بازگشت

تشرف السيد مهدي القزويني بلقائه في الحلة في داره في مجلس بحث


حدثني جماعة من الافاضل الکرام، و الصلحاء الفخام، منهم السيد السند و الحبر المعتمد، زبدة العلماء الاعلام، و عمدة الفقهاء العظام، حاوي فنون الفضل و الادب، و حائز معالي الحسب و النسب الآميرزا صالح دام علاه ابن سيد المحققين و نور مصباح المجاهدين، وحيد عصره، و فريد دهره سيدنا المعظم السيد مهدي



[ صفحه 283]



المتقدم ذکره أعلي الله مقامه، و رفع في الخلد أعلامه و قد کنت سألت عنه سلمه الله أن يکتب لي تلک الحکايات الآتية المنسوبة إلي والده المعظم التي سمعتها من الجماعة فان أهل البيت أدري بما فيه، مع ما هو عليه: من الاتقان و الحفظ و الضبط و الصلاح و السداد و الاطلاع، و قد صاحبته في طريق مکة المعظمة ذهابا و إيابا فوجدته أيده الله بحرا لا ينزح و کنزا لا ينفد، فکتب إلي مطابقا لما سمعته من تلک العصابة.

و کتب أخوه العالم النحرير، و صاحب الفضل المنير، السيد الامجد السيد محمد سلمه الله تعالي في آخر ما کتبه: سمعت هذه الکرامات الثلاثة سماعا من لفظ الوالد المرحوم المبرور عطر الله مرقده.

صورة ما کتبه: بسم الله الرحمن الرحيم حدثني بعض الصلحاء الابرار من أهل الحلة قال: خرجت غدوة من داري قاصدا دارکم لاجل زيارة السيد أعلي الله مقامه فصار ممري في الطريق علي المقام المعروف بقبر السيد محمد ذي الدمعة فرأيت علي شباکه الخارج إلي الطريق شخصا بهي المنظر يقرأ فاتحة الکتاب، فتأملته فإذا هو غريب الشکل، و ليس من أهل الحلة.

فقلت في نفسي: هذا رجل غريب قد اعتني بصاحب هذا المرقد، و وقف و قرأ له فاتحة الکتاب، و نحن أهل البلد نمر و لا نفعل ذلک، فوقفت و قرأت الفاتحة و التوحيد، فلما فرغت سلمت عليه، فرد السلام، و قال لي: يا علي أنت ذاهب لزيارة السيد مهدي؟ قلت: نعم، قال: فاني معک.

فلما صرنا ببعض الطريق قال لي: يا علي لا تحزن علي ما أصابک من الخسران و ذهاب المال في هذه السنة، فانک رجل امتحنک الله بالمال فوجدک مؤديا للحق و قد قضيت ما فرض الله عليک، و أما المال فانه عرض زائل يجيئ و يذهب، و کان قد أصابني خسران في تلک السنة لم يطلع عليه أحد مخافة الکسر، فاغتممت في نفسي و قلت: سبحان الله کسري قد شاع و بلغ حتي إلي الاجانب، إلا أني قلت له في الجواب: الحمد لله علي کل حال، فقال: إن ما ذهب من مالک سيعود



[ صفحه 284]



إليک بعد مدة، و ترجع کحالک الاول، و تقضي ما عليک من الديون.

قال: فسکت و أنا مفکر في کلامه حتي انتهينا إلي باب دارکم، فوقفت و وقف، فقلت: ادخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال لي: ادخل أنت أنا صاحب الدار، فامتنعت فأخذ بدي و أدخلني أمامه فلما صرنا إلي المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا ينتظرون خروج السيد قدس سره من داخل الدار لاجل البحث.

و مکانه من المجلس خال لم يجلس فيه أحد احتراما له، و فيه کتاب مطروح.

