بازگشت

نادر في ذکر من رآه في الغيبة الکبري قريبا من زماننا


أقول: وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الابيض أحببت إيرادها لاشتمالها علي ذکر من رآه، و لما فيه من الغرائب.

و إنما أفردت لها باب لاني لم أظفربه في الاصول المعتبرة و لنذکرها بعينها کما وجدتها: [1] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لمعرفته، و الشکر له علي ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته، محمد الذي اصطفاه من بين خليقته، و خصنا بمحبة علي و الائمة المعصومين من ذريته، صلي الله عليهم أجمعين الطيبين الطاهرين و سلم تسليما کثيرا.

و بعد: فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين عليه السلام، و سيد الوصيين، و حجة رب العالمين، و إمام المتقين، علي بن أبي طالب عليه السلام بخط الشيخ الفاضل و العالم العامل، الفضل بن يحيي بن علي الطيبي الکوفي قدس الله روحه ما هذا صورته: الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد و آله و سلم.

و بعد: فيقول الفقير إلي عفو الله سبحانه و تعالي الفضل بن يحيي بن علي الطيبي الامامي الکوفي عفي الله عنه: قد کنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي و الشيخ جلال الدين عبد الله بن الحرام الحلي قدس الله روحيهما و نور ضريحيهما في مشهد سيد الشهداء و خامس أصحاب الکساء مولانا و إمامنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام في النصف من شهر شعبان سنة تسع و تسعين و ستمأة من



[ صفحه 160]



الهجرة النبوية علي مشرفها محمد و آله أفضل الصلاة و أتم التحية، حکاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي الفاضل الورع الزکي زين الدين علي بن فاضل المازندراني، المجاور بالغري - علي مشرفيه السلام - حيث اجتمعا به في مشهد الامامين الزکيين الطاهرين المعصومين السعيدين عليهما السلام بسر من رأي و حکي لهما حکاية ما شاهده و رآه في البحر الابيض، و الجزيرة الخضراء من العجائب فمر بي باعث الشوق إلي رؤياه، و سألت تيسير لقياه، و الاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه باسقاط رواته، و عزمت علي الانتقال إلي سر من رأي للاجتماع به.

فاتق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من رأي إلي الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذکورة ليمضي علي جاري عادته و يقيم في المشهد الغروي علي مشرفيه السلام.

فلما سمعت بدخوله إلي الحلة و کنت يومئذ بها قد أنتظر قدومه فإذا أنابه و قد أقبل راکبا يريد دار السيد الحسيب، ذي النسب الرفيع، و الحسب المنيع السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاه و لم أکن إذ ذاک الوقت أعرف الشيخ الصالح المذکور لکن خلج في خاطري أنه هو.

فلما غاب عن عيني تبعته إلي دار السيد المذکور فلما وصلت إلي باب الدار رأيت السيد فخر الدن واقفا علي باب داره مستبشرا فلما رآني مقبلا ضحک في وجهي و عرفني بحضوره فاستطار قلبي فرحا و سرورا و لم أمرک نفسي علي الصبر علي الدخول إليه في غيره الوقت.

فدخلت الدار مع السيد فخر الدين فسلمت عليه، و قبلت يديه، فسأل السيد عن حالي، فقال له: هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيي الطيبي صديقکم فنهض واقفا و أقعدني في مجلسه و رحب بي و أحفي السوأل عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لانه کان عارفا بهما سابقا و لم أکن في تلک الاوقات حاضرا بل کنت في بلدة واسط، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق



[ صفحه 161]



إبراهيم بن محمد الواسطي الامامي تغمده الله برحمته، و حشره في زمرة أئمته عليهم السلام.

فتحادثت مع الشيخ الصالح المذکور متع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في کلامه أمارات تدل علي الفضل في أغلب العلوم من الفقة و الحديث، و العربية بأقسامها، و طلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ شمس الدين و الشيخ جلال الدين الحليان المذکوران سابقا عفي الله عنهما فقص لي القصة من أولها إلي آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلة صاحب الدار، و حضور جماعة من علماء الحلة و الاطراف، قد کانوا أتوا لزيارة الشيخ المذکور وفقه الله، و کان ذلک في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع و تسعين و ستمأة و هذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه و ربما وقع في الالفاظ التي نقلتها من لفظة تغيير، لکن المعاني واحدة قال حفظه الله تعالي: قد کنت مقيما في دمشق الشام، منذ سنين، مشتغلا بطلب العلم، عند الشيخ الفاضل الشيخ عبد الرحيم الحنفي وفقه الله لنور الهداية في علمي الاصول و العربية، و عند الشيخ زين الدين علي المغربي الاندلسي المالکي في علم القراءة لانه کان عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع و کان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف، و النحو، و المنطق، و المعاني، و البيان، و الاصولين [2] و کان لين الطبع لم يکن عنده معاندة في البحث و لا في المذهب لحسن ذاته.

فکان إذا جري ذکر الشيعة يقول: قال علماء الامامية.

بخلاف من المدرسين فانهم کانوا يقولون عند ذکر الشيعة: قال علماء الرافضة، فاختصصت به و ترکت التردد إلي غيره، فأقمنا علي ذلک برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذکورة.

فاتفق أنه عزم علي السفر من دمشق الشام، يريد الديار المصرية، فلکثرة



[ صفحه 162]



المحبة التي کانت بيننا عز علي مفارقته، و هو أيضا کذلک فآل [3] الامر إلي أنه هداه الله صمم العزم علي صحبتي له إلي مصر، و کان عنده جماعة من الغرباء مثلي، يقرؤون عليه فصحبه أکثرهم.

فسرنا في صحبته إلي أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالفاخرة، و هي أکبر من مدائن مصر کلها، فأقام بالمسجد الازهر مدة يدرس، فتسامع فضلاء مصر بقدومه، فوردوا کلهم لزيارته و للانتفاع بعلومه، فأقام في قاهرة مصر مدة تسعة أشهر، و نحن معه علي أحسن حال و إذا بقافلة قد وردت من الاندلس و مع رجل منها کتاب من والد شيخنا الفاضل المذکور يعرفه فيه بمرض شديد قد عرض له و أنه يتمني الاجتماع به قبل الممات، و يحثه فيه علي عدم التأخير.

