خبر سعد بن عبدالله و رؤيته للقائم و مسائله عنه
و العجب أن محمد بن أبي عبد الله عد فيما مضي في حديث کمال الدين تحت الرقم 26 ص 30 عدد من انتهي اليه أنهم رآه عليه السلام و لم يذکر فيهم سعد بن عبد الله.
1 - ک: محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي، عن أحمد بن عيسي الوشاء عن أحمد بن طاهر القمي، عن محمد بن بحر بن سهل الشيباني، عن أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي [1] قال: کنت امرءا لهجا بجمع الکتب المشتملة علي غوامض العلوم و دقائقها، کلفا باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرما بحفظ مشتبهها و مستغلقها، شحيحا علي ما أظفر به من معاضلها و مشکلاتها، متعصبا لمذهب الامامية، راغبا عن الامن و السلامة، في انتظار التنازع و التخاصم و التعدي إلي التباغض و التشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، کاشفا عن مثالب أئمتهم هتاکا لحجب قادتهم، إلي أن بليت بأشد النواصب منازعة، و أطولهم مخاصمة و أکثرهم جدلا، و أشنعهم سؤالا، و أثبتهم علي الباطل قدما.
فقال ذات يوم و أنا أناظره: تبا لک و لاصحابک يا سعد إنکم معاشر الرافضة تقصدون علي المهاجرين و الانصار بالطعن عليهما و تجحدون من رسول الله ولايتهما و إمامتهما هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه و اله ما أخرجه مع نفسه إلي الغار إلا علما منه بأن الخلافة له من بعده و أنه
[ صفحه 79]
هو المقلد لامر التأويل، و الملقي إليه أزمة الامة، و عليه المعول في شعب الصدع و لم الشعث، و سد الخلل، و إقامة الحدود، و تسريب الجيوش لفتح بلاد الشرک.
فکما أشفق علي نبوته، أشفق علي خلافته، إذ ليس من حکم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من الشيء [2] مساعدة إلي مکان يستخفي فيه و لما رأينا النبي صلي الله عليه و اله متوجها إلي الانجحار، و لم تکن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله صلي الله عليه و اله بأبي بکر إلي الغار للعلة التي شرحناها و إنما أبات عليا عليه السلام علي فراشه لما لم يکن ليکترث له و لم يحفل به، و لاستثقاله له و لعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مکانه للخطوب التي کان يصلح لها.
قال سعد: فأوردت عليه أجوبة شتي فما زال يقصد کل واحد منها بالنقض و الرد علي ثم قال: يا سعد دونکها اخري بمثلها تخطف [3] آناف الروافض ألستم تزعمون أن الصديق المبري من دنس الشکوک، و الفاروق المحامي عن بيضة الاسلام کانا يسران النفاق، و استدللتم بليلة العقبة، أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو کرها؟.
قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الالزام، و حذرا من أني إن أقررت لهما بطواعيتهما للاسلام، احتج بأن بدء النفاق و نشوه في القلب لا يکون إلا عند هبوب روائح القهر و الغلبة، و إظهار البأس الشديد في حمل المرء علي من ليس ينقاد له قلبه، و نحو قول الله عز و جل فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده و کفرنا بما کنا به مشرکين فلم يک ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا [4] .
[ صفحه 80]
و إن قلت: أسلما کرها، کان يقصدني بالطعن إذ لم يکن ثم سيوف منتضاة کانت تريهم البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب، و تقطع کبدي من الکرب، و کنت قد اتخذت طومارا و أثبت فيه نيفا و أربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا، علي أن أسأل فيها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه السلام.
فارتحلت خلفه، و قد کان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأي فلحقته في بعض المناهل، فلما تصافحنا قال: لخير لحاقک بي، قلت: الشوق ثم العادة في الاسؤلة قال: قد تکافأنا علي هذه الخطة الواحدة فقد برح بي القرم [5] إلي لقاء مولانا أبي محمد عليه السلام و أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل، و مشاکل في التنزيل.
فدونکها الصحبة المبارکة، فانها تقف بک علي ضفة بحر [6] لا تنقضي عجائبه و لا تفني غرائبه و هو إمامنا.