فذهب الرجل، و جلس في الموضع الذي کان السيد قدس سره يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الکتاب و فتحه، و کان الکتاب شرائع المحقق قدس سره ثم استخرج من الکتاب کراريس مسودة بخط السيد قدس سره، و کان خطه في غاية الضعف لا يقدر کل أحد علي قراءته، فأخذ يقرء في تلک الکراريس و يقول للطلبة: الا تعجبون من هذه الفروع و هذه الکراريس؟ هي بعض من جملة کتاب مواهب الافهام في شرح شرائع الاسلام و هو کتاب عجيب في فنه لم يبرز منه إلا ست مجلدات من أول الطهارة إلي أحکام الاموات.

قال الوالد أعلي الله درجته: لما خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في موضعي فلما رآني قام و تنحي عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه، و رأيته رجلا بهي المنظر، وسيم الشکل في زي غريب، فلما جلسنا أقبلت عليه بطلاقه وجه و بشاشة، و سؤال عن حاله و استحييت أن أسأله من هو و أين وطنه؟ ثم شرعت في البحث فجعل الرجل يتکلم في المسألة التي نبحث عنها بکلام کأنه اللؤلؤ المتساقط فبهرني کلامه فقال له بعض الطلبة: أسکت ما أنت و هذا، فتبسم و سکت.

قال رحمه الله: فلما انقضي البحث قلت له: من أين کان مجيئک إلي الحلة؟ فقال: من بلد السليمانية، فقلت: متي خرجت؟ فقال: بالامس خرجت منها، و ما خرجت منها حتي دخلها نجيب باشا فاتحا لها عنوة بالسيف و قد قبض علي أحمد باشا الباباني المتغلب عليها، و أقام مقامه أخاه عبد الله باشا، و قد کان أحمد باشا المتقدم



[ صفحه 285]



قد خلع طاعة الدولة العثمانية و ادعي السلطنة لنفسه في السليمانية.

قال الوالد قدس سره: فبقيت مفکرا في حديثه و أن هذا الفتح و خبره لم يبلغ إلي حکام الحلة، و لم يخطر لي أن أسأله کيف وصلت إلي الحلة و بالامس خرجت من السليمانية، و بين الحلة و السليمانية ما تزيد علي عشرة أيام للراکب المجد.

ثم إن الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الانآء ليغترف به ماء من الحب فناداه لا تفعل! فان في الانآء حيوانا ميتا فنظر فيه، فإذا فيه سام أبرص ميت فأخذ غيره و جاء بالماء إليه فلما شرب قام للخروج.

قال الوالد قدس سره فقمت لقيامه فودعني و خرج فلما صار خارج الدار قلت للجماعة هلا أنکرتم علي الرجل خبره في فتح السليمانية فقالوا: هلا أنکرت عليه؟ قال: فحدثني الحاج علي المتقدم بما وقع له في الطريق و حدثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة، و إظهار العجب من الفروع التي فيها.

قال الوالد أعلي الله مقامه: فقلت: أطلبوا الرجل و ما أظنکم تجدونه هو و الله صاحب الامر روحي فداه فتفرق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عينا و لا أثرا فکأنما صعد في السماء أو نزل في الارض.

قال: فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح إلي الحلة بعد عشرة أيام من ذلک اليوم، و أعلن ذلک عند حکامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر، عند ذوي الدولة العثمانية.

قلت: الموجود فيما عندنا من کمتب الانساب أناسم ذا الدمعة حسين و يلقب أيضا بذي العبرة، و هو ابن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين عليهما السلام و يکني بأبي عاتقة، و إنما لقب بذي الدمعة لبکائه في تهجده في صلاة الليل، و رباه الصادق عليه السلام فأرثه علما جما و کان زاهدا عابدا و توفي سنة خمس و ثلاثين و مائة



[ صفحه 286]



زوج ابنته بالمهدي الخليفة العباسي و له أعقاب کثيرة، و لکنه سلمه الله أعرف بما کتب.