فرق الشيخ من کتاب أبيه و بکي، و صمم العزم علي المسير إلي جزيرة الاندلس، فعزم بعض التلامذة علي صحبته، و من الجملة أنا، لانه هداه الله قد کان أحبني محبة شديدة و حسن لي المسير معه فسافرت إلي الاندلس في صحبته فحيث وصلنا إلي أول قرية من الجزيرة المذکورة، عرضت لي حمي منعتني عن الحرکة.

فحيث رآني الشيخ علي تلک الحالة رق لي و بکي، و: قال يعز علي مفارقتک، فأعطي خطيب تلک القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم، و أمره أن يتعاهدني حتي يکون مني أحد الامرين، و إن من الله بالعافية أتبعه إلي بلده هکذا عهد إلي بذلک وفقه الله بنور الهداية إلي طريق الحق المستقيم، ثم مضي إلي بلد الاندلس، و مسافة الطريق من ساحل البحر إلي بلده خمسة أيام.

فبقيت في تلک القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحرکة لشدة ما أصابني من الحمي ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمي، و خرجت أدور في سکک تلک القرية فرأيت قفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف و السمن و الامتعة، فسألت عن حالهم فقيل: إن هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من



[ صفحه 163]



أرض البربر، و هي قريبة من جزائر الرافضة.

فحيث سمعت ذلک منهم ارتحت إليهم، و جذبني باعث الشوق إلي أرضهم فقيل لي: إن المسافة خمسة و عشرون يوما، منها يومان بغير عمارة و لا ماء، و بعد ذلک فالقري متصلة، فاکتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم، لقطع تلک المسافة التي لا عمارة فيها، فلما قطعنا معهم تلک المسافة، و وصلنا أرضهم العامرة، تمشيت راجلا و تنقلت علي اختياري من قرية إلي اخري (إلي) أن وصلت إلي أول تلک الاماکن، فقيل لي: إن جزيرة الروافض قد بقي بينک و بينها ثلاثة أيام، فمضيت و لم أتأخر.

فوصلت إلي جزيرة ذات أسوار أربعة، و لها أبراج محکمات شاهقات، و تلک الجزيرة بحصونها راکبة علي شاطئ البحر، فدخلت من باب کبيرة يقال لها: باب البربر، فدرت في سککها أسأل عن مسجد البلد، فهديت عليه، و دخلت إليه فرأيته جامعا کبيرا معظما واقعا علي البحر من الجانب الغربي من البلد، فجلست في جانب المسجد لاستريح و إذا بالمؤذن يؤذن للظهر و نادي بحي علي خير العمل و لما فرغ دعا بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان عليه السلام.

فأخذتني العبرة بالبکاء، فدخلت جماعة بعد جماعة إلي المسجد، و شرعوا في الوضوء، علي عين ماء تحت الشجرة في الجانب الشرقي من المسجد، و أنا أنظر إليهم فرحا مسرورا لما رأيته من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدي عليهم السلام.

فلما فرغوا من وضوئهم و إذا برجل قد برز من بينهم بهي الصورة، عليه السکينة و الوقار، فتقدم إلي المحراب، و أقام الصلاة، فاعتدلت الصفوف وراءه وصلي بهم إماما و هم به مأمومون صلاة کاملة بأرکانها المنقولة عن أئمتنا عليهم السلام علي الوجه المرضي فرضا و نفلا و کذا التعقيب و التسبيح و من شدة ما لقيته من وعثاء السفر، و تعبي في الطريق لم يمکني أن أصلي معهم الظهر.

فلما فرغوا و رأوني أنکروا علي عدم اقتدائي بهم، فتوجهوا نحوي بأجمعهم و سألوني عن حالي و من أين أصلي و ما مذهبي؟ فشرحت لهم أحوالي وأني



[ صفحه 164]



عراقي الاصل، و أما مذهبي فانني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريک له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أرسله (بالهدي) و دين الحق ليظهره علي الاديان کلها و لو کره المشرکون.

فقالوا لي: لم تنفعک هاتان الشهادتان إلا لحقن دمک في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الاخري لتدخل الجنة بغير حساب؟ فقلت لهم: و ما تلک الشهادة الاخري؟ اهدوني إليها يرحمکم الله، فقال لي إمامهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين، و يعسوب المتقين، و قائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب و الائمة الاحد عشر من ولده أو صياء رسول الله، و خلفاؤه من بعده بلا فاصلة، قد أوجب الله عزو جل طاعتهم علي عباده، و جعلهم أوليآء أمره و نهيه، و حججا علي خلقه في أرضه، و أمانا لبريته، لان الصادق الامين محمدا رسول رب العالمين صلي الله عليه و اله أخبر بهم عن الله تعالي مشافهة من نداء الله عز و جل له عليه السلام في ليلة معراجه إلي السماوات السبع، و قد صار من ربه کقاب قوسين أو أدني، و سماهم له واحدا بعد واحد، صلوات الله و سلامه عليه و عليهم أجمعين.

فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه علي ذلک، و حصل عندي أکمل السرور، و ذهب عني تعب الطريق من الفرح، و عرفتهم أني علي مذهبهم، فتوجهوا إلي توجه إشفاق، و عينوا لي مکانا في زوايا المسجد، و ما زالوا يتعاهدوني بالعزة و الاکرام مدة إقامتي عندهم، و صار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا و لا نهارا.

فسألته عن ميرة بلده [4] من أين تأتي إليهم فاني لا أري لهم أرضا مزروعة، فقال: تأتي إليهم ميرتهم من الجزيرة الخضراء من البحر الابيض، من جزائر أولاد الامام صاحب الامر عليه السلام، فقلت له: کم تأتيکم ميرتکم في السنة؟ فقال: مرتين، و قد أتت مرة و بقيت الاخري فقلت: کم بقي حتي تأتيکم؟ قال: أربعة أشهر.



