بازگشت

تشرف العلامة الطباطبائي بحرالعلوم بلقائه في مسجد السهلة


ما حدثني به العالم العامل، و العارف الکامل غواص غمرات الخوف و الرجاء و سياح فيافي الزهد و التقي، صاحبنا المفيد، و صديقنا السديد، الآغا علي رضا ابن العالم الجليل الحاج المولي محمد النائيني، رحمهما الله تعالي، عن العالم البدل الورع التقي صاحب الکرامات، و المقامات العاليات، المولي زين العابدين بن العالم



[ صفحه 235]



الجليل المولي محمد السلماسي رحمه الله تلميذ آية الله السيد السند، و العالم المسدد فخر الشيعة و زينة الشريعة العلامة الطباطبائي السيد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلي الله درجته، و کان المولي المزبور من خاصته في السر و العلانية.

قال: کنت حاضرا في مجلس السيد في المشهد الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقق القمي صاحب القوانين في السنة التي رجع من العجم إلي العراق زائرا لقبور الائمة عليهم السلام و حاجا لبيت الله الحرام، فتفرق من کان في المجلس و حضر للاستفادة منه، و کانوا أزيد من مائة و بقيت ثلاثة من اصحابه أرباب الورع و السداد البالغين إلي رتبة الاجتهاد.

فتوجه المحقق الايد إلي جناب السيد و قال: إنکم فزتم حزتم مرتبة الولادة الروحانية و الجسمانية، و قرب المکان الظاهري و الباطني، فتصدقوا علينا بذکر مائدة من موائد تلک الخوان، و ثمرة من الثمار التي جنيتم من هذه الجنان، کي ينشرح به الصدور، و يطمئن به القلوب.

فأجاب السيد من تأمل، و قال: إني کنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل و الترديد من الراوي في المسجد الاعظم بالکوفة، لاداء نافلة الليل عازما علي الرجوع إلي النجف في أول الصبح، لئلا يتعطل أمر البحث أمر البحث و المذاکرة و هکذا کان دأبه في سنين عديدة.

فلما خرجت من المسجد ألقي في روعي الشوق إلي مسجد السهلة، فصرفت خيالي عنه، خوفا من عدم الوصول إلي البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم و لکن کان الشوق يزيد في کل آن، و يميل القلب إلي ذلک المکان، فبينا أقدم رجلا و أؤخر أخري، إذا بريح فيها غبار کثير، فهاجت بي و أمالتني عن الطريق فکأنها التوفيق الذي هو خير رفيق، إلي أن ألقتني إلي باب المسجد.

فدخلت فإذا به خاليا عن العباد و الزوار، إلا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة مع الجبار، بکلمات ترق القلوب القاسية، و تسح الدموع من العيون الجامدة، فطار بالي، و تغيرت حالي، و رجفت رکبتي، و هملت دمعتي من استماع



[ صفحه 236]



تلک الکلمات التي لم تسمعها أذني، و لم ترها عيني، مما وصلت إليه من الادعية المأثورة، و عرفت أن الناجي ينشئها في الحال، لا أنه ينشد ما أودعه في البال.

فوقفت في مکاني مستمعا متلذذا إلي أن فرغ من مناجاته، فالتفت إلي و صاح بلسان العجم: مهدي بيا أي: هلم يا مهدي، فتقدمت إليه بخطوات فوقفت، فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت، فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت، فأمرني بالتقدم و قال: إن الادب في الامتثال، فتقدمت إليه بحيث تصل يدي إليه، و يده الشريفة إلي و تکلم بکلمة.

قال المولي السلماسي رحمه الله: و لما بلغ کلام السيد السند إلي هنا أضرب عنه صفحا، و طوي عنه کشحا، و شرح في الجواب عما سأله المحقق المذکور قبل ذلک.

عن سر قلة تصانيفه، مع طول باعه في العلوم، فذکر له وجوها فعاد المحقق القمي فسال عن هذا الکلام الخفي فأشار بيده شبه المنکر بأن هذا سر لا يذکر.