يکن مأمورا بالاخفاء، أو کان مأمورا بالاظهار لا علي وجه الافشاء أن يبرزه لغيره في مقام الاحتجاج، بصورة الاجماع، خوفا من الضياع و جمعا بين إمتثال لامر بإظهار الحق بقدر الامکان، و امتثال النهي عن إذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان، و لا ريب في کونه حجة أما لنفسه فلعلمه بقول الامام عليه السلام، و أما لغيره فلکشفه عن قول الامام عليه السلام ايضا غاية ما هناک أنه يستکشف قول الامام عليه السلام بطريق ثابت، و لا ضير فيه، بعد حصول الوصول إلي ما أنيط به حجية الاجماع، و لصحة هذا الوجه و إمکانه شواهد تدل عليه: منها کثير من الزيارات و الآداب و الاعمال المعروفة التي تداولت بين الامامية و لا مستند لها ظاهرا من أخبارهم، و لا من کتب قدمائهم الواقفين علي آثار



[ صفحه 322]



الائمة عليهم السلام و أسرارهم، و لا إمارة تشهد بأن مشنأها أخبار مطلقة، أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلي إنشائها و ترتيبها، و الاعتناء لجمعها و تدوينها کما هو الظاهر في جملة منها، نعم لا نضائق في ورود الاخبار في بعضها.

و منها ما رواته والد العلامة و ابن طاووس عن السيد الکبير العابد رضي الدين محمد بن محمد الآوي إلي آخر ما مر في الحکاية السادسة و الثلاثين. [7] .

و منها قصة الجزيرة الخضراء المعروفة المذکورة في البحار، و تفسير الائمة عليهم السلام و غيرها.

و منها ما سمعه منه علي بن طاووس في السرداب الشريف. [8] .

و منها ما علم محمد بن علي العلوي الحسيني المصري في الحائر الحسيني و هو بين النوم و اليقظة، و قد أتاه الامام عليه السلام مکررا و علمه إلي أن تعلمه في خمس ليال و حفظه ثم دعا به و استجيب دعاؤه، و هو الدعاء المعروف بالعلوي المصري و غير ذلک.

و لعل هذا هو الاصل أيضا في کثير من الاقوال المجهولة القائل، فيکون المطلع علي قول الامام عليه السلام لما وجده مخالفا لما عليه الامامية أو معظمهم، و لم يتمکن من إظهاره علي وجهه، و خشي أن يضيع الحق و يذهب عن أهله، جعله قولا من أقوالهم، و ربما اعتمد عليه و أفتي به من تصريح بدليله لعدم قيام الادلة الظاهرة بإثباته، و لعله الوجه أيضا فيما عن بعض المشايخ من اعتبار تلک الاقوال أو تقويتها بحسب الامکان، نظرا إلي احتمال کونها قول الامام عليه السلام ألقاها بين العلماء، کيلا يجمعوا علي الخطاء، و لا طريق لا لقائها حينئذ إلا بالوجه المذکور.

و قال السيد المرتضي في کتاب تنزيه الانبياء في جواب من قال: فإذا کان الامام عليه السلام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق و لا ينتفع به، فما الفرق



[ صفحه 323]



بين وجوده و عدمه الخ: قلنا الجواب أول ما نقوله: إنا قاطعين علي أن الامام لا يصل إليه أحد، و لا يلقاه بشر، فهذا أمر معلوم، و لا سبيل إلي القطع عليه الخ.

و قال أيضا في جواب من قال: إذا کانت العلة في استتار الامام، خوفه من الظالمين، و اتقاءه من المعاندين، فهذه العلة زائلة في أوليائه و شيعته، فيجب أن يکون ظاهرا لهم: بعد کلام له و قلنا ايضا إنه ممتنع أن يکون الامام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشي من جهته شيئا من أسباب الخوف، و إن هذا مما لا يمکن القطع علي ارتفاعه و امتناعه، و إنما يعلم کل واحد من شيعته حال نفسه، و لا سبيل له إلي العلم بحال غيره.

و له في کتاب المقنع في الغيبة کلام يقرب مما ذکره هناک.

و قال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في کتاب الغيبة في الجواب عن هذا السوأل بعد کلام له: و الذي ينبغي أن يجاب عن هذا السوأل الذي ذکرناه عن المخالف أن نقول: إنا أولا لانقطع علي استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لاکثرهم و لا يعلم کل إنسان إلا حال نفسه، فإن کانظاهرا له فعلته مزاحة، و إن لم يکن ظاهرا علم أنه إنما لم يظهر له لامر يرجع إليه، و إن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته الخ. [9] .

و تقدم کلمات للسيد علي بن طاووس تناسب المقام خصوصا قوله مع أنه عليه السلام حاضر مع الله جل جلاله علي اليقين و إنما غاب من لم يلقه عنهم، لغيبته عن حضرة المتابعة له، و لرب العالمين. [10] .