[ صفحه 165]



فتأثرت لطول المدة، و مکثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا و نهارا بتعجيل مجيئها، و أنا عندهم في غاية الاعزاز و الاکرام، ففي آخر يوم من الاربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلي شاطئ البحر، أنظر إلي جهة المغرب التي ذکروا أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلک الجهة.

فرأيت شبحامن بعيد يتحرک، فسألت عن ذلک الشبح أهل البلد و قلت لهم: هل يکون في البحر طير أبيض؟ فقالوا لي: لا، فهل رأيت شيئا؟ قلت: نعم فاستبشروا و قالوا: هذه المراکب التي تأتي إلينا في کل سنة من بلاد أولاد الامام عليه السلام.

فما کان إلا قليل حتي قدمت تلک المراکب، و علي قولهم إن مجيئها کان في الميعاد، فقدم مرکب کبير و تبعه آخر و آخر حتي کملت سبعا، فصعد [5] من المرکب الکبير شيخ مربوع القامة، بهي المنظر، حسن الزي، و دخل المسجد فتوضأ الوضوء الکامل علي الوجه المنقول عن أئمة الهدي عليهم السلام، وصلي الظهرين، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علي فرددت عليه السلام فقال: ما اسمک و أظن أن اسمک علي؟ قلت: صدقت فحادثني بالسر محادثة من يعرفني فقال: ما اسم أبيک؟ و يوشک أن يکون فاضلا، قلت: نعم، و لم أکن أشک في أنه قد کان في صحبتنا من دمشق.

فقلت: أيها الشيخ! ما أعرفک بي و بأبي؟ هل کنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلي مصر؟ فقال: لا، قلت: و لا من مصر إلي الاندلس؟ قال: لا - و مولاي صاحب العصر، قلت له: فمن أين تعرفني باسمي و اسم أبي؟.

قال: أعلم أنه قد تقدم إلي وصفک، و أصلک، و معرفة اسمک و شخصک و هيئتک و اسم أبيک، و أنا أصحبک معي إلي الجزيرة الخضراء.

فسررت بذلک حيث قد ذکرت ولي عندهم اسم، و کان من عدته أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعا و أوصل الميرة إلي أصحابها المقررة لهم، فلما



[ صفحه 166]



أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم، عزم علي السفر، و حملني معه، و سرنا في البحر.

فلما کان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ و اسمه محمد: ما لي أراک تطيل النظر إلي هذا الماء؟ فقلت له: إني أراه علي لون ماء البحر.

فقال لي: هذا هو البحر الابيض، و تلک الجزيرة الخضراء، و هذا الماء مستدير حولها مثل السؤر من أي الجهات أتيته وجدته، و بحکمة الله تعالي إن مراکب أعدائنا إذا دخلته غرقت و إن کانت محکمة ببرکة مولانا و إمامنا صاحب العصر عليه السلام فاستعملته و شربت منه، فإذا هو کماء الفرات.

ثم إنا لما قطعنا ذلک الماء الابيض، وصلنا إلي الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة أهله، ثم صعدنا من المرکب الکبير إلي الحزيرة و دخلنا البلد، فرأيته محصنا بقلاع و أبراج و أسوار سبعة واقعة علي شاطئ البحر، ذات أنهار و أشجار مشتملة علي أنواع الفواکة و الاثمار المنوعة، و فيها أسواق کثيرة، و حمامات عديدة و أکثر عمارتها برخام شفاف و أهلها في أحسن الزي و البهاء فاستطار قلبي سرورا لما رأيته.

ثم مضي بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا في منزله إلي الجامع المعظم، فرأيت فيه جماعة کثيرة و في وسطهم شخص جالس عليه من المهابة و السکينة و الوقار ما لا أقدر (أن) أصفه، و الناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم، و يقرؤون عليه القرآن و الفقه، و العربية بأقسامها، و أصول الدين و الفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الامر عليه السلام مسألة مسألة، و قضية قضية، و حکما حکما.

فلما مثلت بين يديه، رحب بي و اجلسني في القرب منه، و أحفي السوأل عن تعبي في الطريق و عرفني أنه تقدم إليه کل أحوالي، و أن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.

ثم أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد، و قال لي: هذا



[ صفحه 167]



يکون لک إذا أردت الخلوة و الراحة، فنهضت و مضيت إلي ذلک الموضع، فاسترحت فيه إلي وقت العصر، و إذا أنا بالموکل بي قد أتي إلي و قال لي: لا تبرح من مکانک حتي يأتيک السيد و أصحابه لاجل العشاء معک، فقلت: سمعا و طاعة.

فما کان إلا قليل و إذا بالسيد سلمه الله قد أقبل، و معه أصحابه، فجلسوا و مدت المائدة فأکلنا و نهضنا إلي المسجد مع السيد لاجل صلاة المغرب و العشاء فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلي منزله، و رجعت إلي مکاني و أقمت علي هذه الحال مدة ثمانية عشر يوما و نحن في صحبته أطال الله بقاءه.

فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلي الجمعة رکعتين فريضة واجبة، فلما انقضت الصلاة قلت: يا سيدي قد رأيتکم صليتم الجمعة رکعتين فريضة واجبة؟ قال: نعم لان شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت فقلت في نفسي: ربما کان الامام عليه السلام حاضرا.

ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة: هل کان الامام حاضرا؟ فقال: لا و لکني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه عليه السلام فقلت: يا سيدي و هل رأيت الامام عليه السلام؟ قال: لا، و لکني حدثني أبي - رحمه الله - أنه سمع حديثه و لم ير شخصه و أن جدي - رحمه الله - سمع حديثه ورأي شخصه.

فقلت له: و لم ذاک يا سيدي يختص بذلک رجل دون آخر؟ فقال لي: يا أخي إن الله سبحانه و تعالي يؤتي الفضل من يشاء من عباده، و ذلک لحکمة بالغة و عظمة قاهرة، کما أن الله تعالي اختص من عباده الانبياء و المرسلين، و الاوصياء المنتجبين، و جعلهم إعلاما لخلقه، و حججا علي بريته، و وسيلة بينهم و بينه ليهلک من هلک عن بينة، و يحيي من حي عن بينة، و لم يخل أرضه بغير حجة علي عباده للطفه بهم، و لا بد لکل حجة من سفير يبلغ عنه.

ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلي خارج مدينتهم، و جعل يسير معي نحو البساتين، فرأيت فيها أنهارا جارية، و بساتين کثيرة، مشتملة علي أنواع الفواکة، عظيمة الحسن و الحلاوة، من العنب و الرمان، و الکمثري و غيرها



[ صفحه 168]



ما لم أرها في العراقين، و لا في الشامات کلها.

فبينما نحن نسير من بستان إلي آخر إذ مر بنا رجل بهي الصورة، مشتمل ببردتين من صوف أبيض فلما قرب منا سلم علينا و انصرف عنا، فأعجبتني هيئته فقلت للسيد سلمه الله: من هذا الرجل؟ قال لي: أ تنظر إلي هذا الجبل الشاهق؟ قلت: نعم، قال: إن في وسطه لمکانا حسنا و فيه عين جارية، تحت شجرة ذات أغصان کثيرة، و عندها قبة مبنية بالآجر، و إن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلک القبة، و أنا أمضي إلي هناک في کل صباح جمعة، و أزور الامام عليه السلام منها و أصلي رکعتين، واجد هناک ورقة مکتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاکمة بين المؤمنين، فمهما تضمنته الورقة أعمل به، فينبغي لک أن تذهب إلي هناک و تزور الامام عليه السلام من القبة.

فذهبت إلي الجبل فرأيت القبة علي ما وصف لي سلمه الله، و وجدت هناک خادمين، فرحب بي الذي مر علينا و أنکرني الآخر فقال له: لا تنکره فاني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم، فتوجه إلي و رحب بي و حاد ثاني و أتيا لي بخبز و عنب فأکلت و شربت من ماء تلک العين التي عند تلک القبة، و توضأت و صليت رکعتين.

و سألت الخادمين عن رؤية الامام عليه السلام فقالا لي: الرؤية ممکنة و ليس معنا إذن في إخبار أحد، فطلبت منهم الدعاء، فدعيا لي، و انصرفت عنهما، و نزلت من ذلک الجبل إلي أن وصلت إلي المدينة.

فلما وصلت إليها ذهبت إلي دار السيد شمس الدين العالم، فقيل لي: إنه خرج في حاجة له، فذهبت إلي دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المرکب فاجتمعت به و حکيت له عن مسيري إلي الجبل، nو اجتماعي بالخادمين، و إنکار الخادم علي فقال لي: ليس لاحد رخصة في الصعود إلي ذلک المکان، سوي السيد شمس الدين و أمثاله، فلهذا وقع الانکار منه لک، فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله إفضاله، فقال: إنه من أولاد أولاد الامام، و إن بينه و بين الامام عليه السلام خمسة آباء



[ صفحه 169]



و إنه النائب الخاص عن أمر صدر منه عليه السلام.

قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري علي مشرفه السلام: و استأذنت السيد شمس الدين العالم، أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه، و قراءة القرآن المجيد، و مقابلة المواضع المشکلة من العلوم الدينية و غيرها فأجاب إلي ذلک و قال: إذا کان و لا بد من ذلک فابدء أولا بقراءة القرآن العظيم.

فکان کلما قرأت شيئا فيه خلاف بين القراء أقول له: قرأ حمزة کذا، و قرأ الکسائي کذا، و قرأ عاصم کذا، و أبوعمرو بن کثير کذا.

فقال السيد سلمه الله: نحن لا نعرف هؤلاء، و إنما القرآن نزل علي سبعة أحرف، قبل الهجرة من مکة إلي المدينة و بعدها لما حج رسول الله صلي الله عليه و اله حجة الوداع، نزل عليه الروح الامين جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد اتل علي القرآن حتي اعرفک أوائل السؤر، و أواخرها، و شأن نزولها. [6] .

فاجتمع إليه علي بن أبي طالب، و ولداه الحسن و الحسين عليهم السلام و أبي بن کعب، و عبد الله بن مسعود، و حذيفة بن اليمان، و جابر بن عبد الله الانصاري، و أبو سعيد الخدري، و حسان بن ثابت، و جماعة رضي الله عن المنتجبين منهم، فقرأ النبي صلي الله عليه و اله القرآن من أوله إلي آخره، فکان کلما مر بموضع فيه اختلاف بينه له جبرئيل عليه السلام، و أمير المؤمنين عليه السلام يکتب ذاک في درج من أدم فالجميع قراءة أمير المؤمنين و وصي رسول رب العالمين.

فقلت له: يا سيدي أري بعض الآيات مرتبطة بما قبلها، و بما بعدها کأن فهمي القاصر، لم يصر إلي غورية [7] ذلک.



[ صفحه 170]



فقال: نعم، الامر کما رأيته و ذلک (أنه) لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله من دار الفناء إلي دار البقاء و فعل صنما قريش ما فعلاه، من غصب الخلافة الظاهرية، جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن کله، و وضعه في إزار و أتي به إليهم و هم في المسجد.

فقال لهم: هذا کتاب الله سبحانه أمرني رسول الله صلي الله عليه و اله أن أعرضه إليکم لقيام الحجة عليکم، يوم العرض بين يدي الله تعالي، فقال له فرعون هذه الامة و نمرود ها: لسنا محتاجين إلي قرآنک، فقال عليه السلام: لقد أخبرني حبيبي محمد صلي الله عليه و اليه بقولک هذا، و إنما أردت بذلک إلقاء الحجة عليکم.

فرجع أمير المؤمنين عليه السلام به إلي منزله، و هو يقول: لا إله إلا أنت، وحدک لا شريک لک لا راد لما سبق في علمک، و لا مانع لما اقتضته حکمتک، فکن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليک.