فوردنا سر من رأي فانتهينا منها إلي باب سيدنا عليه السلام فاستأذنا فخرج (إلينا) الاذن بالدخول عليه، و کان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بکساء طبري فيه ستون و مائة صرة من الدنانير و الدراهم علي کل صرة منها ختم صاحبها.
قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفي من لياليه أربعا بعد عشر، و علي فخذه الايمن غلام يناسب المشتري في الخلقة و المنظر، و علي رأسه فرق بين وفرتين کأنه ألف بين واوين، و بين يدي مولانا رمانة ذهبية، تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المرکبة عليها، قد کان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة و بيده قلم إذا أراد أن يسطر به علي البياض قبض
[ صفحه 81]
الغلام علي أصابعه، فکان مولانا عليه السلام يدحرج الرمانة بين يديه و يشغله بردها لئلا يصده عن کتبة ما أراد. [7] .
فسلمنا عليه فألطف في الجواب و أومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من کتبة البياض الذي کان بيده أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي کسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي عليه السلام [8] إلي الغلام و قال له: يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتک و مواليک، فقال: يا مولاي أ يجوز أن أمد يدا طاهرة إلي هدايا نجسة و أموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها فقال مولاي عليه السلام: يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز (ما) بين الاحل و الا حرم منها.
فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها فقال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلة کذا بقم تشتمل علي اثنين و ستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها، و کانت إرثا له من أخيه خمسة و أربعون دينارا و من أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا و فيها من أجرة حوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا عليه السلام صدقت يا بني دل الرجل علي الحرام منها فقال عليه السلام، فتش عن دينار رازي السکة تأريخه سنة کذا قد انطمس من نصف إحدي صفحتيه نقشه و قراضة آملية وزنها ربع دينار و العلة في تحريمها أن صاحب هذه الجملة وزن في شهر کذا من سنة کذا علي حائک من جيرانه من الغزل منا و ربع من فأتت علي ذلک
[ صفحه 82]
مدة قيض (في) انتهائها لذلک الغزل سارقا فأخبر به الحائک صاحبه فکذبه و استرد منه بدل ذلک منا و نصف من غزلا أدق مما کان دفعه اليه و اتخذ من ذلک ثوبا کان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.
فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير بإسم من أخبر عنه و بمقدارها علي حسب ما قال و استخرج الدينار و القراضة بتلک العلامة.
ثم أخرج صرة اخري فقال الغلام عليه السلام: هذه لفلان بن فلان من محلة کذا بقم تشتمل علي خمسين دينارا لا يحل لنا مسها قال: و کيف ذاک؟ قال: لانه من ثمن حنطة حاف صاحبها علي أکاره في المقاسمة، و ذلک أنه قبض حصته منها بکيل واف وکال ما خص الاکار بحيل بخس، فقال مولانا عليه السلام: صدقت يا بني.
ثم قال: يا ابن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها علي أربابها فلا حاجة لنا في شيء منها و ائتنا بثوب العجوز، قال أحمد: و کان ذلک الثوب في حقيبة لي فنسيته.
فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب إلي مولانا أبو محمد عليه السلام فقال: ما جاء بک يا سعد؟ فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلي لقاء مولانا قال: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت: علي حالها يا مولاي.
قال: فسل قرة عيني - و أومأ إلي الغلام - عما بدا لک منها.
فقلت له: مولانا و ابن مولانا! إنا روينا عنکم أن رسول الله صلي الله عليه و اله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتي أرسل يوم الجمل إلي عائشة أنک قد أرهجت علي الاسلام و أهله بفتنتک، و أوردت بنيک حياض الهلاک بجهلک، فان کففت عني غربک و إلا طلقتک، و نساء رسول الله صلي الله عليه و اله قد کان طلقهن وفاته.
قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل قال: و إذا کان وفاة رسول الله صلي الله عليه و اله قد خلا لهن السبيل، فلم لا يحل لهن الازواج؟ قلت: لان الله تبارک و تعالي حرم الازواج عليهن، قال: و کيف و قد خلي الموت سبيلهن؟ قلت: فأخبرني يا ابن مولاي عن معني الطلاق الذي فوض رسول الله صلي الله عليه و اله حکمه إلي أمير المؤمنين.
