بازگشت

تشرف الحاج علي البغدادي بلقائه


و قال أدام الله أيام سعادته في کتابه إلي: حکاية اخري اتفقت لي ايضا و هي أني منذ سنين متطاولة کنت أسمع بعض أهل الديانة و الوثاقة يصفون رجلا من کسبة أهل بغداد أنه رأي مولانا الامام المنتظر سلام الله عليه، و کنت أعرف ذلک الرجل، و بيني و بينه مودة، و هو ثقة عدل، معروف باداء الحقوق المالية، و کنت أحب أن أساله بيني و بينه، لانه بلغني أنه يخفي حديثه و لا يبديه إلا لبعض الخواص ممن يأمن إذاعته خشية الاشتهار، فيهزأ به من ينکر ولادة المهدي و غيبته



[ صفحه 313]



أو ينسبه العوام إلي الفخر و تنزيه النفس، و حيث إن هذا الرجل في الحياة لا أحب أن أصرح باسمه خشية کراهته. [1] .

و بالجملة فاني في هذه المدة کنت أحب أن اسمع منه ذلک تفصيلا حتي اتفق لي أني حضرت تشييع جنازة من أهل بغداد في أواسط شهر شعبان من هذه السنة، و هي سنة اثنتين و ثلاثمأة بعد الالف من الهجرة النبوية الشريفة في حضرة الامامين: مولانا موسي بن جعفر و سيدنا محمد بن علي الجواد سلام الله عليهما و کان الرجل المزبور في جملة المشيعين، فذکرت ما بلغني من قصته، و دعوته و جلسنا في الرواق الشريف، عند باب الشباک النافذ إلي قبة مولانا الجواد عليه السلام، فکلفته بأن يحدثني بالقصة، فقال ما معناه:



[ صفحه 314]



إنه في سنة من سني عشرة السبعين، کان عندي مقدار من مال الامام عليه السلام عزمت علي إيصاله إلي العلماء الاعلام في النجف الاشرف، و کان لي طلب علي تجارها فمضيت إلي زيارة أمير المؤمنين سلام الله عليه في إحدي زياراته المخصوصة و استوفيت ما أمکنني استيفاؤه من الديون التي کانت لي و أوصلت ذلک إلي متعددين من العلماء الاعلام من طرف الامام عليه السلام لکن لم يف بما کان علي منه، بل بقي علي مقدار عشرين توماما فعزمت علي إيصال ذلک إلي احد علماء مشهد الکاظمين.

فلما رجعت إلي بغداد أحببت اداء ما بقي في ذمتي علي التعجيل، و لم يکن عندي من النقد شيء فتوجهت إلي زيارة الامامين عليهما السلام في يوم خميس، و بعد التشرف بالزيارة، دخلت علي المجتهد دام توفيقه و أخبرته بما بقي في ذمتي من مال الامام عليه السلام و سألته أن يحول ذلک علي تدريجا و رجعت إلي بغداد في أواخر النهار حيث لم يسعني لشغل کان لي، و توجهت إلي بغداد ماشيا لعدم تمکني من کراء دابة.

فلما تجاوزت نصف الطريق رأيت سيدا جليلا مهابا متوجها إلي مشهد الکاظمين عليهما السلام ماشيا، فسلمت عليه فرد علي السلام، و قال لي: يا فلان و ذکر اسمي لم لم تبق هذه الليلة الشريفة ليلة الجمعة في مشهد الامامين؟ فقلت: يا سيدنا عندي مطلب مهم منعني من ذلک، فقال لي: ارجع معي و بت هذه الليلة الشريفة عند الامامين عليهما السلام و أرجع إلي مهمک غدا إنشاء الله.

فارتاحت نفسي إلي کلامه، و رجعت معه منقادا لامره، و مشيت معه بجنب نهر جار تحت ظلال أشجار خضرة نضرة، متدلية علي رؤوسنا، و هواء عذب، و أنا غافل عن التفکر في ذلک، و خطر ببالي أن هذا السيد الجليل سماني باسمي مع أنه لم أعرفه، ثم قلت في نفسي: لعله هو يعرفني و أنا ناس له.

ثم قلت في نفسي: إن هذا السيد کأنه يريد مني من حق السادة و أحببت أن أوصل إلي خدمته شيئا من مال الامام الذي عندي، فقلت له: يا سيدنا عندي من حقکم بقية لکن راجعت فيه جناب الشيخ الفلاني لاؤدي حقکم باذنه



[ صفحه 315]



و أنا أعني السادة فتبسم في وجهي، و قال: نعم، و قد أوصلت بعض حقنا إلي و کلائنا في النجف الاشرف أيضا.