فنادي ابن أبي قحافة بالمسلمين، و قال لهم: کل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح، و عثمان، و سعد بن أبي وقاص و معاوية بن أبي سفيان، و عبد الرحمن بن عوف، و طلحة بن عبيد الله، و أبو سعيد الخدري، و حسان بن ثابت، و جماعات المسلمين و جمعوا هذا القرآن، و أسقطوا ما کان فيه من المثالب التي صدرت منهم، بعد وفاة سيد المرسلين صلي الله عليه و اله [8] فلهذا تري الآيات غير مرتبطة و القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام بخطه محفوظ عند صاحب الامر عليه السلام فيه کل شيء حتي أرش الخدش، و أما هذا ا قرآن، فلا شک و لا شبهة في صحته، و إنما کلام الله سبحانه هکذا صدر عن صاحب الامر عليه السلام.

قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل: و نقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل کثيرة تنوب علي تسعين مسألة، و هي عندي، جمعتها في مجلد و سميتها بالفوائد الشمسية و لا إطلع عليها إلا الخاص من المؤمنين، و ستراه إنشاء الله تعالي.



[ صفحه 171]



فلما کانت الجمعة الثانية و هي الوسطي من جمع الشهر، و فرغنا من الصلاة و جلس السيد سلمه الله في مجلس الافادة للمؤمنين و إذا أنا أسمع هرجا و مرجا و جزلة [9] عظيمة خارج المسجد، فسألت من السيد عما سمعته، فقال لي: إن امراء عسکرنا يرکبون في کل جمعة من وسط کل شهر، و ينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن لي، فخرجت لرؤيتهم، و إذاهم جمع کثير يسبحون الله و يحمدونه، و يهللونه عز و جل، و يدعون بالفرج للامام القائم بأمر الله و الناصح لدين الله م ح م د بن الحسن المهدي الخلف الصالح، صاحب الزمان عليه السلام.

ثم عدت إلي مسجد السيد سلمه الله فقال لي: رأيت العسکر؟ فقلت: نعم قال: فهل عددت امراءهم؟ قلت: لا قال: عدتهم ثلاث مائة ناصر و بقي ثلاثة عشر ناصرا، و يعجل الله لوليه الفرج بمشيته إنه جواد کريم.

قلت: يا سيدي و متي يکون الفرج؟ قال: يا أخي إنما العلم عند الله و الامر متعلق بمشيته سبحانه و تعالي حتي أنه ربما کان الامام عليه السلام لا يعرف ذلک بل له علامات و أمارات تدل علي خروجه.

من جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه، و يتکلم بلسان عربي مبين: قم يا ولي الله علي اسم الله، فاقتل بي أعداء الله.

و منها ثلاثة أصوات يسمعها الناس کلهم الصوت الاول: أزفت الازفة يا معشر المؤمنين، و الصوت الثاني: ألا لعنة الله علي الظالمين لآل محمد عليهم السلام و الثالث بدن يظهر فيري في قرن الشمس يقول: إن الله بعث صاحب الامر م ح م د بن الحسن المهدي عليه السلام فاسمعوا له و أطيعوا.

فقلت: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الامر عليه السلام أنه قال لما امر بالغيبة الکبري: من رآني بعد غيبتي فقد کذب فکيف فيکم من يراه؟ فقال: صدقت إنه عليه السلام إنما قال ذلک في ذلک الزمان لکثرة أعدائه من أهل بيته و غير هم من فراعنة بني العباس، حتي أن الشيعة يمنع بعضها



[ صفحه 172]



بعضا عن التحدث بذکره، و في هذا لزمان تطاولت المدة و أيس منه الاعداء و بلادنا نائية عنهم و عن ظلمهم و غنائهم، و ببرکته عليه السلام لا يقدر أحد من الاعداء علي الوصول إلينا.

قلت: يا سيدي! قد روت علماء الشيعة حديثا عن الامام عليه السلام أنه أباح الخمس لشيعته، فهل رويتم عنه ذلک؟ قال: نعم إنه عليه السلام رخص و أباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السلام و قال: هم في حل من ذلک، قلت: و هل رخص للشيعة أن يشتروا الاماء و العبيد من سبي العامة؟ قال: نعم، و من سبي هم لانه عليه السلام قال: عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم، و هاتان المسألتان زائدتان علي المسائل التي سميتها لک.

و قال السيد سلمه الله: إنه يخرج من مکة بين الرکن و المقام في سنة وتر فلير تقبها المؤمنون.

فقلت: يا سيدي قد أحببت المجاورة عندکم إلي أن يأذن الله بالفرج فقال لي: أعلم يا أخي أنه تقدم إلي کلام بعودک إلي وطنک، و لا يمکنني و إياک المخالفة، لانک ذو عيال و غبت عنهم مدة مديدة، و لا يجوز لک التخلف عنهم أکثر من هذا، فتأثرت من ذلک و بکيت.

و قلت: يا مولاي و هل تجوز المراجعة في أمري؟ قال: لا، قلت: يا مولاي و هل تأذن لي في أن أحکي کلما قد رأيته و سمعته؟ قال: لا بأس أن تحکي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم، إلا کيت و کيت و عين ما لا أقوله.

فقلت: يا سيدي أما يمکن النظر إلي جماله و بهائه عليه السلام، قال: لا، و لکن أعلم يا أخي أن کل مؤمن مخلص يمکن أن يري الامام و لا يعرفه، فقلت: يا سيدي أنا من جملة عبيده المخلصين، و لا رأيته.

فقال لي: بل رأيته مرتين مرة منها لما أتيت إلي سر من رأي و هي أول مرة جئتها، و سبقک أصحابک و تخلفت عنهم، حتي وصلت إلي نهر لا ماء فيه فحضر عندک فارس علي فرس شهباء، و بيده رمح طويل، و له سنان دمشقي، فلما رأيته حفت



[ صفحه 173]



علي ثيابک فلما وصل إليک قال لک: لا تخف اذهب إلي أصحابک، فانهم ينتظرونک تحت تلک الشجرة فأذکرني و الله ما کان فقلت: قد کان ذلک يا سيدي.