[ صفحه 83]
قال: إن الله تبارک و تعالي عظم شأن نساء النبي صلي الله عليه و اله فخصهن بشرف الامهات، فقل رسول الله صلي الله عليه و اله: يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ماد من لله علي الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليک، فأطلق لها في الازواج و أسقطها من شرف أمومة المؤمنين.
قلت: فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها (من بيته)؟ قال: الفاحشة المبينة هي السحق دون الزني فان المرأة إذا زنت و أقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلک من التزويج بها لاجل الحد و إذا سحقت وجب عليها الرجم و الرجم خزي و من قد أمر الله عز و جل برجمه فقد أخزاه، و من أخزاه فقد أبعده، و من أبعده فليس لاحد أن يقربه.
قلت: فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله تبارک و تعالي لنبيه موسي عليه السلام فاخلع نعليک إنک بالواد المقدس طوي [9] فان فقهاء الفريقين يزعمون أنها کانت من إهاب الميتة، فقال عليه السلام: من قال ذلک فقد افتري علي موسي و استجهله في نبوته لانه ما خلا الامر فيها من خط بين إما أن تکون صلاة موسي فيها جائزة أو جائزة، فان کانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلک البقعة (إذ لم تکن مقدسة) [10] و إن کانت مقدسة مطهرة فليس بأقدس و أطهر من الصلاة، و إن کانت صلاته جائزة فيهما، فقد أوجب علي موسي عليه السلام أنه لم يعرف الحلال من الحرام، و علم ما جاز [11] فيه الصلاة و ما لم تجز و هذا کفر.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال: إن موسي عليه السلام ناجي ربه بالواد المقدس فقال: يا رب إني قد أخلصت لک المحبة مني، و غسلت قلبي عمن سواک، و کان شديد الحب لاهله، فقال الله تبارک و تعالي: اخلع
[ صفحه 84]
نعليک أي أنزع حب أهلک من قلبک إن کانت محبتک لي خالصة، و قلبک من الميل إلي من سواي مغسولا.
قلت: فأخبرني يا بن رسول الله عن تأويل کهيعص قال: هذه الحروف من أنباء الغيب، إطلع الله عليها عبده زکريا عليه السلام، ثم قصها علي محمد صلي الله عليه و اله و ذلک أن زکريا عليه السلام سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئيل عليه السلام فعلمه إياها فکان زکريا إذا ذکر محمدا و عليا و فاطمة و الحسن سري عنه همه و انجلي کربه، و إذا ذکر (اسم) الحسين خنقته العبرة و وقعت عليه البهرة [12] فقال ذات يوم: إلهي ما بالي إذا ذکرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي و إذا ذکرت الحسين تدمع عيني و تثور زفرتي.
فأنبأه الله تبارک و تعالي عن قصته، و قال: کهيعص فالکاف اسم کربلا و الهاء هلاک العترة، و الياء يزيد و هو ظالم الحسين، و العين عطشه، و الصاد صبره فلما سمع ذلک زکريا عليه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام و منع فيها الناس من الدخول عليه و أقبل علي البکاء و النحيب و کانت ندبته: إلهي أ تفجع خير خلقک بولده، أ تنزل بلوي هذه الرزية بفنائه، إلهي أ تلبس عليا و فاطمة ثياب هذه المصيبة، إلهي أ تحل کربة هذه الفجيعة بساحتهما.
ثم کان يقول: إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني علي الکبر، و اجعله وارثا وصيا، و اجعل محله مني محل الحسين فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم أفجعني به کما تفجع محمدا حبيبک بولده، فرزقه الله يحيي عليه السلام و فجعه به.
و کان حمل يحيي ستة أشهر، و حمل الحسين عليه السلام کذلک و له قصة طويلة.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لانفسهم قال: مصلح أو مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز أن تقع خيرتهم علي المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟! قلت: بلي، قال: فهي العلة أوردها لک ببرهان يثق به عقلک.