و فيما نقلنا من کلماتهم و غيرها مما يطول بنقله الکتاب کفاية لرفع الاستبعاد و عدم حملهم الخبر علي ظاهره، و صرفه إلي أحد الوجوه التي ذکرناها.



[ صفحه 324]



السادس أن يکون المخفي علي الانام، و المحجوب عنهم، مکانه عليه السلام و مستقره الذي يقيم فيه، فلا يصل إليه أحد، و لا يعرفه غيره حتي ولده، فلا ينافي لقاءه و مشاهدته في الاماکن و المقامات التي قد مر ذکر بعضها، و ظهوره عند المضطر المستغيث به، الملتجئ إليه التي انقطعت عنه الاسباب و أغلقت دونه الابواب.

و في دعوات السيد الراوندي و مجموع الدعوات للتلعکبري و قبس المصباح للصهرشتي في خبر أبي الوفاء الشيرازي أنه قال له رسول الله صلي الله عليه و آله في النوم: و أما الحجة، فإذا بلغ منک السيف للذبح، و أومأ بيده إلي الحلق، فاستغث به فانه يغيثک، و هو غياث و کهف لمن استغاث، فقل: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا مستغيث بک، و في لفظ: و أما صاحب الزمان فإذا بلغ منک السيف هنا، و وضع يده علي حلقه، فاستعن به فانه يعينک.

و مما يؤيد هذا الاحتمال ما رواه الشيخ و النعماني في کتابي الغيبة عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الامر غيبتين احداهما يطول، حتي يقول بعضهم مات، و يقول بعضهم قتل، و يقول بعضهم ذهب حتي لا يبق ي علي أمره من اصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع علي موضعه أحد من ولده، و لا غيره إلا الذي [يلي] أمره. [11] .

و روي الکليني عن إسحاق بن عمار قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان احداهما قصيرة و الاخري طويلة: الغيبة الاولي لا يعلم بمکانه فيها إلا خاصة شيعته، و الاخري لا يعلم بمکانه فيها إلا خاصة مواليه.

و رواه النعماني و في لفظه بدون الاستثناء في الثاني، و رواه بسند آخر عنه عليه السلام قال: للقائم غيبتان احداهما قصيرة و الاخري طويلة الاولي لا يعلم بمکانه إلا خاصة [شيعته، و الاخري لا يعلم بمکانه إلا خاصة] مواليه في دينه. [12] .



[ صفحه 325]



و ليس في تلک القصص ما يدل علي أن أحدا لقيه عليه السلام في مقر سلطنته و محل إقامته.

ثم لا يخفي علي الجائس في خلال ديار الاخبار أنه عليه السلام ظهر في الغيبة الصغري لغير خاصته و مواليه أيضا، فالذي انفرد به الخواص في الصغري هو العلم بمستقره، و عرض حوائجهم عليه عليه السلام فيه، فهو المنفي عنهم في الکبري، فحالهم و حال غيرهم فيها کغير الخواص في الصغري، و الله العالم.


پاورقي

[1] راجع غيبة الشيخ ص 257 و قد أخرجه في البحار باب أحوال السفراء ج 51 ص 361 عن غيبة الشيخ و کمال الدين (ج 2 ص 193).

فراجع.

[2] راجع ج 52 ص 151 باب من ادعي الرؤية في الغيبة الکبري.

[3] راجع ج 52 ص 172 باب نادر فيمن رآه عليه السلام.

[4] ذکرها المجلسي رحمه الله في باب ما خرج من توقيعاته عليه السلام راجع ص 174 من هذا المجلد.

[5] راجع الکافي في ج 1 ص 340، غيبة النعماني ص 99، غيبة الشيخ ص 111 و قد ذکره المجلسي رضوان الله عليه في ج 52 ص 153 و 157، و قال: يدل علي کونه عليه السلام غالبا في المدينة و حواليها و علي أن معه ثلاثين من مواليه و خواصه، ان مات أحدهم قام آخر مقامه.

أقول: و يؤيده ما رواه الشيخ في غيبته ص 111 عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان لصاحب هذا الامر غيبتين احداهما تطول حتي يقول بعضهم مات و يقول بعضهم قتل، و يقول بعضهم ذهب، حتي لا يبقي علي أمره من أصحابه الا نفر يسير لا يطلع علي موضعه أحد من ولده و لا غيره الا المولي الذي يلي أمره.

[6] و نقله المجلسي رحمه الله في ج 52 ص 9 و 32 فراجع.

[7] راجع ص 271 مما سبق في هذا المجلد.

[8] راجع ص 302.

[9] و قد مر نقله في ج 51 ص 196 مستوفي، عن کتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره ص 75.

[10] راجع ص 304 مما سبق.

[11] راجع غيبة الشيخ ص 111، غيبة النعماني ص 89، و قد أخرجه المجلسي رحمه الهل في ج 52 ص 153 فراجع.

[12] الکافي ج 1 ص 340، غيبة النعماني ص 89.