قال: و المرة الاخري حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخک الاندلسي، و انقطعت عن القافلة، و خفت خوفا شديدا، فعارضک فارس علي فرس غراء محجلة، و بيده رمح أيضا، و قال لک: سرو لا تخف إلي قرية علي يمينک و نم عند أهلها الليلة، و أخبرهم بمذهبک الذي ولدت عليه، و لا تتق منهم فانهم مع قري عديدة جنوبي دمشق، مؤمنون مخلصون، يدينون بدين علي بن أبي طالب و الائمة المعصومين من ذريته عليهم السلام.

أ کان ذلک يا ابن فاضل؟ قلت: نعم - و ذهبت إلي عند أهل القرية و نمت عندهم فأعزوني و سألتهم عن مذهبم، فقالوا لي - من تقية مني -: نحن علي مذهب أمير المؤمنين، و وصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب و الائمة المعصومين من ذريته عليهم السلام فقلت لهم: من أين لکم هذا المذهب؟ و من أوصله إليکم؟ قالوا: أبوذر الغفاري رضي الله عنه حين نفاه عثمان إلي الشام، و نفاه معاوية إلي أرضنا هذه، فعمتنا برکته، فلما أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها، بعد أن صرحت لهم بمذهبي.

فقلت له: يا سيدي هل يحج الامام عليه السلام في کل مدة بعد مدة؟ قال لي: يا ابن فاضل! الدنيا خطوة مؤمن، فکيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده و وجود آبائه عليهم السلام، نعم يحج في کل عام و يزور آباءه في المدينة و العراق، و طوس، علي مشرفيها السلام، و يرجع إلي أرضنا هذه.

ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلي العراق و عدم الاقامة في بلاد المغرب، و ذکر لي أن ذراهمهم مکتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن القائم بأمر الله.

و أعطاني السيد منها خمسة دراهم و هي محفوظة عندي للبرکة.

ثم إنه سلمه الله وجهني مع المراکب التي أتيت معها إلي أن وصلنا إلي



[ صفحه 174]



تلک البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر، و کان قد أعطاني حنطة و شعيرا فبعتها في تلک البلدة بمائة و أربعين دينارا ذهبا، من معاملة [10] بلاد المغرب و لم أجعل طريقي علي الاندلس إمتثالا لامر السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه و سافرت منها مع الحجج المغربي [11] إلي مکة شرفها الله تعالي و حججت، وجئت إلي العراق و أريد المجاورة في الغري علي مشرفيها السلام حتي الممات.

قال الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني: لم أرلعلماء الامامية عندهم ذکرا سوي خمسة: السيد المرتضي الموسوي، و الشيخ أبو جعفر الطوسي و محمد بن يعقوب الکليني، و ابن بابويه، و الشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي.

هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي و الفاضل الزکي علي بن فاضل المذکور أدام الله إفضاله و أکثر من علماء الدهر و أتقيائه أمثاله، و الحمد لله أولا و آخرا، ظاهرا و باطنا، وصلي الله علي خير خلقه سيد البرية، محمد و علي آله الطاهرين المعصومين و سلم تسليما کثيرا.

بيان: اللقلقة بفتح اللامين: الصوت، و القفل بالتحريک اسم جمع للقافل، و هو الراجع من السفر، و به سمي القافلة قوله: تنوف أي تشرف و ترتفع و تزيد.

أقول: و لنلحق بتلک الحکاية، بعض الحکايات التي سمعتها عمن قرب من زماننا.

فمنها ما أخبرني جماعة عن السيد الفاضل أمير علام قال: کنت في بعض الليالي في صحن الروضة المقدسة بالغري علي مشرفها السلام و قد ذهب کثير من الليل، فبينا أنا أجول فيها، إذ رأيت شخصا مقبلا نحو الروضة المقدسة فأقبلت إليه فلما قربت منه عرفت أنه استاذنا الفاضل العالم التقي الذکي مولانا أحمد الاردبيلي قدس الله روحه.



[ صفحه 175]



فأخفيت نفسي عنه، حتي أتي الباب، و کان مغلقا، فانفتح له عند وصوله إليه، و دخل الروضة، فسمعته يکلم کأنه يناجي أحدا ثم خرج، و أغلق الباب فمشيت خلفه حتي خرج من الغري و توجه نحو مسجد الکوفة.

فکنت خلفه بحيث لا يراني حتي دخل المسجد و صار إلي المحراب الذي استشهد أمير المؤمنين صلوات الله عليه عنده، و مکث طويلا ثم رجع و خرج من المسجد و أقبل نحو الغري.

فکنت خلفه حتي قرب من الحنانة فأخذني سعال لم أقدر علي دفعه، فالتفت إلي فعرفني، و قال: أنت مير علام؟ قلت: نعم، قال: ما تصنع ههنا؟ قلت: کنت معک حيث دخلت الروضة المقدسة إلي الآن و أقسم عليک بحق صاحب القبر أن تخبرني بما جري عليک في تلک الليلة، من البداية إلي النهاية.

فقال: أخبرک علي أن لا تخبر به أحدا ما دمت حيا فلما توثق ذلک مني قال: کنت افکر في بعض المسائل و قد أغلقت علي، فوقع في قلبي أن آتي أمير المؤمنين عليه السلام و أسأله عن ذلک، فلما وصلت إلي الباب فتح لي بغير مفتاح کما رأيت فدخلت الروضة و ابتهلت إلي الله تعالي في أن يجيبني مولاي عن ذلک، فسمعت صوتا من القبر: أن إئت مسجد الکوفة وسل عن القائم عليه السلام فانه إمام زمانک فأتيت عند المحراب، و سألته عنها و أجبت و ها أنا أرجع إلي بيتي.

و منها ما أخبرني به والدي رحمه الله قال: کان في زماننا رجل شريف صالح کان يقال له: أمير إسحاق الا ستر آبادي، و کان قد حج أربعين حجة ماشيا و کان قد اشتهر بين الناس أنه تطوي له الارض.

فورد في بعض السنين بلدة إصفهان، فأتيته و سألته عما اشتهر فيه، فقال: کان سبب ذلک أني کنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين إلي بيت الله الحرام فلما وصلنا إلي موضع کان بيننا و بين مکة سبعة منازل أو تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الاسباب حتي غابت عني، و ضللت عن الطريق، و تحيرت و غلبني العطش حتي أيست من الحياة.