[ صفحه 85]
أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله و أنزل الکتب عليهم، و أيدهم بالوحي و العصمة، إذ هم أعلا (م) الامم و أهدي إلي الاختيار منهم مثل موسي و عيسي هل يجوز مع وفور عقلهما، و کمال علمهما، إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما علي المنافق، و هما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا فقال: هذا موسي کليم الله مع وفور عقله و کمال علمه، و نزول الوحي عليه، اختار من أعيان قومه و وجوه عسکره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشک في إيمانهم و إخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين، قال الله عز و جل و اختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا - إلي قوله - لن نؤمن لک حتي نري الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم. [13] .
فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا علي الافسد، دون الاصلح و هو يظن أنه الاصلح دون الافسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور، و تکن الضمائر، و يتصرف عليه السرائر، و أن لا خطر لاختيار المهاجرين و الانصار، بعد وقوع خيرة الانبياء علي ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح.
ثم قال مولانا عليه السلام: يا سعد و حين ادعي خصمک أن رسول الله صلي الله عليه و اله ما أخرج مع نفسه مختار هذه الامة إلي الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده و أنه هو المقلد امور التأويل، و الملقي إليه أزمة الامة، المعول عليه في لم الشعث و سد الخلل، و إقامة الحدود، و تسريب الجيوش لفتح بلاد الکفر، فکما أشفق علي نبوته أشفق علي خلافته، إذ لم يکن من حکم الاستتار و التواري أن يروم الهارب من البشر [14] مساعدة من غيره إلي مکان يستخفي فيه و إنما أبات عليا علي فراشه، لما لم يکن يکترث له و لا يحفل به، و لاستثقاله إياه و علمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مکانه للخطوب التي کان يصلح لها.
فهلا نقضت عليه دعواه بقولک: أ ليس قال رسول الله صلي الله عليه و اله: الخلافة بعدي ثلاثون سنة فجعل هذه موقوفة علي أعمار الاربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في
[ صفحه 86]
مذهبکم، و کان لا يجد بدا من قوله (لک): بلي، فکنت تقول له حينئذ: أ ليس کما علم رسول الله صلي الله عليه و اله أن الخلافة بعده لابي بکر، علم أنها من بعد أبي بکر لعمر، و من بعد عمر عثمان، و من بعد عثمان لعلي؟ فکان أيضا لا يجد بدا من قوله لک: نعم.
ثم کنت تقول له: فکان الواجب علي رسول الله صلي الله عليه و اله أن يخرجهم جميعا علي الترتيب إلي الغار، و يشفق عليهم کما أشفق علي أبي بکر، و لا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بترکه إياهم و تخصيصه أبا بکر بإخراجه مع نفسه دونهم.
و لما قال: أخبرني عن الصديق و الفاروق أسلما طوعا أو کرها؟ لم لم تقل له: بل أسلما طوعا، لانهما کانا يجالسان اليهود و يستخبرانهم عما کانوا يجدون في التوراة و سائر الکتب المتقدمة الناطقة بالملاحم، من حال إلي حال من قصة محمد صلي الله عليه و اله و من عواقب أمره، فکانت اليهود تذکر أن محمدا صلي الله عليه و اله يسلط علي العرب کما کان بخت نصر سلط علي بني إسرائيل و لا بد له من الظفر بالعرب کما ظفر بخت نصر ببني إسرائيل أنه کاذب في دعواه.
فأتيا محمدا فساعداه علي (قول) شهادة أن لا إله إلا الله، و بايعاه طمعا في أن ينال کل منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره و استتبت أحواله، فلما أيسا من ذلک، تلثما و صعدا العقبة مع أمثالهما من المنافقين، علي أن يقتلوه فدفع الله کيدهم، وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، کما أتي طلحة و الزبير عليا عليه السلام فبايعاه و طمع کل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد فلما أيسا نکثا بيعته، و خرجا عليه فصرع الله کل واحد منهما مصرع أشباههما من الناکثين.
قال (سعد): ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه السلام إلي الصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما و طلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باکيا فقلت: ما أبطأک و أبکاک؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره، فقلت: لا عليک فأخبره فدخل عليه و انصرف من عنده متبسما و هو يصلي علي محمد و آل محمد.
