بازگشت

تشرف رجل آخر بلقائه في جزيرة من جزائر البحر


في کتاب المقامات للعالم الجليل المحدث السيد نعمة الله الجزائري حکاية أخري: حدثني رجل من أوثق إخواني في شوشتر في دارنا القريبة من المسجد الاعظم قال: لما کنا في بحور الهند تعاطينا عجائب البحر، فحکي لنا رجل من الثقات قال: روي من اعتمد عليه أنه کان منزله في بلد علي ساحل البحر، و کان بينهم و بين جزيرة من جزائر البحر مسير يوم أو أقل، و في تلک الجزيرة مياههم و حطبهم و ثمارهم، و ما يحتاجون إليه، فاتفق أنهم علي عادتهم رکبوا في سفينة قاصدين تلک الجزيرة، و حملوا معهم زاد يوم.

فلما توسطوا البحر، أتاهم ريح عن ذلک القصد، و بقوا علي تلک الحالة تسعة أيام حتي أشرفوا علي الهلاک من قلة الماء و الطعام، ثم إن الهوي رماهم في ذلک اليوم علي جزيرة في البحر، فخرجوا إليها و کان فيها المياه العذبة و الثمار الحلوة، و أنواع الشجر، فبقوا فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون إليه و رکبوا سفينتهم، و دفعوا.

فلما بعدوا عن الساحل، نظروا إلي رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم و لم يتمکنوا من الرجوع فرأوه قد شد حزمة حطب، و وضعها تحت صدره، و ضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة، فحال الليل بينهم و بينه و بقي في البحر.

و أما أهل السفينة، فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلک الرجل فأقاموا مأتمه، فبقوا علي ذلک عاما أو أکثر، ثم رأوا أن ذلک الرجل قدم إلي أهله، فتباشروا به، و جاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته.

فقال: لما حال الليل بيني و بينکم بقيت تقلبني الامواج و أنا علي الحزمة يومين حتي أوقعتني علي جبل في الساحل، فتعلقت بصخرة منه، و لم أطق الصعود إلي جوفه لارتفاعه، فبقيت في الماء و ما شعرت إلا بأفعي عظيمة، أطول من المنار



[ صفحه 308]



و أغلظ منها، فوقعت علي ذلک الجبل، و مدت رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاک و تضرعت إلي الله تعالي فرأيت عقربا يدب علي ظهر الافعي فلما وصل إلي دماغها لسعتها بابرته، فإذا لحمها قد تناثر عن عظامها، و بقي عظم ظهرها و اضلاعها کالسلم العظيم الذي له مراقي يسهل الصعود عليها.

قال: فرقيت علي تلک الاضلاع حتي خرجت إلي الجزيرة شاکرا لله تعالي علي ما صنع فمشيت في تلک الجزيرة إلي قريب العصر، فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلا أنها خالية لکن فيها آثار الانس.

قال: فاستترت في موضع منها فلما صار العصر رأيت عبيدا و خدما کل واحد منهم علي بغل فنزلوا و فرشوا فرشا نظيفة، و شرعوا في تهيئة الطعام، و طبخه، فلما فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين، عليهم ثياب بيض، و خضر، و يلوح من وجوههم الانوار فنزلوا و قدم إليهم الطعام.

فلما شرعوا في الاکل قال أحسنهم هيئة، و أعلاهم نورا: ارفعوا حصة من هذا الطعام لرجل غائب، فلما فرغوا ناداني يا فلان بن فلان أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم، و رحبوا بي فأکلت ذلک الطعام، و ما تحققت إلا أنه من طعام الجنة فلما صار النهار رکبوا بأجمعهم، و قالوا لي: انتظر هنا، فرجعوا وقت العصر و بقيت معهم أياما فقال لي يوما ذلک الرجل الانور: إن شئت الاقامة معنا في هذه الجزيرة أقمت، و إن شئت المضي إلي أهلک، أرسلنا إلي معک من يبلغک بلدک.

فاخترت علي شقاوتي بلادي فلما دخل الليل أمر لي بمرکب و أرسل معي عبدا من عبيده، فسرنا ساعة من الليل و أنا أعلم أن بيني و بين أهلي مسيرة أشهر و أيام، فما مضي من الليل قليل منه إلا و قد سمعنا نبيح الکلاب، فقال لي ذلک الغلام: هذا نبيح کلا بکم، فما شعرت إلا و أنا واقف علي باب داري فقال: هذه دارک أنزل إليها.

فلما نزلت، قال لي: قد خسرت الدنيا و الآخرة، ذلک الرجل صاحب



[ صفحه 309]



الدار عليه السلام فالتفت إلي الغلام فلم أره.

و أنا في هذا الوقت بينکم نادما علي ما فرطت.

هذه حکايتي.

و أمثال هذه الغرائب کثيرة لا نطول الکلام بها.

قلت: قد ذکرنا حکاية عن کتاب نور العيون [1] تقرب من هذه إلا أن بينهما اختلاف کثير، و الله العالم بالاتحاد و التعدد.


پاورقي

[1] راجع ص 259: الحکاية التاسعة و العشرين، و الظاهر بل المسلم اتحادهما.