و جري علي لساني أني قلت له: ما أديته مقبول؟ فقال: نعم، ثم خطر في نفسي أن هذا السيد يقول بالنسبة إلي العلماء الاعلام و کلائنا و استعظمت ذلک: ثم قلت: العلماء وکلاء علي قبض حقوق السادة و شملتني الغفلة.

ثم قلت: يا سيدنا قراء تعزية الحسين عليه السلام يقرؤن حديثا أن رجلا رأي في المنام هودجا بين السماء و الارض فسال عمن فيه، فقيل له: فاطمة الزهراء و خديجة الکبري، فقال: إلي أين يريدون؟ فقيل: زيارة الحسين عليه السلام في هذه الليلة ليلة الجمعة، ورأي رقاعا تتساقط من الهودج، مکتوب فيها أمان من النار لزوار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة، هذا الحديث صحيح؟ فقال عليه السلام: نعم زيارة الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة.

قال: و کنت قبل هذه الحکاية بقليل قد تشرفت بزيارة مولانا الرضا عليه السلام فقلت له: يا سيدنا قد زرت الرضا علي بن موسي عليهما السلام و قد بلغني أنه ضمن لزواره الجنة، هذا صحيح؟ فقال عليه السلام: هو الامام الضامن، فقلت: زيارتي مقبولة؟ فقال عليه السلام: نعم مقبولة.

و کان معي في طريق الزيارة رجل متدين من الکسبة، و کان خليطا لي و شريکا في المصرف، فقلت له: يا سيدنا إن فلانا کان معي في الزيارة زيارته مقبولة؟ فقال: نعم، العبد الصالح فلان زيارته مقبولة، ثم ذکرت له جماعة من کسبة أهل بغداد کانوا معنا في تلک الزيارة و قلت: إن فلانا و فلانا و ذکرت أسماءهم کانوا معنا، زيارتهم مقبولة؟ فأدار عليه السلام وجهه إلي الجهة الاخري و أعرض عن الجواب، فهبته و أکبرته و سکت عن سؤاله فلم أزل ماشيا معه علي الصفة التي ذکرتها حتي دخلنا الصحن الشريف ثم دخلنا الروضة المقدسة، من الباب المعروف بباب المراد، فلم يقف علي باب الرواق، و لم يقل شيئا حتي وقف علي باب الروضة من عند رجلي الامام موسي



[ صفحه 316]



عليه السلام، فوقفت بجنبه، و قلت له: يا سيدنا اقرء حتي أقرأ معک، فقال: السلام عليک يا رسول الله، السلام عليک يا أمير المؤمنين، و ساق علي باقي أهل العصمة عليهم السلام حتي وصل إلي الامام الحسن العسکري عليه السلام.

ثم التفت إلي بوجه الشريف، و وقف متبسما و قال: أنت إذا وصلت إلي السلام علي الامام العسکري ما تقول؟ فقلت: أقول: السلام عليک يا حجة الله يا صاحب الزمان، قال: فدخل الروضة الشريفة، و وقف علي قبر الامام موسي عليه السلام و القبلة بين کتفيه.

فوقفت إلي جنبه، و قلت: يا سيدنا زر حتي أزور معک، فبدأ عليه السلام بزيارة أمين الله الجامعة المعروفة فزار بها و أنا أ تابعه، ثم زار مولانا الجواد عليه السلام، و دخل القبة الثانية قبة محمد بن علي عليهما السلام و وقف يصلي فوقفت إلي جنبه متأخرا عنه قليلا، احتراما له، و دخلت في صلاة الزيارة فخطر ببالي أن أسأله أن يبات معي تلک الليلة لا تشرف بضيافته و خدمته، و رفعت بصري إلي جهته، و هو بجنبي متقدما علي قليلا فلم أره.

فخففت صلاتي، و قمت و جعلت أتصفح وجوه المصلين و الزوار لعلي أصل إلي خدمته، حتي لم يبق مکان في الروضة و الرواق إلا و نظرت فيه، فلم ار له اثرا أبدا، ثم انتبهت و جعلت أتأسف علي عدم التنبه لما شاهدته من کراماته و آياته من انقيادي لامره [مع] ما کان لي من الامر المهم في بغداد، و من تسميته إياي مع أني لم أکن رأيته و لا عرفته، و لما خطر في قلبي أن أدفع إليه شيئا من حق الامام عليه السلام و ذکرت له أني راجعت في ذلک المجتهد الفلاني لادفع إلي السادة باذنه، قال لي ابتداء منه: نعم و أوصلت بعض حقنا إلي و کلائنا في النجف الاشرف.