فقلت: ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا عليه السلام يصلي عليه.
[ صفحه 87]
قال سعد: فحمدنا الله جل ذکره علي ذلک، و جعلنا نختلف بعد ذلک إلي منزل مولانا عليه السلام أياما، فلا نري الغلام بين يديه، فلما کان يوم الوداع دخلت أنا و أحمد بن إسحاق و کهلان من أرضنا، و انتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما و قال: يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة، و اشتدت المحنة، و نحن نسأل الله أن يصلي علي المصطفي جدک، و علي المرتضي أبيک، و علي سيدة النساء امک و علي سيدي شباب أهل الجنة عمک و أبيک، و علي الائمة الطاهرين من بعدهما آبائک، و أن يصلي عليک و علي ولدک، و نرغب إلي الله أن يعلي کعبک، و يکبت عدوک، و لا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائک.
قال: فلما قال هذه الکلمة، استعبر مولانا عليه السلام حتي استهلت دموعه، و تقاطرت عبراته، ثم قال: يا ابن إسحاق لا تکلف في دعائک شططا فانک ملاق الله في صدرک [15] هذا فخر أحمد مغشيا عليه، فلما أفاق قال: سألتک بالله و بحرمة جدک إلا شرفتني بخرقة اجعلها کفنا فأدخل مولانا عليه السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال: خذها و لا تنفق علي نفسک غيرها، فانک لن تعدم ما سألت و إن الله تبارک و تعالي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
قال سعد: فلما صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا عليه السلام من حلوان علي ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق و صارت عليه علة صبعة أيس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان، و نزلنا في بعض الخانات، دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده کان قاطنا بها ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة و اترکوني وحدي، فانصرفنا عنه و رجع کل واحد منا إلي مرقده.
قال سعد: فلما حان أن ينکشف الليل عن الصبح، أصابتني فکرة ففتحت عني فإذا أنا بکافور الخادم خادم مولانا أبي محمد عليه السلام و هو يقول: أحسن الله بالخير عزاکم، و جبر بالمحبوب رزيتکم قد فرغنا من غسل صاحبکم و تکفينه [16] فقوموا
[ صفحه 88]
لدفنه فانه من أکرمکم محلا عند سيدکم، ثم غاب عن أعيننا، فاجتمعنا علي رأسه بالبکاء و العويل حتي قضينا حقه و فرغنا من أمره رحمه الله.
دلائل الامامة للطبري: عن عبد الباقي بن يزداد، عن عبد الله بن محمد الثعالبي عن أحمد بن محمد العطار، عن سعد بن عبد الله مثله.
ج: عن سعد مثله مع اختصار في إيراد المطالب.
بيان: لهجا أي حريصا و کذا کلفا و مغرما بالفتح أي محبا مشتاقا و تسريب الجيوش بعثها قطعة قطعة و الازورار عن الشيء العدول عنه.
و القرم بالتحريک شدة شهوة اللحم و المراد هنا شدة الشوق، و قال الفيروز آبادي الفرق الطريق في شعر الرأس و المفرق کمقعد و مجلس وسط الرأس و هو الذي يفرق فيه الشعر.
قوله قيض انتهاءها أي هيأ انتهاء تلک المدة سارقا لذلک الغزل و الاسناد مجازي و في الاحتجاج فأتي زمان کثير فسرقه سارق من عنده [17] و الحقيبة ما يجعل في مؤخر القتب أو السرج من الخرج، و يقال لها بالفارسية: الهکبة و الارهاج إثارة الغبار.
و قال الجوهري: غرب کل شيء حده يقال: في لسانه غرب أي حدة و غرب الفرس حدثه و أول جريه، تقول: کففت من غربه: و استهلت دموعه أي سألت و الشطط التجاوز عن الحد قوله: في صدرک أي في رجوعک.