[ صفحه 176]



فناديت: يا صالح يا أبا صالح أرشدونا إلي الطريق يرحمکم الله فتراءي لي في منتهي البادية شبح، فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير فرأيته شابا حسن الوجه نقي الثياب، أسمر، علي هيئة الشرفاء، راکبا علي جمل، و معه أداوة، فسلمت عليه فرد علي السلام و قال: أنت عطشان؟ قلت: نعم فأعطاني الاداوة فشربت ثم قال: تريد أن تلحق القافلة؟ قلت: نعم، فأردفني خلفه، و توجه نحو مکة.

و کان من عادتي قراءة الحرز اليماني في کل يوم، فأخذت في قراءته فقال عليه السلام في بعض المواضع: اقرأ هکذا، قال: فما مضي إلا زمان يسير حتي قال لي: تعرف هذا الموضع؟ فنظرت فإذا أنا بالابطح فقال: أنزل، فلما نزلت رجعت و غاب عني.

فعند ذلک عرفت أنه القائم عليه السلام فندمت و تأسفت علي مفارقته، و عدم معرفته فلما کان بعد سبعة أيام أتت القافلة، فرأوني في مکة بعد ما أيسوا من حياتي فلذا اشتهرت بطي الارض.

قال الوالد - رحمه الله -: فقرأت عنده الحرز اليماني و صححته و أجازني و الحمد لله.

و منها ما أخبرني به جماعة عن جماعة عن السيد السند الفاضل الکامل ميرزا محمد الا ستر آبادي نور الله مرقده أنه قال: إني کنت ذات ليلة أطوف حول بيت الله الحرام إذ أتي شاب حسن الوجه، فأخذ في الطواف، فلما قرب مني أعطاني طاقة ورد أحمر في أوانه، فأخذت منه و شممته، و قلت له: من أين يا سيدي، قال: من الخرابات ثم غاب عني فلم أره.

و منها ما أخبرني به جماعة من أهل الغري علي مشرفه السلام أن رجلا من أهل قاشان أتي إلي الغري متوجها إلي بيت الله الحرام، فاعتل علة شديدة حتي يبست رجلاه، و لم يقدر علي المشي، فخلفه رفقاؤه و ترکوه عند رجل من الصلحاء کان يسکن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة، و ذهبوا إلي الحج.



[ صفحه 177]



فکان هذا الرجل يغلق عليه الباب کل يوم، و يذهب إلي الصحاري للتنزه و لطلب الدراري التي تؤخذ منها، فقال له في بعض الايام: إني قد ضاق صدري و استوحشت من هذا المکان، فاذهب بي اليوم و اطرحني في مکان و أذهب حيث شئت.

قال: فأجابني إلي ذلک، و حملني و ذهب بي إلي مقام القائم صلوات الله عليه خارج النجف فأجلسني هناک و غسل قميصه في الحوض و طرحها علي شجرة کانت هناک، و ذهب إلي الصحراء، و بقيت وحدي مغموما افکر فيما يؤول إليه أمري فإذا أنا بشاب صبيح الوجه، أسمر اللون، دخل الصحن.

و سلم علي و ذهب إلي بيت المقام، وصلي عند المحراب رکعات، بخضوع و خشوع لم أر مثله قط فلما فرغ من الصلاة خرج و أتاني و سألني عن حالي فقلت له: ابتليت ببلية ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها، و لا يذهب بي فأستريح، فقال: لا تحزن سيعطيک الله کليهما، و ذهب.

فلما خرج رأيت القميص وقع علي الارض، فقمت و أخذت القميص و غسلتها و طرحتها علي الشجر، فتفکرت في أمري و قلت: أنا کنت لا أقدر علي القيام و الحرکة، فکيف صرت هکذا؟ فنظرت إلي نفسي فلم أجد شيئا مما کان بي فعلمت أنه کان القائم صلوات الله عليه، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحدا فندمت ندامة شديدة.

فلما أتاني صاحب الحجرة، سألني عن حالي و تحير في أمري فأخبرته بما جري فتحسر علي ما فات منه و مني، و مشيت معه إلي الحجرة.

قالوا: فکان هکذا سليما حتي أتي الحاج و رفقاؤه، فلما رآهم و کان معهم قليلا، مرض و مات، و دفن في الصحن، فظهر صحة ما أخبره عليه السلام من وقوع الامرين معا.

و هذه القصة من المشهورات عند أهل المشهد، و أخبرني به ثقاتهم و صلحاؤهم.



[ صفحه 178]



و منها ما أخبرني به بعض الافاضل الکرام، و الثقات الاعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به يرويه عمن يثق به، و يطريه أنه قال: لما کان بلدة البحرين تحت ولاية الافرنج، جعلوا واليها رجلا من المسلمين، ليکون أدعي إلي تعميرها و أصلح بحال أهلها، و کان هذا الوالي من النواصب و له وزير أشد نصبا منه يظهر العداوة لاهل البحرين لحبهم لاهل البيت عليهم السلام و يحتال في إهلاکهم و إضرارهم بکل حيلة.

فلما کان في بعض الايام دخل الوزير علي الوالي و بيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا کان مکتوبا عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بکر و عمر و عثمان و علي خلفاء رسول الله فتأمل الوالي فرأي الکتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يکون من صناعة بشر، فتعجب من ذلک و قال للوزير: هذه آية بينة، و حجة قوية، علي إبطال مذهب الرافضة، فما رأيک في أهل البحرين.

فقال له: أصلحک الله إن هؤلاء جماعة متعصبون، ينکرون البراهين، و ينبغي لک أن تحضرهم و تريهم هذه الرمانة، فان قبلوا و رجعوا إلي مذهبنا کان لک الثواب الجزيل بذلک، و إن أبوا إلا المقام علي ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث: إما أن يؤدوا الجزية و هم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها أو تقتل رجالهم و تسبي نساءهم و أولادهم، و تأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه، و أرسل إلي العلماء و الافاضل الاخيار، و النجباء و السادة الابرار، من أهل البحرين و أحضرهم و أراهم الرمانة، و أخبرهم بما رأي فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف: من القتل و الاسر و أخذ الاموال أو أخذ الجزية علي وجه الصغار کالکفار، فتحيروا في أمرها، و لم يقدروا علي جواب، و تغيرت وجوههم و ارتعدت فرائصهم.