ثم تذکرت أني مشيت معه بجنب نهر جار تحت أشجار مزهرة متدلية علي رؤوسنا، و أين طريق بغداد و ظل الاشجار الزاهرة في ذلک التاريخ، و ذکرت أيضا أنه سمي خليطي في سفر زيارة مولانا الرضا باسمه، و وصفه بالعبد الصالح، و بشرني



[ صفحه 317]



بقبول زيارته و زيارتي ثم لنه أعرض بوجهه الشريف عند سؤالي إياه عن حال جماعة من أهل بغداد من السوقة کانوا معنا في طريق الزيارة، و کنت أعرفهم بسوء العمل، مع أنه ليس من أهل بغداد، و لا کان مطلعا علي أحوالهم لو لا أنه من أهل بيت النبوة و الولاية، ينظر إلي الغيب من وراء ستر رقيق.

و مما افادني اليقين بأنه المهدي عليه السلام أنه لما سلم علي أهل العصمة عليهم السلام في مقام طلب الاذن، و وصل السلام إلي مولانا الامام العسکري، التفت إلي و قال لي: أنت ما تقول إذا وصلت إلي هنا؟ فقلت: أقول: السلام عليک يا حجة الله يا صاحب الزمان، فتبسم و دخل الروضة المقدسة ثم افتقادي إياه و هو في صلاة الزيارة لما عزمت علي تکليفه بأن أقوم بخدمته و ضيافته تلک الليلة، للي ذلک مما أفادني القطع بأنه هو الامام الثاني عشر صلوات الله عليه و علي آبائه الطاهرين و الحمد لله رب العالمين.

و ينبغي أن يعلم أن هذا الرجل و الرجل المتقدم ذکره في القصة السابقة هما من السوقة، و قد حدثاني بهذين الحديثين باللغة المصحفة التي هي لسان أهل هذا الزمان، فاللفظ مني، مع المحافظة التامة علي المعني، فهو حديث بالمعني و کتب أقل أهل العلم: محمد بن أحمد بن الحسن الحسيني الکاظمي مسکنا.

قلت: ثم سألته أيده الله تعالي عن اسمه و حدثني غيره ايضا أن اسمه الحاج علي البغدادي و هو من التجار و أغلب تجارته في طرف جدة و مکة و ما والاها، بطريق المکاتبة، و حدثني جماعة من أهل العلم و التقوي من سکنة بلدة الکاظم عليه السلام بأن الرجل من أهل الصلاح و الديانة و الورع، و المواظبين علي اداء الاخماس و الحقوق و هو في هذا التاريخ طاعن في السن [2] أحسن الله عاقبته.



[ صفحه 318]




پاورقي

[1] و من عجيب الاتفاق أني لما اشتغلت بتأليف هذه الرسالة صادف أيام الزيارة المخصوصة فخرجت من سامراء و لما دخلت بلد الکاظمين عليهما السلام نزلت علي جنابه سلمه الله فسألته عما عنده من تلک الوقائع، فحدثني بهذه الحکاية.

فسألته أن يکتب إلي فقال اني سمعتها منذ سنين و لعله سقط عني منها شيء و صاحبها موجود نسأله مرة أخري حتي نکتبها کما هي الا أن لقائي إياه صعب جدا فانه منذ اتفقت له هذه القصة قليل الانس بالناس إذا جاء من بغداد للزيارة يدخل الحرم و يزور و يقضي وطره و يرجع إلي بغداد و لا يطلع عليه أحد فيتفق أني لا أراه في السنة الا مرة أو مرتين في الطريق.

فقلت له سلمه الله: اني أزور المشهد الغروي و أرجع إلي آخر الشهر و نرجو من الله أن يتفق لقاؤکم إياه في هذه المدة.

ثم قمت من عنده و دخلت منزلي فدخل علي سلمه الله بعد زمان قليل من هذا اليوم و قال کنت في منزلي فجاءني شخص و قال: جاؤا بجنازة من بغداد في الصحن الشريف و ينتظرونک للصلاة عليه فقمت و ذهبت معه و دخلت الصحن و صليت عليها و إذا بالمؤمن الصالح المذکور و هو فيهم، إلي آخر ما ذکره أيده الله تعالي و هذه من برکات الحجة عليه السلام، منه رحمه الله.

[2] يقال: طعن في السن: شاخ و هرم.