أقول: قال النجاشي - بعد توثيق سعد و الحکم بجلالته: لقي مولانا أبا محمد عليه السلام و رأيت بعض أصحابنا يضعفون لقاءه لابي محمد عليه السلام و يقولون: هذه حکاية موضوعة عليه [18] أقول: الصدوق أعرف بصدق الاخبار و الوثوق عليها من ذلک البعض الذي
[ صفحه 89]
لا يعرف حاله، ورد الاخبار التي تشهد متونها بصحتها بمحض الظن والوهم مع إدراک سعد زمانه عليه السلام - و إمکان ملاقاة سعد له عليه السلام إذ کان وفاته بعد وفاته عليه السلام بأربعين سنة تقريبا - ليس للازراء بالاخبار و عدم الوثوق بالاخيار و التقصير في معرفة شأن الائمة الاطهار، إذ وجدنا أن الاخبار المشتملة علي المعجزات الغريبة إذا وصل إليهم، فهم إما يقدحون فيها أو في راويها، بل ليس جرم أکثر المقدوحين من أصحاب الرجل إلا نقل مثل تلک الاخبار.
[ صفحه 90]
پاورقي
[1] سند الحديث منکر، حيث ان الصدوق يروي عن سعد بن عبد الله بواسطة واحدة هو أبوه أو ابن الوليد أوهما معا، و الوسائط بينه و بين سعد في هذا الحديث خمس: أربع منهم الا حمدون الثلاثة و رابعهم محمد بن علي النوفلي المعروف بالکرماني، لم يذکروا في الرجال، و أما محمد بن بحر الشيباني قد ذکر بالغلو و الارتفاع.
راجع قاموس الرجال ج 4 ص 339.
[2] البشر - خ ل، و في المصدر ج 2 ص 129: الشر.
[3] خطف يخطف خطفا، استلبه بسرعة، يقال: هذا سيف يخطف الرأس اي يقتطعه بسرعة، و في المصدر ج 2 ص 130 تخطم (و قد طبع تحظم غلطا) و هو الاظهر، يقال: خطمه: ضرب أنفه.
- و خطمه بالخطام: جعله علي انفه: و خطم أنفه: ألزق به عارا ظاهرا.
و يحتمل أن يقرء يحطم يقال: حطمه: کسره و قيل خاص باليابس.
[4] المؤمن: 84.
[5] هذا هو الصحيح کما يجئ من المصنف رحمه الله في البيان و هکذا في المصدر 2 ص 131 و في النسخة المطبوعة القوم و هو تصحيف.
[6] ضفة البحر: ساحله، و في الاصل المطبوع و هکذا المصدر صفة بحر و هو تصحيف.
[7] فيه غرابة من حيث قبض الغلام عليه السلام علي أصابع أبيه أبي محمد عليه السلام و هکذا وجود رمانة من ذهب يلعب بها لئلا يصده عن الکتابة، و قد روي في الکافي ج 1 ص 311 عن صفوان الجمال قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صاحب هذا الامر فقال: ان صاحب هذا الامر لا يلهو و لا يلعب، و أقبل أبو الحسن موسي، و هو صغير و معه عناق مکية و هو يقول لها: اسجدي لربک، فأخذه أبو عبد الله عليه السلام و ضمه اليه و قال: بأبي و أمي من لا يلهو و لا يلعب.
[8] کذا في الاصل المطبوع و هکذا المصدر و المعني به أبو محمد ابن علي الهادي عليهما السلام، و لعله مصحف عن مولاي کما في أغلب السطور.
[9] له: 12.
[10] راجع المصدر ج 2 ص 134.
[11] في الاصل المطبوع هنا تصحيف فراجع.
و لا يخفي أن تشرف موسي بالواد المقدس کان في بدء نبوته و هو عليه السلام يقول عن نفسه: فعلتها إذا و أنا من الضالين.
[12] البهر: تتابع النفس و انقطاعه کما يحصل بعد الاعياء و العد و الشديد.
[13] الاعراف: 155.
[14] في نسخة المصدر من الشر کما سبق.
[15] في المصدر: في سفرک.
راجع ج 2 ص 138.
[16] ما تضمنه الخبر من موت أحمد بن إسحاق خلاف ما صرح به الرجاليون في بقائه بعد أبي محمد عليه السلام.
[17] و هو نقل بالمعني.
[18] و هکذا عنونه الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم و قال في موضع آخر انه عاصر العسکري عليه السلام و لم أعلم أنه روي عنه.