فقال کبراؤهم: أمهلنا أيها الامير ثلاثة أيام لعلنا نأتيک بجواب ترتضيه و إلا فاحکم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيرين.

فاجتمعوا في مجلس و أجالوا الرأي في ذلک، فاتفق رأيهم علي أن يختاروا



[ صفحه 179]



من صلحاء البحرين و زهادهم عشرة، ففعلوا، ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لاحدهم: أخرج الليلة إلي الصحراء و اعبد الله فيها، و استغث بام زماننا، و حجة الله علينا، لعله يبين لک ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج و بات طول ليلته متعبدا خاشعا داعيا باکيا يدعو الله، و يستغيث بالامام عليه السلام، حتي أصبح و لم ير شيئا، فأتاهم و أخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع کصاحبه و لم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم و جزعهم.

فأحضروا الثالث و کان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسي، فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلي الصحراء و کانت ليلة مظلمة فدعا و بکي، و توسل إلي الله تعالي في خلاص هؤلاء المؤمنين و کشف هذه البلية عنهم و استغاث بصاحب الزمان.

فلما کان آخر الليل، إذا هو برجل يخاطبه و يقول: يا محمد بن عيسي مالي أراک علي هذه الحالة، و لما ذا خرجت إلي هذه البرية؟ فقال له: أيها الرجل دعني فإني خرجت لامر عظيم و خطب جسيم، لات أذکره إلا لامامي و لا أشکوه إلا إلي من يقدر علي کشفه عني.

فقال: يا محمد بن عيسي! أنا صاحب الامر فاذکر حاجتک، فقال: إن کنت هو فأنت تعلم قصتي و لا تحتاج إلي أن أشرحها لک، فقال له: نعم، خرجت لما دهمکم من أمر الرمانة، و ما کتب عليها و ما أوعدکم الامير به، قال: فلما سمعت ذلک توجهت إليه و قلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، و أنت إمامنا و ملاذنا و القادر علي کشفه عنا.

فقال صلوات الله عليه: يا محمد بن عيسي إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلک الشجرة صنع شيئا من الطين علي هيئة الرمانة، و جعلها نصفين و کتب في داخل کل نصف بعض تلک الکتابة ثم وضعهما علي الرمانة، و شدهما عليها و هي صغيرة فأثر فيها، و صارت هکذا.

فإذا مضيتم غدا إلي الوالي، فقل له: جئتک بالجواب و لکني لا ابديه إلا في دار الوزير فإذا مضيتم إلي داره فانظر عن يمينک، تري فيها غرفة، فقل للوالي: لا اجيبک



[ صفحه 180]



إلا في تلک الغرفة، و سيأبي الوزير عن ذلک، و أنت بالغ في ذلک و لا ترض إلا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه، و لا تترکه وحده يتقدم عليک، فإذا دخلت الغرفة رأيت کوة فيها کيس أبيض، فانهض إليه و خذه فتري فيه تلک الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينکشف له جلية الحال.

و أيضا يا محمد بن عيسي قل للوالي: إن لنا معجزة اخري و هي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد و الدخان و إن أردت صحة ذلک فاءمر الوزير بکسرها، فإذا کسرها طار الرماد و الدخان علي وجهه و لحيته.

فلما سمع محمد بن عيسي ذلک من الامام، فرح فرحا شديدا و قبل بين يدي الامام صلوات الله عليه، و انصرف إلي أهله بالبشارة و السرور.

فلما أصبحوا مضوا إلي الوالي ففعل محمد بن عيسي کل ما أمره الامام و ظهر کل ما أخبره، فالتفت الوالي إلي محمد بن عيسي و قال له: من أخبرک بهذا؟ فقال: إمام زماننا، و حجة الله علينا، فقال: و من إمامکم؟ فأخبره بالائمة واحدا بعد واحد إلي أن انتهي إلي صاحب الامر صلوات الله عليهم.

فقال الوالي: مد يدک فأنا أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و أن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه السلام ثم أقر بالائمة إلي آخرهم عليهم السلام و حسن إيمانه، و أمر بقتل الوزير و اعتذر إلي أهل البحرين و أحسن إليهم و أکرمهم.

قال: و هذه القصة مشهورة عند أهل البحرين و قبر محمد بن عيسي عندهم معروف يزوره الناس.



[ صفحه 181]




پاورقي

[1] هذه قصة مصنوعة تخيلية، قد سردها کاتبها علي رسم القصاصين، و هذا الرسم معهود في هذا الزمان أيضا يسمونه رمانتيک و له تأثير عظيم في نفوس القارئين لانجذاب النفوس اليه.

فلا بأس به، إذا عرف الناس أنها قصة تخيلية.

[2] کانه يريد أصول الفقة و أصول الدين، و اماما في الاصل المطبوع: الاصوليين.

فهو تصحيف.

[3] في المطبوعة: قال.

و هو تصحيف.

[4] الميرة: الطعام و الارزاق.

[5] أي صعد علي الساحل.

[6] هذا وجه جمع بين الروايات الدالة علي أن القرآن نزل علي سبعة أحرف و الروايات النافية لذلک المصرحة بأن القرآن واحد، نزل من عند الواحد، و انما الاختلاف يجئ من قبل الرواة.

[7] کذا في الاصل المطبوع و القياس غور ذلک يقال غار في الامر غورا: اي دقق النظر فيه.

[8] يظهر من کلامه ذلک أن منشئ هذه القصة، کان من الحشوية الذين يقولون بتحريف القرآن لفظا، فسرد القصة علي معتقداته.

[9] من قولهم: جزل الحمام: صاح فالمراد بالجزلة صياح الناس و لغتهم.

[10] المعاملة: قد يطلق و يراد به ما يتعامل به من الدينار و الدرهم.

[11] الحجج بضمتين: جمع للحجاج شاذ - اللسان -.