بازگشت

قصة اخري للسيد المذکور و تشرفه بلقاء الحجة عندما اشرف علي ال


و حدث السيد الصالح المتقدم ذکره، قدس الله روحه: قال وردت المشهد المقدس الرضوي عليه الصلاة و السلام للزيارة، و أقمت فيه مدة، و کنت في ضنک



[ صفحه 250]



و ضيق مع وفور النعمة، و رخص أسعارها، و لما أردت الرجوع مع سار الزائرين لم يکن عندي شيء من الزاد حتي قرصة لقوت يومي، فتخلفت عنهم، و بقيت يومي إلي زوال الشمس فزرت مولاي و أديت فرض الصلاة فرأيت أني لو لم ألحق بهم لا يتيسر لي الرفقة عن قريب و إن بقيت أدرکتني الشتاء و مت من البرد.

فخرجت من الحرم المطهر مع ملالة الخاطر، و قلت في نفسي: أمشي علي أثرهم، فان مت جوعا استرحت، و إلا لحقت بهم، فخرجت من البلد الشريف و سألت عن الطريق، و صرت أمشي حتي غربت الشمس و ما صادفت أحدا، فعلمت أني أخطأت الطريق، و أنا ببادية مهولة لا يري فيها سوي الحنظل، و قد أشرفت من الجوع و العطش علي الهلاک، فصرت أکسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من بينها بحبحب [1] حتي کسرت نحوا من خمسمأة، فلم أظفر بها، و طلبت الماء و الکلاء حتي جنني الليل، و يئست منهما، فأيقنت الفناء و استسلمت للموت، و بکيت علي حالي.

فتراءي لي مکان مرتفع، فصعدته فوجدت في أعلاها عينا من الماء فتعجبت و شکرت الله عز و جل و شربت الماء و قلت في نفسي: أتوضأ وضوء الصلاة و أصلي لئلا ينزل بي الموت و أنا مشغول الذمة بها، فبادرت إليها.

فلما فرغت من العشاء الآخرة أظلم الليل و امتلا البيداء من أصوات السباع و غيرها و کنت أعرف من بينها صوت الاسد و الذئب وأري أعين بعضها تتوقد کأنها السراج، فزادت وحشتي إلا أني کنت مستسلما للموت، فأدرکني النوم لکثرة التعب، و ما أفقت إلا و الاصوات قد انخمدت، و الدنيا بنور القمر قد أضاءت، و أنا في غاية الضعف، فرأيت فارسا مقبلا علي فقلت في نفسي إنه يقتلني لانه يريد متاعي فلا يجد شيئا عندي فيغضب لذلک فيقتلني، و لا أقل من أن تصيبني منه جراحة.



[ صفحه 251]



فلما وصل إلي سلم علي فرددت عليه السلام و طابت منه نفسي، فقال: مالک؟ فأومأت إليه بضعفي، فقال: عندک ثلاث بطيخات، لم لا تأکل منها؟ فقلت: لا تستهزءني ودعني علي حالي، فقال لي: أنظر إلي ورائک، فنظرت فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات کبار، فقال: سد جوعک بواحدة، و خذ معک اثنتين، و عليک بهذا الصراط المستقيم، فامش عليه، و کل نصف بطيخة أول النهار، و النصف الآخر عند الزوال، و احفظ بطيخة فانها تنفعک، فإذا غربت الشمس، تصل إلي خيمة سوداء، يوصلک أهلها إلي القافلة، و غاب عن بصري.

فقمت إلي تلک البطيخات، فکسرت واحدة منها فرأيتها في غاية الحلاوة و اللطافة کاني ما أکلت مثلها فأکلتها، و أخذت معي الاثنتين، و لزمت الطريق، و جعلت أمشي حتي طلعت الشمس، و مضي من طلوعها مقدار ساعة، فکسرت واحدة منهما و أکلت نصفها و سرت إلي زوال الشمس، فأکلت النصف الآخر و أخذت الطريق.

فلما الغروب بدت لي تلک الخيمة، و رآني أهلها فبادروا إلي و أخذوني بعنف و شدة، و ذهبوا بي إلي الخيمة کأنهم زعموني جاسوسا، و کنت لا أعرف التکلم إلا بلسان العرب، و لا يعرفون لساني، فأتوا بي إلي کبيرهم، فقال لي بشدة و غضب: من أين جئت؟ تصدقني و إلا قتلتک فأفهمته بکل حيلة شرحا من حالي.

فقال: أيها السيد الکذاب لا يعبر من الطريق الذي تدعيه متنفس إلا تلف أو أکله السباع، ثم إنک کيف قدرت علي تلک المسافة البعيدة في الزمان الذي تذکره و من هذا المکان إلي المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني و إلا قتلتک، و شهر سيفه في وجهي.

فبدا له البطيخ من تحت عبائي فقال: ما هذا؟ فقصصت عليه قصته، فقال الحاضرون: ليس في هذا الصحراء بطيخ خصوصا هذه البطيخة التي ما رأينا مثلها أبدا فرجعوا إلي أنفسهم، و تکلموا فيما بينهم، و کأنهم علموا صدق مقالتي، و أن هذه معجزة من الامام عليه آلاف التحية و الثناء و السلام [2] فأقبلوا علي و قبلوا



[ صفحه 252]



يدي و صدروني في مجلسهم، و أکرموني غاية الاکرام، و أخذوا لباسي تبرکا به و کسوني ألبسة جديدة فاخرة، و اضافوني يومين و ليلتين.

فلما کان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين، و وجهوا معي ثلاثة منهم حتي أدرکت القافلة.


پاورقي

[1] الحبحب: البطيخ الشامي الذي تسميه أهل العراق: الرقي، و الفرس: الهندي.

قاله الفيروز آبادي و الظاهر أنه يشبه الحنظل من حيث الصورة.

[2] و يأتي في ذيل الحکاية الثالثة و الخمسين دفع ما ربما يتوهم في هذه الحکاية و أمثالها من عدم وجود شاهد فيها علي کون المستغاث هو الحجة عليه السلام، منه رحمه الله.